أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - 6 – الإنحطاط هو هزيمة العقل















المزيد.....


6 – الإنحطاط هو هزيمة العقل


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 08:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إصلاح الإسلام : دراسته وتدريسه بعلوم الأديان
حديث مع العفيف الأخضر
أجراه :
ناصر بن رجب ولحسن وريغ


6 ـ الإنحطاط هو هزيمة العقل

 تستخدم كثيرا مقولة الإنحطاط، لكن مؤرخ العلوم راشد رشدي ينفي مفهوم الإنحطاط، نظرا إلى أن العلم الإسلامي تواصل دون انقطاع، منذ القرن العاشر إلى اليوم، فما هو تعريفك للإنحطاط ؟
 سقط العالم الإسلامي في الإنحطاط منذ القرن الثاني عشر في المشرق، ومنذ القرن الخامس عشر في المغرب (سقوط غرناطة)، كما يقول المؤرخ التونسي هشام جعيط. أولا العلم الإسلامي في القرون الوسطى كان امتدادا للتأمل العلمي اليوناني،الذي ليس له من العلم إلا الإسم:تنقصه الملاحظة والتجربة العلميتين. العلم التجريبي لم يظهر إلا في القرن السابع عشر." العلم" الذي لم يتواصل في أرض الإسلام هو الفلسفة. الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة نص، وثقافة نقل لا عقل. عامل تخصيبها الأساسي هو العقل الذي وُئد في المهد. من هنا ضرورة تعميم الفلسفة منذ الثانوي بل وحتى الإعدادي. في تونس، تُدرس الفلسفة في السنتين الأخيرتين من التعليم الثانوي، وفي المغرب في السنوات الثلاث من التعليم الثانوي.
الدخول في الإنحطاط في الحضارة الإغريقية، كما في الحضارة العربية الإسلامية، هو هزيمة العقل الفلسفي أمام الأسطورة في الأولى، وهزيمة العقلانية الدينية، والعقل الفلسفي الإسلامي، والعقل النقدي في الثانية، أمام القراءة الحرفية للنصّين المؤسِّسين القرآن والحديث، على يد حزب المحدّثين الذي عبّر الترمذي، تلميذ البخاري، عن لامعقوله الديني عندما قال: "من أصاب في القرآن بالرأي فقد أخطأ ومن فسّر القرآن بالرأي فقد كفر"، والرأي عنده هو العقل.نحن هنا أمام حالة خوف هستيري من العقل،ربما كانت عند الترمذي،عرضاً للجنون الهسيتيري الفصامي، كما يعرفه الطب النفسي الحديث بما هو الانتقال من الفكر الواقعي إلى الفكر السحري.

 ما هي هذه الإتجاهات العقلانية الثلاثة؟
 هي العقلانية الدينية المعتزلية، التي اعتبرت الإنسان مسؤولا وحيدا عن أفعاله، والعقلانية الفلسفية الإسلامية السينية والرشدية، التي اقترحت قراءة فلسفية للنص تتأوله لصالح العقل: "لأن الله تعالى لا يمكن أن يعطينا شرائع ويعطينا عقولا مخالفة لها" كما قال ابن رشد؛ والعقلانية الفلسفية النقدية، التي بشرت بنبوة العقل "فكل عقل نبي". وممّن مثلوا هذا الفكر النقدي في الإسلام، الطبيب أبو بكر الرازي، والمعتزلي السابق، ابن الراوندي، وأبو العلاء المعري القائل: أيها الغرّ قد خُصصت بعقل / فاسألنه،فكل عقل نبيّ.
أراهن على أن أي فيلسوف، من فلاسفة الأنوار، ما كان ليتردد في اتخاذ هذا البيت شعاراً له.

 الترمذي هو من محدثي القرن التاسع وحزب الحديث ظهر في القرن الثامن الميلادي. فهو لم يظهر في الانحطاط، بل في أوج النهضة الثقافية الإسلامية. فكيف تفسر ذلك ؟
 الصيرورة التاريخية ليست وليدة الأحداث التاريخية المعزولة حتى ولو كانت مدوية. بل هي وليدة صيرورة تفعل فعلها في صمت،تحت الأرض،وليدة نسيج حدثي واجتماعي، أي مسار تاريخي كامل، يتصارع فيه اتجاهان متعارضان: اتجاه سائد واتجاه مضاد له.في الحالة العربية الإسلامية:تسارع الاتجاه إلى إحياء العقلانية الإغريقية لتوليد تهجين ثقافي جديد ساد منذ بداية الترجمة،مع الاتجاه المضاد له،والذي تجسد من جهة في محاربة الشعوبية الفارسية ومن جهة أخرى في محاربة"العلوم الدخيلة"،أي علوم العقل،عندما كان الاتجاه إلى المعقول الديني الإعتزالي والفلسفي هو السائد، كان الاتجاه إلى اللامعقول، الذي مثله حزب القراءة الحرفية،حزب الحديث، هو الاتجاه المضاد ،أي الذي همّشه التاريخ. لم تنقلب الأدوار إلا ابتداء من القرن 12 في المشرق، حيث غدا الاتجاه إلى اللامعقول الديني هو السائد.
رهان كل من هذين الاتجاهين، اللذين سيطرا على الجدل بين الفرق طوال العصور الوسطى الإسلامية؛هو هل الإنسان مخيّر،كما يقول المعتزلة،أي "خالق أفعاله"بما فيها من خير،يتطابق مع المثل الأعلى الأخلاقي،أي مع الفضيلة والتقوى،أو شر،يتطابق مع الرذيلة.عند المعتزلة،الإنسان لا يكون مسؤولاً عن أفعاله،خيرها وشرها،إلا إذا كان حراً؛إذ أنه إذا لم يكن مخيراً بين إتيان الفضيلة واجتناب الرزيلة،فالله،الذي هو في نظرهم،"عدل محض"لا يجوز عليه أن ُيثيب على الخير أو يعاقب على الشر إذا كان قد قدرهما على"العبد"منذ الأزل. فكيف يعاقب عباده على شر قدره لهم فارتكبوه رغم أنوفهم.ويستشهدون بآيات التخيير ويؤولون نقيضها، آيات التسيير،بتعسف غالباً، لماذا؟لأن التناقض الفصامي في هذه الآيات يعبر عن اضطراب الفكر والسلوك لشخصية نبي الإسلام النفسية. أما أهل السنة والجماعة، فيؤكدون أن العبد مسير لا مخير"لا يجب على الله شيء"،"إن يُثيبنا فبمحض الفضل،وإن يعذبنا فبمحض العدل":صورة مخيفة لخليفة مطلق وسادي لا يُسأل عما يفعل؛أما عباده فيُسألون حتى عما لا يفعلون. بشيء من التبسيط،نقول أن المعتزلة كانوا نُصراء للملكية الدستورية المقيدة بدستور وملك عادلين،وهكذا قيدوا قضاء الله وقدره بالعدل.أما أهل السنة والجماعة،فكانوا نصراء للملكية المطلقة،فأطلقوا لقضاء الله وقدره العنان:الله كل شيء والإنسان لا شيء.
هذا هو الفرق بين العقلانية الدينية الإعتزالية واللامعقول الديني السني،الذي يعتقد أن المسلم لا يكون مسلماً:"إلا إذا آمن بالقدر خيره وشره"دونما احتجاج أو سؤال.الإحتجاج والسؤال هما وظيفة ابليس في الإسلام السني!.
أعطي هنا نادرة عن صراع هذين الاتجاهين في القرن التاسع، الذي تعايش فيه المعتزلة والفلاسفة والمفكرون الأحرار والمحدّثون: إبراهيم النّظام، أحد متكلمي الاعتزال،انتقل من البصرة إلى بغداد.بينما كان يلقي درسه في جامع المنصور ،حاول أحد أنصار التسيير امتحانه بالسؤال التقليدي آنذاك: "يا عم من يجمع بين الزاني والزانية ؟" أجابه "يا ابن أخي نحن في البصرة نقول انه القواد..." وأنتم تقولون أنه الله سبحانه وتعالى!.
على أنقاض بشائر العقل الكلامي، الحامل بالقوة لعقلانية دينية، ساد اللامعقول الديني التكفيري: "من تمنطق فقد تزندق"، و "المنطق يقود إلى الفلسفة وما يقود إلى الكفر كفر"... تكفير الفلسفة، حاملة العقل النقدي، مازال متواصلا حتى الآن. دول مجلس التعاون الخليجي لا تدرس الفلسفة في الثانوي، عملاً بتكفير ابن تيمية لها،باستثناء الكويتن التي أدخلتها سنة 2007. المغرب أدخل الفلسفة ابتداء من سنة 2003. وحال الفلسفة في معظم الدول العربية كحال الأيتام على مائدة اللئام.
الظواهر التاريخية،كالانحطاط،هي مسار تتعاقب أطواره؛ما يحدث غالباً فجأة هو لحظة السقوط المشهود.الاتجاه المضاد،الحامل للإنحطاط هو اتجاه اللامعقول الديني الذي تجسد في القراءة الحرفية للنص،ظهر باكراً مع الخوارج.لكنه منذ منتصف القرن 11همّش اتجاه المعقول الديني،متحولاً إلى إتجاه أكثر فأكثر هاذياً وتفتيشياً:مستخدماً ضد"العلوم الدخيلة"أو"العلوم المهجورة"،أي المنطق والفلسفة وعلوم الطبيعة،سلاح التكفير لها وتحريم الإشتغال بها.

* ما هي مظاهر الانحطاط؟
ـ أول أعراض الانحطاط هي فرض الرقابة الدينية على العقل،واعتبار النقاش المتعارض في الدين انتهاكاً للمقدس! في ظل الاتجاه إلى المعقول الديني ساد،في بغداد وقرطبة خاصة،الحوار بين الأديان والفلسفات بما فيها الإلحادية.كان مكان هذا الحوار الخصب هو المسجد؛فيه كان يجتمع المتحاورون من جميع العقائد، ويحيّي كل محاور بتحية دينه أو فلسفته، ثم ييتبادلون الأفكار والحجج.الحوار بين الأديان هو ترياق إسلام الولاء والبراء النرجسي،المتمركز حول نفسه،والمنغلق على المخالف والمختلف.هذا الإسلام هو مصدر التعصب بالأمس والتعصب والإرهاب اليوم.أعي بأني أكرر،لكنه تكرار بيداغوجي لترسيخ مفاهيم جديدة ومؤسسة.
الحوار بين الأديان والأفكار والمعارف هو فاعل التلاقح بينها جميعاً؛وهو خميرة الحضارة،التي هي مسارات مفتوحة على التجديد والإصلاح المتواصلين.أما المونولوج، أي تفاوض الذات مع ذاتها،فهو عرض من أخطر أعراض الانحطاط.وهذا ما حدث في إنحطاط الإسلام،حيث ساد الإسلام السني الحنبلي بلا منافس، لا من داخله ولا من خارجه؛حتى الأشاعرة،الناطقين باسم المذاهب السنية الثلاث[=الحنفي،المالكي والشافعي]،كفرهم المذهب الحنبلي،لأنه يكفر،كالمحدّثين،حتى العقل المدجّن بالدين، مثل العقل الأشعري؛مرشد الحنابلة الوحيد، لفهم النص القرآني وإصدار الأحكام الفقهية هو الحديث؛ركام الأحاديث التي جعلت كل شيء دينا وحرمت تقريباً كل شيء ! ابن حنبل لم يبح إلا الإستمناء،باعتبار المني فضلة يجوز التخلص منها بكل وسيلة كما قال؛الإستمناء هو نرجسية جنسية،أي ممارسة الحب مع الذات وتحريمه مع الآخر الجنسي،فهو معادل رمزي للنرجسية الدينية، التي هي أيضاً رفض ممارسة التلاقح مع الآخر الديني،لصالح الاجترار الذاتي للذات الدينية:بشروح على الشروح وحاشية على الحاشية...في تغييب كامل للتجديد،الذي يفترض التلاقح بين الأصيل والدخيل لتوليد حضارة مهجنة،و بات يسمى:"بدعة مذمومة"!.

* ما هي العوامل التي كانت سبب هذا الإنحطاط؟
ـ كثيرة وإشكالية،داخلية وخارجية،تحتاج وحدها إلى بحث خاص بها ليس هذا مكانه.
كانت القدس،بعد فتح العرب لها،مفتوحة لجميع الأديان.أملى التعصب الديني على السلاجقة في القرن 11 فكرة منع المسيحيين من الحج.شكل هذا المنع صدمة للوعي الجمعي المسيحي الأوربي. وهكذا ولد مشروع الحروب الصليبية، لتخليص"القبر المقدس"من "حكم الكفار"، أي المسلمين. بدورها،شكلت الحروب الصليبية صدمة للوعي الجمعي الإسلامي.لماذا؟لأن" خير أمة أخرجت للناس" (آل عمران 110)،تحولت من أمة فاتحة إلى أمة مفتوحة.عزا الإسلام الأوطيسط[= المنطوي على ذاته كحلزونه مفزوعة]ذلك إلى غضب الله على المسلمين، بسبب اختلاف المذاهب والإجتهاد في الأحكام، وتالياً السقوط في البدع وفي مقدمتها دراسة وتدريس "العلوم المهجورة"أي الدخيلة! ما العمل؟ تحريم الإختلاف في الرأي والإجتهاد وتحريم العلوم الدخيلة التي سببته،لتصبح الأمة كتلة مصمّتة،تفكر برأس جمعي،أي لا تفكر.لأن التفكير يكون متعارضاً أو لا يكون.

* فما هي الأداة التي استخدمها الحنابلة للوصول إلى أهدافهم؟
ـ الخطاب الديني الأوطيسط:هو خطاب الأئمة،والوعاظ والفقهاء والمحدثين زائد عصا السلطان الأيوبي، والسلجوقي والمملوكي.تحالف هذا الخطاب المعادي للمعقول الديني مع عصا السلطان على تحريم دراسة وتدريس العلوم المهجورة،وفي مرحلة لاحقة، أُرغم من كانوا يدرسونها سراً إلى التوبة منها، بتدريس العلوم الشرعية بدلاً منها!سيكون الناطق الأشهر باسم الانحطاط،في القرن 14 ،هو شيخ الإسلام ، ابن تيمية؛الذي حرم تدريس المنطق،والفلك،والرياضيات والموسيقى؛ وكفّر الشيعة، والمعتزلة،،والفلاسفة، والمتصوفة وحتى الأشاعرة بمن فيهم حجة الإسلام الغزالي،الذي كفّر قبله اللامتناهي في الرياضيات بما هو شرك بالله،اللامتناهي الوحيد !؛الأشاعرة،الذين انشقوا عن المعتزلة، ولكنهم احتفظوا بالعقل،لا كمتحكم في النص بتأويله على مقتضى العقل، كما عند المعتزلة والفلاسفة،بل فقط كخادم مطيع للنص يفسره نحوياً ولغوياً وبلاغياً ...ليس إلا.العقل الأشعري تبنته المذاهب السنية الثلاثة عدا الحنبلي.لماذا؟لأنه،كالمحدثين، يُحرّم استخدام العقل في الدين،حتى كخادم للدين، كما رأينا في فتوى الترمذي المذكورة أعلاه.
وهكذا كرس الجميع أنفسهم لدراسة وتدريس العلوم الشرعية وحدها لا شريك لها، فأصبحت هكذا إلى اليوم علوم الإنحطاط بإمتياز!.
لم يطارد فقهاء الانحطاط العلوم المهجورة وعلماءها،بل طاردوا أيضاً كتبها في رفوف المكتبات وحرقوها.إحراق الكتب تقليد إسلامي عريق:عندما سأل قائد جيوش القادسية،سعد ابن أبي وقاص، عمر عما عساه يفعل بمكتبة ملوك فارس؟أمره بحرقها كما يقول الطبري؛والحال أن الإسكندر الأكبر قبله احتفظ بها، كما لاحظ ابن خلدون في نقد أنيق لأمر عمر بحرقها؛عثمان أمر بحرق نسخ المصاحف المختلفة عن نسخة مصحفة الحالية؛والحال أن آباء الكنيسة، وأباطرة روما المسيحية، احتفظوا بالأناجيل المنحولة،التي نشرت منذ 10 سنوات وتقدم الآن معلومات ثمينة عن تأسيس المسيحية! وقائمة حرقنا للكتب طويلة كليل بلا آخر!.
في الانحطاط المسيحي،في الحقبة نفسها،سادت الفلسفة السكولاستيك[=المدرسية]،التي تكفلت بمصالحة الإيمان مع العقل:مصالحة الكتاب المقدس مع منطق أرسطو.أما في الانحطاط الإسلامي، فسادت مدرسة القطيعة بين الإيمان والعقل،ساد الهذيان الديني:كان المؤمن يسافر، من الأندلس إلى مصر، ليسأل عما إذا كان ربط خيط حول اصبعة، لتذكيره بأمر ما، حلالاً أم حراماً! وانتصرت غريزة الموت على غرائز الحياة:الكل يدعو الله،بمناسبة وبغير مناسبة، إلى أن يميته على"حسن الختام"، لا إلى أن يحييه سعيداً في شعب سعيد! وما أشبه اللليلة بالبارحة!.
هنا ينبغي أن نرى أعراض الانحطاط؛ أما استمرارية العمليات الرياضية فإنها لم تكن حاملة لأي مسار تقدمي، ينشر العقلانية في المؤسسات الاجتماعية الأساسية السياسية، والاقتصادية، والدينية، والعلمية والتربوية.

 لماذا هُزم العقل في الحالتين اليونانية والإسلامية ؟
 أساسا، لأن العقل، في الحالتين، لم يستطع أن يتغلغل لا في النُخب الصانعة للقرار على نحو دائم ولا في الجمهور الواسع. كما حقق ذلك العقل الأنواري، الذي تغلغل في ألمانيا في النخب الصانعة للقرار، وفي فرنسا، في النخب والجمهور المتعلم؛ والسبب عائد إلى ظرف موضوعي، هو غياب المطبعة والصحافة، في الحالتين اليونانية والعربية الإسلامية؛ في الحالة اليونانية انتصر منشدو الإلياذة والأودسّا في الساحات العامة "أغورا" على العقل الفلسفي، وفي الحالة الإسلامية انتصر الوعّاظ والمحدّثون في المساجد على فقه الرأي الحنفي، وعلى العقل الكلامي والفلسفي عند المعتزلة والفلاسفة، وطبعا على إرهاصات الفكر النقدي عند المفكرين الأحرار. انتصرت فلسفة الأنوار العقلانية بفضل المطبعة والصحافة، لذلك قال هيجل : "الصحافة هي صلاة الصبح الحديثة"، وكان يستهلّ يومه بقراءتها. فلاسفة الأنوار لم تنتشر كتبهم، وإنّما عمّمتها الصحافة على الجمهور الواسع. وهذا ما يجعلني اليوم أكثر تفاؤلا بانتصار العقل الفلسفي والعلمي في أرض الإسلام، بفضل ثورة الإتصالات،بقيادة الانترنت، التي بدأت تُدخله إلى جميع البيوت وجميع الرؤوس.
وبالمناسبة، أُوجّه نداءً إلى كل وسائل الإعلام في العالم العربي والإسلامي، وخاصة الفضائيات والأنترنت، لتعالج بانتظام مسألة الإصلاح الإسلامي، بل وأتمنى على الأغنياء، الواعين بضرورة وجدوى هذا الإصلاح، إنشاء فضائية متخصصة في خدمة الإصلاح الديني، عبر النقاش المتعارض بين أنصار الإصلاح الديني وخصومه، لتدريب وتطوير الدماغ المعرفي لدى جمهور المشاهدين،وزرع بذور ثقافة الديمقراطية التي هي النقاش المتعارض. كما أقترح تكوين دار نشر،ورقية ورقمية، تتخصص في ترجمة علوم الأديان، وترجمة الكتابات الأوروبية التي طبّقت هذه العلوم على النص اليهودي والمسيحي والإسلامي، لنشر ثقافة الإصلاح الديني في أرض الإسلام فتحًا لشهية النُخب والجمهور الواعي للإصلاح. بإمكان إعلام المعقول الديني أن يلعب منذ الآن دور مدرسة المعقول الديني ويساهم في ظهورها. منذ سبعينات القرن الماضي، مهدّت، أفلام مثل "الرسالة" ومسلسلات مثل "عمر بن عبد العزيز"،لهجمة الإسلام التقليدي والسياسي المتواصلة. لأن سيناريوهاتها كتبت من منظور إسلام الإيمان، إسلام المعجزة، إسلام الفكر السحري، الذي يلغي قوانين الطبيعة وقوانين العقل؛إسلام عبادة الأسلاف، الذين يُقدمهم إسلام الإيمان للجمهور كأنصاف آلهة: "كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم"، كما يقول حديث.ألهمتهم،في الماضي البعيد، العناية الربانية كل ما قالوا وكل ما فعلوا. وهذا هو الميتا-تاريخ، الذي يصنعه أسلاف تحولوا، بعد تحررهم من سجن الجسد، إلى أرواح خالصة كلية العلم والقوة. الميتا-تاريخ، لا علاقة له بالتاريخ، كما وقع فعلا. أحد أبرز أمثلته، أمر عمر للشمس بأن تؤخر غروبها إلى أن ينتصر جيشه في المعركة!.

تعميماً للفائدة إليكم قائمة المقترحات التي قدمتها،في مؤتمر روما في موقع"المصلح" (ديسمبر 2012)لتنشيط عملية إصلاح الإسلام، الكفيل بإخراجنا من الانحطاط المتواصل منذ قرون،والذي عززته انتفاضات "الربيع العربي"بالمجيئ بأكثر أصناف فقهاء الانحطاط انحطاطاً إلى السلطة.

اقتراحات على مؤتمر المصلح
• مأسسة هذا المؤتمر باسم"مؤتمر المصلح السنوي لإصلاح الإسلام في العالم العربي والغرب".أو بإسم آخر مناسب؛
• إنشاء "مصلح"آخر، لترجمة ما كتب عن الإسلام في الغرب.مثلا توجد 3 كتب ألمانية عن نبي الإسلام صدرت، في ألمانيا في القرن الـ19، بينها كتاب لرئيس الطائفة اليهودية، تحدث فيه عن تأثير الكتاب المقدس العبري في القرآن،لم يُترجم حتى الآن أي واحد منها.اقتراحي هو أن يُقدم عرض موسُع عن كل كتاب يبحث موضوع الإسلام،لتثقيف قراء المصلح بمضمونه، وثانياً للدعاية لترجمته كاملاً ،ونشرة، ككتاب ورقي ورقمي في نفس الوقت، لينجو من مقص الرقابة الدينية وليُقرأ في القارات الخمس؛
• تخليد اسم د.استيفن ألف كمؤسس لهذا المؤتمر،وكشريك كامل في عملية إصلاح الإسلام؛
• دعوة ممثلين عن الإسلام الأوربي والأمريكي والأسترالي والكندي إليه؛
• دعوة ممثلين عن الأقليات في العالم العربي:مثلاً عن الأقلية اليهودية،الأقليات المسيحية، والأقلية البهائية ،والأقلية الزيدية وغيرها من الأقليات الأخرى في أرض العروبة؛لماذا؟لأن الإسلام غير المصلَح مازال ينتهك حقوقهم الإنسانية،ومن حقهم أن يُسمعوا صوتهم لرفع الظلم عنهم؛
• دعوة مصلحين من خارج العرب للمشاركة فيه؛
• دعوة إسلامولوج من الغرب والعالم للمشاركة فيه كمتدخلين لا كملاحظين؛
• مطالبة جامعة برلين بتقديم مصاحف جامع صنعاء للبحث الأكاديمي في جميع جامعات العالم؛ يبدو أن إدارة الجامعة خضعت أخيراً لتدخلات دول خليجية ظلامية طالبتها بمنع الباحثين من الإطلاع عليها؛ربما تطبيقاً لرسالة عثمان للأنصار التي كفرت كل من يحتفظ بنسخة من نسخ القرآن التي أمر بإحراقها لأنها تختلف مع نسخته المتداولة اليوم تحت "مصحف القرآن الكريم"، لا يليق بجامعة ذات سمعة عالمية ،كجامعة برلين،أن تطبق أمر عثمان بحرق المصاحف في القرن الحادي والعشرين!؛
• مطالبة الفاتيكان بتقديم قطعة المصحف المحفوظة في مكتبة "الملوك العرب في الأندلس" بمكتبة الفاتيكان للبحث الأكاديمي؛
• الاتصال بعميد جامع باريس،د.دليل أبو بكر،للبحث عن مصحف ابن مسعود،الذي قال والده، حمزة أبو بكر العميد السابق لجامع باريس،في مدخلة لترجمته للقرآن:بأنه اطلع عليه في الهند.وقد يكون،كما قال لي نائبه آنذاك التونسي،نور الدين بن محمود،أنه حمزة ابو بكر يمتلك نسخة من هذا المصحف؛
• محاولة الحصول على نسخة من "مصحف الحجارة "،من الفصلية"لوموند دو لا بيبل"،حسب العدد الذي خصصته هذه الفصلية لهذا المصحف،يبدو أن فيه اختلافات كثيرة بينه وبين المصحف الحالي،وغابت منه 54 سورة من القرآن المكي.وهذا المصحف كتبه الحجاج الشاميون والمصريون وشبه الجزيرة العربية طوال قرنين على طريق الحج؛
• اقتراح بإدراج المبادئ المؤسسة لإصلاح الإسلام في صفحات المصلح على نحو دائم كما لو كانت شعاراً له؛
• مساندة نشطة لتدخلات المجتمع المدني العالمي دفاعاً عن حقوق الإنسان في أرض الإسلام؛
• مساندة تدخل الدبلوماسية الدولية، دفاعاً عن حقوق الإنسان في أرض الإسلام ،كلّما كان ذلك نزيهاً؛
• ضرورة الفصل بين الدين والدولة في أرض الإسلام؛
• ضرورة دراسة الإسلام وتدريسه بعلوم الأديان؛
• ضرورة مصالحة الإسلام مع الحرية والعلمانية والديمقراطية كما قال طيب أوردجان؛
• ضرورة تشريع وتدريس وثائق حقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي:"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،الاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة،الاتفاقية الدولية لحماية الأقليات والاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل.
هذه المقترحات ليست جدول أعمال مطروحاً حصراً على"المصلح"،بل هن أيضاً مطروحات على جميع المهتمين بإصلاح الإسلام،من قراء ونخب وصناع القرار.



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5 – خطر تذويب الفرد في الأمّة
- 4- كيف لفّق ابن إسحاق حدّ الرجم؟
- 3 – الجنّة رمز لرحم الأم
- 2 – إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان
- مبرّرات إصلاح الإسلام - إصلاح الإسلام : 1- دراسته وتدريسه بع ...
- اليمن اليوم هو العالم العربي غدا
- لماذا إصلاح الإسلام؟
- علي عبد الله صالح : الفدرالية هي صدرية نجاة اليمن
- إيران 30 عاما من الثورة: 30% من الملحدين!
- خطاب الرئيس أوباما: أعدكم بالسلام
- العلمانية ضمانة المواطنة الكاملة
- مسألة الأقليات في أرض الإسلام: العلمانية ضمانة المواطنة الكا ...
- نظرة وداع على أحداث عام 2006‏‏‏
- هل ستنقلب حماس على نفسها؟
- نداء إلى أغنيائنا
- الحكم بالرجم حتى الموت
- كيف نصالح الإسلام مع العالم؟
- الحداثة التونسية في عيدها الخمسين
- هل ستعدم الجزائر الإعدام؟
- على هامش رسالتي إلى أوردغان: الحل العادل للمسألة الكردية؟


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - 6 – الإنحطاط هو هزيمة العقل