|
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....6
محمد الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 3055 - 2010 / 7 / 6 - 21:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الإهداء:
ـ إلى كل مواطن أمسك عن ممارسة الفساد في إطار الإدارة الجماعية.
ـ إلى كل موظف جماعي امتنع عن إفساد العلاقة مع الموطن العادي في الإدارة الجماعية؟
ـ إلى كل عضو جماعي أخلص لمبادئه، ولضميره فامتنع عن أن يصير وسيلة لتكريس الفساد الإداري.
محمد الحنفي
وإذا وجد هناك إعلام، وتواصل جماعيان: فما هو واقع هذا الإعلام؟ وما هو واقع هذا التواصل؟.....2
4) وإذا كان الإعلام الجماعي المفترض ضحلا، وفقيرا على مستوى المعلومة، ومضللا، فإنه كذلك إعلام غير واضح.
ذلك أن الإعلام الجماعي المفترض قيامه، هو إعلام يتسم بالغموض المبالغ فيه، بهدف تمكين مستهلكيه من إعطائه التأويلات التي يرونها مناسبة لهم، وبهدف قيام الجهات الجماعية، التي تصدر ذلك الإعلام، بإعطاء تفسيرات متعددة له، هروبا من مغبة الوضوح التي قد توقع في الشرك القانوني، الذي لا لزوم له إلا عند الضرورة القصوى، التي تستهدف جهات لا علاقة لها بسكان الجماعة، المعنيين مباشرة بالإعلام الجماعي.
وإذا كان الغموض هو البارز في الإعلام الجماعي المفترض قيامه، فإن دواعي هدا الغموض تتمثل في:
ا ـ تضليل الرأي العام بصفة عامة، والرأي العام المحلي بصفة خاصة، حتى لا يصير ما يجري في المجلس الجماعي واضحا أمام المستهلكين للإعلام الجماعي المفترض قيامه.
فالتضليل شرط وجود إعلام جماعي من هذا النوع، وإلا، فإنه لن يوجد أبدا، لتبقى العلاقات الإدارية البيروقراطية هي السائدة في العلاقة مع سكان الجماعة، ومع الوافدين على الجماعة في نفس الوقت.
ب ـ تحصين الإدارة الجماعية من كل ما قد يؤدي إلى افتضاح الممارسات المهينة لكرامة سكان الجماعة، وكل المتعاملين مع الإدارة الجماعية، خاصة، وأن العمل في بعض مصالح الإدارة الجماعية، يعتبر بوابة الإثراء السريع، تماما، كما هو الشأن النسبة لتجار المخدرات، والمهربين، ومستغلي النفوذ، والمتصرفين في الأموال العمومية، التي يتحايلون عليها بالقانون، قصد تفويتها إلى جيوبهم.
فالمسؤولون عن تلك المصالح الجماعية، يتصرفون في ممتلكات الجماعة، وكأنها ملك لهم، ويمارسون الابتزاز الهمجي على أصحاب المصالح من سكان الجماعة، الأمر الذي يترتب عنه صيرورة المسؤولين عن تلك المصالح، والأقسام، من كبار الأثرياء كما يدل على ذلك كثرة العقارات التي صاروا يمتلكونها، وفي ظرف وجيز، ودون أن يسألوا:
من أين لهم بتلك الثروات الهائلة؟
وهل تتناسب مع دخلهم الشهري؟
ج ـ إبقاء العلاقة الإدارية بين سكان الجماعة، وبين الإدارة الجماعية غامضة، حتى لا ينكشف ما يجري خلف الأبواب، الذي لا يعلمه إلا المعنيون بالعلاقة مع الإدارة الجماعية، من الوافدين على الإدارة الجماعية من سكان الجماعة، قصد تلقي الخدمات الضرورية التي تقدمها الجماعة.
فالغموض في العلاقة شرط لوجود العلاقة الإدارية مع سكان الجماعة. وهذا الغموض هو الفرشة المناسبة لتفريخ المزيد من الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تصاب بها الإدارة الجماعية، في علاقتها بسكان الجماعة. وهو ما يستدعي ضرورة صيرورة الإعلام الجماعي غامضا.
د ـ التستر على ممارسات الأعضاء الجماعيين، على اختلاف انتماءاتهم، ومسؤولياتهم في المجلس الجماعي، الذين يستغلون عضويتهم، ومسؤوليتهم الجماعية، لنهب الموارد الجماعية، وللقيام بالوساطة بين الإدارة الجماعية، وبين ذوي المصالح من سكان الجماعة، لتنشط، عن طريق وساطتهم، المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، خاصة إذا كانوا ينتمون إلى الأحزاب الإدارية، أو إلى الأحزاب الرجعية المتخلفة، التي لها علاقة بتمثيلية التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف. فهؤلاء، كالمسؤولين عن مصالح، وأقسام الإدارة الجماعية، ليس من مصلحتهم قيام إعلام متنور، ومتقدم، ومنفتح على المحيط، ومتمسك بقول الحقيقة، كيفما كانت هذه الحقيقة مرة.
ه ـ التستر على قيام الجماعة بخدمة ذوي النفوذ، المنتمين إلى السلطة الوصية، حتى لا يفتضح أمر استغلالهم للموارد الجماعية، التي كان يجب أن تكون في خدمة المواطنين، بدل أن تصير في خدمة ذوي النفوذ المخزني الوصي على الجماعة.
وهذا التستر القائم في الواقع، هو الذي يقتضي قيام إعلام غامض، يعمل على تضبيب الرؤية، حتى لا يرى سكان الجماعة ما يجري أمامهم.
وهو نفسه الذي يساهم في تمكين ذوي النفوذ الجماعي من الحصول على رشاوى هائلة، مقابل الخدمات التي يقدمونها لسكان الجماعة.
والإعلام الجماعي المفترض قيامه، عندما يكون غامضا، ينحو منحى الأيديولوجية، التي لا تخدم إلا مصالح طبقة معينة، ليصير بذلك الغموض في خدمة طبقة معينة. وهذه الطبقة هي التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الذي يصير الإعلام الجماعي المفترض قيامه في خدمته على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، لاعتبارات كثيرة، ومتعددة، نذكر منها:
الاعتبار الأول: أن التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، هو نفسه الذي يتحكم في المجالس الجماعية، وعلى المستوى الوطني، من أجل تسخيرها لخدمة مصالحه.
والاعتبار الثاني: أن هذا التحالف، هو الذي يتحكم في الإعلام الجماعي المفترض قيامه، فيوجهه بناء على ذلك التحكم، من أجل أن يصير في خدمة مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تضمن له العودة إلى التحكم في المجلس الجماعي.
والاعتبار الثالث: أن التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، يعرف جيدا أنه يتحرك في حيز ضيق اسمه ديمقراطية الواجهة، مما يجعل الإعلام الجماعي المفترض إعلاما للواجهة.
وإعلام الواجهة، هو إعلام يتناقض تناقضا مطلقا مع الإعلام الديمقراطي الحقيقي، الذي لا يقول إلا الحقيقة، والحقيقة، لا تكون إلا ثورية، والتحالف البورجوازي الإقطاعي يخاف من الثورة، ولو في شكلها الإعلامي.
ولذلك، فالإعلام الجماعي المفترض قيامه، يتحاشى أن يكون ثوريا، إرضاء لكل المستفيدين من ذلك الإعلام الغامض.
والاعتبار الرابع: أن المسؤولين الجماعيين الذين يعتبرون جزءا لا يتجزأ من التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، أو يرتبطون به ارتباطا عضويا، يحرصون على الوفاء بالتزاماتهم تجاه التحالف المذكور. ومن هذه الالتزامات العمل على تلميعه إعلاميا، وجعله في مركز الاهتمامات الإعلامية، وفي بوثقة الإعلام الجماعي المفترض قيامه، حتى يتصدر الاهتمامات الجماهيرية، التي تجعل منه بطلا كارزميا، فكأن ذلك البطل الكارزمي، هو الذي سيعمل على إنقاذ الجماهير الشعبية الكادحة من الاستعباد، والاستغلال، والاستبداد، وكأنه هو الذي سوف يحقق لها الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، مع العلم، أن التحالف المذكور، هو الذي يمارس بواسطة أدوات السيطرة الطبقية، الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، ولأن للإعلام دور التغليط، فإن الإعلام الجماعي المفترض قيامه، يجعل المغالطة حقيقة، ليصير، بسبب قلب الحقائق، ذلك التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف بطلا. والبطولة هنا من أجل نفي قدرة الجماهير الشعبية الكادحة على الفعل المؤثر في الواقع في تجلياته المختلفة.
فالفعل القادر على التأثير في الواقع، لا يتجاوز أن يصير لبطولة التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الذي يشتري ضمائر الأحياء، والأموات، الذين لا زالت أسماؤهم تملأ اللوائح الانتخابية، من أجل الوصول إلى عضوية المجالس الجماعية، ومن أجل التربع على المجالس الجماعية، لخدمة، ولحماية المصالح الطبقية للتحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، التي تتحول بقدر قادر، وبواسطة الإعلام الجماعي المفترض قيامه، إلى مصالح عموم الجماهير الشعبية الكادحة، التي تبيع ضمائرها إلى التحالف المذكور في كل المحطات الانتخابية.
وهذه الاعتبارات المذكورة، التي ليست إلا جزءا يسيرا من الاعتبارات التي يمكن سوقها للاستدلال على غياب الوضوح في الإعلام الجماعي المفترض قيامه.
ولذلك، نجد أن عدم الوضوح في إعلام جماعي من هذا النوع، لا بد أن يقود إلى:
1) قلب الحقائق في أذهان المتتبعين لهذا الإعلام، حتى ينظر هؤلاء المتتبعون إلى الواقع نظرة مقلوبة، لتصير الرؤيا الحقيقية غير واردة في ذهن، وفي ممارسة الكادحين، بسبب الغموض الإعلامي.
2) فقدان القدرة على التفكير السليم قي القضايا الجماعية، بسبب انغراس الفكر البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وبواسطة الإعلام الجماعي المفترض قيامه، في أذهان الكادحين، الذين صاروا يفتقدون بوصلة التفكير السليم.
3) غياب الوعي بالمصالح الطبقية، في صفوف الكادحين، لتصبح مصالحه جزءا لا يتجزأ من مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، لينتفي بذلك التناقض بين التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف غير قائم، فكان الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين غير موجودة، والتناقض لا يكون إلا طبقيا غير موجود. وهو ما يترتب عنه انعدام اختلاف الوعي من طبقة تمارس الاستغلال، إلى طبقة يمارس عليها الاستغلال. وما دام التناقض منتفيا، فإن الوعي الطبقي أيضا سيصير منتفيا في الإعلام الجماعي المفترض قيامه.
4) قيام إعلام محلي، ووطني، يسم نفسه بالاستقلالية، ويمارس الغموض في المعطيات التي يقدمها لخدمة أهداف معينة، لا تختلف عن الأهداف التي يخدمها الإعلام الجماعي المفترض قيامه، مما يجعل إعلاما من هذا النوع، يساهم بشكل كبير في تربية مستهلكيه على التمرس على تأويل المعطيات، التي تتسم بالغموض.
ولذلك فأي إعلام يسلك نفس المنحى، الذي يسلكه الإعلام الجماعي المفترض قيامه، هو إعلام لا يرقى إلى مستوى الإعلام الواضح، الذي يقدم معطيات واضحة، يمكن أن تقف وراء تمكين المتتبع بأن يبني عليها ما يجب، لبناء موقف معين من الشروط الموضوعية، التي أفرزت تلك المعطيات. والموقف القائم على أساس اعتماد معطيات واضحة ،لا يمكن أن ينتج إلا رغبة في امتلاك وعي متقدم، ومتطور. والوعي المتقدم، والمتطور، لا يمكن أن ينتج إلا رغبة في تجاوز الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تعج بها ساحات، ودروب الجماعات المحلية، والتي تعد السكان لقبول الأمراض المعششة في دهاليز المكاتب الجماعية، بما في ذلك الوصولية، والانتهازية، والمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وفي واضحة النهار.
وهذه الرغبة في التجاوز، هي التي تفرض قيام إعلام هادف، وواضح على المستوى العام، وإعلام جماعي واضح على المستوى الخاص، من أجل تحويل الوعي الفردي، إلى وعي جماعي متقدم، ومتطور، يتحول مع مرور الأيام إلى عامل أساسي للقضاء على الفساد الإداري، والسياسي، الذي ينتج لنا مجالس جماعية فاسدة، يترأسها مجموعة من تجار النخاسة، الذين لا قبل لهم بالحرية، والنزاهة في الانتخابات الجماعية.
5) سيادة التخلف في أبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، الأمر الذي يترتب عنه قيام شروط الاستلاب بأبعاده المختلفة، في صفوف سكان الجماعة، أي جماعة، مما يجعل السكان بين:
ا ـ أن يعتبروا ما هو قائم من فساد في المجالس الجماعية واقعا مقبولا، وعلى أساسه يتعاملون مع المجلس الجماعي، ومع الإدارة الجماعية.
ب ـ أو أن يعتبروا أنفسهم غير معنيين لا بالفسا،د ولا بالصلاح في الواقع الجماعي، وفي الإدارة الجماعية.
وفي الحالتين معا، يصير سكان الجماعة مستلبين.
ولذلك فالعمل على تغيير الشروط الموضوعية، بهدف القضاء على الاستلاب، تعتبر مهمة أساسية، يتحمل مسؤوليتها الإعلام الجاد، والمسؤول على مستو الجماعة، أي جماعة، وعلى المستوى الوطني، بالإضافة إلى النقابات، والجمعيات الحقوقية المبدئية، والأحزاب السياسية الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، المخلصة للجماهير الشعبية الكادحة، والتي يهمها قيام وعي جماعي متقدم، ومتطور، وفي كل الجماعات المحلية، حتى تنتقل المسؤولية إلى سكان الجماعة، الذين يفرزون المجلس الجماعي، الذي يتحمل مسؤوليته في وضع حد للفساد الإداري، الذي يعشش في مكاتب الجماعة، أي جماعة.
6) استمرار انتشار الأمية، وبشكل واسع في صفوف سكان الجماعات المحلة، وخاصة منها تلك التي تعتبر قروية، أو حضرية في محيط قروي متخلف.
فالسكان الأميون لا يتفاعلون لا مع الإعلام العام، ولا مع الإعلام الجماعي، إن كان هناك إعلام جماعي في جماعتهم. والأمية التي نقصدها هنا هي الأمية التي لها علاقة بالكتابة، والقراءة؛ لأن عدم القدرة على الكتابة، والقراءة، يجعل سكان الجماعة منسحبين تلقائيا من الحياة العامة، ومن التفكير في الشأن العام، وفي الشأن الجماعي.
والذي يتحمل المسؤولية في استمرار الأمية في صفوف سكان الجماعات المحلية، هي الاختيارات الرأسمالية، والرأسمالية التبعية قبل استقلال المغرب، وبعده، وإلى يومنا هذا. فهذه الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، هي التي وقفت، ولعشرات السنين، وراء حرمان أبناء الشعب المغربي من التعلم، بالإضافة إلى طبيعة التعليم نفسه، باعتباره تعليما نخبويا: لا ديمقراطيا، ولا شعبيا، ولا يرتبط بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يجعله مفصولا عن الواقع المغربي.
والأميون، لا يمكن أن نطلب منهم أن يتعاملوا لا مع الإعلام العام، ولا مع الإعلام الجماعي المفترض قيامه؛ لكونهم عاجزين عن فك الرموز، وغير قادرين فهم اللغة المستعملة في الإعلام، سواء كانت عربية، أو فرنسية، أو أي لغة أخرى، اللهم إلا إذا تم تبسيط اللغة إلى الدارجة المبتذلة، سواء كانت هذه الدارجة بالعربية، أو بالأمازيغية. وحينها قد يفهمون، ولكنهم قد لا يدركن المغزى من ذلك الإعلام.
ولذلك نجد أن من يصل إلى مسؤولية الجماعات المحلية، لا يعير أي اهتمام للإعلام الجماعي؛ لأن المتلقي الذي باع ضميره، ليس في حاجة إلى هذا الإعلام. وكل ما يدرك، أنه ينتظر انتخابات مقبلة ليبع ضميره مرة أخرى.
وبناء على واقع الأمية، الذي لا زال متفشيا، فإن الإعلام الجماعي، إن وجد، يعتبر غير فاعل؛ لأن فاعلية الإعلام، لا تتأتى إلا بالقدرة على الاستقبال، والاستقبال غير وارد بالنسبة للأمي، الذي لا يكتب ولا يقرأ.
وبالإضافة إلى أمية القراءة، والكتابة هناك أشباه الأميين، الذين يقرأون، ويكتبون، ونظرا لذوبانهم في اليومي، ولهثهم وراء تحقيق التطلعات الطبقية، وعدم اهتمامهم بالشأن المحلي / الجماعي، والعام، وبواسطة وسائل الإعلام الدولية، والوطنية، والمحلية، فإن اهتمامهم بالشأن الجماعي، يعتبر غير وارد.
وهذان النوعان من الأميين، وأشباه الأميين، هم الذين يقبلون، وبكثافة، على إفساد الحياة السياسية، في المحطات الانتخابية المختلفة، وهم الذين يعملون على القبول بتكريس الفساد الإداري في دهاليز الإدارة الجماعية.
وكل من يقبل بالمساهمة في إفساد الحياة السياسية، وفساد الإدارة الجماعية، يعتبر جزءا لا يتجزأ من الفساد السياسي، والإداري، الذي لا يزول إلا بمحاربة الأمية، وشبه الأمية في الجماعات المحلية.
7) انتشار الأمية السياسية في صفوف سكان الجماعات المحلية، وهو ما يترتب عنه جهل المواطنين بالأحزاب السياسية، وببرامجها، وبالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وبالعمل على الانخراط فيها، وبالنضال من أجل تحقيق أهدافها، الأمر الذي لا يتأتى معه قدرة سكان الجماعات المحلية على التفاعل الإيجابي مع الأحزاب السياسية، التي تصير، في نظر سكان الجماعة، متساوية، لا فرق فيها بين حزب يميني، وحزب يساري، وحزب وسط. فكل الأحزاب سواسية. فهي في الانتخابات تشتي ضمائر الناخبين، وتوظف من يقوم بتنظيم الحملات الانتخابية، وتعمل على الوصول إلى المجالس الجماعية، بأي طريقة كانت، ومهما كلفها ذلك، حتى يستطيع المنتمون إليها استغلال الموارد الجماعية في تكوين ثروات هائلة، يمكن أن يوظفها في انتخابات قادمة.
والأمية السياسية، التي يبتلى بها معظم سكان الجماعات المحلية، هي العامل الأكبر في إفساد الحياة السياسية في المغرب بصفة عامة، وفي الجماعات المحلية بصفة خاصة. وهذا الإفساد، هو الهاجس الأكبر لكل من يمارس عدم الوضوح في الإعلام العمومي، وفي الإعلام الجماعي، إن وجد، وهي التي تقف وراء عدم قيام السكان بمعرفة الأحزاب السياسية، وبمناقشة برامجها، وبالعمل على التمييز فيما بينها، إلى درجة معرفة من يصلح لتحمل المسؤولية الجماعية، ومن لا يصلح. وهو ما يترتب عنه اعتبار الفساد السياسي هو الأصل، وانعدام هذا الفساد هو الاستثناء، والاستثناء غير وارد بسبب سيادة الأمية السياسية.
وهذه الأمية السياسية، هي نفسها التي تقف وراء عدم التفاعل مع الإعلام الجماعي المفترض قيامه، أو اعتبار الغموض السائد في هذا الإعلام هو الصحيح.
8) عدم الاهتمام بالعمل الجماهيري المفترض قيامه في مختلف الجماعات، سواء كان عملا تربويا، أو ثقافيا، أو حقوقيا، أو تطوعيا، لأن عملا جماهيريا من هذا النوع، يسعى إلى التربية على تكوين الشخصية المتزنة، والساعية إلى تحقيق الأهداف التربوية، التي تعود على سكان الجماعة بالنفع العميم على مستوى بث القيم النبيلة، التي تحصن أفراد المجتمع ضد كل مظاهر الفساد السياسي، والإداري، الذي يعاني منه سكان الجماعات المحلية.
فالعمل الجماهير التربوي، إن وجد، يسعى إلى تقويم شخصية الطفل، والمراهق، والشاب، كما يسعى إلى أن يصير كل من الطفل، والمراهق، والشاب، ممارسا للحرية، والنزاهة في مستقبل أيامه، الذي ليس إلا مستقبل أيام سكان الجماعة، أي جماعة.
والعمل الجماهيري الثقافي، يعمل على خلق الاهتمامات الثقافية لدى سكان الجماعة، فيما يخص بث القيم النبيلة في صفوف السكان، حتى يحافظوا على هويتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والقافية، والسياسية، الموسومة بالمصداقية، وبخدمة الشأن العام، مما يجعله بعيدا عن الانسياق وراء الفساد السياسي، والإداري. واهتمام من هذا النوع، هو الذي يجعل سكان الجماعة يهتمون بالشأن الجماعي. والاهتمام بالشأن الجماعي، هو الذي يربط السكان بالإعلام الجماعي، ويعمل على فرض صيرورته إعلاما جماعيا جادا، ومسؤولا. وإلا فإنه سيعمل على عدم التعامل معه إن كان غير واضح.
أما العمل الجماهيري / الحقوقي، بمرجعية المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فإنه يعمل على تربية الإنسان على التمسك بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعلى التمسك بأجرأة تلك الحقوق، من خلال القوانين، والمراسيم، والقرارات الصادرة عن مختلف المجالس الجماعية، وعلى جعل تلك الحقوق، محط عناية خاصة من قبل الإعلام الجماعي، إن وجد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الممارس للعمل الجماهيري / الحقوقي، يهتم بإشاعة حقوق الإنسان في المجتمع، وبكافة الوسائل الممكنة، وبفضح كل الانتهاكات الجسيمة، والخروقات المرتكبة في حق الإنسان على مستوى كل جماعة، خاصة إذا كان المرتكب لهذه الخروقات هو المجلس الجماعي، أو الإدارة الجماعية، التي تبني إستراتيجيتها على تكريس الخروقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل إحداث تراكم في ممتلكات ممارسي تلك الخروقات، وأمام أنظار السلطات الوصية، ودون حياء من سكان الجماعة.
وبالنسبة للعمل الجماهيري التطوعي، فإنه يقود إلى تربية سكان الجماعة على التطوع، للقيام بأعمال غير ممولة من الجماعة، للصالح العام. والتطوع معناه التضحية بالجهد العضلي، وبالعمل العقلي، وبالمال، من أجل تقديم الخدمات للجماعة، لا من أجل تحقيق هدف معين؛ بل من أجل جعل التضحية ممارسة اجتماعية. ومعلوم أن هذا النوع من العمل الجماهيري أخذ يتراجع إلى الوراء. وهو ما يعني تراجع التضامن الاجتماعي إلى الخلف، ليصير كل شيء بالمقابل، بما في ذلك الموظفون الذين يقدمون خدمات يأخذون عليها أجرا، كالتعليم، والصحة، وكل الخدمات الاجتماعية الأخرى، بما فيها تلك التي تقدمها الإدارة الجماعية. فبالإضافة إلى الواجب الذي يؤديه سكان الجماعة لمختلف الإدارات، بما فيها الإدارة الجماعية، فإنهم يؤدون رشاوى بطريقة، أو بأخرى، إلى العاملين في تلك الإدارات، استعدادا لإقناع المواطنين بالقبول بخوصصتها.
أما العمل الجماهيري التنموي، الذي صارت الدولة تشجعه، فإنه صار وسيلة لنهب المال العام، الذي يتم التحايل عليه من قبل المسؤولين عن الجمعيات التنموية، الذين لا ضمير لهم، والذين يسعون، وبكل الوسائل، إلى نهب موارد المؤسسات الممولة، سواء كانت وطنية، أو كانت أجنبية. وهذا النهب المسلط على المال العام، بواسطة الجمعيات التنموية، التي لا تكون إلا شكلية، هو الذي يجعل عملية إنجاز المشاريع غير واضحة، وسكان الجماعة غير مستفيدين من تلك المشاريع. وكل ما يتبين هو التراكم الحاصل في ممتلكات مسؤولي الجمعيات التنموية، كما يلاحظ ذلك عامة الناس من سكان الجماعة، أي جماعة.
والعمل الجماهيري التنموي، هو ممارسة للتدريب على نهب المال العام، استعدادا لشراء ضمائر الناخبين، من أجل الوصول إلى عضوية الجماعة، وسعيا على التمكن من التصرف في الموارد الجماعية، من أجل نهبها، وتحويلها إلى الممتلكات، أو الحسابات السرية الخاصة.
ولذلك فعدم الوضوح في الإعلام الجماعي المفترض قيامه، لا يمكن أن يقود إلا إلى تسييد الوعي المقلوب، الذي يجعل سكان الجماعة يعتبرون الفساد السياسي، والإداري، من المسلمات المعمول بها في الجماعة. والمسلمات لا تناقش، وعدم طرح تلك المسلمات للنقاش، هو الضمانة التي تحمي المستفيدين من نهب الموارد الجماعية، التي تتحول إلى ممتلكات خاصة، لتحرم الجماعة منها، وإلى ما لا نهاية.
فهل يمكن أن يتحول الإعلام الجماعي المفترض قيامه، إن وجد، إلى إعلام واضح؟
وهل يصير ذلك الوضوح، في حالة حصوله، في خدمة سكان الجماعة؟
هل يعمل على إعادة الوعي إلى مساره الصحيح، حتى يتم القضاء على الوعي المقلوب في صفوف السكان؟
هل يقف الوعي الصحيح، في حالة قيامه، كنتيجة لوضوح الإعلام الجماعي المفترض قيامه، إن وجد، وراء القضاء على الفساد السياسي، والإداري، في اختيار أعضاء المجالس الجماعية، وفي الإدارة الجماعية؟
أم أن دار لقمان ستبقى على حالها، ليستمر الغموض في الإعلام الجماعي المفترض قيامه، وليستمر الفساد بصيغتيه: السياسية، والإدارية؟
#محمد_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....5
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....4
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....3
-
الغياب الدائم للهمة عن منطقة الرحامنة، وعن جماعة ابن جرير: ا
...
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....2
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....1
-
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إطار لجميع المغاربة، وفي خدمت
...
-
الحزبوسلامي بين الحرص على استغلال المناخ الديمقراطي، والانشد
...
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...4 / 2
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...4 / 1
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الحزبوسلامي بين الحرص على استغلال المناخ الديمقراطي، والانشد
...
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...3 / 2
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...3 1
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...2
-
الحزبوسلامي بين الحرص على استغلال المناخ الديمقراطي، والانشد
...
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|