كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 929 - 2004 / 8 / 18 - 13:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(1)
تمر في اليوم الثامن والعشرين من شهر آب/أغسطس الجاري ذكرى مرعبة وحزينة على الأمة الكردية وشعب كردستان العراق والعراق بأسره, وهي الذكرى أل 16 على انتهاء عمليات ومجازر الأنفال التي شنها النظام العراقي الدموي في شهر شباط/فبراير من عام 1988 ضد الشعب الكردي بهدف الإجهاز الفعلي على حركته النضالية المناهضة للدكتاتورية الغاشمة وفي سبيل إرساء الديمقراطية في العراق والحقوق القومية العادلة للشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره بنفسه وحقوق القوميات الأخرى. واتسمت هذه الحملة بالسعة ولشمولية لكل أنحاء كردستان العراق التي كانت تدخل حينذاك ضمن الحكم الذاتي الشكلي والمفرغ من كل مضامينه.
لم تكن حملات ومذابح الأنفال التي قادها ابن عم الدكتاتور صدام حسين والمدعو علي حسن المجيد والملقب ب "علي كيماوي" والمعتقل حالياً مع ابن عمه الدكتاتور, عملية طارئة أو قراراً اتخذ على عجل أو نزوة عابرة لمستبد أهوج, أو أوضاعاً شاذة فرضت نفسها على النظام ورأسه, كما يحلو للبعض أن يشير إلى ذلك عند الحديث عن تلك المجازر البشعة التي تدخل ضمن الإبادة الجماعية للجنس البشري.
(2)
كانت مجازر الأنفال منذ 16 سنة, التي استمرت طوال سبعة شهور مع التحضيرات لها ذلك وتداعياتها بعد ذاك, حلقة مركزية ورئيسية في سلسلة طويلة من المواقف والسياسات والكوارث والحروب النابعة من فكر قومي عنصري متعفن والتي خاضها حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ومن ثم النظم البعثية والقومية اللاحقة ضد شعب كردستان. لقد كانت هذه السياسات تشكل جزء عضوياً من إستراتيجية صدّامية ذات مضمون عنصري عدواني مناهض للشعوب الأخرى وراغب في التخلص منها. وإذا كانت هذه السياسة قد بدأت لدى البعث في رفض التعاون والتنسيق والعمل المشترك في جبهة الاتحاد الوطني في عام 1957 لأسباب شوفينية, وأنها تفاقمت في السياسات التي مارسها الضباط العسكريون البعثيون والقوميون الذي ساهموا بحيوية نادرة في إثارة النزعات القومية اليمينية المتطرفة والاستفزازات اليومية في مدينة كركوك لينتهي في عام 1959 بتفجير الصراع وتنظيم النزاع الدموي بين التركمان والكرد وبمشاركة قوى عربية عسكرية وغير عسكرية عراقية فيها.
(3)
كما تجلى في الموقف من الشعب الكردي, ومنهم الكرد الفيلية, في فترة حكم قاسم والتأليب ضدهم في صحافتهم ودعاياتهم وتصرفاتهم اليومية إزاء الكرد,. وكان الطيارون والعسكريون من البعثيين والقوميين أكثر المشاركين في تلك العمليات تدميراً للقرى الكردية وقتلاً بالناس أثناء عبر القصف الجوي في فترة الحرب بين حكومة قاسم وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني والحركة الكردية المسلحة في أعقاب إعلان الكرد الثورة على حكومة قاسم.
(4)
ثم برزت هذه السياسة المعادية للشعب الكردي بشكل صارخ في أعقاب سقوط نظام قاسم في انقلاب 1963 والتخلي الكلي عن كل التعهدات التي قدمها البعثيون لقائد الشعب الكردي والحركة الكردية المسلحة بمنح الحكم الذاتي, وذلك بشن الحرب القذرة ضده التي ساهمت بدورها في أضعاف هذا النظام الانقلابي الدموي وإسقاطه. ولم تكن حملات القتل ضد مناطق سكن الكرد الفيلية في بغداد بعد سقوط حكم قاسم سوى الانتقام منهم بسبب كونهم أكراداً أولاً, وبسبب دفاعهم المشروع عن قاسم ثانياً. واعتبر البعثيون الكرد الفيلية تبعية إيرانية بدأوا فعلياً بعملية التهجير منذ ذلك الحين. وكان الحاكم الوحيد الذي أنصفهم نسبياً هو عبد الكريم قاسم واعتبرهم من سكان البلاد الأصليين وهم كذلك.
(5)
وإذا كان القوميون العرب في العراق وهم في الحكم منذ نهاية 1963 حتى صيف 1968 قد واصلوا سياسة البعث في الموقف من الشعب الكردي وحقوقه القومية العادلة وخاضوا الحروب المتقطعة ضده, فأن مجيء البعث إلى الحكم ثانية في عام 1968 قد توج تلك السياسات الشوفينية بسلسلة من المؤامرات والحملات العسكرية والحروب المدمرة, بالرغم من تخللها فترات استراحة قصيرة جداً, كما حصل في أعقاب توقيع اتفاقية الحكم الذاتي لكردستان العراق في آذار 1970, إذ بعده بفترة قصيرة جداً بدأت العمليات العسكرية ثانية, ثم وقعت اتفاقية الجزائر بين صدام حسين ومحمد رضا بهلوي, شاه إيران, بهدف قطع دروب التموين والمساعدة عن القوات المسلحة الكردية ودفعها باتجاه الانهيار في عام 1975. وكان ثمن ذلك على العراق غالياً, سواء بما حصل للشعب الكردي, وما فرط به من حقوق في شط العرب وفي مناطق أخرى من الأراضي العراقية الحدودية لصالح إيران.
وخلال الفترة الواقعة بين 1975-1988 مارس النظام العراقي سياسات مناهضة للشعب الكردي باتجاهات عدة:
- التهجير من القرى والأرياف وإسكان العائلات الكردية في مجمعات سكنية غير إنسانية ومطوقة بالقوات العراقية على مشارف المدن الكردستانية ومليئة بالأمن والاستخبارات العراقية.
- تهجير أعداد غفيرة من الكرد إلى مناطق في وسط وجنوب العراق بأمل وهدف تعريبهم قسراً ودمجهم بالحياة والتقاليد العربية.
- هجرة كردية واسعة من المثقفين من مختلف الاختصاصات الفنية والإبداعية والعلوم و.. وكذلك المتعلمين والفنيين والمهنيين إلى خارج العراق هرباً من اضطهاد الحكم واحتمال السجن والتعذيب أو الموت أو البطالة.
- قيام النظام بتهجير عشرات الآلاف من العائلات الكردية الفيلية إلى إيران وسجن الشباب منهم وقتل الغالبية العظمى منهم, وخاصة في أعوام 1978-1982.
- البدء بوقت مبكر بحملة واسعة لتهجير الكرد من محافظة كركوك, وكذلك التركمان الذين يرفضون التعريب وإحلال عرب محلهم مجلوبين من المناطق العربية, إضافة إلى تهجير الكرد من بعض المدن الكردية الأخرى وإسكان العرب في مكانهم, وهي إحدى أسوأ حملات التطهير العرقي والتعريب القسري التي حصلت في العراق طيلة العقود المنصرمة.
- شيد النظام عشرات الثكنات العسكرية التابعة للقوات المسلحة (الجيش والشرطة) في طول كردستان وعرضها, في الجبال والسهول وعلى امتداد الحدود العراقية الإيرانية والعراقية التركية لمواجهة الشعب الكردي وحركته النضالية وقوات ال?يشمر?ة والأنصار.
- وقام النظام في فترات مختلفة بقتل وتغييب أعداد كبيرة من الكرد في كردستان العراق, وبشكل خاص من عائلة البارزاني التي شملت دفعة واحدة ثمانية ألاف إنسان من هذه العائلة العريقة والمناضلة. كما تعرضت عشائر كردية أخرى لعذابات غير قليلة وتضحيات كبيرة بسبب تلك السياسات.
- وكانت معارك ضارية خاضها النظام ضد حركة ال?يشمر?ة والأنصار, إذ استخدم كل الوسائل العسكرية الدموية وغير العسكرية الخبيثة لإنهائها, ولكن عجز النظام عن ذلك تماماً, إذ كانت الحركة محتضنة من الشعب الكردي ومساندة منهم, إضافة إلى إسناد طيب من العرب الواعين في العراق ومن حركة الأنصار الشيوعيين وقوى ديمقراطية عراقية أخرى.
(6)
إن الفشل الذريع في تدمير الحركة التحررية الكردية وقواها المسلحة دفع بالنظام العراقي إلى تنفيذ مخططه الجهنمي كان هدفه تصفية فعلية لكل القوى السياسية والمسلحة وكل القرى والأرياف التي يتحرك فيها ال?يشمر?ة والأنصار وكذلك المناطق السكنية الواسعة للكرد والمناطق الحدودية. وبدأت هذه العمليات في شهر شباط/ فبراير من عام 1988 بعد أن اتخذ إجراءات لرصد وتجميع سكان القرى والأرياف والمدن الصغيرة, وبعد أن بث قواته على الحدود وإقامة منطقة محظورة الحركة على السكان, وبعد أن زود قواته العسكرية الخاصة وقوات الجيش العراقي بمختلف أنواع الأسلحة بما في ذلك السلاح الكيماوي والسلاح البيولوجي, إضافة إلى تعيين علي حسن المجيد المسؤول الأول عن حملات الأنفال ومنحه كل الصلاحيات الضرورية والقانونية لممارسة تلك السياسة وتحقيق تلك الأهداف الشريرة, ثم تزويده بالطائرات المقاتلة والسمتيات (العامودية) المقاتلة, كما جند لهذه الحملة كل قيادات وأعضاء ومؤازري حزب البعث والمنظمات المهنية والنقابية وما أمكنه تجنيده لهذه المعركة الدنيئة من جانب واحد ضد الجماهير العزل.
(7)
وأجبر النظام قوات ال?يشمر?ة والأنصار على الدفاع عن المواطنات والمواطنين وعن أنفسهم, ولكنهم فوجئوا بتهيئة النظام لقوات واسعة وإمكانيات كبيرة جداً تهدف إلى تدمير فعلي للإقليم وقتل أكبر عدد ممكن من الناس في مختلف أنحاء كردستان العراق أو تعطيلهم عن الحركة أو اعتقالهم وتسفيرهم إلى خارج المنطقة.
(8)
مارس النظام في هذه الحملة التي أطلق عليها اسم "عمليات الأنفال" أبشع أشكال القتل الفردي والجماعي للنساء والأطفال والشيوخ, وكذلك الشباب من الرجال ودفنهم في مقابر جماعية بواسطة الجرافات (البلدوزرات) والحادلات, أو تسفيرهم في عربات شحن واسعة إلى مناطق أخرى وقتلهم هناك أو حجزهم في ظروف قاسية وصحراء نائية قادت الكثير منه إلى الموت المحتمو ومن عاد منهم كان القليل جداً والذين التقيت بالبعض منهم في عام 2002 في مخيمات المهجرين والناجين من عمليات الأنفال في كردستان العراق.
وتقدر الجهات المختلفة أن عدد من قتلوا وفقدوا وغيبوا في هذه الحملات يزيد عن 180 ألف إنسان. وشملت هذه الحملة عدداً غير قليل من القوميات الأخرى مثل الآشوريين والكلدان, ولكن 99 % منهم كانوا من الكرد. ولا شك في أن إمكانيات جديدة قد توفرت الآن من أجل إجراء إحصاء دقيق نسبياً حول عدد الضحايا البشرية والخسائر المادية والمعنوية والنفسية التي لحقت بالإنسان الكردي وبقبة المواطنات والمواطنين من سكان كردستان العراق.
(9)
إن عنصرية رأس النظام وحقده الأعمى على الشعب الكردي قد دفعته إلى اتخاذ قرار بضرب الشعب الكردي بالأسلحة الكيماوية. وإذا كان منذ عام 1987 قد استخدم هذه الأسلحة على نطاق محدود, كما حصل في ضرب قوات ال?يشمر?ة والأنصار في منطقة بادينان (بهدينان) ومناطق أخرى من كردستان أصابت الكثير منهم بمختلف الأمراض والإصابات المعوقة, فأن ضربة الكيماوي في حلب?ة كانت الأكثر عدوانية وشراسة وحقداً دفيناً, حيث أتت على حياة ما يزيد عن 5000 نسمة وجرح عدد مماثل له. وكانت صور أجساد الضحايا من أطفال ونساء ورجال وهي مبعثرة على ارض حلب?ة وفي دورها وأزقتها وسراديبها وحفرها التي تشكلت بفعل القذائف التي سقطت على المدينة تشكل ?انوراما مرعبةًً وحزينةً لا يمكن ولا يجوز أن تنسى, بل لا بد من تجديدها كل عام, لأنها تجسد طبيعة ومضمون جنون الإيديولوجية لقومية العنصرية والسادية الرهيبة في الواقع العملي.
(10)
توقفت حملة الأنفال بعد أن اعتقد النظام بأنه قد أنجز المهمة القذرة وأصاب القوم بالصميم, وسوف لن تقوم لهم قائمة. ولكن الشعب الكردي والقوميات الأخرى في كردستان والعرب العراقيين المشاركين والمساندين لهذا النضال خيبوا فأل هذا الطاغية وعصابته الشريرة, ليس في خوضهم الصراع ضد هذا العدو الجبان فحسب, بل وفي تعزيز العملية النضالية وتوسيع قاعدتها وزيادة دورها وعلاقاتها بأهالي وضحايا الأنفال.
(11)
وفي تلك الفترة العصيبة التي مر بها الشعب الكردي, في الفترة التي كانت الحرب العراقية – الإيرانية تلفظ أنفاسها الأخيرة, لم يبدي العالم أي اهتمام حقيقي بما كان يجري في كردستان, في ما عدا بعض المعاهد الخاصة بالدراسات الإستراتيجية قد أشارت من بعيد على ما كان يحصل هناك. لقد سكت العالم الرأسمالي والعالم الاشتراكي في آن, وكأن المجازر لم تكن موجهة ضد البشر, وكان القتل والتدمير لا يخصهم وحرق المزروعات ونسف الدور والقرى ليس من شأنهم, فهي تقع في كردستان كما كانت في ذاكرة الكاتب الألماني كارل ماي حين تحدث عن كردستان المتوحشة في القرن الاتاسع وهو لم ير كردستان ولا تعرف عليها إلا من خلال الكتب وفنطازياته,
(12)
أما العالم العربي فكان منقسماً على نفسه إزاء الحرب العراقية-الإيرانية, فمنهم من وقف إلى جانبها ومنهم من شجبها. ولم يذهب اهتمام الغالبية العظمى منهم إلى ما حصل في كردستان. فمن سمع منهم بالمجازر شجبها مع نفسه أو بصوت خفيض لا يسمع, ومنهم من برره بحجة مشاركة الكرد مع الإيرانيين في الحرب ضد العراق, وهي حجة تافهة وغير صادقة ولا يجوز القبول بها أو محاجّتها.
كان موقف العرب, وهم أقرب الناس إلى الكرد من حيث الجيرة والدين والعشرة الطويلة منذ قرون كثيرة, فأن مواقف الغالبية العظمى من الحكام والأحزاب والقوى والناس تميزت بالسكوت اللعين, والساكت عن الحق شيطان أخرس. وإذا سكتوا أمس فعليهم أن لا يسكتوا اليوم بعد أن عرفوا ما جرى لهذا الشعب, إضافة إلى المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها. وعلى عكس ما يجب أن يكون عليه الموقف العربي الإنساني, نجد أن نقابة المحامين في الأردن ومصر وسوريا وغيرها تتطوع بلا خجل للدفاع عن طاغية قاتل تسبب في موت ما يقرب من مليوني إنسان من الشعب العراقي, وبضمنه الشعب الكردي, وهجر ما يقرب من أربعة ملايين إنسان, وأصاب الملايين من البشر بعاهات وأمراض نفسية وعصبية وانفصام الشخصية, مما يحتاج العراق إلى عقدين من السنين ليتخلص نسبياً من آثار تلك الجرائم البشعة في العراق, إضافة إلى أكثر من 120 مليار دولار أمريكي ديون خارجية وثلاثة أضعاف هذا الرقم من التعويضات المستحقة الدفع من الناحية الحسابية وتدمير واسع النطاق للاقتصاد العراقية والبنية التحتية.
(13)
لقد سكت العالم على جريمة بشعة, في وقت كان لا يسكت على جريمة ترتكب ضد إنسان واحد أو حتى إساءة معملة الحيوانات التي تعد للذبح قبل الذبح ويخرج بمظاهرات عارمة واحتجاجات صاخبة ضد هذا الأسلوب غير الحضاري في التعامل مع الحيوانات أو قتل إنسان,. وإذا كان الموقف الثاني صحيحاً جداً وسليماً, فأن الموقف الأول, أي السكوت على ما ارتكبت من جرائم بحق الشعب الكردي خصوصاً والشعب العراقي عموماً, يعتبر مشاركة في الجريمة بصورة غير مباشرة وتسهيل المهمة على العنصريين لممارسة جرائمهم دون ضجيج. ويفترض أن يتحمل هؤلاء عواقب ما ساهموا به بسكوتهم المطبق لما حصل للشعب الكردي والقوميات الأخرى في كردستان العراق.
(14)
أما بعد سقوط النظام الدموي يتعرض العراق إلى جرائم بشعة هي تجسيد لبؤس الفكر القومي الشوفيني السائد في الاتجاهات الشعبوية الجاهلة وغير الناضجة التي تقدم الدعم وتساند هذه الجرائم بحجة مكافحة الاحتلال. والشعب العراقي يحتاج على جهود مضنية ولسنوات طويلة للعمل من أجل عسل هذه الأدمغة المحشوة بالفكر القومي اليميني الرجعي المتعفن. ومن المضني القول أيضاً بأن نسبة قلية من العرب ومن القوى السياسية الديمقراطية تعي كل ما حصل في العراق ضد الشعب العراقي وخصوصاَ ضد الشعب الكردي, إضافة إلى الجرائم البشعة التي ترتكب اليوم على أرض العراق.
إننا نحن العرب في العراق نتحمل مسئولية كبيرة في الكشف عن هذه الجرائم ونشرها في العالم العربي وفي العالم ليطلع عليها الناس في كل مكان وليعرفوا أي نظام حكم العراق طويلة العقود المنصرمة, وأية جرائم ارتكبت بحق البشر باسم العروبة. إنها مهمتنا نحن عرب العراق أن نقيم المتاحف لنبرز تلك الأوضاع الحزينة التي عاشها العراق طوال أربعة عقود تقريباً. وأن من مهمتنا أن نرعى ضحايا الأنفال, ومنهم ضحايا حلب?ة الذبيحة بكل ما هو مطلوب وممكن.
إن قيامنا بهذا الواجب يمكن أن يساعد في تعبئة الشعب العراقي, كل الشعب, عرباً وكرداً وتركماناً وكلداناً وآشوريين, ضد احتمال بروز مستبد جديد شبيه بالدكتاتور القابع بالمعتقل وينظم الشعر البائس, الذي لم يشعر حتى الآن بما ارتكبه من جرائم بشعة بحق العراق وكردستان العراق. وهو بهذا يرتكب جريمة أكبر عندما يعجز هذا الدكتاتور عن, أو يرفض, الاعتراف بما قام به طيلة عقود.
(15)
العرق بأمس الحاجة إلى فترة هدوء وراحة واستقرار, وما تقوم به الجماعات الإرهابية بمختلف أطيافها من جرائم في العراق هدفها منع الحرية من أن تسود البلاد وأن تسود الديمقراطية وتتحقق الفيدرالية لكردستان العراق والحقوق الثقافية والإدارية للقوميات الأخرى, إضافة إلى التعجيل بخروج القوات الأجنبية من العراق. وما تقوم به جماعات مقتدى الصدر وجيش المهدي من إشاعة الفوضى والعبث وقتل واختطاف الناس وتفجير أنابيب نفط وتهديد الناس ...الخ ليس سوى مساهمة مباشرة لخدمة تلك القوى, حتى لو طرح الأمر تحت ستار مكافحة القوات الأجنبية. إن الشعب هو الذي ينبغي له أن يجمع على طريقة النضال ضد الأجنبي وليس شخصاً قابعاً في إيران مثل السيد كاظم الحائري, حتى لو كان آية من آيات الله العظمى, أو السيد مقتدى الصدر, حتى لو كان من عائلة الصدر الطيبة الذكر.
لتبقى ذكرى ضحايا الأنفال عالقة باستمرار بأذهان العراقيين لكي نتجنب محناً مماثلة. وعلينا أن نستخدمها بطريقة حضارية مساعدة على تعبئة المزيد من الناس إلى جانب القضية. وتقع على عاتق الكرد في العراق وفي كل مكان مهمة الاستخدام الأصوب للأساليب المناسبة في الحملة من أجل ضحايا الأنفال. عليهم أن يتحلوا بالصبر حين مناقشة هذه الأمور وأن لا يفقدوا أعصابهم بسبب عدم ذكر هذه المصيبة هنا وهناك, أو بسبب وجود رأي آخر مغاير. إن على الجميع تحمل الاختلاف في وجهات النظر والتعلم بخوض الحوار بين الرأي والرأي الآخر بكل هدوء والسعي إلى إقناع الآخرين بالحقائق التي عاشها الشعب الكردي خصوصاً والشعب العربي وبقية القوميات بشكل عام عبر الوثائق الدامغة والحقائق الناصعة. إن إمكانيات وطاقات جديدة تتفتح على هذا الطريق في العراق الجديد, رغم كل الصعوبات التي تعترض طريقه حالياً, وعلينا استثمارها واستخدامها بصورة عقلانية وحكيمة, جدية وهادفة تحقق مصالح المجتمع العراقي.
برلين في 18/08/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟