أحمد هيبي
الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 09:33
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
مقدمة
في تعليم الأطفال الأحرف, وفي أية لغة في العالم, نراعي مبدأ بسيطا, وهو أننا نبدأ معهم بالحروف التي يسهل لفظها، وتسهل كتابتها، والتي تؤلف فيما بينها أكبر عدد من الكلمات البسيطة والمألوفة. ومن غير الضروري أن نتبع الترتيب المعجمي "الابتثائي" للأحرف.
وقد رتب مؤلفو كتاب «العربية لغتنا», وهو كتاب شركة "مطاح" العبرية لتعليم اللغة العربية في المدارس الابتدائية, كتابهم في تعليم الأحرف، للصف الأول الابتدائي, ترتيبا تقليديا "أبتثيا": ء , ب, ت, ث, ... معتقدين، أن هذا هو الترتيب الصحيح - وربما الوحيد - الذي ينبغي الأخذ به لتعليم الأحرف العربية. وقد رسخ في رؤوسهم اصطلاح «الأبتثية»، الذي يصف هذا الترتيب المعجمي للأحرف.
أمثلة من العالم العربي
وعلى سبيل المثال، فإن كتاب «لغتي» وهو كتاب تدريس للصف الأول، في الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية اليوم), الموطن الأول للغة العربية, يبدأون بالحرف «م»، ثم بالحرف «ب» ولا يبدأون بالهمزة, كما فعلوا في كتاب "العربية لغتنا" لمطاح.
أما كتاب «القراءة المشوقة», وهو كتاب معتمد في تعليم القراءة في الصف الأول في لبنان وغيره من البلدان العربيية، فهم يبدأن بالحرف دال "د"، مضافا اليه حروف الـ (الواي) الثلاثة، وهي أحرف المد، والحركات القصيرة الثلاثة في دفعة واحدة. وبعد الدال تأتي الراء, وعلى نفس المنوال.
أما في كتاب السلطة الفلسطينية «لغتنا الجميلة» المعمول به في مدارس الضفة الغربية وغزة, والصادر حديثا نسبيا (2004) ، فإنهم يبدأون بحرف الباء "ب"، ثم بحرف الميم "م"، ثم الراء "ر".
ولم أجد كتابا في تعليم اللغة العربية للمبتدئين يبدأ بالهمزة. وفي معظم لغات العالم، التي نعرفها على الأقل، لا يوجد حرف همزة مختلف عن حرف الألف "ا". فالحرف A ، في الانجليزية يقوم مقام الحرفين معا. ففي كلمة add مثلا، يلعب الحرف A دور الهمزة "ء"، بينما في كلمة can يلعب دور الحرف «ا». وكذا الأمر في اللغة العبرية أيضا مع حرفها الأول «א» ، فهو يلعب الدورين معا.
والمشكلة في تقديم حرف الهمزة، أنك تضطر لتقديمه مجردا. وليس من السهل الإتيان بكلمات واحد من أحرفها همزة مجردة كـ «دفء» و «سماء» مثلا. فحرف الهمزة إنما يأتي غالبا ممتطيا حرف الألف, بالاضافة الى حرفي الواو والياء.
مشكلة أخرى تكمن في اسم هذا الحرف "همزة" الذي لا يطابق لفظه. فالاسم "ألف" الذي يبدأ بهمزة, قد احتفظ به حرف الألف "ا".
مشكلة ثالثة واقعة في كتابة الهمزة. فهي مؤلفة من خط منكسر تجتمع فيه 3 قطع مستقيمة.
كل هذه الأمور لم تثن طاقم الكتابة في "العربية لغتنا" من تأجيل الهمزة الى موقع متأخر بين الحروف, واختيار ترتيب آخرغير "الترتيب المعجمي" الابتثائي لتقديم الحروف للصغار.
في كتاب "التكوين" للصف الأول, بدأنا بأسهل الحروف كتابة وهو حرف "الراء", وعلى طريقة "خليل السكاكيني" أتبعناه بحرف السين. وباضافة حروف المد الطويلة "و,ا, ي" حصلنا على مجموعة كبيرة من الكلمات, مثل "راس", "روس", "سار", "سور", "راي", "سوس" .. وهي كلمات يستطيع الطالب قراءتها من الأيام الأولى في المدرسة.
أبتثية أم أبجدية
ولا بُد أنه غاب عن ادراك "طاقم مطاح" , أن الترتيب الابتثائي للأحرف العربية , انما يراعي تشابه الأحرف في الرسم فقط، أي يراعي شكل هذه الأحرف عند كتابتها . فالحروف ب، ت، ث متشابهة رسما، ولذلك جعلت مجموعة واحدة متتابعة، وكذا: ج، ح ، خ، وأيضا د، ذ .. الخ.
وقد تكون هذه الطريقة أسهل لحفظ الحروف، خصوصا في حضارة شفوية قديمة اعتمدت على ايجاد طرق سهلة للحفظ. (والحفظ أداة من أدوات المعلم التقليدي قديما وحديثا). ولكنها ليست الطريقة المثلى للتعلم.
والأنكى من ذلك أن "علماء" اللغة العربية في وزارة المعارف, ينكرون نظاما آخر للحروف هو النظام "الأبجدي". وقد علمت ذلك من طريقة تلقيهم لكتاب التكوين, حيث ذكرنا فيه هذا النظام عرضا, في "مرشد المعلم".
وقد يظن هؤلاء خطأ, كما يظن غيرهم, أن النظام الأبجدي الذي رتبت فيه الحروف على شكل كلمات (بدون معنى) تبدأ بـ : أبجد - هوز - حطي .. الخ, هو نظام خاص بترتيب الحروف العبرية, دون العربية. وبالفعل, فان سلسلة الكلمات أبجد - هوز - حطي .. انما تنتهي عندهم بكلمة "كرشت". أما في اللغة العربية, حيث عدد الحروف أكبر, فان هذه السلسلة هي:
أبجد - هوز - حطي - كلمن - سعفص - قرشت - ثخذ - ضظغ.
والأحرف الستة الأخيرة هي حروف عربية لا توجد في اللغة العبرية. وهي تسمى "الروادف" لأنها أردفت بأحرف اللغة, أي أضيفت اليها. بل ان العرب أعطوا معاني لهذه الكلمات, فقالوا أنهاهي أسماء ملوك "مدين" حيث بعث النبي شعيب, و"كلمن" هو رئيسهم.
وهناك من أعطى معاني أخرى لهذه الكلمات, مثلا: أبجد - بمعنى أخذ. هوز - بمعنى ركب ..
ولا تهمنا هذه المعاني الآن كثيرا, وكل ما نود قوله أن هذا النظام "الأبجدي" كان وما يزال معمولا به في اللغة العربية. والسبب في أن هذا النظام قائم في اللغتين العربية والعبرية, هو كونهما لغتين ساميتين من أصل واحد.
والملاحظ أن حرف "الهمزة" غير مذكور في النظام الأبجدي. وعليه فان الحروف العربية هي 28 حسب هذا النظام وليست 29. فالهمزة ملحقة بالألف, أي أنها صورة من صور الأف كما في اللغة العبرية أو الانجليزية.
كثرة التعلم لا تعلم الفهم!
واذا أخذنا بأقوال جان جاك روسو عن الخراب الذي يحل بالفطرة الانسانية من جراء تعرضها للتمدن الاجتماعي. وأعظم مظاهر هذا التمدن تفرضه المدارس والجامعات والصالونات الاجتماعية, مضيفين الى ذلك ما قاله هيراقليطيس من "أن كثرة التعلم لا تعلم الفهم"، وقفنا على آفات بعض متعلمينا وأنصافهم وأرباعهم, من الذين يدعون العلم الكلي الذي لا يأتيه الباطل, وينكرونه على غيرهم, وهم غالبا متسلحون بشهادات جامعية مشكوك بأمرها، وأبحاث علمية سُحبت من الانترنت.
تخيلوا اذن حجم البلوى التي ابتلينا بها, عندما يكون هؤلاء الناس أصحاب وظائف رسمية، وقد فاقوا في بلاهتم، موظفي محاكم القرون الوسطى.
ودعونا لا نستطرد كثيرا, ولكن نقول: ليس المفروض بالمرء أن يعرف كل شيء ، ولكن من المهم:
-1 أن يتأكد مِما يعرف، مِن خلال المراجعة والتفكر، وسؤال الآخرين.
-2 أن يستوفي ما لا يعرف.
-3 أن يكون مهيئًا للأخذ بالرّأي الصحيح والاقتناع به، حتى - وبالأخص -عندما يخالف رأيه.
حساب الجُمَّل
ولزيادة التدليل أن النسق "الأبجدي" هو نظام قائم في اللغة العربية منذ عصور, نضيف ما نعرفه عن "حساب الجُمَّل". وهو حساب يفتح أعيننا على استعمال آخر للحروف, غير تركيب الكلمات التي نكتب ونتحدَّث بها.
وحساب الجُمّل هو حساب يُعطي لكل حرف مِن حروف اللغة العربية عددًا مِن الأعداد. فالألف هي 1، والباء هي 2، والجيم هي 3، والدال هي 4....الخ.
والترتيب هنا هو ترتيب أبجدي، والحساب قديم مُستعمل في علوم الفلك، والسّحر، وحساب حظوظ الناس مِن اسمائهم وأسماء آبائهم أمهاتهم.
ونفس هذا الحساب المؤسس على النسق الأبجدي موجود أيضا في التراث العبري باسم "גימטריה" , أو كما يدعونه حديثا "נומרולוגיה". وهو اعطاء مقابل عددي للكلام. واستعمالاته في العبرية، مشابهة لاستعمالاته في العربية.
الأبجدية سابقة
الأبجدية أو الترتيب الأبجدي للحروف العربية هو سابق إذن للترتيب الأبتثي. انه نظام مشترك بين جميع اللغات السّامية، ويعود في الأصل الى اللغة الفينيقية أم الأبجديات العالمية.
وقد وسعت اللغة العربية نظام حروفها بطريقتين: زيد 6 أحرف على الأحرف السامية من ناحية, هي: ث - خ- ذ - ض- ظ - غ. (لاحظوا أن هذه الأحرف ليست بين الأحرف العبرية) من جهة, ومن جهة أخرى, أضيف ترتيب آخر للحروف, هو الترتيب الابتثائي المستعمل في المعاجم. دون أن يعني ذلك التخلي عن النظام الأبجدي, فزادوا على سلسلة كلماته أبجد, هوز .. كلمتي "ثخذ - ضظغ."
وزيادة في الفائدة نذكر مِن اللغات السّامية الحيّة اليوم غير العربية: الأمهرية، العبرية، السيريانية، والآرامية... وغيرها. وفي جميع هذه اللغات كان الترتيب الأبجدي هو الأساس, وهو الترتيب الذي انتقل مِن ثم إلى معظم لغات العالم، ففي اليونانية يعملون بالنظام الأبجدي للأحرف, وعلى الأقل في الحروف الأولى من لغتهم: ألفا، بيتا، جاما، دِلتا ...الخ.
عنوان المؤلف الالكتروني: [email protected]
057 - 4600111
#أحمد_هيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟