أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - موقع الدول العربية على مقياس التنمية الإنسانية















المزيد.....

موقع الدول العربية على مقياس التنمية الإنسانية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 197 - 2002 / 7 / 22 - 08:00
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تهتم هذه المقالة بقضية واحدة من بين القضايا التي اثارها تقرير التنمية الانسانية في العالم العربي عام 2002، الصادر عن الامم المتحدة في الاسبوع الاول من تموز الجاري: قضية الموقع الذي تحتله الدول العربية على مقياس التنمية الانسانية بالمقارنة مع موقعها على مقياس التنمية البشرية. الفرق بين المقياسين ان الثاني يقتصر على مؤشرات <<مادية>> تتلخص بأبعاد ثلاثة: حياة طويلة وصحية، اكتساب المعرفة، والوصول الى الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق (النسخة العربية من التقرير، ص 15)، فيما يدمج مقياس التنمية الانسانية مؤشرات اضافية تحرر مفهوم التنمية من التمركز الاقتصادي وتحاول الاحاطة بكلية التفاعل الانساني في البلاد العربية اعتمادا على <<مؤشر رفاه مركب يضم قيم مؤشرات الحكم، ومقياس التمتع بالحرية، ومكونات الرفاه المتضمنة في مقياس التنمية البشرية>> (التقرير، ص 108). مؤشرات الحكم حسب التقرير خمسة، هي: معيار التمثيل والمساءلة، معيار الاستقرار السياسي، معيار (او مؤشر في كل الحالات) فعالية الحكومة، معيار عبء الضبط ( مقدار التشوهات المفروضة من قبل الحكومة على هيئات سياسية متعددة. التقرير، ص106)، معيار حكم القانون، ومعيار الكسب غير المشروع. اما مقياس التمتع بالحرية فيتحدد بتوافر خمس <<حريات وسائلية>> هي: الحريات السياسية، التسهيلات الاقتصادية، الفرص الاجتماعية، ضمانات الشفافية، والامن الحمائي ( توفير شبكات الامن الاجتماعي المناسبة للمجموعات الضعيفة في المجتمع).
تتوزع البلاد العربية على مقياس التنمية البشرية الى ثلاث فئات: 4 منها في فئة التنمية البشرية العالية، و12 في فئة التنمية المتوسطة، وما بقي منها في الفئة الادنى، اما وفقا لمقياس الرُّفاه المركب المعتمد لقياس التنمية الانسانية وهنا القضية المثيرة حقا <<فان البلدان العربية الاربعة المشمولة في فئة التنمية البشرية المرتفعة (...) تنزلق الى فئة الرفاه الانساني المتوسطة، وثلاثة بلدان عربية فقط من بين الاثني عشر بلدا التي تقع في فئة التنمية البشرية المتوسطة تحتفظ بهذا الوضع>> ليصبح مجموع الدول العربية التي تنعم بتنمية انسانية متوسطة سبع دول يسكن فيها 8,9% من العرب. وبينما كان 19,3% من سكان البلاد العربية (العينة المدروسة تغطي 17 بلدا عربيا فقط) يعانون من تنمية بشرية متدنية فإن 91,1% يعانون من رفاه انساني متدن.
تبدو هذه المعلومات كثيفة الدلالة من جوه متعددة. لكننا هنا ايضا سنقتصر على المفهوم المرجح للتنمية والتحديث المتضمن في سياسات الدول العربية، والذي مكنها من احتلال مواقع ليست سيئة على سلم التنمية البشرية فيما سقطت معظمها عند استخدام معايير تستوعب جوانب سياسية واجتماعية، وأكاد أقول، روحية.
يؤكد التقرير فرضية تقول ان المجتمعات العربية تعاني من انشقاق عميق بين مادياتها ومعنوياتها، انشقاق يضاف الى الازدواجية الاجتماعية التي يغطيها (ولا أقول يفسرها) التمييز بين مجتمع مدني ومجتمع أهلي، والفصام النفسي والثقافي بين نزعة غربوية و<<مغتربة في المكان>> بتعبير عبدالله العروي، ونزعة تراثوية و<<مغتربة في الزمان>> حسب الكاتب المغربي. لا يمكن فهم ذاك الانشقاق وتلك الازدواجية وهذا الفصام في تصورنا من دون إدماج الدولة وعلاقات السلطة في التحليل. فالدولة هي موقع اعادة انتاج الانقسام والانشقاق والازدواجية، الدولة وليس <<تاريخنا>> ولا <<الامبريالية>> ولا العولمة. لكن هذه القضية تقع خارج مدى هذا المقال. ليس المقصود بالماديات السلع الاستهلاكية ولا السلع الانتاجية، لا <<المنشآت الحضارية>> ولا العمران المديني الحديث، الماديات هي الحضارة منظورا إليها كثمرة او كحصيلة معزولة عن فاعليات التحصيل والاستثمار، هي كذلك النتائج الجاهزة بصرف النظر عن فاعليات الانتاج، اي مقطوعة عن العمل والفكر والروح الانسانية التي شكلتها وأنتجتها. اما المعنويات فهي بالضبط الفاعلية الانسانية المشكلة والمتدخلة في صنع العالم وفي إضفاء المعنى والقيمة والاتجاه عليه. ان مفهوما نظريا لم ينتجه الفهم الانساني الحي، او لم يُعد بناء مسار انبثاقه ابتداء من الخبرة والمحسوس، هو من دائرة الماديات (لا علاقة ضرورية لهذه المسألة بقضية <<الأصالة والحداثة>>، فهي تًطبق ايضا على المفاهيم التراثية المستوردة من الماضي). فالمفاهيم تنتقل وتقبل التصدير من ثقافة الى اخرى ومن عصر الى عصر آخر للثقافة ذاتها، اما الفهم فلا ينتقل، بل قد نغطي بتداول أحدث المفاهيم على عجزنا عن الفهم. ومن الممكن ان ننقل أحدث القوانين من الغرب لكن الحقوق لا تنتقل، بل في الغالب يغطي نقل أحدث القوانين على انعدام أبسط الحقوق. فمثلا قانون الطوارئ نفسه المطبق في بعض الدول العربية منقول من القوانين الاستثنائية الفرنسية، لكن الخصوصية العربية اقتضت تحويل استثناء الفرنسيين المؤقت الى قاعدة. وبالمثل قد نستورد أحدث المصانع و<<المفتاح باليد>>، لكن الصناعة لا تستورد ولا تشترى بالمال.
وهكذا فان عالما من المفاهيم والنظريات والقوانين و<<المؤسسات>> و<<الحضارة>> ينتمي بأكمله الى مجال الاشياء والسلع والنتائج الميتة. هذا العالم ليس عالم التنمية البشرية وفقا للغة التقرير بقدر ما هو عالم التنمية اللاإنسانية او المضادة للانسان. لا شيء يعبر عن هذا الانشقاق أكثر من الجملة التي وردت في النص الانكليزي للتقرير تصف العالم العربي بأنه richer than it is developed، هذه الجملة عسيرة الترجمة برغم بساطتها الظاهرة لسبب يتصل اتصالا وثيقا بانفصال الثمرات والحصائل، الماديات، عن المعاني والقيم والفهم والحق. فالثروة التي تشير اليها الجملة لا تنتمي الى المستوى ذاته، او حتى الى العالم ذاته، الذي تنتمي اليه التنمية في الجملة ذاتها. ما تصرح به الجملة هو ان العالم العربي غني لكنه ليس متطورا، وما تضمره هو ان لا علاقة بين غنانا والتطور خلافا للحال في التطور والتنمية في كل أنحاء العالم. لكن عن اي غنى نتحدث؟ يخبرنا التقرير ان الناتج المحلي الاجمالي للدول العربية مجتمعة بما فيها بلدان النفط أقل من نظيره... الإسباني، 531,2 مليار دولار اميركي مقابل 595,5 مليارا؟! يقول ايضا ان ما يترجم في الدول العربية مجتمعة وما ترجمه العرب منذ أيام المأمون يبلغ حوالى 100,000 كتاب، اي العدد نفسه الذي تترجمه اسبانيا ذاتها في... سنة واحدة!!
مظاهر الانشقاق المذكور حولنا في كل كان: هناك الكثير من الاجهزة والقليل من المؤسسات ( جهاز مضبوط بقاعدة او تقليد وليس متروكا لمنطق القوة الكامن فيه)، الكثير من الممثلين والقليل من التمثيل الاجتماعي الحقيقي، الكثير من النظريات والقليل من النظر، الكثير من الوطن والقليل من المواطنة، الكثير جدا من القوانين والقليل جدا من العدل، الكثير من العقائد والقليل القليل من الايمان، الكثير من <<الاستقرار>> والقليل من التراكم.
لعل من الانسب ان نتحدث لا عن انشقاق بل عن تغليب للقوة والمال والمظهر والمادة على القيمة والعمل والحقيقة والمعنى. وبفضل هذا التغلب قد تكون حاليا <<البشرية>> مقبولة او حتى عظيمة، لكن الحال الانسانية لا تطاق.
() كاتب سوري
جريدة السفير


#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض جوانب إشكالية المجتمع المدني في سورية
- ازمة المعارضة السورية: لا معارض بل عدو
- خطاب الغضب العربي
- وعـي اللحظة الراهنة


المزيد.....




- التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف ...
- جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا ...
- قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل ...
- مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي ...
- مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار ...
- السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
- ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال ...
- واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي ...
- هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
- تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - موقع الدول العربية على مقياس التنمية الإنسانية