قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 3053 - 2010 / 7 / 4 - 14:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
منذ الخلافة الراشدية والعراقيون ينفردون في طبيعة علاقتهم بالحاكم. فأول الحكّام في التاريخ الاسلامي كانوا يراعون العراقيين في التعامل ويأخذون اعتراضاتهم مأخذ الجد.وحتى قبل الاسلام، كان العراقيون يوصفون بأنهم ما استسلموا لضيم وما رضخوا لظالم ولا انبطحوا لسلطة. ولهذا كانت اعتراضاتهم على الولاة متكرره. ولدى الجاحظ تفسير علمي لاعتراضاتهم هذه بقوله:( والعلّة في عصيان أهل العراق على الامراء، انهم أهل نظر وذو فطنة ثاقبة، ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث. ومع البحث يكون الطعن والقدّح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء واظهار عيوب الامراء..وما زال العراق موصوفا" أهله بقلة الطاعة والشقاق على أولي الرئاسة ).ذلك لأن العراق هو البلد الذي تؤخذ فيه السلطة بالقوة المصحوبة بالبطش بمن كانت بيده، وهو البلد الذي نشأت فيه اكثر المدارس الفكرية تأثيرا" في الأخلاق والدين والسياسة( البصرة، الكوفة، بغداد، أهل الصفا، المعتزله، المذاهب الخمسة..) التي نجم عنها سيكولوجيا الخلاف مع الأخر والميل الى الجدل.
وكان اقسى طاغيتين حكما العراق هما الحجاج(عشرون سنة) وصدّام (ربع قرن)..وكلاهما عاش قلقا" ومنزعجا" من العراقيين. فالحجاج اعترف بأن العراقيين اتعبوه واصلعوا رأسه (يا اهل العراق، جئتكم وانا ذو لّمة وافره ارفل بها فما زال بي شقاقكم وعصيانكم حتى حصّ شعري). وصدّام أرعبه العراقيون من قبل أن تندلع في البصرة شرارة انتفاضة آذار (92) التي امتدت الى الناصرية فالمحافظات الأخرى وكادت ان تطيح بنظامه لولا حماية امريكا له.
كان هذا غضب العراقيين على حكّام هم نصّبوا انفسهم عليهم بصيغة حاكم كلّي الجبروت، كلّي القدرة، بسلطة كليّة تفوضه الحق في قتل خصومة رميا" بالرصاص ودفنا" بالحفر واغتيالا بكواتم الصوت وموتا" بطيئا" بسّم الثاليوم. وغضب العراقيين لا يرحم على حكّام يفرطون في الرفاهية ويهملونهم..ولكم ان تتذكروا ما فعلوه بهم يوم 14 تموز58 ..لكن ان يغضب العراقيون على حكّام هم صنعوهم، فتلك مفارقة تنذر بكارثة.صحيح أن سلطة الائتلاف المؤقته التي نصّبتها ادارة اجنبية وحمتها جيوش غازيه قد صنعتهم، ولكن (الشعب) انتخبهم بتصويت ديمقراطي..فلماذا يكون غضبهم على حكّام هم صنعوهم فيه نفس من غضبهم على من صنعهم آخرون أو جاءت بهم دبابة؟!
الجواب، لأنهم ما اهتموا باحوالهم التي زادوها سوءا، ولأنهم (الحكام الديمقراطيون!) مثل سابقيهم.. يعيشون مرفّهين في جنّة خضراء فيما العراقيون شبه احياء في جهنم حمراء!. وبرغم ما هو أوجع من المآسي التي هم فيها، فان كلّ فريق منهم منشغل بعسكرة حزبه وعشيرته ومتملقيه، غير مكترثين بحال لن يطيقوا العيش فيه شهرا" فيما العراقيون تحملوه سبع سنوات.. وبها يكونوا قد وّفوا حق الصبر على (صديق).. اضطرهم الى ان يسحبوا أيديهم من يده. والفجيعة ليست بخسارة حكّام ديمقراطيين، بل ان يطاح بنظام ديمقراطي على وفق سيناريو سابق بدأ مشهده الأول في البصرة!
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟