|
مشروع الاصلاح الاداري مازال يحبو في بداية الطريق
عبد الرحمن تيشوري
الحوار المتمدن-العدد: 3053 - 2010 / 7 / 4 - 09:40
المحور:
الادارة و الاقتصاد
المتتبع لاتجاهات وحركة التطور الاقتصادي في سورية يستشعر بأن هناك خللاً أدارياً كبيراً على مستوى أجهزة الإدارة العامة حال دون تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة من قبل المجتمع وقيادته السياسية ، وذلك من خلال عدم قدرة أجهزة الإدارة العامة على إعداد وتنفيذ الخطط الاقتصادية بشكل يتماشى مع متطلبات العقلانية الاقتصادية والترشيد الإداري ، رغم أن الطاقات والإمكانات المتاحة مناسبة لتحقيق نتائج أفضل بكثير على صعيد الأداء الاقتصادي . حيث أن المؤشرات الاقتصادية تدل على عجز الحكومة عن إدارة موارد المجتمع بالكفاءة المنشودة . كذلك عدم إخضاع الخطاب الاقتصادي والإداري للحكومات المتعاقبة لأية مساءلة أو مراجعة من قبل السلطات السياسية والتشريعية إلا في حدود ضيقة مما أدى إلى تفشي ظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي دون أن تكون هناك معالجات حقيقية وشاملة من قبل الأجهزة القضائية والرقابية . أمام هذه اللوحة غير المشجعة للأوضاع الاقتصادية والإدارية كان لابد من التحرك على كافة المستويات الرئاسية والسياسية والتشريعية والحكومية والمجتمعية من أجل التدخل السريع لإيجاد الحلول الملائمة والكفيلة بدراسة وتشخيص المشكلات الإدارية والاقتصادية في سورية . ولقد أشار السيد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة إلى ضرورة معالجة المشكلات الإدارية التي تعيق حركة التنمية دون إبطاء ، حيث طالب سيادته أثناء تأدية القسم الدستوري بتاريخ 17/7/2000" أن قصور الإدارة لدينا هو من أهم العوائق التي تعترض مسيرة التنمية والبناء التي تؤثر بشكل سلبي في كل القطاعات دون استثناء ، وعلينا أن نبدأ بالسرعة القصوى بإجراء الدراسات الكفيلة بتغيير هذا الواقع للأفضل من خلال تطوير الأنظمة الإدارية وهيكلياتها ورفع كفاءة الكوادر الإدارية والمهنية ، وإنهاء حالة التسيب واللامبالاة والتهرب من أداء الواجب ، ولابد من محاربة المقصرين والمسيئين والمهملين والمفسدين" . وبناء على ذلك اصدر سيادته المرسوم رقم 27 لعام 2002 القاضي باحداث المعهد الوطني للادارة الذي خربته الحكومة وافرغته من مضمونه وفلسفته على الصعيد الميداني فقد جاءت برامج الإدارة الحكومية خلال السنوات القليلة الماضية غير مدروسة بالقدر الكافي ومجتزأة وتفتقر إلى وضوح المنهج الفكري الإصلاحي ، عدا عن غياب البنية التنظيمية المختصة بالإصلاح والمهيأة بشرياً ومادياً وتقنياً وسلطوياً لقيادة برنامج الإصلاح الإداري . إذ من الملاحظ أن الحكومة قد اكتفت بتشكيل بعض اللجان التخصصية لوضع برامج أولية في مجالات التدريب والتأهيل للسلطة القيادية العليا. إلى جانب اقتراح تشكيل وحدات تنمية إدارية على مستوى الوزارات والمحافظات . بالإضافة إلى إعداد مشروع أولي لإستراتيجية التنمية الإدارية . وهذا الأسلوب غير عملي لإعداد مشروع إستراتيجية الإصلاح الإداري في سورية دون توفر الدراسات الميدانية عن واقع عمل المنظمات والمؤسسات الحكومية اعتماداً على قاعدة معرفية نظرية معمقة في الإصلاح ، وعلى بعض التجارب الناجحة في هذا المجال على المستوى العالمي بما يتماشى مع طبيعة الوضع الاقتصادي والإداري في سورية . لكن هذا المشروع في المحصلة لم يقر ولم ينفذ من المقترحات الواردة فيه سوى بعض الدورات المحدودة الخاصة بالقادة الإداريين والمحافظين . ثم توالت بعض المحاولات الجزئية التي انصبت باتجاه تحديد شروط ومواصفات شاغلي المواقع المتقدمة في أجهزة الإدارة العامة، وصياغة مشروع للإصلاح الاقتصادي في سورية لعام 2002 وما بعد تم عرضه للمناقشة في العديد من وسائل الإعلام ، وتم تشريحه من قبل الخبراء والأكاديميين وقدمت مقترحات هادفة لتطويره لكنه لم يصدر حتى الآن هذا مع العلم أنه عالج المسألة الإدارية في سياق الوضع الاقتصادي العام . ولا تزال جهود الحكومة مستمرة في محاولات الإصلاح عبر سلسلة أخرى من البرامج منها : - برنامج وزارة الصناعة لإصلاح القطاع العام من حيث إعادة هيكلته وإلغاء بعض مؤسساته وإعادة تشكيلها وفق أسس جديدة غايتها اختصار بعض الحلقات الإدارية الوسيطة . - تعديل العديد من المراسيم والقوانين والأنظمة الهادفة إلى تبسيط الإجراءات والابتعاد عن الروتين والبيروقراطية . - مشاريع قوانين لتعديل التشريعات المالية والضريبية مطروحة الآن من قبل وزارة المالية وتبذل جهود كبيرة من قبل الأكاديميين والخبراء بهدف تصويبها لتصبح أكثر عدالة وقدرة على استقطاب الاستثمارات . - تشكيل هيئة استشارية تتبع لرئاسة مجلس الوزراء تقوم بإعداد الدراسات وتقديم المقترحات والتوصيات حول مسائل التنمية والإصلاح الاقتصادي والإداري . إن جميع هذه المحاولات لم تكن كافية لتحقيق الأهداف التي بذلت من أجلها ، وذلك للأسباب التالية : - ضبابية المنهجية الفكرية للإصلاح الاقتصادي والإداري والاعتماد على بعض الإصلاحات الجزئية التي تأخذ طابعاً ترقيعياً بعيداً عن تحديد متطلبات الإصلاح الإداري على المستوى الكلي . - عدم وجود هيكل تنظيمي معني بالإصلاح الإداري حتى الآن تتوفر فيه الكفاءات البشرية المطلوبة وتهيأ له المستلزمات التي تمكنه من المشاركة بفاعلية في إعداد وقيادة برنامج الإصلاح الإداري . - عدم إشراك القطاع الخاص كقاعدة عريضة والمنظمات غير الحكومية في صياغة الخطوط العريضة لبرنامج الإصلاح الإداري . - انتهاج سياسة الإصلاح الإداري البطيئة والحذرة جداً والخائفة ، حيث لا تراعى أهمية الوقت وهدر الموارد في الوقت الذي يفضل استخدام أسلوب الصدمة المدروس في إطار ميداني وأكاديمي . إلى جانب الأسباب المذكورة أعلاه هناك ضرورة للتوقف عند بعض الأسئلة مع محاولة الإجابة عنها وهي : - ما هي هوية وطبيعة النظام الاقتصادي السوري المستقبلي مع بيان محددات ومقومات تطويره . ومن هنا لابد من تحديد دور الدولة ومدى تدخلها في الحياة الاقتصادية والإدارية على المستويين الكلى والجزئي بمعنى آخر ما هي النظرة المستقبلية لدور القطاع العام في ظل التحولات الدولية ؟ هل نرغب بتطبيق النموذج الصيني أم الليبرالي أم المصري والتونسي ؟ أم نرغب في نظام يجمع في طياته محاسن كافة هذه النظم ويستبعد عثراتها ويتجنب أخطاءها ؟ أم أن هناك نظاماً خاصاً بنا في سورية يجب علينا تحديد طبيعته ومعالمه . - ما هو موقع الخارطة الإدارية السورية بالمقارنة مع خرائط الدول الأخرى من حيث الكفاءة والفاعلية والقدرة على تقديم أفضل الخدمات وأقلها تكلفة ، لكي نعرف الأرضية التي نقف عليها ومدى صلابتها من أجل الانتقال للأفضل والارتقاء بمؤسساتنا الإدارية نحو المزيد من التقدم والتطور. - ما هي الأشياء التي يتوجب علينا فعلها من أجل زج كافة الإمكانات البشرية والمادية وهي كثيرة ومتنوعة وهامة جداً من أجل تحسين مستوى كفاءة النظم الإدارية وبالتالي تحقيق معدلات نمو تفوق معدلات النمو السكاني . لا بد من اعادة تقييم تجربة المعهد الوطني للإدارة لجهة استثمار الخريجين واعادة الحافز لفهم روح التجربة - علينا أن نفكر جيداً بكيفية إعادة اختراع الإنسان قبل إعادة اختراع الحكومة وأجهزتها الإدارية بحيث تتاح له حرية الإبداع والمبادرة ، والعمل لتهيئة الظروف المواتية من أجل استقطاب العقول والخبرات المتميزة المهاجرة مع الاحتفاظ بالأطر البشرية القائمة وإعادة تأهيلها عبر سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى خلق ظروف وشروط عمل مواتية من النواحي المادية والمعنوية والبيئة العلمية الإنتاجية مع توفير مستلزمات الإبداع . في ضوء ما تقدم يمكن الاستنتاج بأن مشروع الإصلاح الإداري في سورية لا يزال يحبو في بداية الطريق ويحتاج إلى إعادة تفكير من جديد عبر شبكة واسعة ومتعمقة من الفعاليات السياسية والاقتصادية والإدارية والمجتمعية القادرة على تحديد الأرضية المناسبة لبناء قاعدة الإصلاح الإداري للارتقاء بالأداء الحكومي بما يتماشى والتحديات التي تواجهنا من جهة والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة من جهة ثانية .
#عبد_الرحمن_تيشوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور الانترنت السريع والرخيص في اصلاح الادارة العامة وحل مشاك
...
-
مراحل اصلاح الادارة العامة ومجالاته واتجاهاته
-
في ابعاد نهج التطوير والتغيير والتحديث والعصرنة
-
هل الاقتصاد السوري ورد يا ام اسودا ؟؟؟؟
-
تفعيل دور المحافظات والمحليات شرط اساسي لتحقيق الاصلاح المنش
...
-
اصلاح المالية العامة لايقل اهمية عن اصلاح الادارة العامة لكن
...
-
اصلاح الادارة وادارة الجودة
-
لا يعتبر الاصلاح ناجحا الا اذا رأى المواطنون ذلك
-
الحكومةبحاجة ماسة الى الحصول على استشارات في مجال الادارة
-
بعض المدراء الضعفاء وانعدام الرؤية التطويرية
-
اصلاح الادارة العامة مدخل لحل المشاكل الاجتماعية والسياسية و
...
-
اصلاح الوظائف العامة شرط رئيسي لتحقيق نمو اقتصادي مستدام
-
اداء قطاع الادارة العامة خلال الخطة العاشرة هل تحققت الاهداف
...
-
هل نستطيع ان نصل الى ادارة مبادرة مهنية شفافة خلال 10 سنوات
...
-
وضع خطط تطوير تفصيلية امر لابد منه لتحقيق الاصلاح المنشود
-
التطوير الاداراي يتطلب استخدام احدث تقنيات المعلومات
-
برنامج تحسين علاقة الادارة بالمواطن
-
معيار الخدمات العامة في المملكة المتحدة الحكم الرشيد
-
معايير القانون الاداري وفق الاوربيين
-
رضى الناس اهم معيار لتقديم الخدمات
المزيد.....
-
الدولار بأعلى مستوى في 13 شهرا وبيتكوين تقترب من 100 ألف دول
...
-
مرسيدس تعتزم خفض التكاليف واحتجاجات في مقر فولكس فاغن
-
-غولدمان ساكس- يتوقع ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولاراً
-
أكبر متجر إلكتروني روسي يطرح قميصا بصورة بوتين وخلفه صاروخ -
...
-
كم حصتك من -أموال العالم مجتمعة- لو وزعت على سكان الأرض بالت
...
-
إيران تتقدم بطلب للانضمام إلى بنك مجموعة -بريكس-
-
خبراء يحذرون من تأثر إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا بسبب
...
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا ضخما
-
أوغندا تضع حجر الأساس لمشروع سكة حديد تصل كينيا
-
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|