|
طاغور
طه إسماعيل محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3052 - 2010 / 7 / 3 - 13:59
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
من سلة المهملات...... طاغور قادتني قدماي دون قصد مني الى محل للحلاقة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ادلف فيها الى هذا المحل مع أنه في طريقي المعتاد في ذلك الزمان. وما أن جلست كما العادة بانتظار دوري حتى وجدت نفسي أمام لوحة معلقة في صدر المحل عليها ما يلي:- قال الأمام علي كرم الله وجهه:- "يا رب لا تجعلني جزارا يذبح الخرفان ولا شاة يذبحها الجزارون. يا رب ساعدني على أن أقول كلمة الحق في وجه الأقوياء و ساعدني على ألا أقول الباطل لأكسب تصفيق الضعفاء. يا رب إذا أعطيتني مالا لا تأخذ سعادتي و إذ أعطيتني قوه لا تأخذ عقلي و إذ أعطيتني نجاحا لا تأخذ تواضعي و إذا أعطيتني تواضعا لا تأخذ اعتزازي بكرامتي. يا رب علمني أن أحب للناس كما أحب لنفسي وعلمني أن أحاسب نفسي كما أحاسب الناس. يا رب ساعدني على أن أرى الناحيه الأخرى من الصورة و لا تتركني أتهم خصومي بإنهم خونة لأنهم اختلفوا معي في الرأي. يا رب علمني إن التسامح هو أكبر مراتب القوه , وأن حب الانتقام هو أول مظاهر الضعف. يا رب لا تدعني أصاب بالغرور إذا نجحت و لا أصاب باليأس إذا فشلت بل ذكرني دائما بأن الفشل هو التجارب التي تسبق النجاح. يا رب إذا جردتني من المال اترك لي الأمل و إذا جردتني من النجاح إترك لي قوة العناد حتى أتغلب على الفشل و إذا جردتني من نعمة الصحه إترك لي نعمة الإيمان. يا رب إذا أسئت إلى الناس أعطني شجاعة الإعتذار،وأذا أساء إلي الناس أعطني شجاعة العفو و الغفران. يا رب إذا نسيتك لا تنساني." وحاولت جهدي أن أقنع صاحب المحل أن الإمام علي هو واحد من أعظم ما أنجب التأريخ الإسلامي، وله خطب وحكم تصلح أن تكون نبراساً لأمم، ولكن ذلك لا يمنع أن هذا الدعاء ليس للإمام علي، تماماً كما أنه ليس لأي من أئمة الإسلام، ولكنه للفيلسوف الهندي طاغور. وأن الإمام علي ليس بحاجة أن ينسب له قول غيره لأنه ليس هنالك ضوء يزيد ضوء الشمس إضاءة. فما كان منه إلا أن اشتعل غضباً وراح يلعن الدنيا وما فيها، ويقسم أشد القسم أن هذه هي كلمات للإمام بلا زيادة ولا نقصان (لم يقل بأنه سمعه منه شخصياً) وأنه متأكد من ذلك تأكده من شكل الرأس الذي أمامه وطرق على الرأس بمقصه جعلت الشاب الذي كان على كرسي الحلاقة يتأوه وهو يلعن (في سره) طاغور وسلسفيل طاغور. واضطررت للإنسحاب وأنا المح في نظرة الحلاق اسفه على جهلي المدقع بمقولات الإمام علي، وعطفاً على المصير الأسود الذي ينتظرني في جهنم يوم لا ينفع مال ولا بنون. ولد رابندراناث طاغور عام 1861في القسم البنغالي من مدينة كلكوتا الهندية من اسرة غنية من طبقة البراهما الكهنوتية (الهندوسية)، وتعلم على يد أبيه واخوانه الكبار وعدد من أغزر علماء الهند علماً في زمانه، كما درس القانون في كلية لندن الجامعة في انكلترا الا أن دراسة القانون لم تستهوه فعاد أدراجه الى كلكتا دون أن يستكمل دراسته. وحصل طاغور على جائزة نوبل للآداب عام 1913 بعد أقل من سنة من ترجمة ونشر ديوانه (قربان الاغاني)، التي حوت قصائده –كما بينت اللجنة- حضوراً روحياً هائلاً، وكلمات فائقة الحسية وجمالاً اخاذاً غير مستهلك. توفى طاغور عام 1941 عن 80 عاماً مخلفاً وراءه تراثاً أدبياً ومسرحياً هائلاً تتسم بطابع الحب الصوفي والعلو الروحي. ويعبر شعر طاغور أصدق تعبير عن ألق الشرق الهندي المستمد من الصفاء الروحي للعقيدة الهندوسية التي تدعو الى الحب كهدف سامي قائم بحد ذاته لا يستهدف من بعده حب الآخرين أوطمع في الجنة، بل لأنها الوسيلة الوحيدة التي تصل بها روحك الى قمة صفائها، اسمع... "إن الحب المكتوم لحبٌ مقدس إنه يتلألأ كجوهرة في غيهب القلب الخفي ويبدو على نور النهار الفاضح قاتماً جديراً بالشفقة" والفيلسوف الهندي يبقى حائراً يطير في السماوات بحثاً عن الحقيقة المستحيلة، لذلك تراه يزهد عن الطعام والأحباب لتخلص روحه في عالم البحث المرهق اللذيذ. تأمل.... "أنا لا أظفر بالراحة أنا ضامئ الى الأشياء البعيدة المنال إن روحي تهفو تواقة الى لمس طرف المدى المظلم أنا أنسى، انسى دائماً أني لا أملك جناحاً لأطير وأني مقيد دوماً بهذا المكان" والتواضع أساس الديانة الهندوسية، والجهل فيه أول مراتب المعرفة، ولذلك فأنك قلما تلاقي هندياً يظهر لك ذكاءَه مع أنهم أذكى سكان الأرض طراً. تأمل.... "وأضرب في غياهب الليل لأني جاهل ولم أتلقَ علماً كافياً حتى أخشاك في الظلام وبذلك بلغت بابك دون أن أدري" إن صديقي الحلاق أخطأ حين ظن أن الدعاء هو للإمام علي كرم الله وجهه الشريف، ولكن كان لخطئه عذر، فالفكر الإنساني الراقي يوصل دائماً الى نتائج متشابهه، وإنه وإن كانت جل المعارف والإستنتاجات الإنسانية نسبية، فإن المفاهيم الأخلاقية العليا مطلقة تدعو جميعها لخير البشر وسموهم الروحي. بقى أن نعلم أن زيارتي الأولى للحلاق كانت الأخيرة أيضاً، ليس بسبب جهله، ولكن لأن حلاقته لم تعجبني....
#طه_إسماعيل_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة
/ سالم سليمان
-
تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
/ عصام البغدادي
المزيد.....
|