أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - حسن العمراوي - الإشتراكي الموحد : التحضير للمؤتمر الثالث مشاريع أرضيات 1















المزيد.....



الإشتراكي الموحد : التحضير للمؤتمر الثالث مشاريع أرضيات 1


حسن العمراوي

الحوار المتمدن-العدد: 3050 - 2010 / 7 / 1 - 09:59
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


مساهمة أولية في التحضير للمؤتمر الثالث
قضايا ومطارحات
مقدمات على سبيل التوضيح

لا تتوخى هذه المساهمة الثانية التي نقترحها على الرفيقات والرفاق في لجنة التحضير أن تجيب على كل الأسئلة والانشغالات التي وجدت تعبيرها فيما يفوق العشرة جلسة من المناقشة المفتوحة حول موضوعات المؤتمر القادم.
وحين نقر بهذا فليس من باب التواضع المجاني الذي يعلن الشيء ويرتكب ضده .فنحن فعلا ليست لنا إلا بعض من الأفكار حاولنا أن نخرجها من " برودة " اللغة والتواءاتها التي تخفي أكثر مما تكشف ، وتركب حصان عبارات لا تنتمي إلى قاموس السياسة فعلا ونظرا .
لقد أكدنا أكثر من مرة أن زمن الوثائق " المذهبية " قد ولى مع زمن الكليات اليقينية والحقائق الثابتة ، التي تملك مؤسسات المكاتب السياسية وحدها نواصيها فالزمن أصبح زمن المطالبة بالديمقراطية ، داخل الحزب وداخل المجتمع وداخل الدولة بكل فضاءاتها . ومن العلامات المؤسسة للفكرة الديمقراطية – كما يعلم جميع الرفاق – أن تتأسس على العقل الذي هو أعدل قسمة بين الناس الذي من بينهم رفيقاتنا ورفاقنا رفاق الصف اليساري المغربي ، ومن يؤمن بهذه المعادلة سيكون مجبرا على الإيمان بفكرة النسبية ، نسبية الآراء والمعلومات والتحاليل والمقترحات وكذا المشاريع المتناقضة أو المتفاوتة . وإننا لا نخفي أن الأجواء التي يجري فيها التحضير لمؤتمرنا القادم أخذت توفر جزءا من هذه الروح خارج ضغط المساطير التنظيمية الباردة التي لا يعني بالضرورة إتقان آلياتها النجاح في مهمة إنجاز مؤتمر نوعي مساير لزمنه السياسي .
وفي هذا الباب نرى – في البداية – أن أهم المهمات وأعجلها والتي على مؤتمرنا القادم أن لا يقدم فيها تنازلا معرفيا هي مهمة التشخيص الصريح للذات اليسارية قبل ومن أجل إعادة الحيوية والأمل للنضال من أجل فوز قضية الديمقراطية في بلادنا . وهنا يقوم السؤال الأكبر في وجهنا والذي علينا تقع مسؤولية الإجابة عنه والذي علينا أن نعرض فيه أجوبة غير متهربة :
- ما مسؤوليتنا في فشل المشروع الديمقراطي في المغرب ؟ وما حصتنا في تراجع الحلم الاشتراكي ؟ والرأي الاشتراكي والسلوك الاشتراكي في بلد أخذت الأفكار الرجعية باسم الدين أو باسم الدولة تعلن عن نفسها جهرا ودون احتشام ؟.
لكم هي لحظة رائعة أن نجد أنفسنا في وضعية تسود فيها النسبية وبالتالي يكون الرفيقات والرفاق متساوون أمام بعضهم بعضا في الآراء وفي التعبير عن الآراء دونما ادعاء من أحد أن له الصواب الكامل أو النهائي ، أو أنه وحده قلبه وعقله على الفكرة والمشروع الذي انخرطنا فيه جميعا عن وعي ودونما وصاية من أحد .
ولكم هو أكثر روعة أن يرافق هذا المناخ غنى وفير في الأفكار والمقاربات التي يبدو أن اليسار المغربي بكل فصائله وكأنه قد أزاحها من اهتمامه ، لصالح منهج في التعامل مع السياسة " يحتقر " علانية وبدعاوي مختلفة قيم التأمل ، والتفكير والتحليل والإطلاع على الكتابات النظرية العالمية والوطنية .
إن قدرنا المحتوم علينا في هذه الظرفية التاريخية الدقيقة ، هو أن نلعب دورنا كفاعل في السياسة وكفصيل يساري حيوي في مد اليساريات واليساريين بخميرة تفكير وتساؤلات تساهم في إعادة صياغة مشروعنا الديمقراطي ، بل والأهم في ذلك تدفع في اتجاه أن تصبح السياسة فعلا مدنيا مشاعا ، وحقلا مفتوحا لتجاذب وتعدد المشاريع .
مؤتمرنا في سياقه التاريخي والسياسي

يتزامن التحضير للمؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد مع نهاية معادلة سياسية أطرت لمرحلة سياسية بكاملها ، دفعت المغرب لدخول موجة من التحولات الكبرى التي كانت أبرز علاماتها وقوع حدثين بارزين أطرا كل المسار السياسي للعقد الأخير الذي لا زلنا نحيا تبعاته الارتدادية إلى اليوم هذين الحدثين يمكن إجمالهما في :
- وفاة الملك الحسن الثاني واعتلاء ابنه محمد السادس كرسي العرش .وخروج الدولة من هذه اللحظة الانتقالية دون خسائر ودونما أن تقطع بتبصر تاريخي مع تركة العهد السابق الذي بقيت استمرارية تقاليده وطقوسه وسلوكيات رجالاته حاضرة وكأنها تراقب حدود ما سيسفر عنه هذا الانتقال من ملك غادر الحياة ، إلى ملك ملك عقدت عليه فصائل من النخبة السياسية المغربية أمالا ورهانات لم يكن لها ما يسندها في الواقع سوى معطيات لها علاقة بالجانب النفسي والرمزي . فلقد أحست هاته النخب بنفسها وقد تحللت من ثقل نظام مغرق في السلطوية وفي النزوع الفردي للحكم مما قد يفتح الباب مشرعا – في نظرها - لإنجاز انتقال أعمق من مجرد انتقال خلافة الملك أي انتقال نحو الديمقراطية وبناء دولة العدالة والقانون .
ولقد كان لبعض المبادرات ذات الطابع الرمزي التي اتخذها الملك الجديد وقع الجاذبية النفسية في رفع درجات الآمال والطموحات عند بعض قوى المعارضة التاريخية التي سبق لجزء من قياداتها أن دشنت مسارا للتوافق مع نظام الحسن الثاني بمقتضاه جرت عملية تفاهم سياسية تقضي بإدراجها إلى مسؤولية التسيير الحكومي ، كلحظة اختبار لنواياها ولمدى استعدادها لإزاحة الجوهري في مطالبها أي إشكالية الحكم والسيادة الشعبية كمصدر للسلطة . في ذات الوقت الذي كانت فيه قيادة هذا الجزء من المعارضة تراهن على إمكانية التدرج خطوة خطوة في اتجاه تغيير ميزان القوى من داخل هاته اللعبة وطرح القضايا الرئيسية المرتبطة بمسألة التداول على السلطة .
وفي هذا الباب يمكن استجلاء معنى التسوية السياسية التي سهر على إنجاز تفاصيلها المعلنة وغير المعلنة الكاتب العام السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحمان اليوسفي من موقع رمزيته التاريخية كرجل عايش المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي ومعارضة نظام الحسن الثاني حتى قبل أن يصبح ملكا . ولقد ظهر فيما بعد أن مستوجبات هاته التسوية قد فرضت أن تعلن في البدء هذه القوى التي كانت تشكل الطرف الرئيسي في الكتلة الديمقراطية ما يسمى بإعلان النوايا الأول للملكية الذي بموجبه تخلت - و لأول مر ة في التاريخ السياسي الحديث لمغرب ما بعد الاستقلال - عن اعتراضها على الدستور الذي اقترحه الملك في صيغة ما يعرف بدستور 96 .
وعلى عكس ما دافع عنه دعاة هذا التصويت الإيجابي قبل وبعد هذا التصويت فإن ما أفرزته صناديق الاقتراع أثناء الانتخابات البرلمانية التي ستلي لحظة التصويت على الدستور ستؤكد أن التوافق المتفاهم عليه بالنسبة للملكية هو توافق لا يقضي بتبديل ميزان قوى كان سائدا بميزان قوى جديد تعلن فيه الدولة المغربية تخليها عن ممارستها القديمة التي مدخلها السياسي هو قيام مؤسسة التزوير كمؤسسة رئيسية في ضبط الحقل السياسي وضبط خرائطه وفق أفق منظورها الخاص . فلقد أسفرت تلك الانتخابات على نتائج دالة المعنى عنوانها الرئيسي هو ألا أحد في الانتخابات المغربية بإمكانه أن يدعي أن له القوة الانتخابية التي تؤهله أن يقود سياسة البلاد من موقع السلطة التنفيذية بتحالف أو بغير تحالف . فالقوة الرئيسية تقع خارج الحقل الانتخابي إنها : القوة الملكية بأدواتها التي بنت هياكلها طيلة الأربعين سنة التي مضت منذ الستينات ، داخلية وجيش وبيروقراطية فاسدة تعيش من الريع وعلى الريع وأحزاب هلامية خلقتها الملكية ورعتها بأقطابها وأطرها ومالها ونفوذها المتسلل للاقتصاد . إن النتائج التي حصلت عليها الأطراف الثلاثة التي صوتت على الدستور من داخل صف الكتلة الديمقراطية .كانت تعني في العمق تقزيم الصف المطالب بالديمقراطية وبالإصلاحات السياسية الدستورية وخلق الشروط الواقعية لقبوله العرض الملكي بالمساهمة الحكومية الشكلية التي لا صلاحية لها سوى ما يهبه لها الملك بالرغبة وبالمزاج وبشكل شفوي غير مكتوب .
وعليه فإن كل المعارك التي حاول عبد الرحمان اليوسفي والمناصرين لأطروحته التي ركز صياغتها في مفهوم الإشارة والإرسالية أهم من النص سيكتب عليها الفشل مسبقا ... لأن مقدمات العرض المذكور والشكل الذي تم به العرض والقوى التي أعطاها الملك الحسن الثاني الأمر بتقديم المساعدة لعبد الرحمان اليوسفي (أحزاب وزارة الداخلية الإدارية ) كانت تلغي أو على الأقل تؤجل لتاريخ غير مذكور مطلب توازن السلط بين المؤسسة الملكية والجهاز التنفيذي ، وما سيسمى بمطلب استقلالية مؤسسة الوزير الأول وتزويدها بالصلاحيات ليكون وزيرها الأول رئيسا لفريق يحكم وله برنامج يعرضه على الغرفة التشريعية ، يقنع به الرأي العام ويكون أساسا لمحاسبته في نهاية الولاية الحكومية . إن ما لم يأت به دستور 1996 بواسطة أسلوب عدم الذكر قد جرى التأشير عليه سياسيا من خلال نتائج انتخابات 1997 , حيث ارتفع اللبس وتبين أن وهم تغيير المخزن من داخل أدوات المخزن هي عملية تقترب من الاستحالة ، وأن الحلم باقتسام السلطة مع الملكية يحتاج إلى مقدمات أخرى لا يلبس فيها حاملي مطلب الإصلاح الديمقراطي لباس أبطال التراجيديا الذين يموتون واقفين وأسلحتهم إلى الوراء .
لقد كان هذا هو مال المحاولة الثانية لإنقاذ المغرب من سطوة النظام الملكي الفردي عبر الانتقال إلى نظام ملكي برلماني ، وهذه إحدى الخلاصات الثمينة التي نصص عليها قائد هذه التجربة الثانية في عرضه أمام الأممية الاشتراكية ببروكسيل ، وهي نفس الروح النقدية الذاتية التي كان قد تضمنها النص الشهير للمهدي بنبركة المعروف عنوانا بالاختيار الثوري . وهو الأمر الذي يدعوننا اليوم إلى طرح السؤال الجوهري بشأن انتكاسة أصحاب المشروع الديمقراطي : لماذا فشل مشروع الإصلاح الديمقراطي المغربي منذ 1956 إلى اليوم ؟ وهل الخلل في المشروع نفسه أم في الحاملين لرايته ؟ وهل الأمر يتعلق فقط بمسألة ميزان قوى تحتل فيه الملكية موقع الغالب والقوى الوطنية الديمقراطية موقع المغلوب ؟ وما معنى أن يتكرر الفشل لمرات عديدة حتى يصبح مشهد الفشل وكأنه قدر لا راد لقضائه ؟
– النهاية المأسوية لسنة 2002 أو انتهاء صفقة التناوب التوافقي : لن نكون مفرطين في الوصف إذا ما شبهنا مرة أخرى لحظة التخلي عن عبد الرحمان اليوسفي كوزير أول بلحظة إقالة عبدالله إبراهيم بعد ما يقارب السنتين من تحمله لمسؤولية رئاسة الحكومة التي سيذكرها التاريخ السياسي المعاصر بأنها الحكومة التي باشرت بناء الأسس الأولى لدولة ما بعد الاستقلال .
والتشابه المذكور الذي نحيل عليه بالدرجة الأولى في أن الرجلين عبرا وبنفس الدرجة عن صدق النوايا على رغبة في إمكانية صنع لحظة وطنية مشتركة بين الملكية من جهة والجزء الرئيسي المهيمن داخل صفوف الحركة الوطنية ، غير أن هذه الرغبة في الحالتين معا ستصطدم بجدار المعارضة المكشوفة من المحيط الملكي الذي لا يحبذ أصحابه بنوعية أفكارهم ونوعية مصالحهم أن يتساوى الطرفان الملكية / وفصائل الحركة الوطنية الديمقراطية ، وأن يكون لهما نفس الوزن والكلمة في رسم مسارات المغرب وآفاقه القادمة .
غير أن المثير في هذين الاختبارين من الزاوية السياسية ليس الوقوف عند نتائجها المباشرة والقول " أنه لم يكن بالإمكان أحسن مما كان " ، فعبدالله إبراهيم ورفاقه فعلوا ما كان بإمكانهم فعله ؟؟ ونفس الشيء قام به عبد الرحمان اليوسفي والمتحمسين لمقاربته طيلة سنوات 1998 – 2002 ، إن ما هو مطلوب تمحيص النظر فيه : هو لماذا وقع ما وقع وكيف وقع ؟ وهل كان بالضرورة أن يتكرر المشهد نفسه لينتج الإحساس بالهزيمة ، وتفرق وتشظي القوى الحاملة لمشروع الإصلاح الديمقراطي وتساويها في الضعف والتراجع ، وأن لا ينبثق من صلبها تيار أو تيارات لها من الحنكة السياسية والعزيمة الميدانية ما يجعلها تأخذ على عاتقها تجدير الفكرة الديمقراطية وحماية الوسائل والأدوات المؤذية إليها ( حركة جماهيرية سياسية وميدانية واسعة ) وكذا استئناف نهوضها في حالة الكبوة والأزمة ؟؟؟
إن الذين اعتبروا أن أزمة المشروع الديمقراطي ، وأزمة اليسار عطفا عليها قد دشنت فترة تصاعدها " بالنهاية المأساوية " لسنة 2002 يخفون في العمق كثيرا من الحقيقة ويقدمون الأمر كما لو أن لا مسؤولية لنا ( هم ونحن ) ( موالاة ومعارضة ) في هذا الإخفاق ، فكما لو أن القضية هي قضية سوء تقدير بالنسبة لنا وبالنسبة للملكية هي قضية انقلاب على اتفاق جرى بين عبد الرحمان اليوسفي والملك الحسن الثاني ، وأن أصحاب " العهد الجديد " لم يعودوا بعد أن تصلب عودهم ومرت مراحل خلافة الملك بسلم كبير ، معنيين بذلك الاتفاق . والحال أن ما يستوجب المسائلة في هذا السياق ، هو هل كان هناك فعلا اتفاق قد حصل بالفعل ؟ اتفاق بالمعنى التاريخي ، مكتوب ومعروف وحصل عليه نقاش وطني وضح الأسس ورسم الضمانات وحدد الأفاق وبين معالم المشروع الوطني المغربي الذي ستأتلف عليه الدولة والمجتمع ؟
والخلاصة الكبرى أن تسوية 1996 و1998 التي خاضتها جزء مهم من فصائل الحركة الوطنية الديمقراطية ، لم تفض كما كان مأمولا إلى وضع الأسس الموضوعية والسياسية والمؤسساتية التي تصنع التناوب أو التداول السلمي والديمقراطي على الحكم ،ودون أن تتمكن في ذات الوقت القوى التي عارضت هذا المنحى خصوصا تيارات اليسار الراديكالي أن تتبلور كحركة معارضة وذات نفوذ جماهيري ، وما يطرحه ذلك من أسئلة وإشكالات ترتبط لحد كبير بالمنظور الإستراتيجي والرؤية السياسية والبرنامجية التي أطرت عمل هذه الحركة الديمقراطية التقدمية واليسارية مجتمعة ، بما فيها منظورها لإستراتيجية النضال الديمقراطي .
وبالمحصلة ينعقد المؤتمر إذا في طل تحولات جوهرية في المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي حكمت المراحل السياسية السابقة - وفي ظل معطيين سياسيين مترابطين بالغ الأهمية ، تقف فيه الدولة على عتبة اقتحام مرحلة سياسية جديدة في الأداء وفي العلاقة مع مكونات المشهد السياسي وفي تثبيت نفسه النظام السياسي الذي ساد في المراحل السياسية السابقة ، وتقف فيه القوى الديمقراطية وهي في منتصف الطريق عاجزة حائرة ومترددة - ولا يمكن نهائيا لحزبنا أن يستشرف منظوره لمعالم المرحلة السياسية الحالية دون أن يستوعب أهمية هذه التحولات وأن يأخذها بعين الاعتبار من أجل بلورة التوجه والنظرة الجديدة لمسار تطور المغرب في أفق ذات المهمة التاريخية المطروحة استكمال مهمة بناء الدولة والمجتمع الديمقراطيين ، إنها المهمة التي يجد الحزب نفسه أمامها ، ولا يشفع له وضعه الذاتي ولا حجمه في الخريطة السياسية أن يدير لها الظهر ويكتفي أو يستبطن أن حجمه وقوته في المشهد السياسي لا تتطلب منه أكثر من الحفاظ على الذات .
السياق السياسي الذي ينعقد فيه المؤتمر
انتخابات السابع من شتنبر لحظة مفصلية

في نظرنا لا تنفصل هذه المحطة عن ما سبقها ، فهي بالنسبة لنا كانت التتويج الميكيافلي لأطراف من الدولة وهي تشعر أن لحطة ضعف الحركة الديمقراطية واليسارية تمنحها فرصة دفع عجلة التاريخ السياسي المغربي الراهن في اتجاه يقضي أو يقلص إلى درجة قصوى أي إمكانية أخرى لانتصار المشروع الديمقراطي .ولقد ساعد في غلبة هذا المنحى الكيفية الرديئة التي أدار بها من خلفوا غياب عبد الرحمان اليوسفي أشواط الصراع السياسي ليصبح البقاء في الحكومة بمبرر استكمال أوراش الإصلاح وبلغة المنهجية الديمقراطية غاية في حد ذاته ، بل أهم وجوهر كل الغايات .
لقد شكلت انتخابات السابع من شتنبر لحظة مفصلية في الحياة السياسية المغربية ،لا بسبب العزوف الانتخابي الذي تميزت به ، ولا بسبب فقدان الحركة الديمقراطية والتقدمية لنسبة مهمة من جمهورها رغم أهمية ذلك في سياق التحليل ، وإنما باعتبارها كشفت بشكل لا غبار عليه عن انتهاء معادلة سياسية كانت في جوهرها قد تأسست على معطى تاريخي جعل من الحركة الوطنية بكل امتداداتها ، و القصر الطرفين الأساسيين في أي تحول يمكن أن تدخله البلاد . وبات واضحا مع كل التجارب التي حدثت في سياق التفاهم مع هذه القوى انه لم يكن في جوهره ينم عن أية إرادة سياسية لنقل المغرب نحو الديمقراطية الحقيقية ، و بأن التوافق كما أجريت فصوله منذ بداية التسعينات إلى تاريخ تشكيل حكومة عبد الرحمان اليوسفي ، لم يكن في أحد أهم عناصره يريد غير تطبيع علاقة الحركة الديمقراطية التقدمية بالأحزاب الإدارية ومنح الشرعية لهذه الأخيرة باعتبارها احتياطيا يضمن لحكومة التناوب ما يسمى بأغلبيتها . ولم يكن التوافق يعني سوى إدخال هذه القوى لمربع ضئيل في لعبة السلطة وإنهاء حالة الاعتراض السياسي الذي طبع سلوكها المنازع منذ الاستقلال ، وتحويل ذلك التوافق من طابعه الإيجابي العام لتوافق سلبي غير منتج مع المتنفدين داخل الدولة والمفسدين الراغبين في حماية مصالحهم وشبكاتهم الزبونية والامتيازات غير المشروعة التي راكموها بسبب غياب الديمقراطية وقواعد المحاسبة والمسائلة ، وهم اليوم يضعون المغرب مرة أخرى أمام الباب المسدود .
لقد كان من الممكن بعد وفاة الملك الحسن الثاني واعتلاء ولي عهده الملك أن يشكل هذا الحدث انعطافة حقيقية في الحياة السياسية المغربية ، وأن يتم مواجهة الإرث الثقيل الذي خلفه العهد السابق ، إلا أن هذه الانعطافة لم تحدث ، وهذه المراهنة لم تتحقق وأن الانفراج السياسي الذي حدث سرعان ما تم طيه بل والأهم من ذلك نحن نعيش اليوم اختلالا حقيقيا في موازين القوى بسبب أن جزءا هاما من الحركة الديمقراطية قبل بما هو دون الحد الأدنى الذي تبلور في برنامج الكتلة في بداية التسعينات والذي اصطلح عليه ببرنامج الإصلاحات السياسية والدستورية و قبلت التعايش والقبول بالأمر الواقع الذي يعطي للمؤسسة الملكية الدور المحوري والأساسي والوحيد في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد حافظ الحزب على جزء هام من الدور الاعتراضي ، وظل عموما متمسكا بالمدخل السياسي والدستوري وإصلاح النظام السياسي المغربي كفتح لا غنى عنه لتدشين سيرورة نهضة مغربية على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، إلا أن هذا الاعتراض ظل اعتراضا مبدئيا غير مسنود بحركة جماهيرية متعددة الروافد والرؤى هي جزءا من ذلك الاعتراض وسنده الحاسم .

أزمة اليسار أزمة الحركة الديمقراطية ... -
جزء من أزمة المشروع الديمقراطي

- ينعقد المؤتمر في ظل وضعية عنوانها الأساسي ضعف وهامشية الحركة الديمقراطية والتقدمية واليسارية ، فإضافة لفقدان هذه القوى لجزء هام من شعبها خلال الانتخابات الأخيرة ، وإضافة لتشتت أغلب أدوات الدفاع المدني التي كان لهذه القوى دور هام وأساسي في استنهاضها . إضافة إلى ذلك كله تعيش هذه القوى وضعية لم تكن مسبوقة تتمثل في تأكل تنظيماتها وفي تراجع تأثيرها وفي ضبابية عروضها السياسية وفي ازدواجية سلوكها بين ما تدعيه وما تمارسه حقيقة . بل الأنكى من ذلك افتقاد قياداتها وقسم كبير من قواعدها للبوصلة وللرؤية البعيدة التي صارت مطلبا نظريا وعمليا داخل محيطها القريب بمناضليه وعاطفيه الذين توسعت أسئلتهم وتوسع قلقهم .
إن هذا الوضع الذي لم تعد تخفى سماته على أحد هو ما تواضع جميع المناضلين اليساريين اليوم على تسميته بوضع أزمة اليسار وأزمة الحركة الديمقراطية .
مع العلم –وهنا يجب التوضيح – أننا حين نتحدث في هذه المساهمة عن أزمة اليسار فإننا نرى انه من الواجب النظري أن نميز بين أزمة اليسار وبين أزمة الحركة الديمقراطية . فالأولى في اعتقادنا ذات طبيعة إيديولوجية سياسية ، أما الثانية فبحكم شمولها لتيارات مجتمعية أخرى ليست بالضرورة من طبيعة يسارية فإنها ذات جوهر سياسي ومجتمعي . وللأسف فإن قوى اليسار بعموم مشاربها لم تستطع أن تقيم الفاصل بين الأمرين وهو ما ينطوي في نظرنا على ما يشبه الخدعة النظرية والسياسية التي ستنعكس على ممارسة اليساريين وهم يتناولون موضوعة أزمة اليسار وأزمة الحركة الديمقراطية.
صحيح أن قوى اليسار تاريخيا هي القوة السياسية التي كلفت نفسها قبل الآخرين بمشكلة الديمقراطية في بلادنا ونذرت ذاتها للنضال العسير والمكلف معنويا وماديا في ظل نظام استبدادي فردي من أجل رفع راية الحق في بناء الدولة الديمقراطية ...لكن هذا لا يعني بتاتا أن قوى اليسار من الزاوية السوسيولوجية الموضوعية هي وحدها المعنية بهذا المطلب . فهناك قوى أخرى كامنة لها نفس المصلحة فكريا وطبقيا في إنجاز هذه المهمة ، ومن أهم هذه القوى ما كنا نصطلح عليه في أدبياتنا اليسارية بالبورجوازية الوطنية أو في ما صارت أدبيات علم السياسة تصطلح عليه بالطبقة الوسطى.
إن القول بأن أزمة اليسار المغربي هي أزمة إيديولوجية وسياسية يعني أن هذا اليسار لم يعد قوة وضوح في مجال الفكر السياسي وفي مجال وضوح انتمائه للإيديولوجية الاشتراكية ذات النفس الكوني كما كان في الماضي ، على الرغم من تفاوت تقييماتنا لذلك الماضي ، بحسناته وبأخطائه الصغرى والكبرى .
وحتى تتوضح صورة ما ندعيه نسارع إلى ذكر الأسباب التي أدت إلى ذلك . إن بقاء قوى اليسار المغربي - بعد سقوط جدار برلين وتفتت دول المعسكر الشرقي السابق - بعيدة عن الاجتهادات الإيديولوجية والعلمية التي تفجرت أوراقها وكتاباتها في كل بقاع المعمور جعل منا كعائلات اشتراكية مغربية صوتا خارج السياق الاشتراكي العالمي واجتهاداته ، وبالتالي حولنا ذلك الابتعاد إلى مجرد قوى سياسية تمارس السياسة بغير معرفة . وهو ما خلق انطباعا لدى الرأي العام بأننا صرنا كباقي القوى الأخرى التي لا فكر لها تقدمه في السياسة . لقد شاهدنا في لحظات نضالية عديدة كيف تشابه على الناس مشهدنا ونحن ندعو الناس إلى التصويت على لوائحنا بمشهد قوى من اليمين ومن الوسط تتكلم نفس الكلمات وتدعو لنفس البرامج .
وقد زاد من تعميق نتائج هذا الابتعاد ذلك الفقر المريع في إنتاج الأفكار على الصعيد الوطني اعتمادا على كفاءات أطرنا واعتمادا أيضا على ما تبلور كاجتهادات في الماركسية نفسها .
أما عن أزمة المشروع الديمقراطي فالتحليل يجب أن يأخذ بعده السياسي والطبقي ، ففي تقديرنا كل حديث عن مشروع ديمقراطي بدون وجود حركة اجتماعية قوية تسنده حديث مجرد يسقطنا كفاعلين سياسيين في أخطاء قاتلة تصور لنا أن المعركة من أجل الديمقراطية معركة نخب معزولة وليست قضية بشر على الأرض ينتمي إلى مواقع اجتماعية وإلى قيم فكرية تنحاز إلى الاختيار الديمقراطي أو تعاديه . كما أن هذه المقاربة تعوقنا على صعيد الممارسة ألا نعطي القيمة الكبرى لمسألة التحالفات التي هي واحدة من أثمن المداخل الضرورية لممارسة السياسة المؤثرة في الواقع وفي أحداثه وفي مجريات تحوله.
ولا نخفي سرا إذا قلنا أن هذا التمثل المثالي اللامادي اللاتاريخي للمعركة الديمقراطية هو من أحد الأصول التي تفسر أزمة المشروع الديمقراطي في المغرب وعدم قدرة الديمقراطيين المغاربة بمشاربهم الفكرية والاجتماعية المختلفة على جعله عنوان انتقال المغرب من زمن الاستبداد المزين إلى زمن العصر الحديث زمن المؤسسات والديمقراطية. وعليه فإن الكلام عن أزمة المشروع الديمقراطي ستقتضي منا أن نفتح العين على مجمل الخريطة الاجتماعية لنقرأ حاله قواها ومكوناتها ونفكك العلاقات القائمة بينها لعلنا نصل إلى تشخيص علمي بالأرقام والمؤشرات يهدينا في نهاية المطاف لمعرفة من هم أصدقاء وحلفائنا في هذه المعركة ومن هم الخصوم والأعداء فيها .
إن تعاطيا كهذا سيعيد الاعتبار للقيمة الخلاقة للتحليل الاشتراكي الذي تعلمنا منه منذ بدايات علاقتنا بالسياسة ، أن السياسة لا يستقيم معناها إلا بربطها بمسالك الاقتصاد ومسالك المجتمع .
- من سوء حظ حركة اليسار المغربي أن الأزمة التي يعيشها الحقل السياسي المغربي هي أزمة مزدوجة هي أزمة يسار وأزمة حركة ديمقراطية ، فعلى عكس مجموعة من التجارب العالمية التي لا تكون فيها أزمة الطرف الأول تعني في نفس الوقت أزمة الطرف الثاني بالضرورة أو العكس صحيح حيث تكون أزمة الطرف الثاني لا تلقي بظلالها على الطرف الأول فإن حالة المغرب تتجمع فيها معطيات الأزمتين معا . وهو ما سيفيد بأن جدول أعمال النضال السياسي والاجتماعي عسيرة ومليئة بالمهام التي ستتطلب التسلح بذكاء تاريخي ثاقب ومطابق لحاجيات بلد يحلم بناته وأبنائه بأن يعيشوا على أرضهم بكرامة وفي رخاء .
- إن المشروع الديمقراطي المغربي الذي ظل يراوح نفسه المكان بعد أزيد من نصف قرن ، وبعد كل التجارب الكفاحية التي خاضتها القوى الحاملة لهذا المشروع ، و ما راكمته من دروس وخبرات ثمينة تجد نفسها اليوم وهي لم تتمكن من تحقيق أهدافها الأساسية .
إن المؤتمر ملزم أن يجري تقييما شاملا وموضوعيا ، لا لما سطرته هذه القوى كأهداف وشعارات فقط بل أيضا وضع الممارسات على مشرح الدرس ، وذلك بغية الوصول للأسباب الرئيسية وللأعطاب الجوهرية التي قادت هذه القوى للوضع البئيس الذي وصلت إليه ، إن النقد والنقد الذاتي المفروض اليوم لا يستهدف تصفية حسابات ولا تسجيل نقط على أحد ، إن هدفه الأساسي هو التقدم في الخروج من وضعية الاستمرارية المطلقة لصالح بدايات قطيعة أو قطائع .
إن الاستمرار في التمسك بنفسها الممارسة ، والاستمرار في نفس الادعاء والقول المكرر أننا غير مسؤوليين عن فشل المشروع الديمقراطي ، و رمي الكرة في اتجاه الأخر معناه لا فقط تقوية منطق الاستمرارية وإنما الحكم علينا بالتلاشي والانقراض .
إن الطموح يفرض أن نضع حزبنا في قلب مهمة إعادة تأسيس المشروع الديمقراطي بمختلف أبعاده السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية ، وهي مهمة قبل أن تكون في جدول أعمال الآخرين - أو أن نتصورها كذلك - هي مهمة في جدول أعمال حاملي هذا المشروع والمدافعين عنه ، وهي مهمة قبل أن تكون محض مهمة عملية هي اليوم تأخذ في جزئها الغالب أبعادا تأسيسية فكرية .
إن إعادة الأمل للمشروع الديمقراطي وخلق أوسع التفاف حوله لا يمكن إنجازها خارج هذا المجهود الفكري التأسيسي , إن توضيح هذا المشروع وإعادة تعريفه يمر بالضرورة عبر إعادة تعريف اليسار كجزء من هذه القوى بل أحد أهم مكوناتها .
- ومن هذا المنطلق فإن لليسار هوية تميزه عن اليمين وعن المحافظين ، إن الوضوح يقتضي القول بكلمة بسيطة إن اليسار هو المستقبل بكل ما يعنيه هذا الانتماء للمستقبل من جرأة في الدفاع عن قيم الحريات وبما فيها طبعا الحريات الفردية ، وبكل ما يعنيه من جرأة في مواجهة دعاة العودة للماضي ودعوات الانغلاق والتطرف والشمولية ، إن اليسار هو التحيز للضعفاء ولصالح عدالة اجتماعية بكل ما يستلزمه ذلك من شجاعة في الجهر وفي مواجهة كل مظاهر الرشوة واقتصاد الريع ومظاهر البذخ والمزاجية في تحديد الأولويات الاقتصادية لهذه البلاد ، وبكل ما يعنيه أيضا من جرأة في مناهضة الاحتكار وتوظيف الشرعيات الدينية والتاريخية والسياسية للاستحواذ ومركزة الثروات والتهرب من الضرائب ، وبكل ما يعنيه ذلك من مواجهة مفتوحة مع الفاسدين والمفسدين الذين ينهبون المال العام ويستفيدون من أوضاع اختلالات توازن المؤسسات ، وغياب سلطة القضاء ، واليسار يحترم التعدد ويقدر التنوع بكل ما يعنيه ذلك من جرأة في مواجهة الهويات المنغلقة والوطنية الشوفينية ، واليسار ديمقراطي ومنسجم مع الديمقراطية حتى حدودها القصوى ، بكل ما يترتب على ذلك من جرأة في مواجهة الاستبداد والحط من كرامة الناس أيا كان مصدرها وكيفما كانت حيثياتها وأسبابها .
إن إعادة تعريف وتحديد هوية اليسار والممارسة على أساسها ليست مهمة ترف فكري وثقافي ولا هي نزوع أكاديمي بحث كما يعتقد البعض ، إنها جزء لا يتجزأ من إعادة بناء مشروع الانتقال نحو الديمقراطية والحداثة .
- إن مستقبل اليسار اليوم يكمن بالضبط في ماذا يمكن أن يقدم انطلاقا من هويته وقيمه لقاعدته وجمهوره ، وفي نفس الآن هل سيقتنع جمهوره وقاعدته الاجتماعية المفترضة بأن هذا اليسار – بعد تجربة كل هذه العقود – قادرا على إنجاز ما يقترحه على هذا الجمهور ؟ إن هذين السؤالين يثيران أيضا جملة من الأسئلة التي تتفرع عنهما . أبسطها وأعقدها في نفس الآن ما هي انتظارات جمهور وشعب اليسار ؟ وهل يعرف بالضبط هذا الجمهور انتظاراته من أحزاب اليسار؟ ؟ وفي هذه الحالة كيف يمكن لأحزاب اليسار وحزبنا ضمنها أن تحدث هذا الربط ؟ و أمام هيمنة التفكير في وهم الهوية الصافية النقية واعتبارها في أحيانا كثيرة أكبر من الدستور الديمقراطي ومن الصحة والتعليم هل وضعا كهذا يشكل عائقا أمام اليسار المغربي ؟ وما أسباب ذلك ؟ .
إن أسئلتنا هاته وغيرها من الأسئلة ذات الصلة تأتي في سياق سياسي خاص وجديد ، ما يحصل في غالبية دول المعمور هو أنه تم فك الارتباط بين اليسار السياسي وبين الأنظمة التسلطية ، ما يحدث في أمريكا اللاتنية وفي بعض بلدان أوربا الشرقية أن إعادة تأسيس وإحياء اليسار تتم في سياق السعي للوصول للحكم عن طريق الانتخابات بغرض تنفيذ البرنامج وفق الأليات الديمقراطية ، في حين أن مشكلة كثير من البلدان وبلدنا واحدة منها أن هذا الطريق لا زال مسدودا بسبب سلطوية الأنظمة السياسية .
إن التحدي في حالة اليسار أشد وأقوى من التحدي المطروح على باقي القوى ، إنه تحدي إعادة التأسيس الديمقراطي بهدف أولا إصلاح النظام السياسي وهو في ذلك قد يشترك مع الكثير ، لكنه مواجها بتحدي لا يقل أهمية وهو استمالة وإقناع قاعدته وجمهوره المفترض .

انسداد الأفق السياسي في المغرب أم انسداد أفق إستراتيجية التغيير كما بلورتها ومارستها القوى الديمقراطية التقدمية واليسارية

حوالي ثلاثة عقود تمر اليوم على تبني القوى الديمقراطية لخط النضال الديمقراطي ، وبالرغم من الأهمية التاريخية والسياسية الذي حققها هذا التبني من نتائج ومكاسب ، إلا أن تلك النتائج لم تكن بحجم الرهانات والأهداف التي سطرت .
- لقد انتهى هذا الاختيار لقبول جزء هام من قيادات هذه الحركة اليسارية لما هو أقل بكثير من الديمقراطية ، ولقبول جزء من كعكة السلطة وبتنازلات حقيقية لصالح عودة متجددة للديمقراطية الشكلية التي تبقي من حيث الجوهر السياسي على نظام حكم فردي .
- وانتهى هذا المسلسل بالنسبة للجزء المتبقي من حركة اليسار للقبول بوضعية الهامش وتحسين شروطه والأهم من ذلك في ظل وضع يتجه لقبول وتعايش هذا اليسار مع ضعفه وقلة حيلته .
لقد كان تبني هذا الاختيار في بداية السبعينات في شروط وظروف هزيمة وإحساس بضعف ( بعد تجارب العنف والاختيارات الأخرى وفشلها ) ، كما أنه وخارج الحسم في وسائل العمل وآليات النضال كنضال سلمي ومدني وجماهيري ، فقد بقيت هذه الإستراتيجية في التغيير ضعيفة المحتوى وخاضعة في شروطها العامة لصالح اختيارات فكرية وفلسفية وإيديولوجية توفيقية وذات مرجعيات توفيقية تجمع بين البعثوية والناصرية والأصولية الدينية والاشتراكية المبتذلة والوطنية الشوفينية ، لقد حان الوقت لبلورة وإعادة تأسيس خيارنا الديمقراطي على أسس جديدة وبمرجعية كونية ولصالح تبني كامل وعميق للمنظومة الكونية لحقوق الإنسان ، ولمبدأ الديمقراطية كما هي متعارف عليها عالميا ,
الجرأة تقتضي منا القول أ ن الأفق الممكن للمغرب اليوم هو أفق الديمقراطية ، وأن المغاربة يحتاجون ويستحقون نظاما سياسيا ينتمي لعصره ، وأن هذه البلاد لا يمكن أن تسير من طرف رجل واحد ، ولا يمكن أن تشد على القاعدة والتوجه البشري الذي يعطي السيادة للشعب ، إن الانتصار لهذا الأفق الديمقراطي وبدون تردد والذهاب للقضايا التي تحتاج للحسم ضمن هذا الأفق مهمة تتجاوز في نظرنا المراهنة على الاستحقاقات القادمة ، إنها مهمة تحتاج إعادة تأسيس المشروع الديمقراطي وممارسة نقد ذاتي حقيقي لكل التجارب التي مرت .
لقد أخفق اليسار وانهزم في الغالب الأعم أن يقدم على العموم نجاحات ملموسة وهو يباشر هذا النضال الديمقراطي ، فعلى مستوى المؤسسات المنتخبة تخلت اضطرارا هذه القوى عن المناضلين لصالح أصحاب رؤوس الأموال والمقبولون لدى جمهور الناخبين ، كما نتج عن المسلسل الانتخابي كما مورس أن حول جميع الطبقة السياسية المغربية في نظر السواد الأعم من الجماهير الشعبية المغربية لمجرد انتهازيين ولصوص وسارقي المال العام ومغتنون جدد بفضل الريع السياسي ،كما استبطنت هذه القوى - أو الجزء الهام منها - أن الطريق السالك بالمقابل لهذه المؤسسات لن يكون عن طريق المناضلين ، ولذلك قبلت أن تتجه للأعيان وصحاب الشكارة ، بكل ما يعنيه ذلك من نتائج وتغير في البنية التنظيمية والبشرية لهذه القوى . بل إن الأخطر في سيرورة هذا النضال الديمقراطي كما مورس فيتمثل في قبول بعض هذه القوى أن يتم التزوير لصالحها ، وأن تقبل وتتغاضى عن بعض الممارسات المشينة في صفوفها .
إن إستراتيجية النضال الديمقراطي كما مورست وكما حرص النظام السياسي المغربي على تركيزها وتقديمها ورعايتها سياسيا وثقافيا وإعلاميا وحتى ماليا ... ، أضعفت اليسار وألحقت به ضربات موجعة في مصداقيته وفي صدقية برامجه وأهدافه .
الوضوح والشجاعة تقتضي منا القول اليوم ، إن هذه الإستراتيجية للنضال الديمقراطي كما مورست استنفدت وأن الحاجة باتت ضاغطة لإعادة نأسيس أسس إستراتيجية تغيير ديمقراطي تقطع مع الغموض في الأدوار ، مع الغموض في العلاقة مع الدولة ، مع الغموض في العلاقة مع الجماهير ومع المواطنات والمواطنين ، مع التسامح والتنازلات التكتيكية القاتلة والمدمرة ، مع الازدواجية بين القول الفعل والممارسة .
إن الوضوح يقتضي منا أن نفتح أفق سياسي وقيمي جديد لرجالات ونساء اليسار ، وأن نوضح الروح التي سنفكر بها غدا لمستقبل بلدنا ، وأن نعيد بناء الفكرة لكي نغير تمثلات الناس أو على الأقل تمثلات محيطنا وجمهورنا القريب للسياسة وللمواقف السياسية ، بما فيها مواقف اليسار .

دور اليسار المغربي ومتطلبات تجاوز أزمته

اليسار المغربي عموما انطلق من موقع الرفض والممانعة للاستفراد بالحكم وتعميق الطابع المخزني للدولة ، والتي برزت بشكل واضح منذ البدايات الأولى للاستقلال ،غير أن سنة 1996 وبعد تصويت جزء هام من القوى اليسارية على الدستور تم الإطاحة بهذا القاسم المشترك السياسي الذي شكل عموما – وبغض النظر عن الاختلافات في التقدير السياسي وطرق التصريف – القاعدة الأساس في تمييز اليسار عن غيره من القوى .
إن هذا القاسم المشترك الموقف الفعلي من السلطة السياسية أي السطح السياسي والشعار السياسي كان هو المحدد ، ولذلك أغلب الانشقاقات التي حدثت في صفوف اليسار كانت ترتبط لحد كبير بهذا المعطى ، ومن نفس المستوى أغلب الصيغ التحالفية كانت قاعدتها الأساسية وجود هذا القاسم السياسي المشترك ، اليوم وجود هذا القاسم السياسي المشترك يظهر أنه ليس كافيا لوحده ليصنع أفقا حقيقيا لإعادة تأسيس اليسار المغربي ، ولإعادة تأسيس أفقا مغايرا للتغيير الديمقراطي العميق والشامل والتاريخي . توجد اليوم في صفوف اليساريين واليساريات اختلافات عميقة حتى بوجود هذا القاسم السياسي المشترك ، اختلافات في الرؤية للمعضلات الجوهرية التي تواجه المشروع الديمقراطي وتجعله يراوح نفسه المكان .
صحيح أن التناقض الأساسي اليوم في بلادنا والعنوان البارز لمختلف معضلات المغرب هي بالضبط في وجود نظام سياسي ذي بنية مخزنية متجددة ،وأيضا في استمرار تعثر بناء الدولة الديمقراطية العادلة والموضوعة حقا في خدمة مجتمعها ، وصحيح أيضا أن حل هذا التناقض يقتضي بالضرورة أوسع تحالف سياسي وجماهيري ممكن ، إلا أنه ومع الإقرار بهذه الحقيقة فإن سؤالا جوهريا وعميقا ينتصب أمامنا و يطرح نفسه اليوم علينا كحزب أولا قبل أن ننشغل بالآخرين هو : كيف يمكن إحداث نقطة توازن بين الحاجة لإعادة بناء هذا التحالف الواسع أولا في صفوف اليسار بمختلف مكوناته وثانيا داخل الحركة الديمقراطية المغربية، وبين أن نحافظ ونؤسس ونعمق للحزب استقلاليته وقوته النقدية وارتباطه قولا وفعلا بمشروع الحداثة ومجتمع العلم والمعرفة ؟ .

مخاض إعادة تأسيس اليسار المغربي

عرفت الساحة السياسية اليسارية على وجه التحديد سلسلة من المبادرات الوحدوية القاعدية تشكلت من فضاءات للحوار اليساري ، ومن تنسيقيات لأحزاب اليسار محلية ، ولقد كان المحرك لتلك المبادرات لا النتائج الهزيلة التي حصدها اليسار في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة ، وإنما كانت نابعة من وعي أن أفق بناء الدولة الديمقراطية قد تعرض لضربات موجعة وحقيقية وأن أي معاودة لنهوض جديد للمشروع الديمقراطي الحداثي ، لا يمكن أن يتم إلا بيسار قوي بوحدته وتنوعه ، إن المناضلات والمناضلين الذين صاغوا النداءات والتوصيات وهيئوا اللقاءات والملتقيات عبروا بصدق عن قناعات وعن وعي يتنامى في صفوف قواعد اليسار منظم وغير منظم وفي صفوف جمهوره ، بعمق الأزمة السياسية والعمل السياسي النزيه والمستقل ، وهي أزمة تزداد استفحالا مع قبول جزء من الحركة اليسارية أن تكون أداة لإضفاء الشرعية على نظام الحكم الفردي مما انعكس سلبا على جزء هام من جمهور اليسار الذي ابتعد عن السياسة وفضل الانزواء وهو ما لمسناه بوضوح في الانتخابات السابقة .
إن خطر انكماش اليسار واستمرار تراجعه خطرا حقيقيا ولا يمكن تفادي هذا السقوط إلا بتوسيع المبادرات واللقاءات اليسارية بهدف أولا نشر الوعي بوجود هذا الخطر ، ومن جهة ثانية للتقدم خطوة خطوة في اتجاه خلق تيار يساري وحدوي ضاغط في اتجاه إعادة بناء يسار مغربي قوي ومتعدد .
إن هذه المبادرات لا زالت في بدايتها وهي مرشحة للتنامي والتوسع لا من حيث بلورة الأفكار والرؤى والتشخيص الدقيق للمرحلة السياسية ، ولكن أيضا من حيث ضمان التفاف اليساريات واليساريين منظمين وغير منظمين حولها .

قضايا ...ملاحظاتنا

نعود الآن لبعض القضايا التي أثيرت طيلة اجتماعات اللجنة التحضيرية والتي نريد أ ن نتفاعل مع بعضها :

ما هي طبيعة المؤتمر الذي سيعقده الحزب ؟

الجواب في نظرنا هو مؤتمر سياسي وبامتياز ، مؤتمر سياسي سيكون مطروح عليه إعادة تأسيس ومراجعة جوهرية في الخط السياسي للحزب ، و السؤال الذي يطرح نفسه هو : في أي اتجاه مطروح إعادة التأسيس هاته ؟ وفي أي اتجاه مطروح إجراء مراجعة جوهرية في الخط السياسي ؟
- نعتقد أنه ليس صحيحا القول أنه مادمنا في إستراتيجية خط النضال الديمقراطي - و ما دامت هذه الأخيرة محكومة في نهاية المطاف بقاعدة المشاركة في الانتخابات وفي مختلف الاستحقاقات التي تتطلبها - فإن أقصي ما هو مطروح هو البحث في كيفية تحسين الأداء السياسي والتنظيمي العام ، وليس مراجعة الخط السياسي الذي هو في نهاية المطاف الترجمة العملية لاختيارنا الديمقراطي ،وجهة نظرنا أن إستراتيجية النضال الديمقراطي قاعدة أساسية وجوهرية ومؤسسة ونهائية ( لا طريق نحو السلطة إلا طريق الانتخابات وعبر الانتخابات ) ولا خيار لخروج بلادنا من وضعية الحجز الذي هي عليها والانخراط في روح العصر غير الديمقراطية ، لكن الخط السياسي (لا يعالج الخط السياسي الحالي سوى الإشكالات المرتبطة بالصراع حول السلطة و يغفل أو يتناول بشكل سطحي الإشكالات المرتبطة بتوزيع الثروة و الصراعات الاجتماعية ) ، والخطة السياسية - التي هي بالمناسبة جزء من هذا الخط وروحه - مطروحة اليوم لإعادة البناء وللمراجعة الجوهرية .
إن المراجعة المطلوبة في الخط السياسي لا تعني بالضرورة الخروج من منطق المشاركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية وضروراتها كقاعدة أساسية وجوهرية في اختياراتنا ولكنها في نفس الآن لا تعني استبعاد تكتيك المقاطعة وكل الأشكال الممكنة لتحسين شروط المشاركة ومنها وضع شروط بدون تحققها سيكون موقفنا هو عدم تزكية مسلسل العبث السياسي الذي سيحكم المرحلة السياسية القادمة .
نذهب للتأكيد في إطار هذه المراجعة أنه حتى في إطار المشاركة، يجب أن نستحضر أننا حزب في طور البناء و مشاركتنا في الاستحقاقات الانتخابية يجب أن نأخذ بعين الاعتبار إمكانياتنا الذاتية أي الإمكانيات البشرية و المادية و اللوجستيكية و هذا يعني أن نتبنى خطة مبنية على تغطية عدد من الدوائر تتناسب مع إمكانياتنا و قوتنا.
- إننا ننطلق في فهمنا للخط السياسي من منطلق انه ليس فقط الأهداف والشعارات ، وإنما هو أيضا الخطة السياسية التي توضع لتفعيل وخلق الوسائط والتكتيكات المناسبة للتحقيق التدريجي لتلك الشعارات ولتلك الأهداف ، ومن هذه الزاوية نحن نفهم أن الخطة السياسية هي بالتأكيد جزء هام ومهم من الخط السياسي ، بل إننا نعتبرها روح وجوهر الخط السياسي ، إذ ليس كافيا ما يقوله الحزب على نفسه ، وإنما المهم كيف يطبق ويفعل الحزب ما يطرحه كأهداف وكشعارات .
ومن هذه الزاوية نحن نعتبر – أن الحزب لم تكن له خطة سياسية بالمعنى السياسي والتنظيمي العميق ، و لم يبادر في خلق حدت سياسي استقطب الرأي العام - باستثناء حالة مواجهة قانون العتبة - بل لم نستطع حتى مواكبة السياسات المتبعة من طرف الدولة بإبداء الرأي فيها و طرح المقترحات و البدائل,
- ننطلق في نقاش ما يطرح اليوم كمرحلة سياسية جديدة علي الأقل بسؤالين أساسيين يحيلان في العمق لاختلاف سياسي لا يمكن التغاضي عنه
السؤال الأول : ماذا نقصد بمرحلة سياسية جديدة ؟ هل الأمر يتعلق بانتهاء ما اعتبر رهانا سياسيا عند البعض بعد التصويت علي دستور 96 وقبول اليوسفي أن يكون وزيرا أولا ؟ ما يؤكد هكذا تحليل سياسي في وسطنا كحزب الحديث المتكرر علي التراجعات في تقييم ما يحدث حاليا ، وكأن اللحظة السياسية الحالية تراجعا عن تحول ديمقراطي حدث في السابق ويقع اليوم التراجع عنه ، إذا مرحلة سياسية جديدة في ماذا ؟ وجديدة بالنسبة لمن ؟ هل هي جديدة بالنسبة للدولة ؟ أم هي جديدة بالنسبة للحركة الديمقراطية ؟ أم هي جديدة بالنسبة للجميع ؟ ما الجديد فيها ؟
إننا وتأكيدا لما عرضناه في هذه الورقة نعتبر - بشكل مختصر جدا - الجديد اليوم في المرحلة : هو الوقوف على الضعف المتصاعد لليسار في المغرب و وفشل المراهنة على كون المتمكنين بزمام السلطة سيتنازلون و بمحض إرادتهم (و من هنا مقولة انعدام
الإرادة ) عن سلطاتهم لكي تصبح مؤسسات الدولة المغربية ديمقراطية،
السؤال الثاني : إذا كان المغرب قد دخل مرحلة سياسية جديدة ؟ فإن السؤال المنطقي الذي سيطرح هو متى دخل المغرب هذه المرحلة ؟ هل دخلها بعد وفاة الحسن الثاني وانتقال الملك للملك الجديد ؟ أم دخلها بعد قبول جزء مهم من الحركة الديمقراطية واليسارية المشاركة في الحكومة والتمهيد لهذه المشاركة بالتصويت ولأول مرة لصالح الدستور ؟ أم أنها ابتدأت بعد انتخابات 2002 التي كانت تعني بالنسبة للدولة إشارة سياسية لانتهاء صفقة التناوب التوافقي ؟ أم ابتدأت بعد انتخابات السابع من شتنبر 2007 ؟
(جزء هام من هذه الأسئلة حاولنا أن نقدم من خلال هذه الورقة خريطة طريق للتفكير والتأمل في بعض عناصر الجواب أو الأجوبة الممكنة عليه ) .
السؤال الثالث :نهاية مرحلة وبداية مرحلة ما الذي يترتب عن إقرار كهذا من الناحية السياسية ؟ فلكي نخرج من مرحلة وندخل مرحلة سياسية جديدة ، فإن ذلك يعني بشكل مباشر رؤية سياسية جديدة ؟ .
مقدمة هذه الرؤية السياسية الجديدة التخلص من النظر لموازين القوى بنوع من القدرية والاستسلام ، موازين القوى متحركة وخاضعة للتبدل ، ودور الفاعل السياسي هو السعي والعمل المضني للفعل في موازين القوى وتحويلها لصالحه .

في بعض عناوين تشخيص المرحلة السياسية الراهنة

– تشخيص الوضع الحالي للبلاد :

في مقولة الانكسار أو أزمة اليسار أو أزمة نخبة أخطأت الاختيار ، وغيرها من المقولات التي تعني ، أن اليسار ومعه القوى الديمقراطية يعيشان اليوم أزمة غير مسبوقة في تاريخهما السياسي المعاصر ، نحن نعتبر أن الجميع اليوم يقر بهده الحقيقة التي لا يمكن إنكارها ، ولذلك و في هدا المستوى يبدو ويظهر وكأنه ليس هناك خلاف ، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك على الأقل في المستويات التالية :
أ – هناك بعض الرفاق الدين يتحدثون عن أزمة اليسار بمعنى أزمة نمو ، أزمة عابرة ولا تختلف عن الأزمات التي سبق وأن عاشها اليسار في مراحل سابقة من التاريخ السياسي للمغرب ، وأن علاجها لا يحتاج سوى بعض الترميمات هنا أو هناك ... نحن نعتبر أن الأمر ليس كذلك ، وأن الأزمة الحالية أزمة غير مسبوقة ، فهي إضافة أنها تعبر عن فشل المشروع الديمقراطي والحداثي في أن يشق طريقه في البلاد ، وفشل القوى الحاملة لهدا المشروع في أن تقتنص الفرص التي توفرت لها في السابق – والتي لا يظهر في الأفق المنظور أنها ستتوفر- إضافة لكل ذلك هي في نظرنا إعلان صريح واضح عن نهاية معادلة سياسية بما لها وما عليها ، دون أن تتمكن القوى الديمقراطية واليسار ضمنها من بلورة و تأسيس نظريا وعمليا معادلة سياسية جديدة وإستراتيجية جديدة للتغيير لا علاقة لها بكل ما سبق . وهو ما يعني أن هناك حاجة ضاغطة وتفرض نفسها عنوانها تدشين سيرورة قطائع تؤدي لميلاد رؤية سياسية وأدوات عمل وأشكال عمل سياسية جديدة ، قادرة على صنع عرض سياسي يغري شعب وجمهور اليسار للعودة مجددا للحياة السياسية ، ولدعم مشروع التحول الديمقراطي الذي تحتاجه بلادنا
في هذا المستوى بعض الرفاق يعتبرون أن الأزمة لا تعني سوى اليسار الذي شارك واستمر في المشاركة في حكومة لم تعد تحمل أي معنى سياسي ، وأن خطنا السياسي كان صائبا ، وأن أزمتنا اليوم تقتصر في بعض جوانب التدبير ، نحن لا نجد أنفسنا في هده الأطروحة للدواعي التالية :
- تقديرنا أن الخط السياسي ليس ما يعلنه الحزب من شعارات ومن أهداف ، وليس بالتبعية ما يدعيه الحزب عن نفسه ، الخط السياسي هو أيضا الخطة السياسية التوسطات والتكتيكات الموصولة بالأهداف القريبة والبعيدة ، الخط السياسي هو أيضا المبادرات العملية الميدانية التي تعطي للأهداف والشعارات لحما ودما وتحولها من أهداف مجردة لأهداف ملموسة وعينية ، وفي هدا الجانب نحتاج اليوم لتقييم موضوعي دقيق لممارستنا ولمختلف المواقف والآراء التي عبرنا من خلالها عن أهدافنا وشعاراتنا ,
- تقديرنا أن الخط السياسي بما هو الترجمة العملية لخط النضال الديمقراطي ، لم يكن محكما حتى في صياغته وفي أسسه للانتصار للديمقراطية كاملة غير منقوصة ، وهو ما أدى أن نستبطن ونقبل كل ما يعرض علينا ، وأن تستمر جل ممارستنا ومواقفنا مشفرة وغامضة ، لدلك وفي سياق الدعوة لإعادة تأسيس قواعد النضال الديمقراطي ، نعتبر وبالتبعية أن هناك حاجة لإعادة صياغة الخط السياسي ,
- تقديرنا أن لا نهوض لليسار إلا بنهوض كل مكوناته ، لقد بينت التجربة الملموسة هده الحقيقة وأكدتها الوقائع الفعلية ، ولم يكن كافيا النقد المبدئي والإيديولوجي والاستراتيجي لبعض تلك الأحزاب اليسارية كافيا ولا مقنعا ولا قادرا على القفز على هدا المعطى الإستراتيجي في العمل السياسي التقدمي في بلادنا
- تقديرنا أن الأزمة التي دخلها اليسار والتي ظهرت بشكل بارز ومثير للانتباه بعد انتخابات السابع من شتنبر ، لم تكن فقط حالة عابرة أو مجرد تعثر في الطريق ، إنها أزمة مستعصية وتحتاج في تقديرنا إعادة التأسيس لمشروع اليسار

قضايا للتفكير

- التحالف الثلاثي

من القضايا الخلافية التي عشناها كحزب تقديراتنا للتحالفات ، وفي كل حين كان يبدو الخلاف وكأنه بين توجهين :
توجه يعطي أهمية خاصة للتحالف اليساري الديمقراطي ويعتبره حجر الأساس لإعادة تقوية الصف اليساري وإحداث تعديلات ولو طفيفة في ميزان القوى ، و يرى أن باقي القوى عليها أولا أن تتخلى عن نهجها السياسي وأن تعود لصفوف المعارضة ، وتوجه ثاني يتحدث عن التحالف الأوسع ويذهب به لباقي القوى التقدمية واليسارية بما فيها تلك التي شاركت في الحكومة .
نحن نعتبر أن هذا ليس سوى الوجه الظاهر البسيط لعمق الخلاف الموجود داخل الحزب حول موقع ومكانة التحالف في العملية السياسية كما هي جارية في بلادنا .
إن التحالف هو وجه أساسي وحاسم من أوجه السياسة بالنسبة لحزب اختار – على الأقل نظريا - موقعا محددا في الخريطة السياسية موقع الدفاع أولا وثانيا وثالثا على مصالح البلد ، ومصلحتها التاريخية في أن تنتقل نحو الديمقراطية والحداثة التي تصالحها مع روح العصر . وتفضي للزج ببلدنا في تعددية سياسية حقيقية تجعل من إمكانيات تعدد البرامج والبدائل وتطبيقها وفق الآليات الديمقراطية المتعارف عليها وسيلة من الوسائل الحاسمة لنهضتها ورقيها . و لذلك مفروض أن الحزب لا يبني سياسة التحالف على الرغبات أو على ما هو جاهز أو في حكم الجاهز والذي لا يحتاج لكثير من الجهد والعمل المضني والإستراتيجي .
إن هذا الموقع الذي اختاره الحزب لا يخضع إلا لحساب المصلحة والحاجيات الموضوعية للمهمة التاريخية المطروحة على جدول أعمال البلد وحاجياته للتطور والنهضة ، ومن هذه الزاوية ينبع حقيقة جوهر الخلاف ، كخلاف في تقدير هذا الموقع الخاص والمتميز للحزب في المشهد السياسي المغربي .
إن تقديرنا أن نهوض اليسار والقوى الديمقراطية لن يكون إلا بنهوض عام لكل مكوناته ولن يكون نهوض على حساب أي من أطرافه ، يملي علينا أن نوسع من دائرة تحالفاتنا وأن نكون جزء فاعل حيوي في ديناميات الحوار والعمل الميداني اليساري المحلي ، وأن لا نضيع أي من الإمكانيات الرامية من جهة للنقاش وفهم أبعاد التحولات وأساسات بناء المشروع الديمقراطي ، ومن جهة ثانية بفتح إمكانات لعمل وحدوي يساري محلي ووطني يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعيشها المشهد السياسي

في العلاقة مع الملكية

اعتبر اليسار في مراجعاته وتقييماته أن شكل النظام ليس هو الحاسم ( كم من أنظمة جمهورية غير ديمقراطية ، وكم من أنظمة ملكية استوعبت الديمقراطية ) ، إضافة لذلك وفي سيرورة هذه المراجعة اقترب أكثر من حقيقة الأوضاع التاريخية للبلاد وموقع الملكية كمكون سياسي له مكانته في المشهد السياسي ، ودون الرجوع لتلك النقاشات والتعمق فيها ، فإن شعار الملكية البرلمانية ملك يسود ولا يحكم اعتبر أفقا تاريخيا لتسوية تاريخية مطلوبة ,
ومن هذا المنطلق تتحدد أو من المفروض أن تتحدد العلاقة مع الملكية ، إن هذه المراجعة الصادقة والعميقة التي خاضها جزء مهم من اليسار لا تلغي أن تكون علاقتنا واضحة وغير مواربة للمؤسسة الملكية وتسقط أثناء الحديث عنها في العموميات . واجبنا اليوم القول أن بلادنا لا يمكن أن تسير من طرف رجل واحد ، وواجبنا ثانيا أن نقول أن مصلحة الملكية أن لا تكون رهينة تقاليد البلاط والحاشية التي تتحكم في كل شيء ، ولا أن تكون الملكية رهينة طبقة اجتماعية فاسدة راكمت ثرواتها واستفادت من أوضاع سياسية معينة عاشها المغرب في فترات سياسية سابقة .
إن هذه القوى الفاسدة المعرقلة للتقدم والديمقراطية ، و التي تستفيد من اختلال توازن السلط ومن غياب سلطة القضاء ومن غياب وجود آليات مراقبة ومحاسبة لم يكن كافيا معها التنازلات التي قدمها اليوسفي ، ولم يكن كافيا معها طي صفحة الماضي حتى بالحدود التي مورس به هذا الطي أو أريد له أن يكون كذلك ، إن هذه القوى أصبحت تشكل خطرا استراتيجيا على الجميع بما فيها المؤسسة الملكية نفسها .

في العلاقة مع المجتمع

الوضوح في هذا المستوى : أي في علاقتنا بالمجتمع أفضل بكثير من الغموض الذي لا يعني سوى سقوطنا أسيري توفيقية ثقافية وفكرية قاتلة ومدمرة ، تشوش على محيطنا وجمهورنا دون أن تمكننا ممن نعتبرهم كذلك ، الجرأة تفرض علينا القول بدون مواربة ولا عموميات نحن ننتمي ونناضل من أجل انبثاق مجتمع جديد ، مجتمع المواطنات والمواطنين لا الرعايا ونحن نقدر تماما ديناميات وتموجات مجتمع جديد ينبثق من المجتمع المحافظ والتقليدي وننحاز لها ونناضل ضد تطويقها أو محاصرتها أوعزلها ، ولذلك نحن ننحاز بدون تردد لصالح حريات الأفراد والحريات العامة ، نحن نناهض النظرة الدونية للمرأة ونعادي بدون تردد دعاة الانغلاق والنكوصية ، وننتصر لعلمنة الثقافة والسياسة ،و نحن ضد الريع عموديا وأفقيا بما فيه الذي يمارسه المجتمع .

في بعض قضايا التنظيم

لا نتصور اليوم قضية التنظيم محض قضية مساطر وقوانين وتقنيات مع أهمية كل ذلك ، إنها اليوم قضية سياسية وفكرية وقضية رؤية قبل أن تكون قضية وسائل ، إذ السياسة والرؤية السليمة والجريئة هي التي تصنع الوسائل وليس العكس .
فإذا كنا ننطلق من أنه لا يكفي ما يقوله الحزب عن نفسه وإنما الأهم كيف يمارس ويفعل الحزب ما يقوله ، فإقرار كهذا يفترض أن نكون منسجمين مع اختياراتنا ومع ما تبنيناه كآليات في التنظيم وفي هذا الإطار ينبغي أن نعالج كل اختلالاتنا التنظيمية بدأ من الحسم وبدون هوادة بين حزب المؤسسات أو حزب المؤسسيين ، بين الإقرار بالعمل بآلية التيارات والديمقراطية الداخلية وبين استمرار عقلية وثقافة لا علاقة لها بهذه الآلية الديمقراطية ، بين الحديث عن الحداثة واستمرار أشكال وأساليب عملنا لأشد الوسائل تخلفا وفواتا ، وأخيرا بين التفكير في جهوية واسعة للبلاد ببنية حزب غاية في المركزية .
علينا أن نعترف اليوم ، أن التنظيم وأدوات الاشتغال قد أصبحت عائقا حقيقيا أمامنا للتطور وأن الحزب تنعدم فيه بنيات استقبال حديثة وذات جاذبية ، وأن التنظيم لازال سجين نظرة متجاوزة للعمل السياسي وللديناميات الاجتماعية كما تحدث اليوم .

تفنوت عبدالرحيم
أحمد دابا



#حسن_العمراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإشتراكي الموحد الإستعداد للمؤتمر الثالث مشروع ارضية ج5
- دفاعا عن الممانعة... دفاعا عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
- أي مستقبل للعمل التطوعي في ظل العولمة؟؟؟؟
- وثيقة مرجعية للحزب الإشتراكي الموحد حول الإصلاحات الدستورية
- في التعريف بتيار الخيار اليساري الديمقراطي القاعدي
- هل يحق للسياسي في السياق المغربي أن يتكلم اصالة عن نفسه ونيا ...
- الموارد الطبيعية بالمغرب : اي مستقبل ينتظرها؟؟؟؟؟؟
- من أجل مواجهة ثقافة النسيان : مقاومة ايت عطا للاحتلال الفرنس ...
- هل تستخلص الامبريالية الامريكية العبرة من درس الحرب العالمية ...
- من اجل مواجهة ثقافة النسيان : محمد بنعيسى ايت الجيد نموذجا ( ...
- معلمة تاريخية مهددة بالسقوط : فهل من مرمم؟؟؟؟؟؟


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2 / عبد الرحمان النوضة
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ... / سعيد العليمى
- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - حسن العمراوي - الإشتراكي الموحد : التحضير للمؤتمر الثالث مشاريع أرضيات 1