سعيد هادف
(Said Hadef)
الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 21:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
1
يسير العالم البوم على إيقاعات شتى، إيقاعات يعزفها البعض ويرقص على أنغامها ما تبقى من البشرية رقصة الطائر الذبيح. إيقاعات شتى يعزفها جوق محترف، تتناسل وتتداخل كأهوال غامضة؛ فمن إيقاع الإرهاب إلى الأزمة المالية وتداعياتها على هذا البلد أو ذاك.. إلى التسربات النفطية، مرورا بأحداث تبدو عرضية وأخرى تبدو وجيهة، من اغتيال المبحوح إلى قافلة الحرية.. مشهد أصبحت فيه بعض الدول تضطلع بأدوار تبدوا رئيسية كتركيا والإمارات وقطر… وأخرى مشبوهة ومارقة كإيران وسوريا… وأخرى تائهة كحال مصر و الجزائرالتي بعدما كانت تتصدر مشهد أحداث العالم الثالث وتملأه صخبا وفرجة، تقلص دورها أو كاد ينحصر في البحث عن دور ما تبرر به وجودها. لحد الساعة لم تجرؤ الجزائر على مواجهة التاريخ إلا بسياسة الهروب إلى الأمام، ملفات الفساد لا تعد ولا تحصى، احتجاجات وإضرابات عمالية، ملف المرحلين سنة 1975 وملف المحتجزين بمخيمات تندوف، احتقان سياسي زاده فرحات مهني إرباكا بحكومته المطالبة بحكم ذاتي لمنطقة القبايل، فرحات مهني الذي لم يجد الإعلام مايواجهه به سوى أنه مطرب ،بدل التعامل مع هذا المستجد بحكمة وواقعية.
أما عبد العزيز بوتفليقة، على غرار رابح سعدان يسابق الزمن أو يحاول بتشكيلة من الوزراء الجدد؛ وإذا كانت مهمة سعدان واضحة رغم صعوبتها، وأن أقصى ما كان يتمناه مشاركة مشرّفة في المونديال فإن مهمة بوتفليقة غامضة، فتشكيلته الوزارية مهما توفرت فيها الخبرة والقدرة فإنها لن تفلح في إصلاح ما أفسدته سياسة لا تزال سارية المفعول. فإذا كان هدف بوتفليقة هو إنقاذ الجزائر من المصير المأساوي الذي آلت إليه بعض الدول العربية فهذا أمر لايمكن تدبيره بمجرد تشكيلة جديدة من الزوراء، أما إذا كان هدفه هو إحداث تغيير لإبقاء الوضع على ما هو عليه فهذه السياسة لن تجدي نفعا، في ظل التعفنات الداخلية والتطورات الإقليمية والعالمية.فالسياسة التي حرمت نخبة السياسيين والمثقفين الجزائريين من بلدهم غداة الاستقلال هي ذاتها اليوم، وأسطع مثال رفض سلطات ولاية تلمسان الترخيص القانوني، لإقامة لقاء ثقافي تاريخي بمناسبة الذكرى 36 لوفاة مؤسس الحركة الوطنية وحزب الشعب الجزائري المرحوم مصالي الحاج في مدينته تلمسان. مصالي الحاج الذي مات في المنفى، ورفض النظام الجزائري الموافقة على دفنه بأرض الوطن إلاعلى مضض.
2
بعد الهزيمة التي لحقت بالفريق الجزائري أمام سلوفينيا أصبح المدرب رابح سعدان عرضة للنقد واللوم، بل هناك من طالب بمحاسبته، ويجد المتتبع للإعلام الجزائري هوسا منقطع النظير بتفاصيل المشاركة الجزائرية في المونديال كما لو أن الأمر مصيري ويتوقف عليه مستقبل البلاد والعباد.. ثم ماذا يعني انهزام فريق يمثل دولة لا تعير أي اهتمام للرياضة ولا لغيرها من القطاعات التي تعود بالنفع على الشعب؟ وأين المشكل في انسحاب مبكر من المونديال لفريق ينتمي إلى دولة لا يستحي المقيمون على شؤونها من فشلهم؟ وهل من المعقول أن يفوز فريق يراهن عليه نظام يبيع الجزائر بالتقسيط المريح؟ لماذا كل هذا الصخب والضجيج؟ ألم يحن الوقت بعد لتوجيه الإعلام إلى تنوير الرأي العام وحمله على الانخراط في نقاش عقلاني؟ لماذا المطالبة بمحاسبة رابح سعدان عن فشله وغض الطرف عن الذين نهبوا المال العام وقدموا ثروات البلاد وعرق الشعب لقمة سائغة للشركات الجشعة؟ إن الإعلام الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حول المونديال وانخرط بشكل هيستيري في إشعال نار الفتنة بين الشعبين المصري والجزائري كان من الواجب أن يفضح السياسة القاصرة التي ما فتئت تتدرج بالجزائر يوما بعد يوم وعاما بعد عام إلى الحضيض. كان من الواجب أن يتساءل عن الأسباب الكامنة وراء فشل الرياضة والتعليم والاقتصاد، وعن الأسباب التي دفعت فرحات مهني إلى الإعلان عن حكومته بفرنسا، والأسباب التي قادته إلى هذا التطرف، وهي الأسباب ذاتها التي قادت من قبله كاتب ياسين ومعتوب الوناس إلى التبرؤ من العروبة وقادت الشباب الجزائري إلى التطرف الديني والإرهاب والإصرار على الهجرة... من يحاسب هذه السياسة؟ من يجرؤ على مناقشة العلاقة المغربية الجزائرية بموضوعية؟ من يطالب بفتح الحدود؟ من يناقش ملف البوليساريو والمحتجزين بتندوف؟
3
هناك ظاهرة أصبحت تتحكم في المشهد العربي والإسلامي، ظاهرة تزييف الحقائق وعدم الاعتراف بالفشل، وتزداد هذه الظاهرة استفحالا في الخطاب الجزائري، السياسي والإعلامي. لقد كشفت مجريات المونديال عن استراتيجية التعالي التي اعتمدها الخطاب الإعلامي الجزائري في تعاطيه مع إخفاق الفريق الوطني ، وهو إخفاق مبرر رغم كفاءة الفريق كمهارات فردية؛ فالعلة في فساد المحيط الذي ينتمي إليه الفريق وعدم أهليته والمحيط الذي ينتمي إليه ذاك المحيط وهلم شرا... ، لكن الإعلام يرفض التسليم بالمسلمات ويرفض توصيف الواقع كما هو واقع ويجتهد دون حياء في استعراض « الخيبة » بلغة الانتصار بكل ما أوتي من رعونة وتعنت وصفاقة.
وهذا النوع من السلوك ليس سوى تمظهر لثقافة تترجم أزمة العقل والحضارة وتكشف عن سلوك غير واع لذات عاجزة عن فهم ذاتها وعصرها وعاجزة عن التحرر من أعرابيتها وهمجيتها.
لحسن الحظ أن مايركز عليه الإعلام الثقيل والخفيف على حد سواء لا يمكن تعميمه بشكل مطلق على كل الجزائريين كما أن الجماهير في الجزائر أو في سواها ليست كلها ممسوسة بهذا العشق المرضي للكرة، ومن المؤكد أن المصابين بهذا الهوس لا يمثلون سوى النسبة الضئيلة؛ لكن الضوء الإعلامي قادر على كل شيء، فيكفي أن تصوب عدسة الكاميرا إلى « مسرح » معين وبالطريقة التي تريد حتى يقتنع أغلب المشاهدين أن ما يرونه هو كل العالم وكل الحقيقة.
انهزم الفريقان الانكليزي والأمريكي، انهزما دون أن تشغلهما الكرة الجلدية عن الكرة الأرضية وعن مشاريعهما العظمى ، فالحضور الأنكلوأمريكي في العالم يتعاظم وقد يحدث أن يتعثر فلا يتردد المسؤولون عن التعثر في الاعتراف بفشلهم ثم الاستقالة ليخلوا المكان لمن هو أجدر وأكثر كفاءة؛ بينما السياسة في الجزائر تجتهد في تزييف الفشل إلى نجاح وتكريم الفاشلين على نجاحهم في فشلهم ومعاقبة المفسدين صوريا من أجل إعادة توزيع المنهوبات بالتراضي على المحتجين من مفسدين وطامعين ومَنْ والاهم…. وهذه السياسة لا تتورع في استعمال كل الوسائل القانونية والمضادة للقانون لقمع العمال والحريات والحياة.
لا بأس بوقفة مع السيد حفيظ دراجي المعلق بالجزيرة الرياضية، الذي فقد السيطرة على لسانه محاولا حجب الحقيقة ومثلما كتب أن الجزائر فازت على الانكليز بصفر صفر، كاد أن يقول :هنيئا للجزائر على تعادلها مع أمريكا بصفر مقابل واحد.
4
على شبكة الفايس بوك أخذ النقاش منحى آخر، حيث التهكم من النظام الذي يطمع في فوز الفريق حتى يغطي عيوبه وجرائمه، والتهكم من الجماهير المتعطشة إلى فوز يجعلها تشعر بوجودها الإيجابي.
على إيقاع الفوفوزيلا بأقصى جنوب أفريقيا عاش النظام الجزائري بأقصى شمال القارة مرارة الهزيمة وهو يضخ قرابة 300 مليار دولار في حساب الاتحاد الأوروبي في إطار شراكة وهمية على حساب شعب لم يفقه بعد كيفية الدفاع عن حقوقه ومصيره وثروات أرضه.
على أي..، عاد الفريق الجزائري أدراجه، وسيجعل الإعلام من هذا الانسحاب المبكر علكة سيمضغها لأيام أو لشهور تعويضا عن فقره وبؤسه وتعبيرا عن حبه للوطن والثورة والثوار ، بل هناك منابر إعلامية ستتحول إلى أبواق الفوفوزيلا لتصم مسامع الرأي العام ولتحجب عنه فظاعة الأخبار التي ستتسرب أو تنهمر في القادم من الأيام.....فكيف يكون صيف الجزائر هذا العام؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
#سعيد_هادف (هاشتاغ)
Said_Hadef#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟