|
ما هو الاستبداد ؟!
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 3046 - 2010 / 6 / 27 - 20:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بدأ معلمنا درسه لهذا اليوم بعد كتابة العنوان أعلاه على السبورة بالقول : أثار درسنا السابق جملة من الاعتراض على استخدامنا لمقولة الاستبداد ، حيث قال معارضنا التالي : أن معنى الاستبداد في التراث غير معنى الاستبداد في وقتنا الحالي، بمعنى أن المستبد العادل أيام زمان تعني الحازم العادل، و أن الاستبداد+ العدل = الحزم (إنما العاجز من لا يستبد) ؛ أما في عصرنا الحالي، فالمعنى تغير، أي أن الاستبداد = الطغيان، و هذا المصطلح الأخير ( يستخدمه القدماء لوصف الاستبداد بالمعنى المعاصر). وهذا ما جعلني أراجع نفسي وأراجع مصادري من جديد علني أجد خطأ في تقديري للأمور . ثم قال معلمنا مستطردا : لا أخفيكم سرا أن كثير من الكلمات والمصطلحات اختلف استخدامها في الماضي عنها في الحاضر ، فكلمة إرهاب وترهبون لها معنى ايجابي في القرآن بينما تعني معنى سلبي جدا بالاستخدام الحديث . ومثلا كان يفخر العربي بإطلاق صفة الجواد عليه أو أنه كالكلب بالوفاء ، أو الحمار بشدة التحمل ، بينما هي صفة ذميمة حاليا ، ومطلق الكلمة على الآخرين يقصد منها أهانتهم بدل مدحهم ، وإطلاقها حاليا يسبب مشاكل ومعارك بالأيدي بين الناس . لذا وجدت نفسي مضطرا بالبحث عن معنى كلمة استبداد في بعض معاجم اللغة وليس كلها ، ووجدت لكم التالي : حيث جاء في لسان العرب التالي : واسْتَبَدَّ فلان بكذا أَي انفرد به؛ وفي حديث عليّ : كنا نُرَى أَن لنا في هذا الأَمر حقّاً فاسْتَبْدَدتم علينا ؛ يقال: استبَدَّ بالأَمر يستبدُّ به استبداداً إِذا انفرد به دون غيره. واستبدَّ برأْيه: انفرد به . وجاء في الصحاح في اللغة التالي : واسْتَبَدَّ فلانٌ بكذا، أي انفرد به . وجاء في لسان العرب أيضا التالي : وقال ابن شميل في كتاب المَنْطِق : افْتَأَتَ فلانٌ علينا يَفْتَئِتُ إِذا اسْتَبَدَّ علينا برأْيه؛ جاء به في باب الهمز. وقال ابن السكيت: افْتَأَتَ بأَمره ورأْيه إِذا اسْتَبَدَّ به وانفرد. وجاء في الصحاح في اللغة أيضا : اسْتَأْثَرَ فلانٌ بالشيء ، أي استبدَّ به ، والاسم الأَثَرَةُ بالتحريك .
ثم قال معلمنا : طبعا تعرفون علماً من علماء الأمة في العصر الحديث ، أسمه عبد الرحمن الكواكبي ، له كتاب اسمه ( طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ) حيث يعرف الاستبداد بالتالي : الاستبدادُ لغةً هو : غرور المرء برأيه ، والأنفة عن قبول النّصيحة ، أو الاستقلال في الرّأي وفي الحقوق المشتركة . ويقول بعدها : ويعرف الاستبداد عند السياسيين بالتالي : تَصَرُّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة ، وقد تَطرُق مزيدات ( زيادات ) على هذا المعنى الاصطلاحي فيستعملون في مقام كلمة (استبداد) كلمات ، من مثل : استعباد ، و اعتساف ، وتسلُّط ، وتحكُّم . وفي مقابلتها كلمات : مساواة ، وحسّ مشترك ، وتكافؤ، وسلطة عامة . ويستعملون في مقام صفة (مستبدّ) كلمات : جبّار ، وطاغية ، وحاكم بأمره ، وحاكم مطلق . وفي مقابلة ( حكومة مستبدّة ) كلمات : عادلة ، و مسؤولة ، ومقيّدة ، ودستورية . ويستعملون في مقام وصف الرّعية ( المستَبَدّ عليهم ) كلمات : أسرى ، ومستصغرين ، وبؤساء ، ومستنبتين . وفي مقابلتها : أحرار ، وأباة ، وأحياء ، وأعزّاء .
ثم قال معلمنا : ووجدته ( أي الكواكبي ) يعرف الحكومة المستبدة بالتالي : أنّ الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً ، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقَين . ويقول أيضا : وأشدّ مراتب الاستبداد التي يُتعوَّذ بها من الشّيطان هي حكومة الفرد المطلق ، الوارث للعرش ، القائد للجيش ، الحائز على سلطة دينية . ثم يعطينا صفات خاصة نستطيع من خلالها معرفة المستبد ، حيث يقول بكتابه التالي : صفات المستبد: 1 . « المستبدّ : يتحكَّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتهم ، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم ، ويعلم من نفسه أنَّه الغاصب المتعدِّي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من النَّاس يسدُّها عن النّطق بالحقّ والتّداعي لمطالبته ». 2 . « المستبدّ : عدوّ الحقّ ، عدوّ الحّريّة وقاتلهما ، والحق أبو البشر، والحرّيّة أمّهم ، والعوام صبية أيتام لا يعلمون شيئاً ، والعلماء هم إخوتهم الرّاشدون ، إنْ أيقظوهم هبّوا ، وإنْ دعوهم لبّوا ، وإلا فيتَّصل نومهم بالموت ». 3 . « المستبدّ : يتجاوز الحدّ ما لم يرَ حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظّالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظّلم ، كما يقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب ». 4 . « المستبدّ : إنسانٌ مستعدٌّ بالطّبع للشّر وبالإلجاء للخير، فعلى الرّعية أنْ تعرف ما هو الخير وما هو الشّر فتلجئ حاكمها للخير رغم طبعه ، وقد يكفي للإلجاء مجرَّد الطَّلب إذا علم الحاكم أنَّ وراء القول فعلاً . ومن المعلوم أنَّ مجرد الاستعداد للفعل فعل يكفي شرَّ الاستبداد ». 5 . « المستبدّ : يودُّ أنْ تكون رعيته كالغنم درّاً وطاعةً ، وكالكلاب تذلُّلاً وتملُّقاً ، وعلى الرَّعية أنْ تكون كالخيل إنْ خُدِمَت خَدمتْ ، وإنْ ضُرِبت شَرست ، وعليها أن تكون كالصقور لا تُلاعب ولا يُستأثر عليها بالصّيد كلِّه ، خلافاً للكلاب التي لا فرق عندها أَطُعِمت أو حُرِمت حتَّى من العظام . ثم يقول ما ينبغي على الرعية معرفته : نعم ؛ على الرّعية أن تعرف مقامها : هل خُلِقت خادمة لحاكمها ، تطيعه إنْ عدل أو جار ، وخُلق هو ليحكمها كيف شاء بعدل أو اعتساف ؟ أم هي جاءت به ليخدمها لا يستخدمها ؟.. والرَّعية العاقلة تقيَّد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها ؛ لتأمن من بطشه ، فإن شمخ هزَّت به الزّمام وإنْ صال ربطتْه ». فلنرى ما رأيكم ؟ أجل الله قدركم ، بعد هذا الشرح البسيط .
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المُسْتَبِدُ أبنُ بِيئَتِهِ ، وَهُوَ صانِعُها
-
والشعب يصنع المستبد
-
تعليمات كأس العالم
-
قِ نَفْسَكْ
-
فِ عَهْدَكْ
-
هل الخِرفانُ أصْلُها عَربي !؟
-
الإنتاجُ فِكْرٌ أمْ عَمَل ؟
-
قَطّارَة النَتائج
-
الأخلاق الانتخابية
-
توضيح مهم لكافة القراء الكرام حول مقالنا الموسوم لو كان البع
...
-
لَو كانَ البَعثُ دِيناً وَ رَبّاً لَكَفَرتُ بِه
-
الجدار الناري
-
عِ قَوْلَكْ
-
القاعدة والتكفير وأحمد صبحي منصور
-
نظارات جدتي
-
أين العقلاء في مصر والجزائر ؟
-
مِيزان قبّان
-
مقالات علمية بسيطة ج 2
-
رزوق دق بابنا
-
نوري قزاز
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|