أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي هصيص - الترجمة العربية الأولى ليوميات كافكا















المزيد.....



الترجمة العربية الأولى ليوميات كافكا


علي هصيص

الحوار المتمدن-العدد: 3046 - 2010 / 6 / 27 - 16:08
المحور: الادب والفن
    



خليل الشيخ: التكرار في يوميات كافكا لا يقود إلى التماثل

على الرغم من أهمية كافكا روائيا ذي شخصية جدلية قلقة، وعلى الرغم من حيازة رواياته شهرة عالمية منقطعة النظير، وعلى الرغم أيضا من ترجمة أعماله الإبداعية إلى العربية، وعلى الرغم من كثرة الدراسات العربية حول شخصيته وإبداعاته، وكثرة الجدل الذي دار حوله، إلا أن مذكراته ويومياته التي تفصح عن الكثير من جوانب شخصيته الإنسانية والعرقية والإبداعية، ظلت عصية على الترجمة إلى العربية، حتى جاء أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة اليرموك الدكتور خليل الشيخ ليتصدى إلى هذه المهمة الشاقة، التي تستنفد الجهد والوقت الكثيرَين، فقدم لنا هذه اليوميات مترجمة بشكل كامل عن الألمانية في عمله الصادر عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث, المجمع الثقافي, 2009.

أهمية الترجمة

في هذه الترجمة الأولى والكاملة ليوميات كافكا, يضيف المترجم الدكتور خليل الشيخ إضافة نوعية وضرورية إلى المكتبة العربية, لا من حيث تقديمه يوميات واحد من أهم كتاب القرن العشرين فحسب, بل من حيثيات أخرى أذكر منها:

* أن هذا الكتاب يتيح للقارىء العربي فرصة الاطلاع عن قرب على كافكا الابن, وكافكا الرافض, وكافكا الخاطب, وكافكا الكاتب, فلا يعود القارىء رهين الإشارات التي يوزعها مترجمو أعماله ودارسوها في ثنايا ترجماتهم ودراساتهم وهوامشها, تلك الإشارات التي قد تعبر أحيانا عما يريده أو يفهمه المترجم أو الدارس، ولكن لم يكن بالضرورة هو المقصود أو هو الصواب. وقد يأتي القارئ بفهم وتحليل أقرب إلى الصواب مما يأتي به المترجم أو الدارس.

* كثير من أعمال كافكا كان لها إرهاصات ومقدمات في نفس كافكا وتفكيره، حتى تبلورت بعض هذه المشاعر والأفكار لتكون أعمالا أدبية متكاملة، ومثل هذه الإرهاصات نجدها واضحة في يوميات كافكا يطلع عليها القارئ ويضع يده على مواطن العلاقات بين اليوميات والأدبيات، فيكون بقراءته الكاملة لمثل هذه الإرهاصات قادرا على اكتشاف العلاقات بين العمل الأدبي ومقدماته التي ربما تكون سبقت هذا العمل بسنوات.

ومن هذه المقدمات الواردة في اليوميات على سبيل المثال:



1. يقول كافكا " إذا كنت أجلس قريبا من البالوعة هنا تدهشني مياه المطر، أو أجلس في الطابق العلوي تحت أضواء الثريا أحتسي الشمبانيا، فالأمر عندي سيان. وبالمناسبة لم يحدث أن كنت قادرا على الاختيار بين مسألتين كما لم يسبق لي أن يمكن أن يقع لي هذا في إطار الطقوس الضرورية لي، وأنا مازلت أواصل الزحف في هذا الإطار كحشرة قذرة " (اليوميات ص25) ففي هذا ما يمكن أن يضعنا في أجواء روايته(المسخ) التي بدأ بكتابتها في17 تشرين الثاني 1912 في حين كانت الفقرة السابقة من يومياته مكتوبة بتاريخ 19 تموز 1910.

2. ويقول أيضا: " إن القدم التي سأطأ الصالة بها، ستكون قد مسخت عندما أجرها نحو الآخرين"

3. ويقول أيضا: "متى تأتين أيتها ألمحاكمة غير المرئية" حيث يعلق خليل الشيخ على هذه الجملة قائلا : "يرى كثير من الدارسين أن هذه الجملة تشكل البذرة الأولى لرواية المحاكمة" (اليوميات ص36).
4 ومن المقدمات أو الإرهاصات لقصة (الحكم) عند كافكا ما كتبه في يومياته تحت عنوان (العالم المديني) انظر (اليوميات ص48).



* من خلال هذه اليوميات، نجد مكانا خصبا للقراءة في مسألة هي غاية في الأهمية والحساسية، لاسيما وأن الترجمة جاءت عن الألمانية - لغة النازيين لاحقا - إلى العربية، هذه المسألة التي طال الحديث عنها في الدراسات التي تناولت كافكا، وكانت دائما بين مد وجزر بين الدارسين الذين يستعينون بيوميات كافكا ورسائله وأعماله لإثبات آرائهم فيها، وهذه المسألة هي (يهودية كافكا)، فهل كان كافكا متعاطفا مع اليهودية والصهيونية، وهل كان في قرار نفسه مؤمنا بتعاليم اليهودية معتنقا إياها، هل كان له موقف ما من العرب وهل كان مؤمنا بخرافة (شعب الله المختار)؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحها الدارسون العرب قبل ترجمة هذه اليوميات، ولكن قراءة اليوميات قد تعطي صورة أوضح للقارئ حول هذه المسألة التي لا مجال للخوض فيها في هذه العجالة، ولكني أحيل القارئ إلى اليوميات، وخاصة ذلك الاهتمام البارز والواضح من قبل كافكا بالمحاضرات والمسارح اليهودية التي كان يتابعها باهتمام، وقد أعطاها حقها في يومياته. وللاستزادة حول هذا الموضوع يمكن النظر في كتاب :فلسطين في رسائل فرانز كافكا ترجمة محمد أبو خضور ، دمشق 1999، وكتاب :هل ينبغي إحراق كافكا؟ لبديعة أمين، 1983 وحول هذه المسألة يقول خليل الشيخ: (استطاعت الفرقة التمثيلية البولندية التي جاءت إلى براغ عام 1911 أن تضفي على حياة كافكا قدرا كبيرا من الحيوية، وعمقت صلته بالحياة الاجتماعية في براغ، فقد أعجب بإحدى الممثلات في تلك الفرقة، وارتبط معها بعلاقة عاطفية (السيدة تشيسك)، الأمر الذي جعله يشارك في حضور فعاليات تلك الفرقة، ويهتم بأدب اليهود، ولاسيما ذلك المكتوب بلغة الإيديش، ويسعى للبحث عن الروح المناضلة فيه، صحيح أنه ظل يقف من الأعمال المسرحية المعروضة موقفا نقديا، يوضح ما تنطوي عليه المسرحيات من مبالغات؛ لكن ذلك لم يمنعه من الكتابة للنوادي اليهودية والصهيونية لمساعدة تلك الفرقة ودعمها" (من مقدمة اليوميات ص 14).

والقارئ لهذه اليوميات إضافة إلى قراءة رسائله (ترجمة محمد خضور) يجد أن كافكا ظل متعاطفا مع اليهود والمسألة اليهودية والصهيونية معا، مبشرا بحلم قريب على أرض كنعان!





سمات كافكاوية



في هذه اليوميات نجد أن كافكا لا يبخل علينا - بقصد أو دون قصد - بإيضاح الحالة النفسية التي يعيشها، فهي يوميات تفصح بشكل واضح عن جوانية صاحبها الذي ينظر إلى نفسه من الداخل، وكأنه يحاور نفسه بنفسه، وقد يكون هذا دافعا يجعل المترجم يرى أن الكينونة الكافكاوية تكمن في الكتابة، فجعل عنوان مقدمته لهذه اليوميات : "يوميات كافكا :الكتابة بديلا عن الحياة " (ص7) وفي نهايات هذه المقدمة يقول: " والخلاصة :إن حياة كافكا هي في أبعادها الكبرى تجسيد للمأساة، وهروب من الحياة إلى الكتابة " (ص18).

ومن سمات الكتابة الكافكاوية في هذه اليوميات تكرار الأفكار، وهو تكرار يخلو من الإعادة، ويأتي بالإفادة، ولعل أبرز ما يوضح هذا القول تلك الفقرة الرائعة التي استشهد بها المترجم، حين أتى بها من سفينة جبرا على لسان تلك الشخصية العدمية المنتحرة (الدكتور فالح حسيب) في رواية (السفينة)، وهي فقرة مأخوذة من رسالة للدكتور فالح كتبها قبل انتحاره على متن السفينة يقول فيها: " من عادة كافكا في مذكراته أن يصف تجربة ما, ثم يعود فيصفها عل نحو آخر, ثم يكرر الوصف على نحو ثالث, ويستمر في ذلك أحيانا لأربع أو خمس مرات. لعله يحاول كل مرة أن يوجد لتجربته الوصف الأفضل, الذي يعتقد أنه لن يحققه بمحاولة واحدة فيكررها, ولكنه يبدأ كل مرة على نحو جديد, وما يسهبه من تفصيل في المحاولة الواحدة يوجزه في المحاولة الأخرى, مسهبا في ناحية أخرى. وهكذا". (انظر السفينة ص 214 دار الآداب).



بعد هذه الفقرة مباشرة يقول خليل الشيخ في كتابه (دوائر المقارنة): " إن مذكرات الطبيب فالح حسيب لا تستعير من كافكا أسلوبه في كتابة اليوميات الذي يعمد للتكرار من أجل تجلية الحدث من جوانبه المتعددة فحسب, بل تستعير منها, وبخاصة في مراحلها الأخيرة, خيالاتها الانتحارية, والأحساس الطاغي بالعجز والمرض الذي أوصل كافكا إلى حافة الانتحار" ( دوائر المقارنة ص131)

ومما يمكن أن أستشهد به هنا بوصفه مثالا على التكرار المتعدد الجوانب في يوميات كافكا هو تركيزه على المسألة العائلية, ونظرته التشاؤمية إلى طفولته وعائلته, يقول: " إن تربيتي قد أضرت بي كثيرا من مناح متعددة, وهذا اللوم يصيب كثيرين, وأخص منهم والدي وبعض أقاربي... إنني أقرن بين اللوم والاعتراض لأقول إن تربيتي إضافة إلى تلك التفنيدات قد أضرت بي من مناح شتى..." (اليوميات ص24).

فهو هنا يلقي اللوم على من أساءوا تربيته, ولكنه تكتم على أسماء كثيرة ممن كانت له بهم علاقة مباشرة كالأقارب والمعلمين الذين يذكرهم لاحقا, وهو هنا وإن كان يذكر العموميات فلا يصرح بالأسماء ولا يفصح عن تلك المناحي الكثيرة التي أضرت به, إلا أنه يعطي انطباعا يكاد يكون واضحا عن المحيط العام الذي أحاط به طفلا وشابا.

وهو في فقرة أخرى يفصح لنا عن شخص ممن عناهم حين قال: " أضروا بتربيتي" فيروي موقفا حدث معه دون أن يقول إن هذا الشخص من الذين أضروا بتربيته, ذلك هو عمه الذي يقول فيه: " أحد أعمامي الذين لا يكفون عن الضحك تناول الورقة التي كنت أرفعها بوهن, تأملها سريعا, ثم أعادها لي من غير أن يضحك, وهو يقول للآخرين الذين كانوا يتابعون المشهد "الهراء المعتاد", ثم لم يتحدث على الإطلاق معي" ( اليوميات ص45)

ففيهذه الفقرة يتحدث عن أحد أقاربه، وموقفه السلبي من كتابات كافكا، لنستطيع بعد ذلك أن نقول إن عمه هذا أحد الذين أضروا بتربية كافكا، فكان أحد الذين عناهم كافكا في عبارته: " أضروا بتربيتي" لنجد أن في هذا الاستشهاد بين هاتين الفقرتين المنفصلتين ما يمكن أن يدلل على صحة كلام جبرا على لسان الدكتور فالح حسيب.

ليس هذا إلا القليل عن هذه اليوميات التي لابد للمكتبة العربية من اقتنائها وإفساح الحيز المناسب لها، ذلك أنها الأولى والكاملة، وذلك أنها أيضا ترجمت بقلم مشهود له في مجال الدراسات الأدبية المقارنة، والدراسات السيرية والروائية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



خليل الشيخ (المترجم):

* أستاذ الأدب المقارن- جامعة اليرموك.
* من مؤلفاته:
* الانتحار في الأدب العربي, دراسة في جدلية العلاقة بين الأدب والسيرة, بيروت, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1997.

2- باريس في الأدب العربي الحديث/ دراسة نقدية في إشكالية العلاقة بين المركز والأطراف, بيروت, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1998.

3- دوائر المقارنة, دراسات نقدية في العلاقة بين الذات والآخر, بيروت, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2000.

4- السيرة والمتخيل/ قراءات في نماذج عربية معاصرة, دار أزمنة للنشر والتوزيع, عمان, 2005.



من ترجماته:

- هلموت بوتيجر: ما بعد اليوتوبيات, تاريخ الأدب المعاصر الناطق بالألمانية, دار أزمنة للنشر والتوزيع, عمان. وقد حصل هذا الكتاب على جائزة أفضل كتاب مترجم للعام 2007 التي تمنحها جامعة فيلادفيا الأردنية.











































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































Sun, August 30, 2009 10:16:19 AM
يوميات كافكا
...
From:
ali hasees
...
View Contact
To: [email protected]
أستاذي الكريم، تحية وبعد
أرسل لحضرتكم هذه المادة على عجالة راجيا تعديل ما تشاء وإبداء الرأي حتى يتسنى نشرها



في الترجمة العربية الأولى ليوميات كافكا

خليل الشيخ: التكرار في يوميات كافكا لا يقود إلى التماثل



علي هصيص



على الرغم من أهمية كافكا روائيا ذي شخصية جدلية قلقة، وعلى الرغم من حيازة رواياته شهرة عالمية منقطعة النظير، وعلى الرغم أيضا من ترجمة أعماله الإبداعية إلى العربية، وعلى الرغم من كثرة الدراسات العربية حول شخصيته وإبداعاته، وكثرة الجدل الذي دار حوله، إلا أن مذكراته ويومياته التي تفصح عن الكثير من جوانب شخصيته الإنسانية والعرقية والإبداعية، ظلت عصية على الترجمة إلى العربية، حتى جاء أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة اليرموك الدكتور خليل الشيخ ليتصدى إلى هذه المهمة الشاقة، التي تستنفد الجهد والوقت الكثيرَين، فقدم لنا هذه اليوميات مترجمة بشكل كامل عن الألمانية في عمله الصادر عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث, المجمع الثقافي, 2009.

أهمية الترجمة

في هذه الترجمة الأولى والكاملة ليوميات كافكا, يضيف المترجم الدكتور خليل الشيخ إضافة نوعية وضرورية إلى المكتبة العربية, لا من حيث تقديمه يوميات واحد من أهم كتاب القرن العشرين فحسب, بل من حيثيات أخرى أذكر منها:

* أن هذا الكتاب يتيح للقارىء العربي فرصة الاطلاع عن قرب على كافكا الابن, وكافكا الرافض, وكافكا الخاطب, وكافكا الكاتب, فلا يعود القارىء رهين الإشارات التي يوزعها مترجمو أعماله ودارسوها في ثنايا ترجماتهم ودراساتهم وهوامشها, تلك الإشارات التي قد تعبر أحيانا عما يريده أو يفهمه المترجم أو الدارس، ولكن لم يكن بالضرورة هو المقصود أو هو الصواب. وقد يأتي القارئ بفهم وتحليل أقرب إلى الصواب مما يأتي به المترجم أو الدارس.

* كثير من أعمال كافكا كان لها إرهاصات ومقدمات في نفس كافكا وتفكيره، حتى تبلورت بعض هذه المشاعر والأفكار لتكون أعمالا أدبية متكاملة، ومثل هذه الإرهاصات نجدها واضحة في يوميات كافكا يطلع عليها القارئ ويضع يده على مواطن العلاقات بين اليوميات والأدبيات، فيكون بقراءته الكاملة لمثل هذه الإرهاصات قادرا على اكتشاف العلاقات بين العمل الأدبي ومقدماته التي ربما تكون سبقت هذا العمل بسنوات.

ومن هذه المقدمات الواردة في اليوميات على سبيل المثال:



1. يقول كافكا " إذا كنت أجلس قريبا من البالوعة هنا تدهشني مياه المطر، أو أجلس في الطابق العلوي تحت أضواء الثريا أحتسي الشمبانيا، فالأمر عندي سيان. وبالمناسبة لم يحدث أن كنت قادرا على الاختيار بين مسألتين كما لم يسبق لي أن يمكن أن يقع لي هذا في إطار الطقوس الضرورية لي، وأنا مازلت أواصل الزحف في هذا الإطار كحشرة قذرة " (اليوميات ص25) ففي هذا ما يمكن أن يضعنا في أجواء روايته(المسخ) التي بدأ بكتابتها في17 تشرين الثاني 1912 في حين كانت الفقرة السابقة من يومياته مكتوبة بتاريخ 19 تموز 1910.

2. ويقول أيضا: " إن القدم التي سأطأ الصالة بها، ستكون قد مسخت عندما أجرها نحو الآخرين"

3. ويقول أيضا: "متى تأتين أيتها ألمحاكمة غير المرئية" حيث يعلق خليل الشيخ على هذه الجملة قائلا : "يرى كثير من الدارسين أن هذه الجملة تشكل البذرة الأولى لرواية المحاكمة" (اليوميات ص36).
4 ومن المقدمات أو الإرهاصات لقصة (الحكم) عند كافكا ما كتبه في يومياته تحت عنوان (العالم المديني) انظر (اليوميات ص48).



* من خلال هذه اليوميات، نجد مكانا خصبا للقراءة في مسألة هي غاية في الأهمية والحساسية، لاسيما وأن الترجمة جاءت عن الألمانية - لغة النازيين لاحقا - إلى العربية، هذه المسألة التي طال الحديث عنها في الدراسات التي تناولت كافكا، وكانت دائما بين مد وجزر بين الدارسين الذين يستعينون بيوميات كافكا ورسائله وأعماله لإثبات آرائهم فيها، وهذه المسألة هي (يهودية كافكا)، فهل كان كافكا متعاطفا مع اليهودية والصهيونية، وهل كان في قرار نفسه مؤمنا بتعاليم اليهودية معتنقا إياها، هل كان له موقف ما من العرب وهل كان مؤمنا بخرافة (شعب الله المختار)؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحها الدارسون العرب قبل ترجمة هذه اليوميات، ولكن قراءة اليوميات قد تعطي صورة أوضح للقارئ حول هذه المسألة التي لا مجال للخوض فيها في هذه العجالة، ولكني أحيل القارئ إلى اليوميات، وخاصة ذلك الاهتمام البارز والواضح من قبل كافكا بالمحاضرات والمسارح اليهودية التي كان يتابعها باهتمام، وقد أعطاها حقها في يومياته. وللاستزادة حول هذا الموضوع يمكن النظر في كتاب :فلسطين في رسائل فرانز كافكا ترجمة محمد أبو خضور ، دمشق 1999، وكتاب :هل ينبغي إحراق كافكا؟ لبديعة أمين، 1983 وحول هذه المسألة يقول خليل الشيخ: (استطاعت الفرقة التمثيلية البولندية التي جاءت إلى براغ عام 1911 أن تضفي على حياة كافكا قدرا كبيرا من الحيوية، وعمقت صلته بالحياة الاجتماعية في براغ، فقد أعجب بإحدى الممثلات في تلك الفرقة، وارتبط معها بعلاقة عاطفية (السيدة تشيسك)، الأمر الذي جعله يشارك في حضور فعاليات تلك الفرقة، ويهتم بأدب اليهود، ولاسيما ذلك المكتوب بلغة الإيديش، ويسعى للبحث عن الروح المناضلة فيه، صحيح أنه ظل يقف من الأعمال المسرحية المعروضة موقفا نقديا، يوضح ما تنطوي عليه المسرحيات من مبالغات؛ لكن ذلك لم يمنعه من الكتابة للنوادي اليهودية والصهيونية لمساعدة تلك الفرقة ودعمها" (من مقدمة اليوميات ص 14).

والقارئ لهذه اليوميات إضافة إلى قراءة رسائله (ترجمة محمد خضور) يجد أن كافكا ظل متعاطفا مع اليهود والمسألة اليهودية والصهيونية معا، مبشرا بحلم قريب على أرض كنعان!





سمات كافكاوية



في هذه اليوميات نجد أن كافكا لا يبخل علينا - بقصد أو دون قصد - بإيضاح الحالة النفسية التي يعيشها، فهي يوميات تفصح بشكل واضح عن جوانية صاحبها الذي ينظر إلى نفسه من الداخل، وكأنه يحاور نفسه بنفسه، وقد يكون هذا دافعا يجعل المترجم يرى أن الكينونة الكافكاوية تكمن في الكتابة، فجعل عنوان مقدمته لهذه اليوميات : "يوميات كافكا :الكتابة بديلا عن الحياة " (ص7) وفي نهايات هذه المقدمة يقول: " والخلاصة :إن حياة كافكا هي في أبعادها الكبرى تجسيد للمأساة، وهروب من الحياة إلى الكتابة " (ص18).

ومن سمات الكتابة الكافكاوية في هذه اليوميات تكرار الأفكار، وهو تكرار يخلو من الإعادة، ويأتي بالإفادة، ولعل أبرز ما يوضح هذا القول تلك الفقرة الرائعة التي استشهد بها المترجم، حين أتى بها من سفينة جبرا على لسان تلك الشخصية العدمية المنتحرة (الدكتور فالح حسيب) في رواية (السفينة)، وهي فقرة مأخوذة من رسالة للدكتور فالح كتبها قبل انتحاره على متن السفينة يقول فيها: " من عادة كافكا في مذكراته أن يصف تجربة ما, ثم يعود فيصفها عل نحو آخر, ثم يكرر الوصف على نحو ثالث, ويستمر في ذلك أحيانا لأربع أو خمس مرات. لعله يحاول كل مرة أن يوجد لتجربته الوصف الأفضل, الذي يعتقد أنه لن يحققه بمحاولة واحدة فيكررها, ولكنه يبدأ كل مرة على نحو جديد, وما يسهبه من تفصيل في المحاولة الواحدة يوجزه في المحاولة الأخرى, مسهبا في ناحية أخرى. وهكذا". (انظر السفينة ص 214 دار الآداب).



بعد هذه الفقرة مباشرة يقول خليل الشيخ في كتابه (دوائر المقارنة): " إن مذكرات الطبيب فالح حسيب لا تستعير من كافكا أسلوبه في كتابة اليوميات الذي يعمد للتكرار من أجل تجلية الحدث من جوانبه المتعددة فحسب, بل تستعير منها, وبخاصة في مراحلها الأخيرة, خيالاتها الانتحارية, والأحساس الطاغي بالعجز والمرض الذي أوصل كافكا إلى حافة الانتحار" ( دوائر المقارنة ص131)

ومما يمكن أن أستشهد به هنا بوصفه مثالا على التكرار المتعدد الجوانب في يوميات كافكا هو تركيزه على المسألة العائلية, ونظرته التشاؤمية إلى طفولته وعائلته, يقول: " إن تربيتي قد أضرت بي كثيرا من مناح متعددة, وهذا اللوم يصيب كثيرين, وأخص منهم والدي وبعض أقاربي... إنني أقرن بين اللوم والاعتراض لأقول إن تربيتي إضافة إلى تلك التفنيدات قد أضرت بي من مناح شتى..." (اليوميات ص24).

فهو هنا يلقي اللوم على من أساءوا تربيته, ولكنه تكتم على أسماء كثيرة ممن كانت له بهم علاقة مباشرة كالأقارب والمعلمين الذين يذكرهم لاحقا, وهو هنا وإن كان يذكر العموميات فلا يصرح بالأسماء ولا يفصح عن تلك المناحي الكثيرة التي أضرت به, إلا أنه يعطي انطباعا يكاد يكون واضحا عن المحيط العام الذي أحاط به طفلا وشابا.

وهو في فقرة أخرى يفصح لنا عن شخص ممن عناهم حين قال: " أضروا بتربيتي" فيروي موقفا حدث معه دون أن يقول إن هذا الشخص من الذين أضروا بتربيته, ذلك هو عمه الذي يقول فيه: " أحد أعمامي الذين لا يكفون عن الضحك تناول الورقة التي كنت أرفعها بوهن, تأملها سريعا, ثم أعادها لي من غير أن يضحك, وهو يقول للآخرين الذين كانوا يتابعون المشهد "الهراء المعتاد", ثم لم يتحدث على الإطلاق معي" ( اليوميات ص45)

ففيهذه الفقرة يتحدث عن أحد أقاربه، وموقفه السلبي من كتابات كافكا، لنستطيع بعد ذلك أن نقول إن عمه هذا أحد الذين أضروا بتربية كافكا، فكان أحد الذين عناهم كافكا في عبارته: " أضروا بتربيتي" لنجد أن في هذا الاستشهاد بين هاتين الفقرتين المنفصلتين ما يمكن أن يدلل على صحة كلام جبرا على لسان الدكتور فالح حسيب.

ليس هذا إلا القليل عن هذه اليوميات التي لابد للمكتبة العربية من اقتنائها وإفساح الحيز المناسب لها، ذلك أنها الأولى والكاملة، وذلك أنها أيضا ترجمت بقلم مشهود له في مجال الدراسات الأدبية المقارنة، والدراسات السيرية والروائية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



خليل الشيخ (المترجم):

* أستاذ الأدب المقارن- جامعة اليرموك.
* من مؤلفاته:
* الانتحار في الأدب العربي, دراسة في جدلية العلاقة بين الأدب والسيرة, بيروت, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1997.

2- باريس في الأدب العربي الحديث/ دراسة نقدية في إشكالية العلاقة بين المركز والأطراف, بيروت, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 1998.

3- دوائر المقارنة, دراسات نقدية في العلاقة بين الذات والآخر, بيروت, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, 2000.

4- السيرة والمتخيل/ قراءات في نماذج عربية معاصرة, دار أزمنة للنشر والتوزيع, عمان, 2005.



من ترجماته:

- هلموت بوتيجر: ما بعد اليوتوبيات, تاريخ الأدب المعاصر الناطق بالألمانية, دار أزمنة للنشر والتوزيع, عمان. وقد حصل هذا الكتاب على جائزة أفضل كتاب مترجم للعام 2007 التي تمنحها جامعة فيلادفيا الأردنية.



#علي_هصيص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن البيت السابع
- التهافت الغريب


المزيد.....




- توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف ...
- كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟ ...
- شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي ...
- رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس ...
- أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما ...
- فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن ...
- بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل ...
- “حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال ...
- جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
- التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!


المزيد.....

- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي هصيص - الترجمة العربية الأولى ليوميات كافكا