|
البهلوان
البتول الهاشمية
الحوار المتمدن-العدد: 926 - 2004 / 8 / 15 - 12:10
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لعل أطرف ما روي عن الزعيم الأسطورة تشرشل انه وفيما كان يشاهد عرضا لسيرك فريق إنكليزي جديد بعد تلقيه بطاقة دعوى خاصة ظل يتثاءب طيلة الوقت وما إن بدأ فقرة البهلوان للاعب ايرلندي حتى جحظت عيناه وراح يراقب بإعجاب حركاته التي بدا من الواضح انه تدرب عليها جيدا فقد كان يقفز ويتسلق الحبال بخفة منقطعة النظير ثم بنقلب في الهواء ليسقط واقفا ...وما إن انتهى العرض حتى صفق الزعيم الإنكليزي كما لم يفعل من قبل ليس هذا فحسب بل أسرع إليه وهمس في أذنه ..صدقني مكانك ليس هنا ولو أن الآمر عائد لي شخصيا لمنحتك عرش إنكلترا ...وانصرف تاركا خلفه البهلوان صريعا لكم هائل من الأسئلة فما الذي يقصده تشرشل ..وما علاقتي أنا بعرش إنكلترا ..لا يمكن أن تكون مجرد كلمات عابرة فليست كلمات تشرشل من النوع الذي يخطئ هدفه ..واغلب الظن أن البهلوان قضى حياته عبثا في محاولة فك هذا اللغز المثير مع أن الحل كان في منتهى البساطة ..فالسياسة تحتاج لمن يبهر جمهورها بالحركات الرشيقة ..وإثارتهم بسرعة التقلبات ..والاهم من هذا ألا يقع السياسي إلا واقفا وقبل وبعد كل ذلك عليه أن ينتزع تصفيق وإعجاب المتابعين بدون أن يقدم لهم شيئا ..هذا عن السياسة ..ولكن ماذا عن ساحات الفكر والإبداع والثقافة ...أيوجد فيها مكان للبهلوانات ..وما يهمنا نحن الساحة العربية ...فما إن تفتح جريدتك صباحا حتى تجد اسما في الصفحة الرئيسية يشرح لك الكثير عن أصول العمل الصحفي وضرورة مطاردة ا لحقيقة أينما وجدت وان سمح حجم الصفحة المخصصة فسوف يلقنك دروس في الأمانة والنزاهة ..وقد تجمعك الصدفة بقريب له أو من يعرفه شخصيا ليقص لك أعاجيب عن وضاعته وانعدام ضميره وتعاليه ..لكنك لا تأبه فهذا الشخص لا محالة مغرض وحسود ..يأتي المساء وفي خضم سيل الأحداث العالمية المتسارعة تشعر انك بحاجة إلى جرعة إخبارية ..تفتح جهاز التلفزيون عندك ..فيطل عليك بنظارته الطبية وحقيبته المملوءة بأوراق جاهزة لإدانة خصمه أو إنقاذ نفسه في أي لحظة ..يصرخ ويحاجج بفكين لا يتعبان من طحن الكلمات وقد يتطور الأمر ويسب خصمه أو احد المتصلين ...تستغرب أنت وتتساءل أين ذهبت كلماته عن ديمقراطية الحوار وضرورة احترام رأي الأخر لكنك سرعان ما تعزو ذلك للانفعال الناجم عن الدفاع عن الحق ... .تقرأ عن ندوة ثقافية وقد يصعقك انه على راس قائمة المحاضرين ...تجد متسع من الوقت لتذهب إلى هناك ..يتأخر كثيرا عن الموعد المحدد ..تستحضر من ذاكرتك بعض عباراته الطنانة عن أهمية الوقت ولزوم احترامه ...لكن يا أخي الغايب حجته معه ..هكذا تقول في نفسك .....أخيرا يطل بسيارته الفارهة ...تتساءل من أين له بها فيأتيك الجواب سريعا انه يكتب في أربعة جرائد وربما أضعاف ذلك مجلات ..يعاودك الوسواس ..مادام مسؤلا عن حقن كل تلك الزوايا والصفحات بهذا الكم الهائل من أطنان الكلمات ومديرا لعد كبير من الندوات وطفلا مدللا عند معظم الفضائيات فمتى يجد الوقت ليقرا ومتى يتتبع الأحداث ..فكثيرا ما حلل مجلدات ونقد كتب وناقش بمؤتمرات تتطلب تغطيتها شهورا ...كلماته الترحيبية تقطع عليك سيل أسئلتك ...بيدا حواره بهدوء لا يلبث أن بفقده شيئا فشيئا ...فمقدماته المحترمة سرعان ماتذوب لتظهر العبارات المهلهلة وحتى الساذجة لتبدأ بعدها مرحلة السب واللعن لأمريكا وحلفائها ..تتعاطف معه وتقدر له سوقية ألفاظه فهو مثلك محقون بما فعله أبناء الغرب بنا ..ولكن في اليوم الثاني تتناهى إليك أخبار انه أرسل زوجته لتلد في الولايات المتحدة ليأتي المولود أمريكي الجنسية ...تصعق ...لا يمكن أن يكون هو نفسه ابن البارحة وتشعر أن البهلوان قد وقع ولكن كالعادة واقفا إذ سرعان ما يشرح وجهة نظره في اقرب استديو يوافق على استضافته ويقنعك إن السياسة الأمريكية شئ والشعب الأمريكي شيئا أخر ...مرة أخرى تجد نفسك فريسة للشك ...تمر الأيام وتسقط بغداد بيد مغول العصر المثقفين ...تكفر بالحضارة وماجرته لنا ...تشعر انك بحاجة إلى من يواسيك ...ومن غيره ...انظر إلى الشاشة وستراه كطفل صغير يبكي ويستصرخ الشعوب العربية لإنقاذ حضارة الأجداد وينعى لك اختلاس جوهرته الغالية بغداد ...تلوم نفسك لأنك أسأت الظن به ...وتود لو تشطب من ذاكرتك لحظات ظلمته فيها ...ليس هذا فقط بل قد تخشى عليه لشدة تأثره من أن يصاب بنوبة قلبية أو تسول له نفسه باغتيالها ...وما هي إلا أيام حتى ترصده بنفس البذلة الأنيقة والابتسامة الساحرة يمسك ورقة وقلم ليشرح للمشاهدين تصوره عن مستقبل المنطقة في ظل التغيرات الجديدة ...وأين ؟ على فضائية الحرة !!!! أتراني قصدت شخصا بعينه ...أم شريحة ..أهي .صغيرة أم كبيرة ؟ بصراحة لا أستطيع أن احدد بالضبط مساحة الاتهام ...كما انه ليس بمقدوري أن أجيب عن كل تساؤلاتكم حول ما يحدث للمثقف العربي ....وهل تحتاج مهنة الإبداع والفكر إلى كل تلك الازدواجية ...والنفاق ...وممارسة هواية الأفعى في تغيير جلدها فاعذروني فانا مازلت تلميذة مبتدئة في مدرسة البهلوانات .
#البتول_الهاشمية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للرجال ...فقط
-
عقل حكيم ....و قلب امرأة
-
واشنطن................دوت كام
-
نحن و الأرقام
-
للكلاب ...خصيصا
-
و جاء ..............دورنا
-
هؤلاء.......من هم
-
ما الحكاية بالضبط
-
يا أيها الأحرار
-
سيدتي فرانكفورت
-
نرجسية -قصة قصيرة
-
مدير فضائية .....بامتياز
-
نحن ....و الحظ
-
مطارات ...عربية
-
لخالة ...امريكا
-
يا معشر المؤتمرين
-
للسياسة ....وجه امرأة
-
خطبة لاذعة ............ضد رجل نائم
-
لعبة الوجوه...مرة اخرى
-
في انتظار ....سام
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|