أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمير أمين - الشيوعيون يعودون الى وطنهم في نفس العام















المزيد.....


الشيوعيون يعودون الى وطنهم في نفس العام


أمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 3044 - 2010 / 6 / 25 - 13:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشيوعيون يعودون الى وطنهم في نفس العام


حينما إشتدت حملة النظام السابق لضرب الحزب الشيوعي وتصفيته الجسدية عام 1979 ، إستطاع عدد من الشيوعيين أن يلتحقوا بجبال كردستان لتكوين حركة الأنصار وكانوا من تلك المنطقة وما جاورها بينما إستطاع عدد آخر أن يغادر خارج العراق بطرق وأوقات مختلفة ولدول محددة في الوقت الذي إختفى فيه آخرون داخل وطنهم من أجل الحفاظ على حياتهم من بطش أزلام السلطة ومرتزقتها المبثوثين في كل مكان !
في الأول من حزيران عام 79 وصلت الى دمشق عن طريق البر ومكثت في فندق أوغاريت ، كانت عدد من الغرف مكتظة برفاقنا الشيوعيين وكانت صلتنا حينذاك بالرفيق أبو جمال الذي يسمى أيضاً أبو باسل ، كنت ألتقي به وكنا نتحدث في هموم الوطن وأحداثه الساخنة..جاء في اليوم التالي وكانت ترتسم على محياه علامات الحزن .. صافحني وخرجنا نتمشى في شوارع العاصمة دمشق ثم ما لبث إن أفصح عن مصدر حزنه قائلاً بألم : لقد إستشهد رفيقنا توفيق رشدي في عدن ! لقد جرت تصفيته من قبل أزلام السفارة العراقية هناك !! ثم وضح عن كونه يحتل مسؤولية التنظيم الحزبي في جمهورية اليمن الديمقراطية وهو كردي وزوجته روسية وهو أستاذ جامعة ..الخ ، حزنا كثيراً عليه وفكرنا بأن البعثيين سيلاحقوننا خارج الوطن أيضاً من أجل تصفيتنا وكان هذا ضمن مخططهم المرسوم والذي عملوا عليه لاحقاً بإستهداف عدد من رفاقنا في بيروت وغيرها ..بقيت في سوريا حوالي عشرة أيام ثم سافرت الى بيروت بعد أن إستقليت سيارة أجرة مع إثنتين من الرفيقات كنّ يجلسنّ في المقعد الخلفي ولم أتذكرهن ولم أتذكر أسمائهن ولكني تذوقت فاكهة الكرز لأول مرة في حياتي من أيديهن حيث قامت إحداهن بشراء كمية كبيرة منه حينما توقف السائق بضعة دقائق قرب أحد الباعة وكانت إحداهن تناولني كمية منه بين فترة وأخرى فأقوم بمضغها ورمي النواة من خلال زجاج نافذة السيارة..وصلنا الى بيروت وحسب العنوان المتفق عليه فقد أوصلنا السائق الى بناية مقر الجبهة الديمقراطية الواقع في بيروت الغربية وفي منطقة إسمها الفاكهاني ..دخلنا الى المقر الذي كان يقف على جانبي بابه عدد من الحرس وهم يحملون الرشاشات ويرتدون ملابس الزي العسكري ، كانوا شباباً تبدوا عليهم الوسامة على الرغم من عدم حلاقة بعضهم لذقنه لعدة أيام خلت ! جلست أنا والبنتين على إحدى الكنبات في غرفة مسؤول المكتب الذي كان منشغلاً في حديث تلفوني جاد مع شخص كان يخبره بوجود عدد من الشهداء ! وهو يرد عليه : مو مشكلة إذا كان الشهيد طويل وما بيكفي في الإسعاف يمكنكم لف أرجله وإغلاق الباب ثم ضعوا الشهيد الآخر جنبه !! إنتابنا الذعر أنا والبنتين عند سماعنا لهذه الكلمات خاصة وأن المكتب إزدحم بالمقاتلين الذين كانوا يتحدثون عن الأحداث الجارية وعن عدد الشهداء وكيفية نقلهم ومواراتهم الثرى !! غيّر الرفيق المتحدث عبر التلفون من لهجته الصارمة والحزينة وصار يتلاطف معنا ويسأل البنات عن الطريق وصعوباته وكأن شيئاً لم يحدث لهم وهذا ما أصبح طبيعياً لنا فيما بعد، ثم جاء الرفيق أبو ناصر وأخبرني بأن الحزب ينظم دورات للتدريب على السلاح يمكنني الإلتحاق بها حالاً ! غادرت الى الناعمة بسيارة تابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بينما ذهبت البنتين الى مكان آخر ولم التقي بهن مرة أخرى .. في الناعمة شكلنا لجنة سرية كنت أحد أعضاءها وكان المسؤول الرفيق أبو نضال الذي سمّى نفسه لاحقاً أبو تراث وبدأ التدريب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وخاصة مدفع B10 وسلاح RBG7 ، RBG2 ضمت دورتنا عشرات الشيوعيين وكانوا جميعهم من الشباب ولا أذكر أن أحدهم قد تخطى عتبة الثلاثين أبداً !! حيث كانت أعمارنا تتراوح ما بين 16 سنة الى 26 سنة وكنا نمتاز بالقوة والعزيمة والإندفاع وجرى تنظيم حياتنا داخل المعسكر وعلاقتنا مع بعضنا ومع القادة من الجبهة الديمقراطية وإمتاز أغلب الرفاق بالإنضباط الجيد ونجحوا في كافة التدريبات وبشعور عالي بالمسؤولية ما عدا إثنان أو ثلاثة كانوا قد جاؤوا الينا من بلغاريا فكانوا متذمرين لعدم حصولهم على زمالات بينما منحت الى رفاق آخرين فكان هؤلاء يقومون بالتشويش وإفتعال المشاكل وقبل أن تنتهي الدورة عادوا منكسرين الى الوطن لكنهم جلبوا لنا سمعة غير جيدة وقد إشتكى منهم قائد المعسكر الرائد سلطان في لقائي به حينما قال : إنني أنحني إجلالاً لبطولات الحزب الشيوعي العراقي ولكني أخجل من تصرفات بعض رفاقكم ! وأشار الى إسماء إثنين منهم ، كنت متفقاً مع ما تحدث به خاصة وأن أحدهما قام بالأمس بضرب زميله بالحذاء وقلت له : أن هؤلاء جاؤونا بالزرة !! فقال لي متعجباً ومستفهماً : كيف..كيف ! قلت له أن أمثال أبو فلان وصديقه جاؤوا أيام الجبهة الوطنية في وقت أسميناه وقت الخير ولم تصقلهم المحن كالشيوعيين الأوائل وطلب مني أن نتخلص منهم ومن أي شيوعي يسيء لحزبكم كما قال ! فوعدته خيراً أما بقية الرفاق فكانوا من أروع الشباب الذين إلتحق حوالي 95 بالمئة منهم في صفوف أنصار الحزب الشيوعي في كردستان وإستشهد عدد منهم ..كانت الدورة شاقة ولكنها ممتعة وكنا ننهض عند الفجر ونذهب الى مكان آخر أكثر أمناً ونقوم بعملية يطلق عليها الإنتشار وكانت تحيط بنا الفواكه الطازجة والتي تنبعث منها الرائحة العطرة فكنا نتناولها دون أن نقوم بغسلها وهي كثيرة ومتنوعة وغالباً ما كنّا نحرم من تناول وجبة الغذاء بسببها وكانت لنا أمسيات جميلة من الشعر والغناء ، ورداً على محاولة حزب البعث وأساليبه الوضيعة بإنتزاع البراءة من عدد من رفاقنا بشتى الأساليب فقد كان رفاقنا يترنمون كل ليلة بترديد أغنية ( على يا مال تردونا نوقع على البراءة..حزبنا الأبي ما نعوفه ولا نقبل دناءة ) بالوقت الذي يتهيأ عدد آخر بترديد الأغنية الثورية المحببة ( هلا بيك هلا ..يا حزب المرجلة )بالإضافة الى عدد من الأغاني وأناشيد الثورة الفلسطينية ، شارفت الدورة التدريبية على الإنتهاء وفي أحد الأيام زارنا الرفيق كريم أحمد ورحب به الرفيق أبو نضال بشيء مبالغ به ، كنت حينها التقي لأول مرة بعضو مكتب سياسي في حياتي فكنت أصغي اليه بإنتباه شديد جداً وكان أبو سليم يحدثنا بأن حزبنا بدأ بتكوين فصائل مسلحة في منطقة سوران وهو يعتزم إنشاء قواعد في بهدينان وكان يحثنا بالإلتحاق بالحركة الأنصارية وعدم التخلف عنها إلاّ لأسباب قاهرة .. كنا فرحين جداً لسماعنا هذه الأخبار السارة ..صفقنا للرفيق وهنئنا بعضنا لحصول تطور سريع لوضع الحزب وسياسته الجديدة وما هي إلاّ أيام قليلة حتى تخرجت دفعتنا وجرى توزيعنا على مناطق البقاع الغربي ومكثنا في قريتي عين عرب وأم دوخة بينما بقي عدد من الرفاق في بيروت أو طرابلس.. كنت من ضمن الرفاق المتواجدين في قرية عين عرب الفاتنة وكان مقرنا يطل على تلة صغيرة تتقدمه ساحة غالباً ما كنا نعمل بها حفلات الغناء والرقص !! توسعت تنظيماتنا وتخرج رفاق آخرون وإنضم قسم منهم الينا فقمنا بتشكيل لجنة كتيبة من عدد محدد من الرفاق كنت أحدهم وكان مسؤولنا أبو أمل وحسب ما كان يذكر من أنني كنت ساعده الأيمن ! وبعد سفر الرفيق أبو نضال ( صباح محمود ) الى كردستان أخذت مهمته على عاتقي وأصبحت مسؤول التموين والتسليح في الكتيبة بالإضافة الى عضويتها لحين سفري للإلتحاق بفصائل الأنصار في كردستان وكان أبو أمل صاحب معشر ويمتاز بالطيبة وروح الفكاهة وكانت الأجواء داخل المقر تمتاز بالضجيج والأغاني والأناشيد الحماسية لرفاق ينتظرون مجيء فرصتهم للسفر الى كردستان العراق ، كان من ضمنهم الرفيقان أبو روزا والشهيد أبو سحر ديوانية اللذان لم ينقطعا ولو للحظة عن التنكيت والصياح وفي ظهر أحد الأيام رأى المسؤول أبو أمل من بعيد أن أحد الذين يعرفهم قد جاء للإلتحاق بنا ..دخل مسرعاً الى القاعة وصرخ بنا : رفاق إخرجوا برة رجاءً لإستقبال أحد الرفاق النادرين ثم طلب من الجميع خلع قمصانهم وحينما وصل الرفيق قرب الباب كان الجميع بإستقباله بهوسة حماسية أطلقها المسؤول وبقية الرفاق من بعده وهم يدورون بشكل أذهل سكان القرية وصاروا يتطلعون بإندهاش الينا وهم غير مصدقين ونحن فقط نرتدي بنطلونات الجينز وندور حول الرفيق المحتفى به مرددين وبصوت جهوري جملة ( جانت عايزة إلتمت !! هههههههه) كان الرفيق الجديد هو الشهيد الطيب أبو كريّم ( حاتم نمش ) الذي يمتاز بالفكاهة والمرح وسرعة البديهية وقد جعل كل أيامنا بهجة وسعادة. ففي إحدى الأماسي كنا ننشد : هلا بيك هلا وكان الحرس على مقربة منّا الشهيد أبو زياد يرتدي معطف عسكري طويل جداً يصل الى قدميه مما حدى بالشهيد أبو كريّم أن يحوّر الأغنية وهو ينظر الى أبو زياد قائلاً : ( ما ننسى بو زياد ، يوم اللي وكف ، لابس القبوط وبحزبه هتف .. هلا بيك هلا .. يا حزب المرجلة هلا هههههههههه !! )) وتعالى ضحك الجميع وأثارت كلماته تعجب الشهيد أبو زياد وكيف أنه قام للتو بتحويرها بمجرد رؤيته الخاطفة له فأثنى على إبداعه وسرعة بديهيته !!!..أيام جميلة مرت علينا كنّا من خلالها نتطلع لليوم الأغر الذي سنصل فيه الى أرض الوطن .. عملنا معرض فني وشخصي للشهيد الرسام أبو جنان ( أسعد لعيبي ) وزارنا أبو منى وفخري كريم من بيروت وإنبهروا باللوحات الجميلة التي نقشتها أنامل الأخ الحبيب أسعد أبو جنان في هذا الوقت بدأت إستعدادات الحزب لإرسال الرفاق الى كردستان وأيضاً جرى ترشيح عدد محدود منهم للدراسة الأكاديمية الى جمهوريات الإتحاد السوفيتي والبلدان الإشتراكية الأخرى...إقترب مني أبو منى ونحن نسلم عليه وعلى أبو نبيل وضرب بطني بقبضة يده بخفة قائلاً : أراك مريّش !! أي أنك مرتاح ثم قال لي : سوف نرسلك للدراسة الى الخارج ! لم أدعه يكمل وإعترضت على ما قاله بعتاب شديد مما حدى به الى أن يغير الموضوع ويقول : أرى أنك مصر على السفر الى كردستان وأتمنى أن تحقق رغبتك الصادقة ! ولم يطرح معي الموضوع مرة أخرى وحينما بدأنا بإرسال مجاميع الرفاق الأولى وضعت نفسي في مقدمتها كذلك فعل الرفيق الشهيد جمال سلهو أبو زياد على الرغم من أن رغبته كانت في أن يواصل دراسته الجامعية حسب ما صرح لي بذلك لكنه بعد سفر أول مجموعة الى كردستان صار يلح على أن يكون إسمه ضمن الوجبة التالية !!..ودعنا أحبة وأعزاء علينا لم نرهم مطلقاً فيما بعد كالشهيد الحبيب أحمد بربن أبو سلمى ذلك الإنسان الرائع الهاديء والوديع الذي كان ينبض قلبه بحب الحزب والإخلاص لقضيته ..وودعنا الأحبة الشهداء أبو غسان وأبو آذار وأبو علي النجار وأبو سلام نفط والأخ العزيز أبو خلدون ( أمجد من أهالي النعمانية ) ذلك الشاب الودود والمثقف وعدد آخر ..لم نطق الصبر والإنتظار وصرنا نلح على رفيقنا المسؤول وشعرت أنه يريد تأخيري قليلاً لأنه حسب ما ذكر لي بأنه يريد الإستفادة مني هنا في الكتيبة لبعض الوقت لكني لم أقتنع وبدأنا أنا والشهيد أبو زياد بالطلب فوراً لإرسالنا الى كردستان فوعدونا خيراً ..بعد عدة أيام سمعنا أن والدة الشهيد أبو زياد وأصغر إخوانه وصلا الى الشام للقاء به ، سافرنا أنا وهو وإلتقينا بهما وأعطى الشهيد أبو زياد ساعته الى والدته قائلاً لي دون أن تسمعه : إعطي ساعتك وبعض لوازمك الشخصية لها لكي توصلها الى أهلك وعلل ذلك بالقول : أنا أن متّ سوف يأخذ ساعتي الجنود !! وسلم ساعته الى والدته كهدية ! بينما إشتريت أنا ثلاثة ساعات بألوان مختلفة وأرسلتها بيد أم الشهيد جمال وأوصيتها أن تكون واحدة الى أمي وإثنتين الى أخواتي الصغيرات إنتصار والشهيدة سحر وفعلاً فقد سافرت أم جمال الى الناصرية وأوصلت الهدية لهن !!عدنا الى الكتيبة وما هي إلاّ بضعة أيام حتى بشّرنا أبو أمل خيراً بترشيحنا للسفر الى الوطن الحبيب !! وفي اليوم التالي وصلنا الى بيروت وكالعادة كانت تغص بالوطنيين العراقيين الهاربين من بعث العراق وخصوصاً في منطقة الفاكهاني في بيروت الغربية ..دخلنا مطعماً لتناول وجبة الغداء التي قال لنا أبو أمل إنها على حساب الحزب وأردف قائلاً : كلو كل ما تشتهونه من مشويات ونحن سوف ندفع الحساب وحينما جاء النادل وقرأنا قائمة المأكولات طلب بعضنا كباب شوي وراح البعض الآخر يطلب له صحن شاورمة إلاّ الأخ عمودي وكان أصغرنا فقد صار يدقق كثيراً في القائمة والنادل بإنتظاره وأخيراً إستقر على شيء قرأه ولم يعرف ماذا سيكون..جاءت المشويات تباعاً وتأخر ما طلبه عماد من أكل ثم ظهر بيد النادل وما هو إلاّ بيضتان مقليتان ووضع فوقهما قليل من الكرفس !!ضحكنا جميعاً بشماتة عليه بينما أراد هو أن يكتم الدموع التي أرادت أن تتساقط من عينيه !!وأخيراً إعترض لدى المسؤول أبو أمل وأراد تبديل طلبه لكن دون جدوى ولم ننقطع نحن عن الضحك بينما كنا نمضغ قطع اللحم المشوي أمام ناظريه بتشفي !! ولما لم يجد من فائدة بدأ يستعطف كل واحد منّا بأن يعطيه نصف شيش أو قطعة لحم مشوي لكن أبو أمل قال وبصرامة المسؤول حينذاك : رفاق كلو ولا تعطوه شيء !! ثم إلتفت اليه قائلاً : ولك إنت تريد تخسّر الحزب ولكن ما تعرف شلون !!!! ثم عطف عليه وأرسل بطلب آخر إضافي له من المشويات محذراً إياه بعدم تكرار ذلك ! كانت مجموعتنا تتكون من عماد وهو إبن أحد شهداء الحزب عام 1963 وهو أصغرنا وكان عمره حوالي 16 سنة حيث أنه ولد في نفس العام الذي إستشهد به والده وكان أكبرنا سناً الرفيق أبو جاسم ومن المجموعة أيضاً كان أبو سامان الذي كان يأتيه الإلهام الشعري فينزوي في مكان خاص ويكتب أبياتاً حلوة وأبو حسين وهو كردي فيلي ومن أهالي بغداد الذي إمتاز بروح النكتة والنصب على عمودي أثناء الرحلة وأبو قصي الذي أصبح أحد أمراء الفصائل في كردستان وأبو أحمد الذي إطلق عليه لقب قلاوة أي السمين في اللغة الكردية وكان يتمتع بإخلاصه وإندفاعه في العمل والشهيد جمال الذي شغل منصب المساعد لي أثناء الرحلة التي إستلمت مسؤوليتها من بيروت الى كردستان مروراً بدمشق وبعض المدن التركية الصغيرة ، أنهينا وجبة الطعام وخرجنا من المطعم ونحن نلوم أبو أمل لأنه طلب الى عماد بوجبة إضافية بالوقت الذي كان فيه عماد يعتذر كثيراً لأنه خسّر الحزب أموالاً إضافية لكنه لا يدري أن لومنا هذا كان غير جدي !! ثم ذهبنا لشراء بعض اللوازم الشخصية ومنحنا الحزب بعض الهدايا كراديو صغير لكل واحد منّا وكفوف جلدية ولايت ضوئي صغير وأشياء أخرى ومبلغاً من المال يكفي لكل الرحلة التي إبتدأت في النصف الثاني من تشرين الثاني عام 79 وعند المساء دعينا الى حفلة ساهرة على شرفنا في وسط منطقة الفاكهاني وفي عمارة كانت تضم عدد من الشيوعيين والشيوعيات .. ذهبنا الى المكان وبدأ الحفل في شقة كبيرة كانت مسؤوليتها بعهدة الشهيدة أنسام التي جلست بقربي ومن الجهة الثانية جلس الشهيد جمال سلهو أبو زياد وإبتدأ الحفل الذي أحيته فرقة كان على رأسها الفنّان سامي كمال ومعه الفنّان حمودي شربة وأخرين وحضر عن قيادة الحزب الفقيد أبو جبار والفقيد أبو عادل الشايب ...كنّا مدللين من قبل الحزب والفرقة وغنوا لنا الكثير من الأغاني الحزبية ونحن نأكل ونشرب وكنّا مندمجين معهم ونشاركهم ترديد ما نعرفه وكانوا يقترحون علينا أن نطلب أي أغنية نود سماعها ولأن الشهيد أبو زياد شرب كثيراً فقد عاتب الفرقة على أنها لم تؤدي أغنية ( أحلى شهر آذار وآخره محليه ..الخ ) مما جعل الجميع يغص بالضحك حيث أن الفرقة كانت للتو قد أنهت إداءها لهذه الأغنية الثورية لكن الشهيد أبو زياد كان منصرفاً عنها ولم ينتبه مما حدى بالفرقة أن تعيد له إداءها مجدداً !!! كانت الشهيدة إنسام تحذرني بعدم الإفراط في الشرب كلما تناولت الكأس الموضوع أمامي بحجة أنهم سيطلبون مني أن أرتجل كلمة بالمناسبة وكانت تشعر بالخوف والإحراج من أنني سأكون ثملاً ولا أستطيع التحكم بمخارج الحروف !! قلت لها إطمئني سأشرب قليلاً ولن يحدث ما يزعجك وفعلاً رفعت النخب وبكلمة بسيطة ومعبرة أشدت فيها ببطولات الشيوعيين وتحديهم للمحن ولاقت الكلمة إستحسان الجميع ثم هبّ أبو أمل بإلقاء قصيدة شعرية أعتقد أنها كانت من نظمه يقول بها وبحماسة : إبشر يا توما توماس جيناك ..الخ ولم أعرف حينها من هو الشخص المشار اليه وإستفسرت عنه فقيل لي أنه مسؤول الأنصار هناك أما أبو أمل فلم يلتحق بأي فصيل أنصاري وكنّا ننتظره فلم يأتي وعرفنا بعد عدة سنوات أنه إختلف مع الحزب ورفض القدوم الى كردستان وخرج لاحقاً من بين صفوفه ...في اليوم التالي سافرنا الى سوريا وإلتقى بي الرفيق أبو يوسف وكان عضواً في اللجنة المركزية وقال لي : أبو سعد راح نستعير منك أبو زياد وستلتقي به في كردستان ، ولم يوضح أكثر بعد أن إستلمت منه بقية التوجيهات خلال الرحلة وإشارات الصلة في تركيا لحين وصولنا سالمين الى أرض الوطن..سافرنا الى تركيا عن طريق البر بعد أن إشترينا بعض اللوازم الشخصية الإضافية وإشترى عمودي خاولي طوله متران وعرضه متر وأصبح مادة للتندر وإقترح عليه أبو حسين بأن يقسمه نصفين ويستعمل نصف ويخبأ آخر لوقت آخر وهذا ما فعله بالضبط هههههههههه!! وفي تركيا إلتقينا بالشهيد أبو زياد وكانت معه مجموعة من الرفاق وهو قائدهم الى كردستان وهم الشهيد الحبيب ناهل والشهيد الطيب أبو يسار والرفاق أبو فهد وأبو جواد وأبو حسن أخبرت الشهيد بأن يبتعدوا عن مجموعتنا أثناء الدخول الى المطاعم أو الجلوس في المقهى لحين مجيء الشخص المعني خوفاً من إنكشاف أمرنا للسلطات التركية وهذا ما أكد هو عليه وإبتعدوا عنّا الى مكان آخر لأن لهم صلة بشخص آخر ..جاء الشخص المعني بالصلة معنا وهو من حزب كوك الكردي وتفاهمنا معه حول سير الرحلة وكان معه شخص واحد أو أكثر وكانوا أدلاء لنا في منطقة وعرة تكثر بها المياه في وقت بدأ فيه تساقط الثلج مبكراً وعند مرورنا بأحد الجداول الفرعية الصغيرة أحنى الدليل ظهره وطلب مني أن أصعد فوقه لكي يقوم بعبور النهر ! لم أصدق ذلك وخفت عليه من مضاعفات الألم لكنه لم يدع لي مجال لمناقشته وأمسك بي ووضعني على ظهره كالأطفال منتقلاً بي الى الجانب الآخر من ضفة النهر وفعل هو وصديقه الشيء نفسه لبقية الرفاق.. كانت جبال تركيا مكسوة بالثلج الناصع البياض كذلك الحال مع جبال وطننا العراق بحيث أنني لم أحقق رغبة الرفيقة منيرة التي طلبت مني أن أقبّل أرض الوطن ! ولم أستطع من تقبيل الثلج الذي كان يغطي كل مكان الى أن وصلنا الى أول قاعدة للحزب الشيوعي في بهدينان مساء الثاني من كانون الأول عام 79 وكان في إستقبالنا الفقيد ملازم أحمد الجبوري أبو وليد والذي هو مسؤول القاعدة بالإضافة الى عدد من الرفاق الرائعين والذين إستشهد عدد كبير منهم في السنوات اللاحقة من نضال الأنصار المسلح..كان الفقيد أحمد الجبوري يستقبلنا بكلمات رقيقة جداً وبالقبلات وكلمة هاوري جيان ودخلنا أول قاعة للأنصار وبعد إستراحة قصيرة جلبوا لنا خبزة صغيرة جداً وأعطوا لكل واحد منّا خمسة جوزات مع كأس شاي صغير وعلمت أنها وجبة العشاء بعد أن تصورت أنها لفتح الشهية فقط !! لكن الشهيد أبو سلام نفط الذي جلس قربي وكان من أصدقائي في لبنان وضح لي كيفية الحرص على عدم رمي أي شيء من الخبز لعدم وجود كميات إضافية منه ونحن نستلمه من تنور الحزب الديمقراطي الكردستاني وهذا ما شاهدته فيما بعد وفي اليوم التالي منحونا إجازة ليوم واحد فقط لكي ينزاح من أقدامنا التعب والألم وثم جرى لقاء لنا مع أبو وليد الذي يسمى أيضاً أبو إزدهار ولم أعرف أنه كان عربياً إلاّ بعد مرورمدة من الزمن فقد كان شكله يميل للأكراد كما أنه يتقن اللغة الكردية ويتكلم بها بشكل جيد وحينما إلتقانا وضعنا كل ما جلبناه أمامه من بعض الأدوية والصابون والمعلبات وحتى النقود المتبقية لدينا حيث كان الشيوعي في ذلك الوقت صادقاً جداً مع نفسه ومع حزبه ومن خلال ملاحظاته قال جملة لم تعجبني هي : إذا كان أحدكم يشعر بعدم القناعة والرغبة الصادقة في الإنخراط في العمل الأنصاري فيمكنه الرجوع من الآن خاصة إذا كان متردد في قناعاته ، شعرت أن الدم بدأ يفور في عروقي وقلت له : رفيق نحن من أفضل الرفاق وجئنا بعد مشادة مع مسؤولنا للتسريع بقدومنا فكيف تعتبرنا مترددين ، إعتذر وقال أريد أن أتكلم مع مسؤولكم حتى لا يفهمني أحد خطأ ثم أردف قائلاً هذه حركة طويلة ومتعبة وعلينا جميعاً تحملها بصبر فأشار عدد من الرفاق الى إسمي قائلين له أن أبو سعد هو مسؤول مجموعتنا ، تحدث الرفيق معي بشكل أكثر جدية ووضح الكثير من الأمور التي ينبغي علينا جميعاً معرفتها لا سيما ونحن في بداية الطريق وإعتذر لسوء الفهم وإعتذرت له على الرغم من أن بعض كلماته بقيت عالقة بذهني عدة شهور الى أن ثبتت مصداقيتها حينما شعر بعض الرفاق لاحقاً بالتردد والتذمر وطالب بعضهم بأن يخرج من كردستان ، قلت مع نفسي أن الرفيق العزيز أبو وليد كان على حق لأنه يملك تجربة كبيرة في الأنصار تمتد الى عام 1963 وهو أدرى بوضع الأنصار وحركتهم منّي ، في اليوم التالي الموافق الرابع من ديسمبر دشنّا القاعة التي أنجزت للتو بعد أن كانت رطبة ( حيث بتنا البارحة مع رفاقنا في سرية المقر ) وقمنا بإشعال النار بها وبدأت واجباتنا من هذا التاريخ الذي صادف اليوبيل الفضي لعيد ميلادي وإبتدأت المسيرة مع نخبة رائعة من خيرة شباب هذا الوطن ومن مختلف القوميات والأديان ومن عدد واسع من محافظات العراق المتنوعة وكانت رحلة شاقة لكنها رائعة المتعة وقد أغنت حياتنا برمتها .



#أمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ننتشل الطلبة والشبيبة من واقعهم المزري في العراق ؟
- أوبريت جذور الماء في الناصرية
- مسرحية الحواجز..البداية التي لم تكتمل !
- حكاية البقرة والضفدعة في قراءة الصف الثاني إبتدائي !
- ربع قرن على إستشهاد ..سحر بنت الحزب
- بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشهيد ( أبو الندى ) و ...
- في أربعينية الفقيد الخال بدري عرب !
- عمي جوعان يحب الحرس القومي !!!
- الداد ... المهمة الاولى لحكومتنا القادمة !


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمير أمين - الشيوعيون يعودون الى وطنهم في نفس العام