|
لماذا يبكي الآباء عند تزويج بناتهم؟؟؟
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 3042 - 2010 / 6 / 23 - 08:27
المحور:
المجتمع المدني
البكاء شكل من أشكال التعبير عن مشاعر الإنسان الداخلية، وانفجار لآلامه المكبوتة، وحسراته المتراكمة. وهو يختلف من شخص لآخر حسب المواقف والظروف التي يمر بها كل إنسان. فليس البكاء قرينا بالأنوثة، ولا ضعفا خاصا بالنساء دون الرجال، كما هو مشهور بين الناس، أن الدموع لا ترسم خرائطها على وجه الرجل أبدا، لشموخه وكبريائه، التي لا تذلها المواقف الصعبة التي تطرأ على حياة الرجل الشرقي عامة والمغربي خاصة، والذي تبقى "كبرياء دموعه" هي أهم ميزات شخصيته العامة، والتي تثير رؤية ترقرقها في مقلتيه استغراب الكثير من الناس، واستهزاء بعضهم، كما أكد ذلك أبو فراس الحمداني قبل أكثر من 1050 عاما بقوله "وأذللت دمعا من خلائقه الكبر"، رغم أن الدمع صوت النفس البشرية، وصدى الألم الإنساني، وهو النافذة التي تندفع منها الآلام إلى خارج النفس ليتعافى الإنسان منها... فالرجل يبكي هو الآخر، كما تبكي النساء أو أشد، لأن للرجال-أو على الأقل لنسبة عريضة منهم- قلب كقلب الطير، رقيق وديع، وأن منهم من هو أكثر وأرق إحساساً من النساء، يتأثر بسرعة بما حوله، لكن دموعه عزيزة مستعصية، لا تذرف إلا في الظروف الصعبة، وغالبا ما تكون صامتة يبكيها داخل نفسه، ويظل يجاهد لحبسها حتى لا تظهر، إلا عندما تصل به تراكمات الهموم والأحزان إلى قمة الضعف والانكسار، فتدمع عيناه، وتتساقط منها العبرات، ويبكي البكاء الحار بسبب الصراع الشديد ما بين تفاعل ظهور الدموع وانهمارها، ومحاولة السيطرة عليها وكتمها وتكبيلها بداخله حتى تموت، لكن ذلك كثيرا ما يصعب ويتعذر مهما جرب التحكم في مشاعره، فتغلبه وتتفوق عليه، وتجري من عينيه الدموع دون إرادة منه، وحينها ينهار، ويبكي كطفل سلبت منه لعبته، وتكون دموعه تلك - التي هي حتما دموع صادقة- أشد التهابا من النار، وذلك أمر غريزي فطري، فالإنسان لا يملك دفع البكاء عن النفس، خاصة إذا كان السبب يستحق كل ذاك العناء... يقول الله تعالى (وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى). لقد عشت عمرا طويلا، نسبيا، لم تعرف الدموع لجفني طريقا، حتى في أحلك الظروف، وأصعب الأزمات، ولم يعرف البكاء لمقلتي بابا، إلا لماما، فكم مررت بحالات صعبة جدا، لكني تجلدت حتى درجة التبلد، وصبرت وكأني أيوب، فقد كنت في غالب أموري كتوما، أحاول جاهدا الحفاظ على رجولتي من خدش الدموع التي علموني أنها منقصة للجولة، وعيب في حقها. لكنني فوجئت يوما – رغم المداراة- أني أنخرط في البكاء بشدة، وقد كان ذلك يوم أعلنت قبولي تزويج ابنتي للشاب الذي تقدم لخطبتها. ورغم أن أسعد شيء بالنسبة لي، ولأي أب سوي في هذه الدنيا، هو تزويج ابنته، وأنها لحظة يتمناها كل أب. لكن مشاعري ضعفت ساعتها، ورقت أحاسيسي، وكان أزيز صدري مسموعا وأنا أردد سورة الفاتحة مع خاطب ابنتي، وبعدها مباشرة، انفردت بنفسي، وتواريت عن الأنظار، لأجهش كالصبي ببكاء صادق مرير، شعورا مني في تلك اللحظة بالذات، وكأني أنقل ملكية جزء ثمين مني، "ابنتي حبيبتي" إلى وافد غريب، يتسلمها مني جاهزة ليبعدها عني! لقد شعرت لحظتها وكأني انشغلت، لسنوات طويلة، عن ابنتي بأمور حياتية تافهة، إلى أن وجدتها فجأة تخرج من بين أحضاني إلى بيت آخر؟ إنه شعور طبيعي ووارد جداً، ويمكن أن ينتاب معظم الآباء، وترجع أسبابه إلى جوانب عدة أذكر منها الأولا: شعور بعض الآباء بغيرة قوية من الرجل الذي سيتزوج من الابنة العروس، وهذه نظرة طبيعية وسوية ناتجة من شدة ارتباط البنات بالآباء. والجانب الثاني: يرجع إلى الحزن والغضب الناتج من الفراق، أي لمجرد فراق البنت لأبيها التي تربت وقضت معه وفي حضنه أطول وقت من عمرها، وبين عشية وضحاها، ستنتقل إلى رجل أخر، وتصبح بعيدة عنه كل البعد. وبعيدا عن العواطف الأبوية المحترمة جدا، فلو فكرنا قليلا كآباء، لوجدنا أننا فعلنا نفس ما يفعله الذي جاء ليتسلم مني عروسه" ابنتي"، وأننا في زمن ما مضى قرأنا نحن أيضا الفاتحة مع آباء زوجاتنا وتسلمنا منهم بناتهم، فتلك سنة الحياة وناموسها. وكل أب يتمني لابنته أن تعيش حياة ناجحة وسعيدة مع من تحب، وعندما يتم ذلك وتتزوج البنت يسعد الأب كثيرا، و ما دموعه إلا دموع فرح أكثر منها دموع حزن، وما الحزن في عينيه يوم الخطوبة والزفاف إلا من سعادته بأنه أدى الواجب وأوصل فلذة كبده إلى بر الأمان وحقق لها ما كانت تتمناه. وتحضرني بالمناسبة قصة تحكى عن جمال عبد الناصر: حين تقدم حاتم صادق، وكان أول من تقدم لطلب يد ابنته، -وكانت نظرات عيني جمال عبد الناصر، كما هو معروف، ترعب من ينظر إليه!- يومها قال عبد الناصر لصديقه محمد حسنين هيكل: تصور جرأة الولد.. جاي عاوز ياخدها مني؟! وضحك هيكل وهو يقول لعبد الناصر الصديق والأب والإنسان: أنت نسيت أنك عملت كده برضه؟!
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشاهد حياتية مستفزة(الحلقة3)
-
مشاهد حياتية مستفزة الحلقة 2
-
مشاهد حياتية مستفزة, الحلقة الأولى,
-
عيد العمال بنكهة جديدة
-
اليوم العالمي للصحافة
-
احتفالات عيد العمال
-
على هامش المصادقة على مدونة السير الجديجة
-
قصار القامة عظماء الهامة
-
المعارض ليست سيئة كلها
-
الاعتذار(1)
-
فوضى الأعياد
-
محاسبة الرؤساء بداية الإصلاح
-
لغو أطفال
-
من شب على شيء شاب عليه
-
الرياضة والسياسة
-
قراءة في الانتخابات المغربية الأخيرة
-
الهوية، أمازيغي قح
-
مغازلة الطارئين
-
مغامرة الكتابة ؟؟
-
توهج الكلمة
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|