عبد الباري الشيخ علي
الحوار المتمدن-العدد: 3040 - 2010 / 6 / 21 - 22:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يهدف المقال الى ابرازإخفاق القيادات السياسية الفاعلة علي الساحة السياسية حاليا في بلورة أو إنضاج مشروع مشترك لتأسيس دولة عراقية ديمقراطية تؤمن بحق المواطنة للفرد العراقي, وتلبي احتياجاته الإنسانية وتقود عملية تنمية اقتصادية اجتماعية وثقافية شاملة ومستديمة نتيجة غياب الوعي والفكر الحقيقي عن كافة هذه القوي الفاعلة بخصوص ماهية المشكلات الجوهرية التي يعاني منها الشعب العراقي, وكيفية التصدي لها بواقعية من دون شعارات أو أوهام أو ربما توليفات روزخونية.
فجميع الشعارات والنقاشات التلفزيونية حول البرامج السياسي التي تقدم بها المرشحون للانتخابات البرلمانية من مختلف الكيانات السياسية أو الفردية علي شاشات التلفزيون لم يخرج عن إطار وعود دعائية لمعالجة ظواهر المشاكل الآنية التي يعيشها الناخب العراقي, ولم تمس معالجة جوهر اسباب المشكلة ,و جاءت خالية من الحلول الواقعية للمشاكل التي يعيشها الشعب العراقي, مما يعكس واقع كون أغلبية الكيانات السياسية- وبالأخص الرئيسية منها - يغلب علي توجهاتها وتصوراتها وشعاراتها, السطحية, وعقم المعرفة في المستلزمات الديمقراطية لعملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية من ناحية , وتشيد اقتصاد وطني يضمن الحلول الصادقة في وعودهم من ناحية أخري .
لذا شكلت مناظراتهم التلفزيونية مسرحية تقديم عروض بعيدة كليا عن طرح برامج شاملة ورصينة لحل أو معالجة حقيقة وعملية للمشكلات التي تنخر الاقتصاد والمجتمع العراقي .
إن الأطروحات التي قدمت لم تقترن بأي منهجية أو مشروعات قوانين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية يمكن إن تقود بدورها إلي تحولات نوعية في حياة المجتمع, واجتثاثه من الفقر والتخلف, حيث تشكل هذة المجالات عناصر أساسية متداخلة يؤثر بعضها علي البعض الأخر في التوجه الديمقراطى السياسي, وليس العكس بكون بعض الحريات السياسية والإعلامية النسبية والقبول بمبدأ الانتخاب البرلماني التى أصبحت قاعدة عامة في عصرنا الحالي تتستر بة حتي الأنظمة الفردية والوراثية , تشكل المعيار الوحيد للنظام الديمقراطي. لقد أكدنا مرارا ومنذ سنين بان مثل هذه الأنظمة التي لا تتصدي لمعالجة الفقر والتخلف في توجهاتها وتحترم مصالح المجتمع في المشاركة في قراراتها, أنها تفتقد إلي أي مضمون ديمقراطي وتكون بعيدة عن مصالح المجتمع ورغبات أو تطلعات ا فرادة.
ان التأكيد علي التصدي و تحديد كافة الإبعاد المتداخلة لحالة الفقر وما ينطوي علية من مداخلات اقتصادية –اجتماعية- سياسية , تشكل المعيار الأساسي علي مصداقية النظام الديمقراطي ,حيث يتميز البعد الاقتصادي لحالة الفقر بصورة عامة في انعدام التكافئي وغياب المساواة في توزيع الموارد المتاحة خصوصا الأرض وراس المال ,إضافة إلي غياب العدالة في استخدام الموارد واستغلالها .يتجلي البعد الاجتماعي لحالة الفقر في انحسار أو تلاشي الدخل اللازم لتامين احتياجات الفرد الأساسية للعيش والديمومة وبمستوي مقبول بالنسبة إلي عصرنا أو بالمقارنة بالمقاييس الدولية ..
لذلك قادت هذه الظاهرة بلاشك إلي حرمان غالبية السكان من المشاركة في عملية اتخاذ القرارات السياسية ضمن إدارة الدولة والمجتمع,وبالتالي إلي غياب المشاركة الجماهيرية في تقرير مصيرها وهذا بدورة ما يشكل البعد السياسي لحالة الفقر ..
إن حرية التنظيم السياسي والتعبير الشكلي الذي يمارسه النظام العراقي, ويتبجح بتجربته, حتى إن تم ذلك عبر تثبيت بعض جوانبه في قوانين وقرارات إدارية
ستبقي الحرية الاختيارية مقيدة ومسيرة بقوى المال والهيمنة علي الإعلام, والقتل والتهديد والتصفيات ا الجسدية للمعارض وتأثير الطائفية والعرقية التي تستغله وتمارسه الكتل السياسية الرئيسية , بحيث تحولت هذه الحرية المتاحة للمواطن مجرد حرية امكانيةاختيار ما هو مفروض ,أو ما مطروح علية , وليس ما يريده أو يرغب في اختياره وهذا يشكل نقيضا إلي النهج الديمقراطي وتعرية إلي أكذوبة بناء الدولة الديمقراطية .
إن ما يكشف عدم مصداقية الكتل السياسية الرئيسية التي تروم تأليف الحكومة الجديدة هو التستر علي الجرائم والكوارث والنهب, ولم تملك الغيرة والشرف السياسي لتشخيص الأسباب الحقيقة والأساسية في تدمير العراق ومعاناة الشعب والانكي إن الغالبية منها بدون حياء بررت الكوارث بكون تجربتهم بعد مضي أكثر من سبعة سنوات ,تحتاج المزيد من التجارب وكأن العراق ساحة لتجربة تخلفهم الفكري والأخلاقي لتنظيم نهب الثروة الوطنية لتجعله يأخذ الصفة الشرعية والقانونية .
إن تبرير والتستر عن أسباب قتل أكثر من مليون فرد عراقي وملايين من الأطفال اليتامى والأرامل وتشريد أكثر من أربعة ملايين مواطن عراقي يعيشون في مأساة لا إنسانية بجانب تدمير المؤسسات الإنتاجية والبني الارتكازية الضرورية للمواطن في العيش والبقاء علي قيد الحياة إلي شيدها العراق باموالة خلال حوالي ثمانين عاما,بحجة تشيد النظام الديمقراطي السياسي ليقدم الدليل القاطع بان هذه الكيانات السياسية غير قادرة وصادقة علي بناء دولة ترتكز مهامها علي حماية الأمن الوطني وبالأخص الأمن الغذائي لضمان حياة المواطن المعاشية وخلق العدالة وتكافئ الفرص إمام المواطن في استغلال الثروة الوطنية وحمايتها من النهب وسوء الاستغلال والتوزيع الذي يفرضه النظام الاقتصادي العالمي والقوانين الوطنية للحكومة العراقية في تراجع دور الدولة في تنمية الاقتصاد الوطني وتقديم الخدمات الاجتماعية الضرورية, وغيرها من القوانين التي قادت إلي اعلي مستويات العطالة والفقر وتلاشي مقومات الدولة في تشيد العلاقة المتبادلة بينها وبين المجتمع .
إن الصيغة التي تطرحها الكتل السياسية الرئيسية عن توليفة "الشراكة" في إدارة الدولة والسلطة الجديدة وما انعكس من مفهوم هذه التشكيلة الجديدة في المناظرات التلفزيونية وعكسته بعض الصحف والتصريحات عن فحوي الاجتماعات المتكررة بين هذه الكتل لايخرج عن كون هذه الشراكة تشكل ورقة التوت التي يراد بها ستر عورة إعادة نظام المحاصصة.
إن عناصر الشراكة هي نفس التكتلات السياسية التي قادت الدولة بنظام المحاصصة خلال السنوات السبع الماضية , وفشلت في جميع مجالات إعادة بناء الدولة والاقتصاد العراقي ولا تعكس مصلحة الناخب .
فحسب ما جاء في مقالة المحامي طارق حرب حول توليفة النخبة الجديدة المنتخبة والمنشور في موقع الجيران بتاريخ 6.5.2010( 15 )نائبا تم انتخابهم والباقي انتخبتهم الكيانات ليس بكونهم حصلوا على نسبة الاصوات الشرعية المقررة لتمثيلهم فى البرلمان كما اكد علية بعض خبراء الدستور فى موقع الجيران فى 17-6-0210,وهذا يعني إن 95% من أعضاء البرلمان قد تم تعينهم من قبل رؤساء الكتل السياسية حسب رغبة ومصلحة هذه الكتل, وليس حسب مشيئة الناخب وهي نفس التشكيلة النيابية لانتخابات عام 2005 وبمستوي فكرها وولاءها إلي مصلحة الكتل الطائفية العرقية السياسية, وليس لمصلحة المجتمع ومتطلبات التغير في بناء الأمة وسوف تظل هذه التوليفة تشكل بناء الدولة وتعيد أسباب الأزمة لترسيخ هيكلية النظام الديمقراطي الطائفي العرقي الجديد .
لذلك فان هذه الشراكة سوف تبقي لوحة الموزائيك التي صنعت سابقا من قطع متباينة لتقسيم الكعكة ( المحاصصة ) بالرضي, لتضمن مصالحهم الذاتية ومصالح دول الجوار المرتبطة بها حسب توازن مطامح هذه الدول المتصارعة في الهيمنة وتمزيق العراق وبالأخص بين المصالح الإيرانية والأميركية.
لذلك فان نظام الشراكة أو الحكومة والدولة الجديدة سوف لا تكون قادرة مهما تلونت وادعت علي اخذ مواقف موحدة اتجاه مصالح التاثيرات الخارجية في المجال السياسي, سوف تبقي عاجزة عن اتخاذ موقف موحد في مجال اختيار هيكل التنمية الوطنية وبالأخص التوزيع الصائب لعوائد النفط بين مجال الاستثمار والاستهلاك الوطني التي تشكل حسب تجارب تطور بلدان العالم والعراقيين الحريصين علي مستقبل العراق ,المحور الأساسي في اختيار التنمية الوطنية الدائمة وإعادة بناء العراق وإزالة العطالة والفقر والسماح للطبقة الوسطي لان تعيد بناءها واصطفاها وموقعها في المجتمع العراقي بعد إن سحقها النظام ألصدامي وأكمل تخلفه النظام الديمقراطي الجديد في خلق مجتمع مقهور لايرتبط بمتطلبات إعادة بناء المجتمع السياسي المطلوب, من اجل تسهيل قيادته عبر التكليف الشرعي والانتماء العرقي والعشائري في الانتخابات والعملية السياسية ولتمرير المعاهدات والقوانين الاقتصادية التي ارتبط بها العراق , وانعكس في بيع الاقتصاد الوطني بقوانين الاستثمار الأجنبي وغيرها من التشريعات التي تعيق إعادة بناء الاقتصاد الوطني وخلق العمالة ودور الدولة في التنمية الاجتماعية وضمان قسطا من العدالة الاجتماعية .
لذا نري إن العملية السياسية الديمقراطية الجارية ونظام الشراكة تتنافي والمشروع الديمقراطي الموضوعي للعراق الذي رسمه رائد الفكر الديمقراطي في العراق الأستاذ حسين جميل الذي يعكس نضال ونهج الحركة الديمقراطية العراقية الوطنية عندما أكد في ندوة أزمة الديمقراطية في الوطن العربي –مركز دراسات الوحدة العربية نوفمبر 1984"بان تاريخ الإنسانية اظهر إن أهم ما يتعلق بقضية الحريات هو إدراك الارتباط التام بين جانبها الاجتماعي و السياسي باعتبار إن التحقيق الأمثل للحريات لن يكون بوجود احدهما بغير الأخر,ولاشك إن الحرية الاجتماعية أي التحرر من الاستغلال الاقتصادي هو الأساس باعتباره يشكل مضمون الحرية السياسية ومحتواها , والحرية السياسية تضمن التحرر الاقتصادي , ولهذا فان ارتباطهما هو ما يعطي كلا منهما معناه الحقيقى وفاعليته العملية, وفي ظل مجتمع كمجتمعنا تعيش فيه الملايين العديدة علي حافة الجوع الأبدي, لا أمل في ديمقراطية حقيقية ولا شبة حقيقية "
إن التنمية البشرية التي يجب إن تشكل الحجر الأساسي في تشيد النظام الديمقراطي مرتبطة بشكل وثيق وعضوي بالتنمية الاقتصادية الاجتماعية وان الطريقين يؤثر بعضها علي الأخر وان التباين في برامج ومنهجية الكتل في صيغة الشراكة حول التنمية الاقتصادية الاجتماعية وتصارع بين الإطراف حول المكاسب الذاتية وتخلف الضغط الشعبي وبالأخص ضعف المنظمات المهنية والغير مهنية المستقلة من جهة أخري في بلورة المطالب الاجتماعية المشتركة سوف يعيق نشوء إستراتجية تنموية قادرة علي الانتقال من الاقتصاد الطفيلي الذي سلكته الدولة طول السنوات السبع الماضية إلي اقتصاد تنموي يتمكن إن يلبي الحاجات الاجتماعية الملحة, وسوف يبقي هذا النظام يعيد تناقضاته وتخلفه ويتحول إلي دولة ريعية تعتمد علي عائدات صادرات النفط ولكن بمتطلبات أكثر من (30) مليون نسمة, وليس نفوس دول الخليج النفطية المحدود الذي يفيض العائد عن حاجة السكان .إن هيكلية الدولة الجديدة سوف تبقي تعيد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وسوف تري من مطالب المجتمع خطرا علي بقاء مصالحها ومنافعها مما يدفع بها عند اشتداد الصراع إلي إن تتحالف الكيانات المهيمنة علي الدولة فيما بينها وتشريع قوانين لا ديمقراطية قد يقود إلي الالتفاف علي مجمل مساعي تشيد نظام ديمقراطي وبالأخص عندما يغلب العقم السياسي لدي هذه الكتل و لا تدرك أو تعي بان المعارضة السياسية تشكل عمود الديمقراطية السياسية وبدونها لا يشيد برلمان حقيقي وفاعل يعكس مطالب المجتمع ويكون الرقيب علي سياسة الدولة ويحد من مركزيتها . وهذا مما سوف يقود لان إن يتحول الاستياء الشعبي إلي حركة اجتماعية سياسية معارضة إلي السلطة ويتلاشي الخنوع الطائفي عندما تتغلب مشاكل الحياة اليومية علي مظاهر الانتماء الطائفي ويأخذ إدراك الفرد يتوسع في إطار وحدة مصالح القوي المهشمة اتجاه إهمال وسوء إدارة الدولة للمشاكل الاجتماعية وبالأخص خلق فرص العمل وضمان السعر المناسب للحاجيات اليومية الملحة للفرد ويبرز الفكر والنهج الديمقراطي الوطني الذي وضعة اسسة نضال الحركة الديمقراطية السياسية العراقية خلال عقود كرائد لعملية بناء الدولة الديمقراطية بديلا عن بدعة الفكر والنهج الجديد لقوي سياسية لم تؤمن وتعرف الديمقراطية طيلة تاريخها السياسي
إن أفضل ما يوصف هذا النظام والدولة هو جواب احد أصدقائي تلفونيا من بغداد ردا علي سؤالي حول اوضاعهم فاجابني ( صرنا شراذم بحلوك واوية)
#عبد_الباري_الشيخ_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟