|
كي لا ننسى! الى روح الشهيد احسان
بسام البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 925 - 2004 / 8 / 14 - 09:56
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
كان يوما غير عادي في حياتي كأنسان و كعراقي مهاجر يملك عائلة كبيرة. أبتدأ هذا اليوم بهلاهل الوالدة التي استبشرت خيرا منذ ساعات الصباح الاولى وبدأت بتوزيع الجكليت قبل الافطار و الشربت قبل شاي الصباح ولم تعرف المسكينة ما الذي يخبئه هذا النهار. حيث اليوم كان يوم شراء حلقات الخطوبة من اجل أتمام هذا اليوم الذي أنتظرته تلك السعيدة منذ سنين والوالد نذر له النذر تلو النذر.
بل حتى ان الوالد العزيز لم يرغب هذا الصباح متابعة اخبار الشرقية الصباحية كي لا يعكر الجو المتفائل الذي لم يدخل البيت منذ سنين طويلة وخصوصا بعد عزوف اخوتي الاكبر مني عن الزواج لاسباب مجهولة. لهذا قررت ان اكون الاول رغم انني الاصغر. "فدوة لطولك أبني" كانت عبارة اعتادت امي تسمعني اياها كلما غادرت المنزل. في هذا اليوم طبعت امي الحبيبة على وجنتي قبلة وقالت " هم صدك اشوفك ولدك" فاجبتها بان الوقت طويل لهذا اليوم. وكان هذا جواب طبيعي فقد كان اليوم هو يوم خطوبتي ولا احد يفتح موضوع الاطفال في يوم الخطوبة سوى الجدادت المتلهفات كالعادة.
كان الموعد ان التقي خطيبتي في الساعة العاشرة صباحا في مركز المدينة (ستوكهولم). ثم من هناك نتوجه الى احد الصاغة المنداي (الصابئة) و الذي كان له علاقة وطيدة بالعائلة من ناحية تجهيز الاعراس و المناسبات بالمصوغات الذهبية. كما أتذكر ان الوالد كانت دائما تلح على ان لا تذهب "فلوسنا" بجيوب الاجانب بل لتذهب لابن بلدنا المندائي. وكانت تتعلل ايضا برخص اسعاره رغم اني لم اشاهد فرق كبير ان لم يكن العكس بينه وبين محلات الصياغة السويدية. ولكن بطبيعة الحجية أنها ترتاح اكثر للعراقيين. وكان المقرر ان يكون مثل ما أرادت أرضاء لها فقط ولم يكن في الحسبان مطلقا هذا الذي جرى فيما بعد.
وصلت الى مركز المدينة مبكرا بعض الشي وكانت خطيبتي قد وصلت مبكرة ايضاً. كان عناق وكانت قبله عراقية صغيرة. وكنت ارى السعادة عليها وربما كنت احس بأنها سعيدة لانني نفسي كنت سعيدا و معتدا بنفسي. لم يكن ايا منا يعلم بما سوف يحدث لنا بعد دقائق معدودة. نعم.. كانت دقائق فقط حتى رأينا تجمعا غريبا وسط الساحة الكبيرة في اشهر ساحة في ستوكهولم امام المخرج الكبير من قطار الانفاق. كان هناك اثنين من نساء الشرطة بملابسهم الزرقاء الانيقة يتوسطون هذا الجمع الاشقر من الناس. كانت خطيبتي تحاول شدي للمضي في طريقنا. ولكن فضولي كان اكبر حيث أن صوتا ما كان يشدني للاقتراب رغم ان رعشة انتابت قلبي من سماعي حسرات حسبتها لي قريبة.
"شمعة البيت انطفت ومني خذونة.. أحسان عريس وخط ربعة ما زفونة.. ميمونة ذهباتج بقن ابجي يا مزيونة" وسط هذا الجمع الاشقر ونساء الشرطة بملابسهم الزرقاء الذين لم يفهموا كلمة واحدة مما قالته هذه المسكينة. أخترقت تلك العبارات اذني كما تخترق الرصاصة رأس طفل الرضيع. و حاولت شق طريقي بين الجموع كي أشاهد تلك المسكينة التي أفترشت الارض بعبائتها العراقية السوداء وثيابها التي لم تحمل لون آخر. صوتها المبحوح أعادني الى بغداد الثمانينات حيث الصناديق المشدودة على سيارات الاجرة أمام بيوت المفجوعين.
أنهلت عليها راكعا محاولا رفعها و أيقافها على قدميها و أخراجها من هذا التجمع الذي لم يعرف من مصيبتها الا سوادها. باشرت أحدثها باللهجة العراقية كي اطمئن قلبها بان هناك من يفهم عليها و يحدثها بعراقيتها. فمدت يدها في عبائتها وأرتني حلقتين بيدها وهي تنشج: " أحسان يمة.. راح وكسر كلبي يمة.. حلقاته بقن يمة". لا اعلم ماذا حدثتني احدى الشرطيات ولا اعلم ماذا اجبتها.
حملت هذه الام المفجوعة و أنا اكاد افهم فجيعتها. اتصلت بسيارة اجرة وبالصلوات تمكنت زينة من معرفة عنوانها. عند وصولنا الى بيتهم الواقع شمال المدينة كان بيتهم قد تحول مسبقا الى صالة عزاء مفتوح و الكثير من النسوة بملابسهم الغامقة استقبلنها بصرخة لم تسمع المسكينة بعدها شيء فقد تم اخذها مع ابو أحسان في نفس السيارة الى مستشفى المدينة القريب.
الكل تصور انني كنت احد ابناء عم احسان هذا الذي لم اعرف من هو بعد. وجدت نفسي اتوسط مجلس العزاء هذا و أتعاون مع من قدموا لمد يد العون لهذه العائلة المفجوعة. لم التقي احد من ابناء العم او الاقارب لهذه العائلة المسكينة. و أنتهى يومي وأنا اوزع فناجين القهوة التي أستعرناها من احد الجيران. و أنتهى الامر بخطيبتي زينة في بين النساء المعزيات تبكي و تندب معهم. في طريق عودتي للبيت لم اجد في جيبي سوى بضعة قطع معدنية صغير كي ادفعها ثمنا فبدأت أبحث في جيبي السترة الجانبي. وجدت جسما غريبا في جيبي اليسار. نعم انه جسم غريب وصغير جدا. عندما أخرجت يدي وجدت حلقتين من الذهب كتب عليهما (أحسان و هدى )
الاسم: أحسان حميد عبدالرحمن العمر:32 سنة المهنة: شرطي في السويد اولا ثم متطوع في الشرطة العراقية سنة 2004. محل الولادة: النجف الاشرف 1972 محل الشهادة: النجف الاشرف 2004
#بسام_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما نصوم ونفطر على بباي
-
لا أنتخابات ولا هم يحزنون
-
لماذا لا يكون اسم رئيسنا زينة
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|