أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مصطفى العبد الله الكفري - قواعد النشاط الاقتصادي في الإسلام















المزيد.....


قواعد النشاط الاقتصادي في الإسلام


مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق


الحوار المتمدن-العدد: 925 - 2004 / 8 / 14 - 09:55
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يقوم الاقتصاد الإسلامي على أساس معتدل فلا يتعصب للفرد على حساب الدولة ولا يتحمس للجماعة على حساب الفرد. فهو يحاول أن يوفق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. وهذا الرأي التوظيفي لا يبتعد كثيراً عن رأي بعض الاقتصاديين الجدد في المدرسة الكلاسيكية الجديدة في كل من إنكلترا والدول الاسكندنافية، فالفرد هو محور النشاط الاقتصادي كله إلا أن الدولة هي التي ترسم للفرد الإطار الذي يتحرك داخله والذي لا يجوز أن يتعدى حدوده حرصاً منها على مصلحة المجتمع في مجموعه وحتى لا يختل التوازن بين مصلحة الفرد في فرديته وحريته ومصلحة المجموع . كما يوفق الاقتصاد الإسلامي بين العنصرين أو الشطرين الذين يتكون منهما الإنسان وهما المادة والروح . والتعاليم الإسلامية تعطي المادة حقها من الرعاية والاهتمام وتدعو إلى العمل والإنتاج وتحقيق الكسب، كما تعطي الروح ما تستحقه من الرعاية والعناية فيدعو إلى مكارم الأخلاق وبذلك نجد أنها توفق بين مطالب الحياة ومطالب الآخرة.( )
أولاً - عوامل الإنتاج في الإسلام :
من المعروف أن عوامل الإنتاج في الفكر الاقتصادي الرأسمالي هي رأس المال والطبيعة والعمل والتنظيم . أما في الفكر الاقتصادي الإسلامي، فقد أكد فقهاء المسلمين بأن الإنتاج يقوم على دعامتين أساسيتين هما العمل والمال، أي أن عوامل الإنتاج في الفكر الاقتصادي الإسلامي هما : العمل والمال.
1 - العمل : يرى الإسلام أن العمل ضرب من العبادة، فاختصه بالتمجيد ودعا للعمل والنشاط الاقتصادي دعوة صريحة : فقال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)( ) وقال (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)( ) وقال (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضله)( ) ويقول النبي عليه الصلاة والسلام (إن أشرف الكسب كسب الرجل من يده. رواه الإمام أحمد) ولم يفرق الإسلام بين أنواع العمل فكلها تتمتع باحترام المجتمع . إنما عيش المرء عالة على سعي غيره هو الذي يستوجب وحده الاحتقار … ومن أدلة تمجيد الإسلام للعمل أن الرسول نفسه اشتغل في بدء حياته بالرعي لقاء نسبة معينة من الإنتاج يدفعه أصحاب المواشي، كما اشتغل بالتجارة.( )
فالعمل والإنتاج يرتقيان في نظر الإسلام إلى مستوى التعبد، بل إلى مستوى الجهاد في سبيل الله. حتى أن النبي عليه السلام فضل العمل والسعي في طلب الرزق على الانقطاع إلى العبادة. (فقد امتدح قوم رجلاً إلى رسول الله بالاجتهاد في العبادة والغنى عن العمل، وقالوا صحبناه في سفرنا فما رأينا بعدك يا رسول الله أعبد منه. كان لا ينتقل من صلاة ولا يفطر من صيام، فقال لهم فمن كان يمونه ويقوم به؟ فقالوا كلنا يا رسول الله. قال كلكم أعبد منه( ). كما يعد الإسلام العمل نعمة تقتضي الشكر عليها، فيقول تعالى: (ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون)( ). هذه هي منزلة العمل في الفكر الاقتصادي الإسلامي.( )
2 - المال : (يشمل هذا اللفظ رأس المال المعروف في الفكر الاقتصادي وكذلك الموارد الطبيعية اللازمة للإنتاج إذ يعرف الفقهاء المال بصفة عامة بأنه كل ما يمكن حيازته والانتفاع به. ويقول الإمام الشافعي أنه لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها ويلزم متلفه( ). فالشيء لا يعد مالاً في نظر الفقهاء إلا إذا تحقق فيه أمران : أحدهما إمكان حيازته وإحرازه وثانيهما إمكان الانتفاع به. على ذلك لا تعد الأشياء النافعة والتي لا يمكن حيازتها أموالاً كالهواء المطلق وحرارة الشمس وضوء القمر كذلك لا تعد مالاً تلك الأشياء التي يمكن حيازتها ولكن لا ينتفع بها أصلاً كلحم الميتة والطعام الفاسد).( )
وبذلك نجد أن عوامل الإنتاج في الإسلام هما عاملان أساسيان الأول هو العمل والثاني هو المال الذي يشمل الموارد الطبيعية اللازمة للإنتاج وكل ما يمكن حيازته والانتفاع به.















ثانياً - نظرة الإسلام للتجارة والثمن العادل :
يعد الإسلام التجارة طريقاً حلالاً للكسب. وأساس الكسب الحلال عند الفقهاء هو المخاطرة بنقل البضائع من مكان إلى مكان وبخاصة نقل الأشياء من إقليم ينتجها ولا يحتاج إليها إلى إقليم لا ينتجها ويحتاج إليها، ثم توسع مجال التجارة حتى صارت تشمل البيع والشراء في الإقليم الواحد أو في المدينة الواحدة، بل في القرية أحياناً . وبذلك تزداد أهمية التجارة بمقدار حجم المخاطرة فيها. والتجارة في الإسلام نوعان :( )
- التجارة الخارجية "بين إقليم وإقليم" حيث يتعرض نقل البضاعة من إقليم إلى إقليم لخطر الطريق وخطر النقل بالبحر والتعرض للخسارة تبعاً لذلك ثم التعرض لعطب البضائع ونقصها لبعد المسافة وطول مدة النقل .
- أما التجارة الداخلية فيتم من خلالها نقل البضائع من مدينة إلى مدينة داخل البلد الواحد، أو نقلها داخل المدن، وتكون درجة المخاطر فيها أقل لأن الأمن أكثر والتعرض للتلف والخسارة أقل.
لقد ورد في القرآن الكريم نص يبيح التجارة، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم).( ). والتجارة كانت عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان التجار يقومون بنقل البضائع من اليمن إلى الشام ومن الشام إلى اليمن . ومن أهم عناصر التجارة في نظر الإسلام "التراضي" والتراضي يقتضي ثلاثة شروط:
- أن يكون المشتري مختاراً في الشراء .
- أن يكون البائع مختاراً في البيع.
- أن يكون كلاهما (البائع والمشتري) مختاراً في تقدير الثمن الذي يشتري به أو يبيع به.
فإذا كان البائع أو المشتري مضطراً إلى البيع أو الشراء بأي ثمن فإن التجارة تفقد أهم عناصرها وهو التراضي. وعندما لا يعتمد البيع أو الشراء على الرضا، بل يعتمد على الاضطرار يحدث الاحتكار . والاحتكار استغلال آثم لا مخاطرة فيه ويكون الكسب فيه نتيجة الانتظار والمضاربة لأنه تجميع وحبس للمواد المطلوبة لوقت الاضطرار إليها فالكسب فيه يأتي عن طريق الانتظار لا عن طريق المخاطرة. والكسب عن طريق الاحتكار وحبس المواد لحين ارتفاع سعرها بالاضطرار إليها غير شرعي ولا يبيحه الإسلام( ). وبذلك أباح الإسلام التجارة وحرم الاحتكار ونهى عنه كطريق للكسب، فيقول الرسول عليه السلام (من احتكر فهو خاطئ. رواه مسلم).
لقد اختلف الفقهاء فيما يتعلق بالسلع التي يمكن أن يقع عليها الاحتكار(1)، حيث يرى بعضهم قصر الاحتكار المحرم على أنواع من الطعام والمواد الغذائية (الأطعمة الأساسية)، وبعضهم يرى أن الاحتكار المحرم يشمل طعام الناس، أي كل الأقوات وبعضهم أضاف أيضاً أقوات البهائم. وفريق آخر يرى أن الاحتكار يمكن أن يقع على جميع السلع والبضائع. وفي رأي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة (أن كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار وإن كان ذهباً أو ثياباً). والغاية من منع الاحتكار هو منع الضرر عن الناس . وحيث أن للناس حاجات مختلفة والاحتكار فيها يجعل الناس في ضيق ويلحق بهم الضرر. لذلك نجد أن الاحتكار يمكن أن يشمل كل الأموال.
ولا تترك الشريعة الإسلامية المحتكرين يستفيدون من احتكارهم، بل توجب على أولي الأمر أن يقوموا ببيع الأموال المحتكرة جبراً على محتكريها بثمن المثل. يقول ابن القيم : (إن المحتكر الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد غلاءه عليهم هو ظالم لعموم الناس، ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة "أزمة" أو سلاح لا يحتاج إليه والناس يحتاجون إليه للجهاد، أو غير ذلك، فإن من اضطر إلى طعام غيره أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره فأخذه منه بما طلب لم تجنب عليه إلى قيمة مثله)( ) .
مما تقدم نلاحظ أن الإسلام يدعو إلى وجوب مراعاة العدالة في المبادلات التجارية ويحرم إلحاق الضرر والأذى والظلم بالآخرين. حيث ورد في الحديث الشريف (لا ضرر ولا ضرار في السلام. رواه البخاري ومسلم) كما ينادي الإمام علي بن أبي طالب(كرم الله وجهه) بفكرة الثمن العادل الذي لا يلحق الضرر بالبائع أو بالمشتري إذ يقول (يجب أن يكون البيع بأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع)، أي أن الثمن العادل للسلعة يجب أن يكون غير مجحف بأي من طرفي عقد البيع البائع والمشتري، (العارض والطالب، المنتج والمستهلك). فالثمن العادل في الإسلام هو الثمن الذي لا يظلم أياً من المتعاملين. فلا يظلم المنتج أو البائع ولا يظلم المستهلك أو المشتري( ).
ثالثاً - النقود في الإسلام :
كان العرب لما جاء الإسلام يتعاملون بالذهب والفضة وزناً في المبادلات التجارية، (وكانت دنانير الفرس ودراهمهم بين أيديهم ويردونها في معاملتهم إلى الوزن ويتصرفون بها بينهم إلى أن تفاحش الغش في الدنانير والدراهم لغفلة عن ذلك، فأمر عبد الملك الحجاج … بضرب الدراهم وتمييز المغشوش من الخالص وذلك سنة أربع وسبعين … ثم أمر بصرفها في سائر النواحي سنة ستة وسبعين وكتب عليها "الله أحد الله الصمد")( ) . وبذلك تكون النقود "العملة" الإسلامية قد ضربت لأول مرة في عهد عبد الملك بن مروان وحددت قيمة وحدة النقد "الدرهم أو الدينار" على الأساس الذي كان قد حدده عمر بن الخطاب. ويحدثنا المؤرخون عن حرص الدولة الإسلامية الشديد على الاحتفاظ بسلامة العملة وجودتها. فالدينار كان يضرب بكل دقة على وزن المثقال( ).
ولما صدرت النقود الإسلامية وكثر تداولها، أمر عبد الملك بن مروان بمنع التعامل بالنقود الفارسية والرومية وغيرها، وصارت العملة الرسمية المعترف بها منذ ذلك الحين هي العملة الإسلامية الصحيحة (الدينار الإسلامي الذهبي الخالص والوحدات اللائى ينقسم إليها). وانتشرت دور الضرب وسك النقود في الدولة الإسلامية بحيث لم تكن تخلو عاصمة من دار للضرب (في بغداد، القاهرة، دمشق، البصرة، قرطبة)، وكان لدار الضرب ضريبة على ما يضرب فيها من النقود، ومقدار ذلك درهم عن كل مائة درهم أي واحد في المائة، فكان للدولة دخل حسن. (وعلى سبيل المثال ورد في نفح الطيب للمقريزي أن دار السكة في الأندلس بلغ دخلها من ضرب الدراهم والدنانير على عهد بني أمية في القرن الرابع الهجري 200.000 دينار في السنة)( ). وهذا يعني مقدار ما كان يضرب في الأندلس وحدها من ممالك الإسلام قد بلغ 20.000.000 دينار في السنة الواحدة.
رايعاً - الإسلام وإلغاء الفائدة على رأس المال :
حاول النظام الإسلامي أن يبني الحياة الاقتصادية على أسس تحفظ للإنسان كرامته وتنسجم مع التعاليم الإسلامية والأخلاق والمثل الإنسانية. ولم ينظر الإسلام إلى الربا من الناحية الاقتصادية فقط، بل ربطها أيضاً بالمبادئ الخلقية لذلك لم يُجز الفائدة على رأس المال "الربا" ولو قليلاً. فيقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)(سورة البقرة –آية 278). وهذا يعني أن الإسلام منع الربا، ووضع بدلاً عنها مبدأ المشاركة في الربح والخسارة بين رأس المال والعمل في المشروعات الاقتصادية المختلفة. (وعن جابر قال لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء. صيح مسلم). ويشمل منع الربا وتقاضي الفائدة على رأس المال كل أنواع القروض أيا كان نوعها استهلاكية أم إنتاجية( ).
لقد حرم الإسلام الربا تحريماً أكيداً، كما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف أعلاه . ولكن الإسلام لا يكتفي بهذا التحريم، بل يطالب أولي الأمر لردع المرابين والطلب إليهم التوبة والإقلاع عن هذا العمل، فإن لم يمتنع المرابي عن ذلك عندئذ يقتل( ).
خامساً - توزيع الدخل في الإسلام :
"يتجسد ظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي : في سوء التوزيع . ويتجسد كفرانه للنعمة: في إهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها. فحين يمحى الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع، وتُجند طاقات الإنسان للاستفادة من الطبيعة واستثمارها. وتزول المشكلة الحقيقية على الصعيد الاقتصادي"( ).
لقد عمل الإسلام على كفالة الحد الأدنى واللائق من مستوى المعيشة لسائر أفراد المجتمع من خلال تحقيق عدالة توزيع الدخل والثروة بينهم وفقاً للقواعد التالية:( )
يتم تحديد مستوى المعيشة اللائق وفقاً للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية (المأكل والمشرب والملبس، والمسكن، ووسائل لنقل والاتصال، وتكوين الأسرة، والتعليم، والضمان الصحي) لسائر أفراد المجتمع.
"وقد جعل الإسلام لهذا التكافل الاجتماعي والعدالة التوزيعية موارد منها ما هو محدد المقادير: كالزكاة والعشور، والخراج، والكفارات، والفيء، والغنائم والجزية وغيرها من مساهمات غير المسلمين، ومنها ما هو عام تتغير قيمته تبعاً لتطوع الأفراد واحتياجات المجتمع، ومثاله: الصدقات والإنفاق في جميع المنافع المطلوبة للمجتمع، وما تفرضه احتياجات المجتمع من موارد إضافية تقوم الدولة بجبايتها وقروض تفترضها من المواطنين عند الضرورة بلا فوائد"( ).
ويتكون جهاز التوزيع للدخل والثروة في الإسلام من أداتين رئيستين، وهما: العمل والحاجة. ولكل من الأداتين دور فعال في خلق وتوزيع الدخل والثروة الاجتماعية.
إن العمل في نظر الإسلام سبب لملكية العامل نتيجة عمله. وبذلك تكون الملكية القائمة على أساس العمل حقاً للإنسان تابعاً من رغبته ومشاعره الأصيلة. (فالعمل إذاً أساس لتملك العامل في نظر الإسلام، وعلى هذا الأساس فهو أداة رئيسة في جهاز التوزيع الإسلامي لأن كل عامل يحظى بالثروات الطبيعية التي يحصل عليها بالعمل، ويمتلكها وفقاً لقاعدة: إن العمل سبب الملكية)( ).
والأداة الأخرى التي تساهم في التوزيع وفقاً للنظام الإسلامي هي الحاجة، خاصة بالنسبة لفئة من الأفراد في المجتمع عاجزة عن العمل، حيث لا بد لها من الحصول على نصيب من التوزيع لتلبية حاجتها، وفقاً لمبادئ التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي. كما أن هناك فئة ثالثة في المجتمع تعمل ولكن عملها لا يحقق لها إلا الحد الأدنى من المعيشة، فهي تعتمد في دخلها على الأداتين معاً "العمل والحاجة".
كما يمكن أن تكون الملكية أداة ثانوية في التوزيع عن طريق النشاطات الاقتصادية التي سمح بها النظام الإسلامي بما لا يتعارض مع العدالة الاجتماعية.






سادساً - الرق في الإسلام :
كان الإسلام " في دعوته ومبدئه وبعض قوانينه وسيرة جماعته الأولى معادياً للرق، وداعياً إلى استئصاله من الأمة التي كان الأولون يبنون قواعدها. ونستنتج أيضاً أن الاتجاه العام في الأخلاق الإسلامية كان تحررياً، يكره الطبقات والعرقيات ويدعو إلى المساواة الجذرية بين جميع الناس. وليس هذا بالعجب إذ أن هذا الدين الجديد إذا نُظر إليه من الوجهة التاريخية الاجتماعية وهي وجهة لا تقل أهمية عن الوجهة العقائدية الأخلاقية، ظهر لنا بمثابة حركة ثورية للشعوب الأمية الفقيرة ضد الشعوب المتحضرة الغنية التي تبني حضاراتها على حساب الطبقات السفلى من أبناء جلدتها، أو على حساب الشعوب الضعيفة. وهي ثورة بطبيعتها هذه تدعو إلى تحطيم الطبقات وتكره الأرستقراطيات ومن يحوم حولها من الأثرياء، وترمز إلى الظلم والطغيان بصورة مأخوذة عن هذه الحضارات المتسلطة على الأمم. وطبيعة هذه الحضارات كما قلنا هي طبيعة استرقاقية تكثر من العبيد وترهق كأهلهم بالعمل في المنجزات العمومية الضخمة، وفي البناء الخاص، وفي التفنن في أنواع الخدمة المنزلية المرهقة، وفي الأعمال الشاقة العسكرية من تحصين ونقل وملاحة"( ).
ولكن هذه المبادئ وهذه القوانين والسيرة والاتجاه العام في التعاليم الإسلامية لم تمنع المسلمين وبخاصة بعد "العصر الراشدي" أن يقلدوا الروم والفرس في تنظيماتهم الإقطاعية والأرستقراطية، إلى أن بلغ الرق على يدهم درجة من التفنن لا تقل عن المستوى الذي وصل إليه الرق في المجتمعات العبودية القديمة لدى اليونان والرومان. على الرغم من مخالفة هذا الأمر لاتجاهات العقيدة الإسلامية . ذلك، وكان الحر والعبد كلاهما عبد من عباد الخالق، وليس الفرق بينهما نوعياً، وإنما هو عرضي لا يتجاوز الوضع المجتمعي والقانوني لكل واحد. إن الإسهام في تحرير الرقاب لأفضل موقع تصرف فيه الزكاة. أما العبيد من غير المسلمين فقد كانوا يسترجعون كامل حريتهم، إذا نطقوا بالشهادة، وبذلك كان اعتناق الإسلام من قبل العبد الأجنبي يكسبه الحرية، حتى أن الإسلام منح إمكانات أخرى للتحرر من الرق للذين يرفضون الدخول في الإسلام من العبيد( ).
لقد بذل الإسلام مجهوداً كبيراً للتخفيف من عبء الاسترقاق وإضعاف حدته، لا سيما في مجال منح العبد حريته وإعادة الشخصية الإنسانية إليه. ليس هذا فحسب بل تنمية هذه الشخصية وتطويرها واعتراف الآخرين بها.
سابعاً - وظيفة الدولة الاقتصادية في الإسلام :
تمنح تعاليم الدين الإسلامي لكل فرد الحرية الكاملة في أن يتصرف بماله، وممارسة النشاط الاقتصادي في التجارة والزراعة والصناعة لتنمية هذا المال وزيادته. ولكنها تشترط لمنح هذه الحرية وحمايتها احترام أحكام الشريعة الإسلامية. (فإذا ما حاول فرد أن ينمي ملكيته بالطرق التي لا تحترم هذه الأحكام، سقط حقه في حماية الدولة له وجاز للدولة شرعاً أن تتدخل في هذا المجال لتمنع التعدي، ولتعيد الحق إلى نصابه، وأن تضرب على أيدي العابثين حماية لمصلحة المجموع)( ).
وبذلك تكون وظيفة الدولة وفقاً للتشريع الإسلامي هي حفظ الأمن والاستقرار في الداخل والدفاع عن الوطن ضد الأعداء من الخارج، كما أن لها وظائف اقتصادية واجتماعية، منها مراقبة الاقتصاد والمعاملات المالية والتجارية، وكشف المعاملات المخلة بالشريعة والتي تلحق الضرر بالمجتمع والأفراد كالغش والتدليس، والربا والاحتكار، والاستغلال ومنعها تحقيقاً للمصلحة العامة.
لقد استطاعت الدولة الإسلامية أن تقوم بالوظائف الاقتصادية عن طريق نظام الحسبة وهي: الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله( ). واستطاعت الدولة من خلال نظام الحسبة (مراقبة الأسواق، والكشف عن الغشاشين والمحتكرين والمرابين، وغيرهم من الذين يتلاعبون بمصالح الناس، طمعاً في الربح دون رادع من ضمير أو دين، فكانت الحسبة هي السلطة التي تقوم بدور الرقيب، وهي تمثل سلطة الدولة في الدفاع عن مصالح المجتمع)( ).
نستنتج أن للدولة دوراً هاماً في النشاط الاقتصادي في المجتمع الإسلامي. فهي تقوم بالوظائف التالية :
- إنشاء مشروعات المرافق العامة وإدارتها.
- مراقبة النشاط الاقتصادي لمنع الربا والاحتكار والأشياء الأخرى الضارة بالحياة الاقتصادية والمجتمع.
- مراقبة الأسعار والأجور لضمان موافقتها للظروف الاقتصادية في المجتمع.
- التدخل في توزيع الثروة وإعادة توزيعها والدخل، ووضع السياسات المالية، والنقدية المناسبة.
- فرض الضرائب وجمعها.
- وضع السياسات الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ولا بد من تعاون الأفراد وأولي الأمر لإنجاح وظيفة الدولة وتحقيق الصالح العام( ). ومن أهم الوسائل التي تستخدمها الدولة للقيام بدورها، المشروعات العامة، ومراقبة النشاط الاقتصادي، وتنظيم عرض النقود واتباع سياسات مالية ونقدية مناسبة( ).
كما أن مسؤولية الدولة في الإسلام تحقيق الضمان الاجتماعي في المجتمع. (فالمجتمع لا يخلو من فقراء وأغنياء، وقد حاول التشريع الإسلامي أن يسد حاجة الفقراء بجميع أنواعهم، فشرع لذلك النظم الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة المرضية في المجتمع وهي الفقر). فالدولة الإسلامية مسؤولة مسؤولية كلية عن الفقراء والأرامل والعجزة وغيرهم ممن لا يقدرون على كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير أن يطالب الدولة بالإنفاق عليه إذا لم يكن هناك من ينفق عليه. وهذه المسؤولية تجعل الدولة مسؤولة عن جميع أفراد المجتمع، لأن الإسلام لا يعترف بمشكلة الفقر كأمر واقع، لذلك أوجد لها الحلول الكفيلة بالقضاء عليها. والتاريخ الإسلامي يؤكد أن الدولة الإسلامية كانت تنفق من بيت مال المسلمين على الفقراء والعجزة والأرامل وغيرهم( ).
مما تقدم نلاحظ أن العلاقة في المجتمع الإسلامي بين الفرد والدولة والحاكم تتم من خلال كون الفرد هو المالك لجميع الأموال، وهو صاحب الحق فيها، والدولة هي التي تسهر على سعادة هذا الفرد وأمنه واستقراره، والحاكم هو الشخص الذي يقوم بحماية الفرد وخدمته، دون أن تكون له أية ميزة مادية أو معنوية عن بقية الناس.
مما تقدم نستطيع تلخيص أهم الخصائص المميزة للاقتصاد الإسلامي وفقاً لما يلي :( )
- المال بمختلف أنواعه ملك لله، والإنسان مستخلف على هذه النعم بتسخيرها له ولخدمته.
- الإنسان يجب أن يتصرف بالمال وفق إرادة المالك الحقيقي، "الله" ولا بد من تنفيذ ما أمر به لتحقيق النظام .
- إن الله سبحانه وتعالى يطلب من عباده إنفاق المال في منفعة تعود على خلقه واقتصادهم .
- يوفق الاقتصاد الإسلامي بين المادة والروح، من خلال ارتباط الاقتصاد بالأخلاق والثقة والاطمئنان والتعاون في التعامل والتبادل.
- التوازن في رعاية المصلحة الاقتصادية للفرد والجماعة .
- الاعتدال والتوسط في الإنفاق والنهي عن الإسراف والتبذير .
- الإسلام يحرم اكتناز الأموال، ويطالب بتوجيه المال للاستثمار ويعد حبس المال واكتنازه جريمة نكراء نستوجب أشد العقاب.
- للنقود وظيفة هامة في الاقتصاد وهي تيسير المعاملات وتحريك الطاقات .
وللمذهب الاقتصادي في الإسلام صفتان أساسيتان هما: الواقعية والأخلاقية.
الواقعية: هي اقتصاد واقعي في غايته لأنه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانية، بطبيعتها وخصائصها العامة، .. ويقيم مخططه الاقتصادي دائماً على أسس النظرة الواقعية للإنسان، ويتوخى الغايات الواقعية التي تتفق مع تلك النظرة.
الأخلاقية: حيث نجد أن الإسلام لا يهتم بالجانب الموضوعي فقط، وهو تحقيق الغايات، وإنما يهتم أيضاً بالعامل النفسي والطوعية لاتباع الطريق التي تتحقق بوساطتها الأهداف. وبذلك يمزج النظام الإسلامي بين العامل النفسي والذاتي بالطريق التي تحقق الغايات المرجوة . لذلك جعل الإسلام من الفرائض المالية "الزكاة مثلاً" عبادات شرعية، يجب أن تنبع عن دافع نفسي نيّر، يدفع الإنسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي، بشكل واع مقصود، طلباً لرضا الله تعالى والقرب منه.( ) .
إن الأخلاق الاقتصادية لم تكن في العالم الإسلامي إلا مجموعة مثالية، وإذا ما رجع المفكر أو الفقيه لإثباتها كأصول لمنظومة التفكير الاقتصادي، فإن هذا لا يعني مطلقاً أنها أخلاق اقتصادية معمول بها. (ولا ننسى أن الفقه في هذا الميدان الاقتصادي على الخصوص، سلك في تشريعاته الموقف الوسط بين المثالية المتجلية في الأصول، والواقع الحي الذي يتجلى في المعاملات كثيرة التطور في مختلف الأزمنة والمجتمعات . فليس الفقه امتداداً حتمياً أو صورة أمينة للحياة التي يعيشها الناس. فالنظريات الاقتصادية تعد من هنا. وخصوصاً في مظهرها الأخلاقي والأصولي مفارقة بعض المفارقة للواقع الحي).( )
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد



#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملاحة التجارية في المحيط الهندي في عصر السيادة العربية الإ ...
- الجهاد البحري في عصر السيادة العربية الإسلامية
- تقي الدين المقريزي علم من أعلام التاريخ والاقتصاد
- الشيخ أبي الفضل جعفر بن علي الدمشقي
- مصادر العلوم الإسلامية
- مستقبل الوطن العربي الراهنية والاستراتيجية
- التضخم كظاهرة اقتصادية تتوضح بارتفاع الأسعار
- العمل العربي المشترك في مجال الموارد المائية والتنمية الزراع ...
- وظيفة الدولة الاقتصادية في الإسلام
- المبادئ الأساسية للاقتصاد الإسلامي
- ابن خلدون أبو علم الاجتماع يسهم في تطوير الأفكار الاقتصادية
- السوق الشرق أوسطي هل هو البديل للسوق العربية المشتركة والوحد ...
- السياسة السكانية وارتباطها بعملية التنمية في الجمهورية العرب ...
- تنمية الموارد البشرية وقوة العمل
- الهجرة العائدة من الدول العربية الغنية بالنفط إلى الدول المر ...
- إستراتيجية التنمية الصناعية في الجمهورية العربية السورية
- الاقتصاد السياسي والعولمة
- برنامج الإصلاح الاقتصادي وسياسات تشجيع الاستثمار في سورية
- أسعار النفط كسلعة إستراتيجية قابلة للنضوب
- السياسة السكانية والتنمية الشاملة


المزيد.....




- بلومبيرغ: ماليزيا تقدم نموذجا للصين لتحقيق نمو مستدام بنسبة ...
- توقف بطاقات مصرف -غازبروم بنك- عن العمل في الإمارات وتركيا و ...
- السعر كام النهاردة؟؟؟ تعرف على سعر الذهب فى العراق اليوم
- الاحتياطي الفدرالي: عبء الديون يتصدر مخاطر الاستقرار المالي ...
- الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد
- صندوق النقد يرحب بالإصلاحات المصرية
- مدفيديف: الغالبية العظمى من أسلحة العملية العسكرية الخاصة يت ...
- -كلاشينكوف- تنفذ خطة إنتاج رشاشات -آكا – 12- المطورة لعام 20 ...
- إيلون ماسك يحطم الرقم القياسي السابق لصافي ثروته.. كم بلغت ا ...
- اتهامات أميركية لمجموعة أداني الهندية بالرشوة تفقدها 27 مليا ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مصطفى العبد الله الكفري - قواعد النشاط الاقتصادي في الإسلام