ماريو أنور
الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 20 - 10:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- هناك ميلاً عميقاً فى حضاراتنا يسمح للبشر بأن يعزلوا أنفسهم , وينقسموا إلى أوطان و عقائد و طبقات مختلفة و متناحرة , ويمكننا أن نرى هذا التناحر معبراً عنه بوضوح شديد من خلال العادات و التقاليد العقيمة , والتى لا يكون لها إلا أسوء النتائج , كما أنها تمكن بعض الأفراد من أن يستغلوا عوامل الخلاف الكامنة لإحداث الوقيعة بين الجماعات المختلفة حتى يتمكنوا من إرضاء غرورهم الشخصى . إن أمثال هذا الفرد يعتبر الواحد منهم نفسه مميزاً , ويعطى لنفسه قيمة أكثر مما يستحقها , وغالباً ما يكون شغله الشاغل هو محاولة إظهار عيوب الآخرين .إن تلك الفئة التى تعمل بجد و اجتهاد مركزة على الخلافات الموجودة بين الطبقات أو الأمم إنما تفعل هذا من أجل إرضاء غرورها الذاتى فى المقام الأول , و إذا ما حلت المصائب و الكوارث , فإن هذه الفئة ترفض أن يوجه لها اللوم بسبب إثارة المتاعب إن هذه الفئة يعانى أفرادها من شعور عدم الأمان , وتلك المحاولات الدائمة لإثارة المتاعب ما هى إلا محاولة الشعور بــ " التفوق " و الاستقلال على حساب الآخرين .
- الغيرة تنشأ من شعور الفرد بأنه مهمل , و بأن الآخرين يتحيزون ضده .
- إن الغيرة مثلها مثل بروتس فى الأساطير , يمكنها أن تأخذ آلاف الأشكال و الصور , ويمكننا أن نتعرف عليها فى " عدم الثقة " , وفى الطريقة التى ننصب بها الفخاخ للآخرين , وفى محاولاتنا لقياس و تقدير الآخرين , وفى الخوف الدائم من أن نتعرض للإهمال , وظهور إحدى الصور السابقة يعتمد تماماً على الطريقة التى تم بها إعداد الفرد للحية الأجتماعية , وأحد صور الغيرة هى " تدمير الذات " كما أنه يمكن التعبير عن الغيرة فى صورة " عناد " قوى , أيضاً فإن إفساد متعة الآخرين , و الاعتراض الدائم غير المبرر و الخالى من أى منطق , ووضع قيود على حرية الآخرين و محاولة إخضاعهم , كلها من صور " الغيرة " .
- كل واحد من يحمل فى داخله – بدرجات متفاوته – بعص الأفكار التى تحمل طابع التفاؤل – أو التشاؤم – بمجموعة معينة من الأشياء أو الأحداث أو ما يسمى بـ " الفأل " , وهناك الكثير من الرجال الذين يتصرف الواحد منهم كما لو كان يعتقد أنه قد تعرض للتأثير السحرى لشريكة حياته . إن هذا الاعتقادات راسخة فى قوة إيمان الفرد بعقيدته , تلك الأيام التى كانت فيها المرأة معرضة للاتهام بأنها " ساحرة ", وهى جريمة عقوبتها الحرق حياً , وكانت هذه الخرافات منتشرة فى جميع أنحاء أوروبا و أثرت على تاريخ تلك الحقبة لعشرات السنين , وسقطت ملايين النسء ضحايا لهذا الوهم , ولهذا لا يمكن الادعاء بأنه كان خطأ بسيطاً , بل إننا يجب أن نقارن بين تأثير الاعتقادات الحالية بــ " الفأل " , والمذابح التى حدثت خلال محاكم التفتيش و الحروب العالمية .
- أيضاً تلك المحاولات التى يبذلها الفرد لإرضاء غروره من خلال استغلال الدين و العقيدة الدينية , ففى خلال صراع الفرد و سعيه الحثيث نحو محاولة التشبه بالإله قد يستغل الفرد " الدين " والتدين , ولعلنا جميعاً لاحظنا مدى أهمية العزلة بالنسبة للفرد الذى عانى من مرض عقلى , فإن أمثال هذا الفرد ينسحب الواحد منهم من المجتمع و يبدأ فى مخاطبة إلهة على انفراد . إن هذا الفرد – من خلال استخدام الطريقة السابقة – يعتبر نفسه أكثر قرباً من الله , لأن الإله يصبح أكثر قرباً من خلال ورع عبيده , ومن خلال تلك الطقوس التقليدية الملتزمة , وأن الفرد يكون – بهذه الطريقة – تحت رعاية إلهة .إن هذه المعتقدات تبتعد كل البعد عن تعاليم الدين الحقيقية حتى إنها تعطينا الانطباع بأنها ليست إلا تعبيراً عن مرض نفسى أصاب هذا الفرد , والكثير منا سمع هذا الفرد أو ذاك يقول إنه لا يستطيع النوم إلا إذا قام بأجاء بعض الصلوات الخاصة , وأنه إذا لم يؤد هذه الصلوات , فإن هذا قد يتسبب فى شرر لشخص ما فى مكان ما .
- أنا الرجل يسعى سعياً حثيثاً للسيطرة و الهيمنة على المرأة باستمرار , ومن الناحية الأخرى فإن المرأة تشعر بعدم الرضا و الرغبة فى تغيير الأوضاع التى تجعل الرجل يسيطر عليها , وحيث إنا النوعين ( الرجل و المرأة ) يعتمدان أشد الاعتماد على بعضهم البعض , فإنه من السهل أن نتفهم كيف أن هذه الأجواء المتوترة سوف تتسبب فى خلافات و نزاعات دائمة و معاناة لا داعى لها بين الجنسين .
- يمكننا أن نخمن أن معركة هائلة قد سبقت هذا التحول من النظام الأمومى على نظامنا الحالى الذى يسيطر فيه الرجل و يتحكم , فإن الرجل الذى يرغب فى الاعتقاد بأن امتيازاته نشأت بطريقة طبيعية سوف سفأجا عندما يعلم بأن الذكر لم يكن يملك تلك الامتيازات منذ البداية , وأنه كا عليه أن يقاتل للحصول عليها .
- لقد اعتاد الرجل أن يبرر سيطرته و تحكمه عن طريق الادعاء بأن هذا هو الوضع الطبيعى , كما أن الرجل ادعى – أيضاً – بأن سيطرته و تحكمه ما هما إلا النتيجة الطبيعية لدونية المرأة , وهذا الزعم الخاطىء شديد الانتشار حتى إنه يؤثر على جميع الأجناس , ومع هذا التمييز الجنسى ( التحيز ضد المرأة ) ينتشر نوع من التوتر بين الرجال , وربما كان منشؤه هو الشعور القديم الذى ساد خلال الحرب ضد النظام الأمومى عندما كانت قوة النساء مصدراً للتوتر و القلق الشديد بين الرجال . إننا نكتشف كل يوم ما يشير إليه صحة ما سبق فى الأدب و التاريخ , ومؤلف لاتينى كتب ذات مرة : (( إن المرأة هى مصدر قلق و توتر و ارتباك الرجل ) .
- إن البشر قد أعتادوا على إخفاء هذا الغرور عن طريق استخدام كلمة ذات وقع طيب فى النفس مثل " الطموح " , وكلنا يعرف الكثير من الناس الذى يتفاخر الواحد منهم بطموحاته ! , وهناك مفاهيم أخرى كثيراً ما تستخدم مثل " ممتلىء بالحيوية " , أو " شديد النشاط " , وطالما استخدم الفرد هذه الطاقة فيما يفيد المجتمع فإننا يجب أن نعترف بقيمة هذه الأفعال , ولكن الحقيقة هى أن أمثال هذه المفاهيم كثيراً ما تستخدم لإخفاء غرور الفرد الشديد و خيلاته .
- إن الشخص المغرور يبحث عن وضع أو وظيفة مميزة , وينأى بنفسه عن تبار الحياة الرئيسى , ويقف هناك – وحيداً – وهو يراقب البشر – يسعون ذهاباً و إياباً – ويتشكك فيهم , فكل الناس أعداء له بطريقة أو بأخرى , فإن الشخص المغرور يجد أن من الواجب عليه أن يفترض وضع الدفاع أو الهجوم , وكثيراً ما سنجده يتخبط فى شكوكه العميقة , والتى تبدو له منطقية , والتى تعطيه المظهر الخارجى للفرد المحق فى تفكيره , ولكن فى غمرة تخبطه و شكوكه فإنه يفقد الفرص المتاحة أمامه , ويخسر صلاته بالحياة و المجتمع , ويتراجع عن إنجاز المهام المفروضة على جميع أفراد المجتمع .
- الغرور يمكن التعبير عنه من خلال محاولة الأصرار على احتلال مركز الصدارة فى كل الدوائر الاجتماعية .
- إن الجريمة ما هى إلا طريقة يظهر بها الفرد كراهيته . إن الكراهية تحب أن تتخفى .
- إن " العزلة " يمكن أيضاً أن تكون خاصية منتشرة بين مجموعات كبيرة , وكلنا يعرف أن هناك عائلات بأكملها لا ترغب فى الاختلاط بغيرها , وأنها تكون مغلقة بإحكام فى وجه أى محاولات خارجية للتقرب منها . إن عدوانية و غرور أمثال هذه العائلات تتمثل بوضوح فى اعتقادهم بأنهم أحسن و أكثر نبلاً من الآخرين , إن " العزلة " يمكن أن تكون – أيضاً – خاصية مميزة لطبقة من الطبقات أو دين من الأديان أو جنس من الأجناس , أو حتى لمدن أو دول بأكملها , وفى بعض الأحيان يمكنك – إذا ما ترجلت داخل مدينة غريبة – أن ترى التصرفات التى لا تتسم بالود من كل سكان هذه المدينة , وكيف أنه حتى فى بنائهم لمنازلهم قد عزلوا طبقة اجتماعية كاملة عن باقى سكان المدينة .
- من لمثير أننا نجد الكثير من الناس الذين يفكرون فى الماضى , أو فى الموت , ونجد الواحد منهم يعيش فى هذا الماضى – بصفة مستمرة – مما يجعله يتميز بعدم الجرأة أو الإقدام , ولهذا فإن التفكير الدائم فى الماضى ليس إلا أحد الوسائل الشائعة لتقييد الذات و تحديد حجم حركتها . إن الخوف من الموت أو المرض ما هو إلا خاصية تقليدية تميز الأفراد الذين يبحثون عن مبرر لتجنب القيام بالواجبات الملقاة على عاتقهم , وسنجد أن الواحد منهم يصيح بأعلى صوته بأن الحياة فانية , وأنها شديدة القصر , وأنه لا يوجد من يعلم بما سيحدث فى المستقبل , وكما رأينا من قبل فإن هذا الفرد سيحاول تجنب أى اختبارات لأنه يخاف على كرامته من أن تجرح إذا ما انكشفت قيمته الحقيقية من خلال هذه الاختبارات .
#ماريو_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟