اسلام احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 19 - 19:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من اكثر الافلام التى افضلها للفنان الراحل احمد زكى فيلم ( زوجة رجل مهم ) فقد كان مرشحا لمهرجان (كان) السينمائى الدولى كما اشاد به النجم العالمى روبرت دى نيرو اذ انه يرى ان شخصية الضابط المهم المستبد التى اداها احمد زكى ببراعة موجودة فى كل دول العالم
ولقد استوقفتنى عبارة فى احدى مشاهد الفيلم بين احمد زكى وميرفت امين حيث اخبرها الاول حين كانت حامل انه يتمنى ان تولد ( ذكر) حتى يلحقه بالشرطة لان الضباط هم من يحكمون العالم وتلك حقيقة لاسيما فى الدول الغير ديمقراطية اذ يعتمد حكام تلك الدول على الامن لحماية مناصبهم ولضمان البقاء فى السلطة لاطول فترة ممكنة , وهنا يختلط مفهوم الامن والوظيفة المتوخاة منه اذ من المفترض ان يحمى الجيش الامن القومى للدولة ويدافع عن ارض الوطن بينما تسهر الشرطة فى خدمة الشعب وحماية الامن الداخلى , ولعل ما ذكره احمد ذكى من ان الضباط يحكمون العالم هو ما يدفع كثير من شبابنا الى تقديم اوراقهم للالتحاق بالكليات العسكرية بعد تخرجهم من الثانوية العامة
وفى دولة مثل مصر يحكمها العسكر منذ اكثر من نصف قرن وتعيش فى ظل حالة الطوارئ منذ نحو ثلاثين سنة مع وجود حالة الفساد العام والفوضى الشاملة فقد كان من الطبيعى ان تتوحش السلطة بشكل مخيف , ذلك ان حالة الطوارئ افرزت جيلا كاملا من ضباط الشرطة لا يعتدون بالدستور والقانون اذ تعودوا على انتهاك حريات الناس وكرامتهم لدرجة بات صعب العدول عنها
وقد تجسد توحش السلطة بمصر خلال الاونة الاخيرة فى واقعتين مؤسفتين :
الاولى حادث مقتل الشاب خالد سعيد بالاسكندرية حيث قام مجموعة من أفراد أمن قسم سيدي جابر باقتحام سيبر "مقهى انترنت" في العقار رقم 37 شارع مدحت سيف اليزل بمنطقة كليوباترا بمحافظة الإسكندرية، أسفل سكن المدعو خالد سعيد قاسم، حيث طلبوا من المتواجدين في "السيبر" إبراز البطاقات الشخصية، وقاموا بمحاولة تفتيش المذكور بطريقة مستفزة ودون إذن من النيابة، وضربوه واعتدوا عليه مع سبق الإصرار والترصد وقال شهود العيان إن اثنين من رجال مباحث سيدي جابر ضربوا خالد سعيد بالأيدي والأرجل بطريقة مبرحة، ودقوا رأسه في سور رخامي بالسيبر، فسقط أرضا وقاموا بسحله على الأرض وسحبوه إلى العقار المجاور، ثم ضربوا رأسه في الباب الحديدي، وهو ما أدي لخلع جزئي من الباب، ثم ضربوا رأسه في سلم العقار وفي جدران مدخل العقار
وكالعادة فى مثل هذه القضايا فقد اختلفت رواية الداخلية عن رواية شهود العيان اذ اعلنت بأنه أثناء مرور قوة من وحدة مباحث القسم لمتابعة الحالة الأمنية فى منطقة كليوباترا، شاهدت خالد المتهم فى ٤ قضايا سرقة، وحيازة سلاح أبيض، وتعرض لأنثى فى الطريق العام، وهروب من الخدمة العسكرية ، ومطلوب ضبطه لتنفيذ حكمين بالحبس شهراً فى قضيتى السرقة، وحيازة السلاح الأبيض ، وكان معه موظف فى إحدى شركات البترول متهم فى ٣ قضايا إيصالات أمانة، مؤكدة أن كلاهما مشهور عنهما الاتجار فى المخدرات، وعثر بحوزة المتهم الأول على لفافة يشتبه فى أن تكون مادة مخدرة، موضحة أنه عند محاولة القوة توقيفهما فر الأول، فتم تعقبه وضبطه ، وحاولت القوة الحصول على اللفافة منه إلا أنه ابتلعها فأصيب بحالة من الإعياء الشديد، فتم نقله إلى المستشفى الجامعى فى سيارة الإسعاف إلا أنه فارق الحياة
ولاننى لا اثق فيما يصدر عن الجهات الرسمية فقد اتصلت بصديق يعمل ضابط مباحث بالداخلية اثق فى امانته فاخبرنى ان الشاب بالفعل مجرم خطير وان رواية الداخلية صحيحة , غير ان الدكتور مفيد شهاب فى جلسة مجلس الشعب التى اثارت الموضوع قد كذب دون ان يدرى رواية الداخلية مؤكدا مسئولية المخبرين عن مقتل خالد حيث قال معترضا على كونها نتيجة لحالة الطوارئ : " ما علاقة قانون الطوارئ بهذا الموضوع؟ مخبر ضرب واحد " , على اى حال فقد شكل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود لجنة خاصة للتحقيق فى الواقعة وفى انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات
الواقعة الثانية هى حادث اعتداء وكيل نيابة قسم ثان طنطا ومحامى على بعضهما البعض الامر الذى اثار زوبعة لم تنتهى بعد ادت الى صدور حكم (متسرع) من المحكمة بحبس المحاميين إيهاب ساعى الدين، ومصطفى فتوح، ٥ سنوات وغرامة ٣٠٠ جنيه، فى قضية التعدى على باسم أبوالروس، رئيس نيابة طنطا وهنا يبدو واضحا انحياز القضاء لرئيس النيابة مما يكرس مفهوم توحش السلطة بمصر , وقد تدخل مسئولون كبار لحل الازمة بين الجانبين الا ان تدخلهم لم يسفر عن شئ حتى الان
ما حدث لم يخل من مفارقة مدهشة ذلك ان الواقعتين تزامنتا مع مد قانون الطوارئ لمدة عامين من ناحية مع اقتصاره على الارهاب والمخدرات كما تزامنتا مع تقديم الحكومة المصرية تقريرا عن تحسن احوال حقوق الانسان فى مصر الى اللجنة المشرفة لحقوق الانسان بجنيف وهو التقرير الذى اشاد به الحكام العرب
قد يفاجأ البعض ان قلت ان ما ترتب على الواقعتين من اثار ونتائج ايجابية فاق بكثير نظيرتها السلبية ذلك ان كلا الواقعتين ادتا الى ردود فعل غاضبة فى كافة انحاء مصر حيث خرج المئات من المتظاهرين فى الاسكندرية والقاهرة وغيرهما مطالبين بالثأر لمقتل خالد سعيد ومحاسبة قاتليه كما طالبوا باقالة اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية بالاضافة الى الغاء حالة الطوارئ , كما تظاهر ايضا مئات المحامين فى مختلف انحاء مصر وقاموا باضراب عام , ليس هذا فحسب بل اثارت واقعة مقتل خالد سعيد قلق واشنطن حيث طالبت وزارة الخارجية الامريكية مصر بالتحقيق فى الواقعة
ولئن كانت المظاهرات مبررة للحشود الغاضبة فان الامر ليس كذلك بالنسبة للمحامين لانهم باعلانهم الاضراب قد عطلوا حوائج الناس واضروا بمصالحهم ثم ان الخطأ فى ازمة المحامين والقضاة متبادل حيث اعتدى كل من المحامي ووكيل النيابة على الاخر
جدير بالذكر اننى لم افاجأ بالواقعة الاولى (مقتل خالد) ذلك ان سجل الداخلية حافل بمثل هذه الانتهاكات لحقوق الانسان فيما فوجئت بواقعة تعدى المحامين على وكيل النيابة لانها فى اعتقادى سابقة نادرا ما تحدث كما انها اثارت غضبى لانه من غير المقبول ان يتعدى محامى على وكيل نيابة يمثل القضاء المصرى
والسؤال الذى يطرح نفسه الان ما السبيل للخروج من تلك الازمة؟؟ وكيف نحد من توحش السلطة؟؟
لا بديل عن الغاء حالة الطوارئ التى تطلق يد السلطة فى انتهاك حرمات الناس دون رقيب او حسيب , او على اقل تقدير اصدار قانون الارهاب فى اسرع وقت ممكن لانه من غير المعقول ولا المنطقى ان تعيش مصر حالة الطوارئ فى ظل عصر (السلام والاستقرار) كما لابد من الفصل بين السلطات الى جانب اصدار قوانين تضع ضوابط تضمن عدم الاسراف فى استغلال السلطة , باختصار فان الحل يكمن فى تطبيق الديمقراطية بمصر
#اسلام_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟