أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الزمن الراديكالي وتهشيم بنية الوعي التاريخي للدولة والأمة














المزيد.....

الزمن الراديكالي وتهشيم بنية الوعي التاريخي للدولة والأمة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3038 - 2010 / 6 / 18 - 09:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



عندما ننظر إلى ظاهرة الانحطاط المتنامية في العالم العربي المعاصر، فإننا نرى تراكم ثلاث طبقات تاريخية أدت، على خلفية الأزمة الشاملة للدولة العربية الحديثة، إلى تبذير كل تراكمه الذاتي كما هو جلي في صعود اشد النماذج والأشكال غلو وتطرفا، بوصفه الرد المشوه على فشل المشروع التنموي والتحديثي للدولة والنخب السياسية العربية.
فقد كانت الصيرورة العربية الجديدة بمختلف قواها الاجتماعية والسياسية والفكرية مرتبطة ومحكومة في الوقت نفسه بثلاث ظواهر كبرى في التاريخ الحديث. وهي ظاهرة الغزو الاستعماري، والحرب الباردة، وصعود الفكرة الليبرالية. وجميعها ظواهر "غربية" (أوروأمريكية) المنشأ، عالمية التأثير والأبعاد. من هنا إشراكها الجميع، بما فيه العالم العربي، في عملية جديدة أخرجته من تقوقعه الذاتي وانغلاقه العميق في السلطنة العثمانية المتهرئة. ومن ثم إدراجه في فلك الحركة التاريخية الجديدة التي استطاعت أن تستثير فيه تيارات متقطعة من النهضة الأدبية والإصلاح الديني - السياسي والانبعاث القومي. وهي عملية تاريخية معقدة لم تتكامل في الوجود والوعي العربي المعاصر. من هنا استمرار الخلل البنيوي في الدولة والنظام السياسي والمجتمع والثقافة.
إذ يكشف هذا الخلل أولا وقبل كل شيء عن عدم تكامل بنية الوعي الذاتي العربي، الذي برز بوضوح في ثلاثة أشكال مختلفة يكمل أحدها الأخر في مجرى تاريخه الحديث. الأول وهو صعوبة بناء الدولة العصرية والتحديث، والثاني سهولة انجراره وراء صراع المصالح والعقائد الذي ميز اغلب تاريخ الحرب الباردة (اغلب القرن العشرين)، والثالث يقوم في انقباضه الذاتي واستعصاء قدرته على التحول صوب الديمقراطية والإصلاح البنيوي الشامل بعد انهيار المواجهة التاريخية للمعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي).
فقد بقى العالم العربي من بين المناطق القليلة في العالم التي تتلذذ بنفسية وروحية المعسكر. وتشير هذه الحالة إلى بقاء وتعايش المراحل التاريخية الثلاث في وجوده ووعيه المعاصر كما لو أنها مكونات لا يمكن المزج بينهما. ويشير هذا الواقع بدوره إلى بقاء المشاكل والإشكاليات الكبرى في تاريخه الحديث دون حلول، أي انه لم يتطور من الناحية النوعية. من هنا بقاء اغلب مكونات تاريخه التقليدي في الوعي والممارسة، بما في ذلك السياسية. وأصبح هذا الواقع، من الناحية المادية والمعنوية، مرتعا للثقافة التوتاليتارية. وليست هذه النتيجة معزولة عن هيمنة التقاليد السياسية الراديكالية بمختلف أشكالها ومستوياتها ومظاهرها في كل مجرى القرن العشرين في العالم العربي. إذ ليس تاريخه السياسي في مجرى القرن العشرين ولحد الآن سوى هيمنة الزمن الراديكالي الدنيوي منه والديني.
فعندما نتأمل التجارب التاريخية العاصفة لصعود الراديكالية السياسية العربية الحديثة، فإننا نقف أمام استفحال دورها وتكاملها التدريجي في "منظومة" الاستبداد والانغلاق الثقافي. وترافقت هذه الظاهرة بطبيعة التغير الهائل الذي جرى على تاريخ الجغرافيا السياسية للعالم العربي وتجزئة وتفتيت تراكمه الطبيعي للرقي المدني والدولتي والاجتماعي. ومن ثم لم يكن صعود الفكرة الوطنية والقومية في ظل انتفاء شروطها الضرورية منذ عشرينيات القرن العشرين، سوى المقدمة المشوهة لتصنيع آلية الراديكالية السياسية، أي آلية الإنتاج الدائم للحثالة والهامشية والأوهام والأيديولوجيات التوتاليتارية والعقائد الأصولية. مع ما كان يرافقها من تفعيل لا عقلاني للجماهير، أي "للقوى السياسية" المتحزبة والهائجة.
فقد احتوت هذه العملية في أعماقها على احتمال صعود الزعماء والأبطال والقواد الجماهيريين والجمهور، بوصفه الوجه الآخر لسيادة نفسية الغوغاء والرعاع. لكنها كانت تحتوي بالنسبة للعالم العربي على مخاطر الإعاقة التاريخية للتاريخ، أو التشويه المفتعل للمسار الطبيعي الملازم للدولة والمجتمع والثقافة والأمة. وحالما أصبحت هذه الظاهرة آلية قائمة بذاتها منذ خمسينيات القرن العشرين، فإنها تحولت إلى "مرجعية متسامية" بالنسبة للوعي السياسي الراديكالي، أو أنها جعلت من الراديكالية فكرة متسامية عبر مطابقتها مع أيديولوجيا الثورة والانقلاب بوصفها العقيدة المقدسة لحرق مراحل التاريخ.
وليس مصادفة أن تصبح فكرة حرق مراحل التاريخ الصراط المستقيم لبلوغ الجنة القومية والتقدم، أو المطّهر الذي ينبغي أن تحترق في مجرى عبوره كل الأوساخ العالقة على الجسد والضمير والعقل العربي. من هنا تحول انقلاب يونيو عام 1952 العسكري في مصر إلى "نموذج" الثورة، و"الضباط الأحرار" إلى نموذج "القوة السياسية" الجديدة. وسوف تكرر سوريا هذه المزاوجة بين الثورة والحرية في الأفعال والرجال عام 1954، ثم يعيد العراق تفعيلها عام 1958. بمعنى تكامل الفكرة الراديكالية وقواها السياسية الجديدة في المثلث الفعال (مصر وسوريا والعراق) للفكرة السياسية العربية في القرن العشرين.
إن تحول الظاهرة الراديكالية إلى آلية تصنيع وتفعيل القوى السياسية "الجديدة"، وتحولها إلى نموذج في القيادة، كان يحتوي في أعماقه على سحق وحدة المنطق والتاريخ في الفكرة السياسية بوصفها اجتهادا عقلانيا في إدارة شئون الدولة والمجتمع. وليس مصادفة أن تضمحل تدريجيا وتتلاشى فكرة المجتمع المدني والحرية والإدارة، وعوضا عنها تبرز الملامح الناتئة "للزعيم السياسي" و"القائد الجماهيري" و"الأب الروحي". وهي صيغة كانت تتآكل فيها كل الاحتمالات العقلانية للبدائل. ومن ثم كانت تحتوي في أعماقها على تذليلها التدريجي بوصفها اجترارا للزمن أكثر مما هي تجارب التاريخ. مع ما ترتب عليه من تصنيع "منظومي" دائم للانحطاط. ومن بين اشد ملامح هذه الظاهرة هو استفحال نفسية وذهنية الراديكالية السياسية والتوتاليتارية الدنيوية والدينية.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الزمن والتاريخ في ثروة الأمم
- المثلث العربي الفارسي التركي وفلسفة الرجوع إلى النفس
- المثلث العربي الفارسي التركي ومشروع المستقبل
- ابن طفيل- حكمة التجانس والاعتدال!
- ثلاثية اليقظة الفلسفية - السهروردي وحكمة المتمرد!
- يقظة ابن سينا- حكمة الشفاء والنجاة!
- الحكمة الكونية وقصة اليقظة الفلسفية
- شخصية ومصير - حنين بن اسحق العبادي
- شخصية ومصير - فرقد السبخي
- شخصية ومصير - ثابت البناني
- شخصية ومصير - عبد الرحمن بن عوف
- حركة الوصفاء – نموذج التمرد الروحي والسياسي
- شخصية ومصير - الزهري.
- مفترق التطور أو التدهور العراقي
- أوهام الزمن -المقدس- وأحلام التاريخ الفعلي في العراق
- العراق وإشكالية الزمن والتاريخ
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(2-2)!
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(1-2)!
- شخصية ومصير- محمد بن سيرين البصري.
- التشيع وظاهرة السمو الروحي للشخصية العلوية (2-2)


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الزمن الراديكالي وتهشيم بنية الوعي التاريخي للدولة والأمة