|
الليبرالية الجديدة والمسألة الديمقراطية
معقل زهور عدي
الحوار المتمدن-العدد: 924 - 2004 / 8 / 13 - 09:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حين ظهر مفهوم الليبرالية الجديدة بدأ البعض بالعودة للمعاجم والمراجع للبحث في المدلولات اللغوية والمصطلحية لهذا المفهوم ومدى تطابقه مع سياق استعماله ، وفي الواقع فان قيمة هذا المفهوم تنبع من ارتباطه بظاهرة فكرية محددة فإذا استطعنا أن نلمس وجود هذه الظاهرة لا يعود الجدل حول المصطلح ذا قيمة ، ومنذ ظهر المفهوم السابق اظهر الجدل الواسع أن الليبرالية الجديدة ليست من نسج الخيال ويبقى من السابق لأوانه إطلاق الأحكام النهائية حول تلك الظاهرة الجديدة ، لكن المبادرة لتقصي أفكارها الجنينية لا تخلو من الفائدة مثلما أنها لا تخلو من مخاطر الانزلاق نحو مواقف مسبقة . للوهلة الأولى تبدو الليبرالية الجديدة وكأنها التيار الأكثر ديمقراطية ، ومن أجل الديمقراطية فهي مستعدة للتحرر من كثير من الثوابت في الفكر العربي . نزوع الليبرالية نحو الانفلات من ميراث الفكر العربي بغض النظر عن ماهيته يتم تبريره بالمسألة الديمقراطية لكن ما نشاهده اليوم أن الليبرالية الجديدة بدأت تتحرر من المسألة الديمقراطية ذاتها وتستبدل آلهتها بآلهة أخرى ( الحداثة ، التحرر الفردي ، الانسانوية) . يرتبط نشوء الليبرالية الجديدة في سورية بتذرذر الطبقة الوسطى التي تفتت وانقسمت على ذاتها إلى درجة كبيرة منذ السبعينات وبفعل تغير نمط الحياة لشرائح متعددة فيها وانجذاب بعض تلك الشرائح للمثل الغربية على صعيد السلوك الاجتماعي ( بينما كانت الطبقة الوسطى قبل السبعينات اكثر انسجاما وامتلاء بالروح الشعبية) بدأت تلك الشرائح تبحث عن خلاص ذاتي ، خلاص لا يرتبط بالضرورة بمفاهيم ( الوطن) ، ( الشعب) ، (الأمة) بل بدت مثل تلك المفاهيم كقيود من الماضي ثقيلة الوطأة ، ولامانع أن يأتي الخلاص الذاتي بقاطرة أمريكية أو غيرها المهم هو إعادة ترتيب المجتمع والدولة بأية وسيلة كانت للسماح لنمط معين من الحياة بالتعبير عن نفسه بحرية والدفاع عنه بوجه ثلاثة أشباح( الروح العسكرية والروح الشعبية والروح الإسلامية ). تنظر الليبرالية الجديدة بكثير من التقدير لتجربة اتاتورك العلمانية في تركيا حيث تمكنت نخبة سياسية-ثقافية-عسكرية من القفز للسلطة ووضعت المجتمع أمام خيار واحد جوهره إعادة إنتاج الثقافة التركية بإلحاقها بالغرب وبتر جذورها الشرقية والإسلامية ، هامش الحرية هنا محدود وموجه لتيار فكري وسياسي محدد. وفي المقابل تنظر الليبرالية بحذر بالغ لمخاطر استعمال الفئات الشعبية للديمقراطية والربط بين المسألة الديمقراطية والنزعات الوطنية والإسلامية الموجهة ضد الهيمنة الأمريكية وادواتها. يلتقي تيار الليبرالية الجديدة الذي يتبلور فكريا ضمن أوساط الطبقة الوسطى بتيار ليبرالي اقتصادي يبحث عن مصالحه بالتوافق مع المصالح الغربية ضمن الحيز الذي ترسمه هيمنة تلك المصالح وربما لا يكون بعيدا اليوم الذي نرى فيه الزواج السعيد بين هذين التيارين. التيار الليبرالي الاقتصادي في سورية يعرف تماما ما يريد دون أوهام إيديولوجية : اقتصاد منفتح ، اندماج بالاقتصاد العالمي من البوابة الأوربية أو الأمريكية لافرق ، إخضاع السياسة الخارجية لضرورات التوافق السياسي مع القوى الاقتصادية العظمى ، وفي الداخل الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد ابعد من خدمة الاستثمارات وإزالة كل الحواجز الاقتصادية والقانونية والإدارية التي تعرقل الاستثمار . ورغم كون التيار الليبرالي الاقتصادي اكثر تحديدا وواقعية فان تيار الليبرالية الجديدة يرتدي أهميته من عاملين : الأول كونه يطمح لتمثيل الطبقة الوسطى ذات الأهمية السياسية –الثقافية الفائقة والثاني انه الاقدرعلى إعطاء الليبرالية مسحة إيديولوجية وبالتالي تسويقها على مساحة اجتماعية أوسع. خلال الفترة السابقة أحرز التيار الليبرالي الاقتصادي تقدما مضطردا خاصة وان جزءا منه يعمل داخل الدولة في حين أن تيار الليبرالية الجديدة بالكاد يوشك على التبلور. وبدون شك فان التقاء التيارين سيحدث نوعا من الخلل في ميزان القوى الاجتماعي – السياسي هذا إذا قدر لتيار الليبرالية الجديدة أن يشق طريقه ضمن الطبقة الوسطى وهو أمر مشكوك فيه. يعاني تيار الليبرالية الجديدة من حصار اجتماعي داخل الطبقة الوسطى حيث ينظر إليه كتيار نخبوي بينما تسود الطبقة الوسطى المشاعر الوطنية ، كما أن موجة التدين تضع عقبة إضافية أمام ذلك التيار. يرغب تيار الليبرالية الجديدة في توسيع الحريات العامة ليتمكن من التحرك في وسطه الاجتماعي ، وفي الواقع فان قدرة ذلك التيار على البقاء والاستمرار ولو بأضيق الحدود مرهونة بمساهمته بالمسألة الديمقراطية ، وحين تضعف تلك المساهمة فسيغدو من الصعب عليه تثبيت أية جذور سياسية وسط قاعدته الاجتماعية ، ويكون مصيره مجرد زائدة سياسية عائدة لتيار الليبرالية الاقتصادي داخل الطبقة الوسطى.
#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدار الفصل العنصري-علامة مميزة في تاريخ الصراع العربي الصهيو
...
-
الاحتلال وأزمة المقاومة في العراق
-
الموقف من ظاهرة المقاومة في العراق كمؤشر للفرز داخل التيارات
...
-
التحول الديمقراطي داخل الفكر الاشتراكي
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|