كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 924 - 2004 / 8 / 13 - 10:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
التقيت بالدكتور أحمد ال?لبي أول مرة في خريف عام 1991 أثناء حضوري ندوة نظمها المكتب الاستشاري العراقي في فيينا بمشاركة مجموعة من المثقفين العراقيين المقيمين في الخارج , حيث كان الحوار يدور حول الكارثة الاقتصادية التي حلت بالعراق في أعقاب حرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي الدولي والموقف من ذلك, إضافة إلى سبل مواجهة الدكتاتورية والحصار والمصاعب الكبيرة التي يعاني منها الشعب العراقي في تلك الفترة. وإذا كان الاتفاق قائماً بين الحضور على ضرورة التخلص من نظام صدام حسين والعواقب التي نشأت بسبب استبداده وسياساته القمعية والاقتصادية وحروبه الداخلية والخارجية, فأن خلافات برزت في جوانب أخرى وخاصة حول مستقبل العراق, إضافة إلى الموقف من تجارب الماضي ودروسه. ففي حينها طرح الدكتور فاضل ال?لبي, المتخصص بشئون النفط, بأن المصائب والكوارث التي حلت بالعراق سببها قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره عبد الكريم قاسم بعد 14 تموز عام 1958. وانقسم الحضور إلى مجموعتين إحداهما أيدته وأخرى خالفته. ففي الوقت الذي وقف الدكتور أحمد ال?لبي إلى جانب الدكتور فاضل ال?لبي, رغم كونه كان قليل الكلام ولكنه كان واضح الرؤية والهدف, خالفته وكنت إلى صف الذين يعتقدون أن الإصلاح الزراعي كان في مصلحة كل الفئات الاجتماعية, وخاصة البرجوازية الصناعية وتوسيع قاعدة البرجوازية الزراعية وأغنياء الفلاحين وصغار المنتجين والفلاحين المعدمين في العراق وتنشط السوق الداخلية وتغيير بنية الإنتاج الزراعي وتحسن مستوى الإنتاج وظروف عمل الفلاحين والعمال الزراعيين إن نفد القانون بصورة عقلانية وجذرية, ولكن القانون كان بالضد من مصالح كبار الإقطاعيين والملاكين وشيوخ العشائر والأغوات من مستغلي قوت الفلاحين وكادحي الريف. ومن خلال النقاشات تكونت لدي أول فكرة عن الدكتور أحمد ال?لبي, الذي لم أكن قد سمعت به أو تعرفت عليه قبل ذاك في صفوف المعارضة العراقية, رغم أني أعرف أباه, السيد عبد الهادي ال?لبي, باعتباره من النخبة السياسية وأقطاب العهد الملكي ومن كبار الإقطاعيين والبرجوازية الكوكمبرادورية في آن. كان السيد عبد الهادي ال?لبي وزيراً للمواصلات في وزارة العمري الأولى في عام 1946, حيث وقعت مجزرة كاورباغي ضد عمال شركة نفط كركوك وأدت على قتل العديد من عمال النفط على أيدي الشرطة العراقية. وكان نائباً لعدة دورات انتخابية ابتداءً من عام 1931 حتى عام 1947/1948 عن الديوانية أولاً ومن ثم عن بغداد, وبعدها أصبح عضواً دائماً في مجلس الأعيان العراقي حتى سقوط الملكية .
كان الدكتور أحمد ال?لبي قد بدأ محاولات الولوج إلى صفوف المعارضة العراقية مدعماً من الولايات المتحدة الأمريكية التي تبنته تماماً وأسست له حزب المؤتمر الوطني العراقي واقترحت عليه تبني هذا الاسم, حسب اعتراف أحد المسئولين في وكالة المخابرات المركزية الذي كان مسئولاً عن قوات المؤتمر الوطني العراقي في كردستان العراق بأمل أن تشن حملات عسكرية منها ضد النظام والتي فشلت فشلاً ذريعاً قبل البدء الفعلي لتحقيق هذا الهدف. جاء في نص المقابلة حول علاقة المخابرات المركزية الأمريكية CIA بجماعة المؤتمر الوطني العراقي الذي نشرته المجلة الألمانية "دير شبيكل" بعددها 31 لسنة 1997 في مقابلة صحفية مطولة أجرتها مع الجاسوس وارين ماريك, رئيس قسم في المخابرات الأمريكية CIA تحت عنوان "الجاسوس القادم من لهيب النار" تحدث فيها عن فشل المهمة التي كلف بها من قبل المخابرات المركزية واستهدفت, كما يقول, الإطاحة بالدكتاتور صدام حسين. وقد اعتبرت هذه العملية واحدة من أكثر العمليات الفاشلة والفاضحة لأجهزة المخابرات السرية. ووصفت مجلة New York Times فشل هذه المحاولة بالفشل الذي منيت به حينذاك عمليه الإنزال في خليج الخنازير في كوبا. وقد كشف الجاسوس الأمريكي في هذه المقابلة عن الأسباب التي أدت إلى ذلك الفشل ضمن تحقيق طويل. وجاء في نص المقابلة حول علاقة المخابرات المركزية الأمريكية CIA بجماعة المؤتمر الوطني العراقي ما يلي:
" حينذاك ركزت أجهزة المخابرات السرية الأمريكية نشاطها على الأعلام. صرفت أل CIA أكثر من 20 مليون دولار أمريكي على البيانات وقصاصات الورق الموجهة ضد صدام حسين. إلا أن الأمريكان كانوا لا يعترفون بقيام حركة معارضة لصدام حسين في داخل العراق. وأخيرا في عام 1992 دعا الأمريكان زعيم الجبهة الجديدة, أحمد ال?لبي. إلى واشنطن للتباحث معه. ال?لبي, وهو احد خريجي الجامعات الأمريكية, أوضح لهم سياسته التكتيكية (Salamitaktik) ضد صدام حسين كما يلي: في المناطق المحررة من شمال العراق, حيث تقوم قوات التحالف الدولي بحماية الحكم الذاتي للإقليم الكردي واستمرار وجوده, يأمل ال?لبي بتوحيد جماعات المعارضة, وبمساعدتها يمكنه القيام بتشكيل حكومة ثابتة في مواجهة حكومة صدام حسين. وكان يرى بأن العمل ينبغي أن يبدأ خطوة فخطوة في سبيل إضعاف وتقويض الهيمنة المطلقة لسلطة صدام حسين وبعزل المجموعات الحكومية عن النظام وتحريك المناطق الأخرى للالتحاق بالعراق المحرر.
واصطدم أحمد ال?لبي بموقف أمريكي غير متفائل إزاء الخطة المقترحة. ومع ذلك فقد وافقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكيةCIA على صرف مبلغ قدره 4 ملايين دولار أمريكي في كل عام يوضع تحت تصرف هذا التنظيم وأطلقت على التنظيم الجديد أسم "المؤتمر الوطني العراقي INC ". و"المؤتمر الوطني العراقي كان وليدنا", هذا ما يقوله وارين ماريك وهو على ثقة تامة بما يقوله حتى اليوم.
ولكنه كان على أية حال يعتبر ابن الزوجة, إذ أن المخابرات الأمريكية التي كانت تعمل مع ال?لبي وتصافحه باليد اليمنى كانت يدها اليسرى تعمل لوضع خطة أخرى. فعملاء المخابرات الأمريكية كانوا يعملون على تهيئة ضربة دامية ضد صدام حسين, بعد أن تسلم بيل كلنتون الإدارة الحكومية في عام 1993". (راجع: مجلة دير شبيغل الألمانية العدد 31/1997 نشرت ترجمة المقابلة في جريدة المجرشة التي يصدرها الصديق والفنان التشكيلي فيصل لعيبي في لندن دون أن أشير إلى اسمي كمترجم لها, ك. حبيب).
كان ال?لبي وما يزال طموحاً ويرى في نفسه حاكم العراق القادم. وقد خلق له هذا الشعور الملموس والسعي الجاد لتحقيقه الكثير من الأصدقاء, الذين وجدوا فيه طاقة إدارية وحركية كبيرة قادرة في التأثير, والأعداء في صفوف المعارضة العراقية الذين وجدوا فيه شخصية مريبة, وربما بعضهم اعتبره عميلاً للبنتاغون بسبب قربه من البيت البيض أو بتعبير أدق من البنتاغون. وغالباً ما كان يقدم في أوساط المعارضة العراقية على أنه ممثل الإدارة الأمريكية, كما حصل في كردستان أثناء مؤتمر صلاح الدين. وبعض الأشخاص من ذوي الطموحات الكبيرة الذين عملوا معه لم يستطيعوا المواصلة وتركوا المواقع لأسباب عديدة, إذ فقدوا القدرة على فرض طموحاتهم الشخصية وتطلعاتهم على ال?لبي أو إزاء دوره في المؤتمر الوطني العراقي. لم تكن لطموحات الدكتور أحمد ال?لبي أية حدود يمكن التوقف عندها, فهي مفتوحة على مختلف الاتجاهات والأصعدة, أي من النواحي السياسية والاقتصادية والمالية. وهي في الغالب الأعم لم تكن واقعية بل كان مبالغاً في قدراته وتطلعاته ولا تنسجم مع كفاءاته, على أهمية ما يمتلكه من كفاءات. وكان الدكتور الجلبي, كما تلمست من متابعتي لدروه السياسي في صفوف المعارضة أنه في عمله يستند إلى مبدأ براغماتي خطر في غالب الأحيان هو "الغاية تبرر الواسطة", إذ أن هذا يعني أن الشخص يبيح لنفسه ما لا يبيحه لغيره, وأن كل شيء مباح لديه ويمكن تعليله او تفسيره.
فعلى سبيل المثال لا الحصر, سعى من أجل إقناع الحكومة الأمريكية في فترة بيل كلنتون, وفيما بعد بضرورة شن الحرب على النظام العراقي للخلاص منه. واستنجد في ذلك بكل السبل المشروعة وغير المشروعة الصحيحة وغير الصحيحة ليدلل لهم على صواب شن الحرب. ففي الكلمة التي ألقاها في 2/3/1998 أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي في واشنطن, باعتباره رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد, قال ما نصه:
"أتشرف بوجودي اليوم معكم للتكلم مع الأعضاء المحترمين في لجنتكم. أبدأ بالقول إني أحمد ال?لبي, رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد. أنا كممثل منتخب من الشعب العراقي, فخور بالتكلم معكم باسمهم...." (المقصود هنا باسمه, أي باسم الشعب ك. حبيب). (راجع: ملحق جريدة المؤتمر العدد 220/16 جمادي الثاني 1419, الأربعاء 7 تشرين الأول 1998/المؤتمر الوطني العراقي الموحد حيث نشر نص الخطاب).
إن ما يهمني الإشارة إليه هنا هو قول ال?لبي: أنا كممثل منتخب من الشعب العراقي.., وهي إشكالية كبيرة بالنسبة لي, إذ أنها اسجل كذبة مرفوضة ومكشوفة ومضحكة في آن واحد, وخاصة أما نواب أمريكيين يعرفون ال?لبي جيداً. وجدير بالإشارة أن شخصين أدعيا تمثيل الشعب العراقي بهذه الطريقة, أحدهما كان في السلطة, هو الدكتاتور صدام حسين, والثاني هو الدكتور أحمد ال?لبي, الذي كان في صف المعارضة, وكلاهما لم يكن صادقاً في هذا الادعاء.
الدكتور ال?لبي يمثل تياراً برجوازياً محافظاً وفكراً لبرالياً جديداً وعلمانياً في الموقف من الدين والدولة. ويعبر في جوهر نشاطه عن المصالح المباشرة للبرجوازية التجارية والمالية العراقية وفئات كبار الملاكين, وهو نفس الموقع الذي كان فيه والده أثناء العهد الملكي ولم يتزحزح عنه قيد أنملة, رغم أنه كان صبياً حين أطيح بالنظام الذي شكل والده جزء منه, النظام الملكي الإقطاعي الرجعي.
ولا شك في أن الدكتور ال?لبي قد بذل جهوداً كثيفة وحثيثة ودءوبة حقاً من أجل إقناع الولايات المتحدة بشن الحرب وقدم لهم جملة من المعطيات والمعلومات المتنوعة عن العراق والنظام العراقي والشعب العراقي وعن أسلحة الدمار الشامل في العراق, وكان ضمن هذه المعلومات ما هو صحيح ودقيق, وما هو غث وغير سليم وموظب وفق الحاجة, وجاءت تلك الجهود منسجمة مع الوجهة التي كانت تعمل من أجلها إدارة بوش الابن. وقد تحقق الهدف بإسقاط نظام الاستبداد والقهر والعبودية في بغداد, وتنفس الشعب الصعداء. ولعب الدكتور أحمد ال?لبي دوراً مهماً في ذلك.
وكان الدكتور أحمد ال?لبي من أوائل من وصل مع مجموعة من أتباعه ومسلحيه على العراق عبر الكويت مرافقاً للقوات الأمريكية والبريطانية ونزل الناصرية واحتفل فيها. كان الأمل يداعب ال?لبي بتحقيق المهمات الجوهرية التالية بعد سقوط نظام بغداد:
- التعاون الكامل والمديد مع الولايات المتحدة الأمريكية ودعوتها للبقاء عدة سنوات في العراق لضمان التطور السلمي والديمقراطي للبلاد, إضافة إلى عقد الاتفاقيات الضرورية بهذا الصدد. ويمكن العودة إلى خطابات وتصريحات ال?لبي في الفترة التي سبقت سقوط النظام, وهي كثيرة وخاصة يجدها المتتبع في جريدة المؤتمر.
- تَسلم قيادة السلطة في العراق ومركز اتخاذ القرارات في بغداد, أي تشكيل حكومة عراقية برئاسته.
- الرغبة في الهيمنة الفعلية على النشاط الاقتصادي والتعاون المباشر مع الولايات المتحدة في موضوع النفط الخام والتجارة الخارجية والبنوك وشركات التأمين ... الخ.
- استعادة الأراضي الواسعة التي كانت في حوزة والده قبل سقوط النظام الملكي وكذلك استعادة العقارات ومكانة العائلة في الدولة العراقية.
- العمل من أجل توسيع قاعدة حزبه السياسي المدعوم بقوة من وزارة الدفاع الأمريكية وأجزاء مهمة من الحزب الجمهوري وبعض مؤسسات البحث العلمي التابعة لهما في الولايات المتحدة.
- الانتقام من كل الذين تسببوا في الإساءة لعائلته ونظام الحكم الملكي بصورة تدريجية, ولكن بشكل خاص من قوى حزب البعث مرحلياً ودون تمييز بين مواقع هؤلاء البعثيين, إذ كان يعتقد, وهو صحيح, بأن نهج إدارة بوش الابن لا يمانع من العمل مع قوى صدام حسين ما دامت توفر للولايات المتحدة إمكانية البقاء في العراق طويلاً. ولهذا كان يسعى إلى اجتثاثهم, وهي كلمة غريبة تعبر عن حقد دفين وعقلية قاسية ووضع نفسي معقد.
ومنذ اليوم الأول من دخوله العراق استولى على أكبر وأضخم وأفضل البنايات وحولها إلى مكاتب له ولحزبه ولأتباعه, كما استولى علي بيوت كثيرة, وربما استعاد بيوت عائلته, على خلاف الآخرين الذين لم تتزحزح هذه القضية قد أنملة. كان ال?لبي يسعى إلى تعزيز مواقعه في العراق. ولكن كان هناك عائقان, وهما:
1. أن الولايات المتحدة لها أهداف غير أهداف وأجندة الدكتور ال?لبي في العراق, وبالتالي لم يرغبا بنقل السلطة إلى العراقيين, بل تبني الموقف الألماني إلى حين معالجة القضية.
2. له منافسون أقوياء يستندون على مواقع مهمة في مراكز القوة الأمريكية, في وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية و البيت الأبيض.
ومن هنا بدأت الصراعات بينه وبين الولايات المتحدة وبينه وبين منافسيه العراقيين. ولاحظت الإدارة الأمريكية أن ال?لبي لم يكن له أي رصيد شعبي وسمعة سياسية طيبة في صفوف الشعب العراقي ولم ينجح في تكوين تيار قوي وقاعدة اجتماعية وسياسية لحزبه. كما كانت تلاحقه تهمة اختلاس بنك أنترا في الأردن وحكم بالسجن مدته 20 عاماً لم ينفذ بسبب هروبه من الأردن.
وجد ال?لبي نفسه معزولاً نسبياً وعاجزاً عن إنجاز المهمات التي يسعى إليها ووضع تدريجاً في زاوية حادة لم يتعود عليها ولا يرتضيها لنفسه. ووجدت الولايات المتحدة عقبات وعثرات كبيرة في العراق على خلاف ما صورها لها الدكتور ال?لبي بأمل إقناع الحكومة الأمريكية بشن الحرب, وأبرزها: وجود أسلحة وبرامج لإنتاج الأسلحة النووية والجرثومية والكيماوية في العراق, والتي لم يعثر عليها حتى الآن, إدعائه بأن النصر سيكون سهلاً ودون خسائر تذكر, وأن الشعب العراقي سيهلل دوماً لهم لإنقاذهم من صدام حسين, ولم ينبههم إلى واقع المجتمع العراقي ومشكلاته وازدواج شخصية الفرد فيه, ثم أبعاد وعواقب الحرب على النظام العراقي, وبالتالي لم يتخذوا الإجراءات الكفيلة لمواجهة تداعيات الحرب ...الخ., واكتشف الأمريكيون أن الدكتور ال?لبي لا قاعدة اجتماعية أو سياسية له ولحزبه في العراق, مما توفرت لديهم القناعة بان العمل مع منافسيه أفضل لهم بكثير من العمل معه, إضافة إلى بروز علاقات جديدة له مع إيران, كما أذاعت وسائل الإعلام الأمريكية. إن الولايات المتحدة لا تعرف الصداقة, بل تعرف المصلحة وتريد خدمة مصالحها ومستعدة أن تخذل كل شخص عندما يصطدم بمصالحها. لست مقتنعاً مما يشار عن تسريب معلومات إلى إيران حول الوجود الأمريكي في العراق أو حول مخططات الولايات المتحدة لاحقاً إزاء إيران, ولكني لا أملك ما ينفيه أو يؤكده سوى أقوال الصحف والاتهامات التي لا تنقطع.
وفي هذه الفترة الحرجة, وحيث بدأت المعارك مع قوى جيش المهدي في الهر الرابع من هذا العام 2004, قرر ال?لبي اتخاذ مواقف جديدة بشأن الوضع السياسي في العراق وارتبط بحلفاء جدد وغير دفة السفينة بمقدار 180 درجة. وكان هذا يعني ما يلي:
1. التحول من الخط العلماني إلى الخط الديني ليس بسبب إيمانه بهذا الخط بل بسبب ارتباطه بالمصالح التي يتبناها ويسعى إلى تحقيقها واستناداً إلى مبدأ "الغاية تبرر الواسطة".
2. تبنى مواقف البيت الشيعي الذي بادر إلى تشكيله بهدف كسب مقتدى الصدر إلى هذا البيت واحتواء مواقفه وتياره الفكري والسياسي ومعالجة مشكلة مقتدى الصدر سلمياً, ولكنه بذلك أجل حسم المعركة معه إلى فترة لاحقة, وهو ما نعيشه اليوم في النجف وبعض مدن الوسط والجنوب. وكان يسعى إلى استخدام هذا البيت الشيعي لتعزيز مواقعه وممارسة الضغط على مجلس الحكم وعلى القضايا التي كانت موضع حوار, ومنها قانون الإدارة المؤقتة حيث كان يراد منح الكرد حق الاعتراض على الدستور الدائم أو الانتخابات في حالة عدم إقرار حق الشعب الكردي في غقامة الفيدرالية الكردستانية وكذلك حق كل ثلاث محافظات في الاعتراض على ما يقرر إن كان منافياً لحقوق تلك المحافظات مثلاً. إلا أن ال?لبي انتقل تدريجاً إلى مواقف ومواقع مقتدى الصدر بسبب قناعة تبلورت لديه مفادها أن منافسيه قد تغلبوا عليه في التحالف مع الولايات المتحدة وفي قيادة العراق, وأن عليه أن يمارس أسلوب الضغط لتحسين مواقعه في الدولة العراقية القادمة.
3. بدأ ال?لبي يطرح موضوع المحرومين والفقراء من الناس في العراق الذين يرتبطون بتيار مقتدى الصدر ولا معين لهم غيره, إذ أن الحكومة لم تفعل لهم شيئاً, علماً بأن مواقعه الفكرية والطبقية بعيدة كل البعد عما بدأ ينادي به, وهي نداءات غير أصيلة بأي حال من الأحوال, بل ذات طبيعة انتهازية محضة, ولا تجسد مضمون شخصيته.
4. وراح يهدد بفضح أسرار العمل مع الولايات المتحدة والقضايا المالية التي التهمتها عبر تصدير النفط الخام دون رقيب أو حسيب. لا شك في أن لديه مثل هذه المعلومات, وأن السرقة قد حصلت فعلاً وما تزال مستمرة, وأشك في أنه لم يكن جزء منها. والسؤال لماذا لم يطرحها من قبل أثناء حصول السرقة؟ ولدي القناعة, بسبب العمل الطويل الأمد للدكتور أحمد الجلبي مع رئيسين أمريكيين في ثلاث دورات رئاسية, بأن الولايات المتحدة تملك من المعلومات عن الدكتور ال?لبي التي يمكن فضحها أكثر بكثير مما يمتلك ال?لبي عن رسقات ونهب الولايات المتحدة ومختلف الشركات الأمريكية العاملة في العراق.
5. وبدلاً من الطلب من الحكومة الإيرانية أن تعمل على منع القوى المحافظة والمتشددة من التدخل الفظ في شئون العراق الداخلية اثناء وجوده في إيران, بدأ يدافع عن إيران بشكل غير معقول دون أن يميز بين الحكومة التي يقف على رأسها الإصلاحي السيد محمد خاتمي, وبين القوى المحافظة التي يهمها جداً التدخل المستمر في العراق لحرمان العراق من الديمقراطية والفيدرالية والاستقرار والتقدم الاجتماعي, وهي تتدخل فعلاً بفظاظة.
لا أميل إلى خلط الأوراق كلها وبطريقة مؤذية لا تخدم العراق في المرحلة الراهنة, فليس كل أعضاء المؤتمر الوطني يسيرون بالاتجاه الذي يدعو إليه الدكتور ال?لبي حالياً, والتمييز مناسب جداً رغم تأثيره الكبير على الجماعة التي تعمل معه لأسباب لسنا بمعرض الحديث عنها. وليس صحيحاً أن نوجه السهام للنمر الجريح دفعة واحدة, شريطة أن يدرك المواقع الجديدة التي ينزلق إليها في الوقت الحاضر. ولكن ما هو ثابت لي أن هناك ميلاً متفاقماً لدى الدكتور ال?لبي صوب التعاون والتحالف مع مقتدى الصدر والتيار السياسي الشيعي المتطرف الذي يمثله, وهذا الميل ناشئ عن أربع حقائق لا بد من التوقف عندها, وأعني بها:
1. لم يصبح رئيساً للوزراء ولا رئيساً للدولة ولا وزيراً ولم يعد قادراً على تمشية أموره كما في السابق.
2. قطع المخصصات الأمريكية السنوية التي كانت تدفع له مما أصبح من المستحيل تغذية حزبه وتمشية أعماله والعاملين معه, وهي مبالغ شهرية طائلة لا يستطيع ولا يريد أن يدفعها من ثروته الخاصة.
3. وأنه يسعى على إيجاد رب نعمة جديد يستطيع تحمل مسئولية العبء الملقى سياسياً على عاتقه لاستمرار وجود حزبه وعمله في العراق.
4. وفر له وجوده مع مقتدى الصدر نفوذا في تلك الأوساط وتأثيراً ملموساً, وهو ما كان يبحث عنه باستمرار, فهو لم يعد قادراً على العيش بعيداً عن الأتباع الذين يحيطون به ويسبحون بحمده. كما يمكن أن يترأس تدرجاً تحالفاً سياسياً مشتركاً يتكون من حزبه وتيار الصدر ومجموعة أخرى من القوى الإسلامية السياسية الشيعية التي يمكنها أن تشكل قوة مساومة تحقق من خلالها مصالحها في العراق.
لا أعتقد بأن دور الدكتور أحمد ال?لبي قد انتهى, ولكنه أصيب بنكسة كبيرة, وأكبر تلك النكسات التي حلت به هي التحاقه بركب وتيار مقتدى الصدر المتطرف الذي لا مستقبل له في العراق الجديد, رغم الضجيج الذي يمارسه أتباعه. إذ أنه يرتكب خطيئة كبرى بزجه أناساً أبرياء وبسطاء إلى حمامات الدم.
12/08/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟