|
البضاعة والعلبة
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 923 - 2004 / 8 / 12 - 09:12
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
رويت لأحد أصدقائي وهو من كوادر" المعارضة "المستمرين في النضال في صفوفها ولنقل في فلولها توخيا للدقة ،النادرة الآتية : الحاج صادق أبو الذهب تاجر كبير يذهب إلى الحج كل عام ،جاءه تاجر صغير يطالبه بالمليون ليرة التي كان أقرضه إياها قبل آخر حجة لكن الحاج صادق أنكر قائلا: هات شهودك ، فقال الآخر : هنا في هذا الدكان بحضور أولادك الأربعة ، فنادى الحاج ولده الأول : ياحاج محمد فجاء الحاج محمد الابن الأكبر وأنكر الدين ،فنادى ابنه الثاني ياحاج علي وأيضا أنكر ، فنادى ابنه الثالث ياحاج ابراهيم وأيضا فعل كأخويه الحاجين محمد وعلي ، ولم يبق إلا أحمد وهو شاب صغير فناداه فقال الولد :نعم ياأبي كلام الرجل صحيح وأنا بنفسي استلمت المبلغ أمامك ووضعته في الخزنة بناء على أوامرك ، فارعد الأب الحاج صادق وقال : ولاك .. السنة هذه بتروح بتحج . ضحك صديقي حتى بانت الأسنان الصفراء كجرائدنا القديمة وبرزت الأوداج ، وهو يقول: حلوة ، حلوة . أكملت : هذه نكتة ، ولكن إليك هذه الواقعة :فلان الفلاني تعرفه جيدا ، وهنا عدل صديق جلسته [ فللاسم طنة ورنة في عالم الفكر والثقافة والنضال في جميع اتجاهاته القومية والديمقراطية والاشتراكية بل حتى أنه يقرض الشعرالمنظوم ويسخر من بعض رواد الشعر الحديث ] وقال متلهفا : إني أصغي . قلت : تعلم أن صاحبنا منذ عدة سنوات يعيش من مساعدات الآخرين من مريدين وتلاميذ ومعجبين بحكم إيقافه عن العمل ، ولكنك لا تعلم أنه يملك ثروة تتجاوز عشرات الملايين . صديقي المستمر في المسيرة ، فغر فمه ثم لم يصدق ، ثم صدق ، ثم لم يعلق ، ثم علق ،ولكن بعبارات تحتاج الى موهبة شامبليون لحل ألغازها ، ففيها كل شيء من الاستنكار إلى الاستغرا ب إلى الاستشراق إلى التبرير إلى الدفاع إلى الهجوم إلى أن تشردقت أنا نفسي عنه، ولم آخذ منه حقا و لا باطلا تماما كما يحدث لي عندما أقرأ بيانا من تلك البيانات التي تعد بعراق حر على يد مقتدى الصدر والزرقاوي وأمثالهما . أذكر هذه الحادثة الحية لأ عرب بصراحة تامة عن تأييدي لما كتبه صديقي حسين عجيب ولأضيف بأن القصة أبعد وأعمق وأشمل من قصة ازدواج معايير ، وحتى من ازدواج قيم ومبادىء وأن القضية قضية رؤية وذهنية مشدودتين الى الوراء بحبال غليظة مصنوعة من وبر الإبل ومثبتتين بأوتاد تنزل عميقا في أرض كتيمة شوتها شمس الدولة /العقيدة الشمولية التي وفق آلية بالغة الصرامة تشل التفكير والنقد باستخدامها الثقة والإيمان كشرطيين داخليين يقفان على كتفي الضمير فيقوداه كالأعمى أي بالحسنى كما يقال وهذه وظيفة العقيدة وكهنتها وبقية مفاعيلها ، أي الطقوس والتعاليم ومفرزات الوعي الزائف وإلا فبالجلد وقطع اللسان وغيرهما من وظائف ومهام الدولة الإستبدادية و أدواتها المادية و أجهزتها أي بالخشنى وهكذا تكتمل أركان الاستبداد وتتوطد ماديا و إيديولوجيا وسيكولوجيا و ينتفي النقد ويغدو التفكير زندقة و التأمل كفرا و الالمام بالثقلفات الأجنبية شعوبية و الإبداع مروقا وانحرافا و تحريفية يمينية أويسارية طفولية أو ردة أو انهزامية.......إلخ من القاموس الديني القومي الشيوعي ، حيث تنطبع ووتتأثر هذه التيارات بالضرورة وإلى حد بعيد بالسيطرة الشمولية مع اختلافات شكلية وفي هوامش ضيقة ومقتصرة على الجزئيات [انظر باب الانحرافات عند كل على حدة ] ، وبالطبع يترتب على كل تهمة عقوبة تقررها محاكم التفتيش المختصة في المجموعة المعينة [ أنظر باب العقوبات مع العلم أن معظم العقوبات وغير العقوبات سرية أو باطنية ولدى الجميع بوتائر متباينة ] . إني بوضوح تام لاأميز من حيث الجوهر بين هذه " البنى " الفكرية بل الإيديولوجية: دينية~قومية~شيوعية لأنها بضاعة واحدة في علب مختلفة الألوان والأسماء يسوٌقها وتسوقهم ويعيدون صياغتها وتصوغهم بشر هم بدورهم نتاج بنية لها سيرورة واحدة . إني أتحدث عن كتل ، تجاوزا أدعوها بنى [وليس عن أفراد واستثناءات ] ثقافية تترجم ذاتها في بنى تنظيمية هرمية تراتبية بيرو أو أوتو قراطية من العشيرة إلى الطائفة والحزب و اختلافاتها عن بعضها بعض هو نمط وحدتها في بنية واحدة ، هذه البنية كلها اهترأت وأصبحت غريبة عن العصر وبانتظار التغيير الشامل أو باللغة الماشية هذه الأيام :الإصلاحات ولكنها لن تكون حقيقية إلا إذا كانت إصلاحات الفأرة /الماوس/الكومبيوترية التي تواجه سدا هائلا ذا طاقة جبارة يقوم على و بتخزين كل هذا الفساد العقلي والروحاني وتسليمه من جيل إلى أجيال . إن ازدواجية المعايير ، وحتى القيم والمبادىء هو أحد مظاهر الإغتراب والإنفصام الكثيرة وربما اللامنتهية [ وأحيانا يكون إبداعيا أو عن خبث ودهاء وفي كل هذا يكون التفكير حاضرا ولكن على المستوى الفردي أو في أضيق نطاق ] و هكذا يغدو ازدواج المعايير حتى في أسوا أشكاله أمرا هينا بالقياس إلى الثقة العمياء [وكأن هناك ثقة مبصرة ] المشلة للتفكير والمحاكمة العقلية والتي تجعل الإنسان في خدمة الأشياء /الأفكار /....الخ وليس العكس . إن ازدواجية المعايير وسواها من المظاهر المرضية حالة لطيفة تكاد تكون صحية إزاء الوباء الشمولي الذي يولدها وسواها فماذا يشكل الزكام أمام فقدان المناعة المكتسبة ؟
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا سوري يا نّيالي!
-
شفقة الأيام الخالية
-
زوابع
-
وجه آخر لثقافة الموت
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|