أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - فكر و وجود














المزيد.....

فكر و وجود


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 3033 - 2010 / 6 / 13 - 05:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فكر و وجود

لا أفكر على نحو عميق وفعّال إلا إذا كنت في موقف وجودي صعب؛ عندما أكون في وضع مريح لا أفكر البتة- فيما ذا أفكر؟! فعالية الفكر لا تنفصل عن البعد الدرامي للوجود؛ فبقدر ما تنطوي عليه كينونة المرء من التوترات والتقلبات، بقدر ما يكون فكره عميقا ورؤاه متسعة. لا شيء يطمس مَلَكَة الفكر مثل الإحساس الدائم بالأمان و الإستقرار؛ لذلك فكل مفكر حقيقي غالبا ما يسيطر عليه الإحساس بالغربة والتيه؛ وهذا ما يدفعه إلى مغادرة وهم الوطن، ويجعل منه رحالة يطوف في مختلف الأصعدة الفكرية و الفضاءات الميتافيزيقية.
عندما يحس المرء بأنه كائن منفي، بالمعنيين الحرفي و الأونطولوجي للكلمة، أو بأنه قد تم اجتثاثه من بيئة أصلية، يرغمه ذلك على طرح سؤال الأصل وسؤال المصير؛ وبهذين السؤالين تكون بداية الأنساق الفلسفية الكبرى. لا يوجد مفكر واحد أنشأ نظرية فلسفية قيِّمة بدون أن يكون قد فقد شيئا ما في حياته؛ ثمة دائما كارثة ما وراء كل مفكر كبير . ولهذا السبب، لا يمكن أن نتصور فيلسوفا من عيار بسكال بدون تجربة المرض، أو مفكرا مثل سيوران بدون محنة الأرق- إنّ فقدان الوطن هو الذي يصنع الأرواح العظيمة، سواء كان هذا الوطن فضاء جغرافيا أم رمزيا.
كل شخص يحبس نفسه في نسق ديني معين لا يمكنه أبدا أن يفكر على نحو عميق وأصيل؛ وكيف له أن يفكر على هذا النحو إذا كان يعتقد بأنه يوجد جواب لكل سؤال بين دفتي مصحف ما ؟ ! وما حاجة المرء، أصلا، إلى ممارسة التفكير إذا كان هناك كائن علوي يمكن رفع كل المسائل إليه؟ ! إن الإنسان الذي يصلي أو يرتل الكلمة المقدسة لا يقوم بأدنى مجهود فكري؛ إنه لا يبحث عن أي شيء؛ فكل ما يقوم به هو انعكاس لشعوره بالوحدة والعجز في عالم صعب، أو لشعوره بعقدة الدونية أمام إله افتراضي. ومن هنا فالدين في أساسه نسق من اجل البحث عن العزاء والمواساة، وليس نسقا من اجل البحث عن الحقيقة.
فكرة الله هي الأطروحة المضادة للفلسفة؛ إنها تضع حدا لكل أشكال الشك الفكري والقلق الوجودي. والانخراط في كل نشاط تعبدي أو تبجيلي يعني ضمنيا تعطيل كل ملكاتنا الفكرية والتأملية. لم يلجأ الإغريق إلى الفلسفة كنمط في التفكير والتأمل إلا عندما تبين لهم بأن آلهة الأولمب لم تعد تقدم أجوبة مقنعة عن الأسئلة التي يطرحها الوجود. وفي الحقيقة، كل أكاديمية تقام هي إعلان عن انهيار معبد ما.
كل مفكر حقيقي هو إنسان منفصل؛ ذلك أن المرء لا يمكن أن ينفذ إلى أعماق الأشياء إلا إذا باشرها بنوع من الحياد والتجرد. شخصيا، لم التق إلا بعدد قليل من الأفراد الذين يتناولون العالم على هذا الكيف؛ فأغلب الناس يمتلكون أجوبة جاهزة عن الأسئلة التي يمكن أن تطرح عليهم. عندما تسأل أحدهم عن رأيه في قضية من القضايا، يجيبك بجواب فيه الكثير من الانحياز والأنانية؛ كل ملاحظاته بخصوص ما يجري حوله تتأسس إما على أحكام مسبقة، أو انتماء جغرافي، أو تاريخ سيكولوجي شخصي. إنه يمتلك خلفية أيديولوجية، وهذا لوحده كاف ليقف كعائق معرفي بينه وبين الكائن. وبهذا فالمفكر ، الجدير بهذا الاسم، هو إنسان لامُنتم، مهووس بتفكيك الأخطاء الراسخة، وزحزحة العقائد الجامدة، وفضح الخطابات بما تتستر عليه من المفارقات والتناقضات.
رغم كل الإمكانيات التي تنطوي عليها مَلَكَة الفكر، إلا أنها ليست حلا لكبرى قضايا الوجود؛ فالفكر يمكن أن يكون أداة فعالة في المجال العملي، لكنه ليس بذلك المفيد الكبير في مجال العلاقات الإنسانية. من وجهة نظر علمية، نحن نعرف أكثر من القدماء؛ فالمسيح، مثلا، سيبدو مجرد شخص أمي إذا ما وضعناه إلى جانب رجل كإنشتاين؛ لكن ملاحظات الأول بخصوص واجب الإنسان تجاه الإنسان تسبق علومنا الوضعية بسنوات ضوئية. ولو كان الفكر حلا لكل شيء لكان الغرب، الآن، هو الجنة ولكان الفلاسفة أسعد الناس.إذن، ليست الأفكار والمعارف ما ينقذ الإنسان، بل قدرته على الحب والرحمة والتعاطف. فيما يخصني، يمكن أن أقول بأن كل العقبات وأشكال الجحيم التي اجتزتها لم يكن لي من معين فيها لا تكويني الفلسفي ولا حتى ثقافتي العلمية، بل فقط ما كنت أتمتع به من برودة أعصاب ورباطة جأش.
في واقع الأمر، كان على الإنسانية أن تراهن في توجهاتها الحضارية المختلفة على قدرات القلب أكثر منه على إمكانيات العقل؛ فالحقل الرؤيوي للقلب أوسع بكثير من الحقل الرؤيوي للعقل- الأول حِلْم واحتضان وعطاء، بينما الثاني أنانية وحساب بارد وقياس لا يرحم.


ابراهيم هيبة (مراكش/المغرب)



#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدح الصمت
- سيميولوجيا الحجاب
- الإتجاه المعاكس
- بعيداً عن القطيع
- السيف و اليقين
- لماذا الله؟
- داء النبوة
- الأونطولوجيا الطبيعية


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - فكر و وجود