أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - على عجيل منهل - رجال السماء من القوة الجوية العراقية - النقيب شاكر محمود يوسف والملازم الأول حامد الضاحي والنقيب منير روفا- القسم الثامن















المزيد.....



رجال السماء من القوة الجوية العراقية - النقيب شاكر محمود يوسف والملازم الأول حامد الضاحي والنقيب منير روفا- القسم الثامن


على عجيل منهل

الحوار المتمدن-العدد: 3032 - 2010 / 6 / 12 - 20:30
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


لقد أعتبرت عملية 007 من أخطر العمليات التي أضرت سمعة القوة الجوية العراقية منذ تأريخ تأسيسها وخسرت أثنين من رجالها وهرب الثالث بصيده الثمين .
تبدأ "أعنف عملية 007 تآمر جاسوسي"، بقيام السفير الأميركي بأقناع الحكومة العراقية –وقتئذ- بإرسال طياريها للتدريب على التقنية الأميركية المتطورّة في الولايات المتحدة، بدلاً من الاتحاد السوفييتي. كان هذا المقترح جزءاً من الاتفاق المبرم بين الموساد، والـ CIA لاقتياد مجموعة من الطيارين الى "بيت الذئب" أي الولايات المتحدة. وهناك وصل عدد من الطيارين الى قاعدة جوية في ولاية "تكساس" عندما بدأ دور الموساد في ممارسة اللعبة التي تجيدها "الجنس". وأخذت تعزف على أوتار "الحرمان في المجتمع الشرقي" لتكلف أجمل الفاتنات اليهوديات بنسج قصص الإغراء والغرام والجنس، سبقتها قراءة مستوفية لملف كل شخصية من الشخصيات الثلاث التي استقرّ عليها رأي قيادة الموساد. وانحصر التركيز على "النقيب شاكر محمود يوسف" و"الملازم الأول حامد ضاحي" و"النقيب منير روفا"..اختاروا بذلك "صياد نساء مغامرا" وشاباً "متديّناً" و"مسيحياً" لأنهم يعتقدون أن من السهل دغدغة "مشاعر حساسة" لدى فرد من أفراد الأقليات العراقية أو العربية. وكانت حيرتهم كبيرة مع الطيار العراقي "صياد النساء" الذي استباح جسد أخطر فاتنة يهودية "كروثر هلكر" من دون أنْ يقع في "مصيدة العسل"..ونجد تفاصيل قصة كل طيار من الطيارين العراقيين الثلاثة، لاسيما أن "منير روفا" الذي كان –قبل وقوعه في الخيانة- ملازماً لقاعدته الجوية التي يتدرّب فيها بتكساس، ولا يبرحها إلا بمعية قائد مجموعته. المهم دارت "دائرة الشياطين" على الثلاثة. أن رئيس الـ C.I.A.، جون ميكون،زف لنظيره عاميت، قرب وصول الطيارين العراقيين في 18 شباط1965.. ، ، أن خطوات العملية 007،تقوم بعد وصول الطيارون العراقيون إلى أميركا بالفعل، يحيط بهم سياج من الأمن العراقي، المستتر في هيئة طباخين وإداريين طار عاميت الى تل أبيب، يحمل صورة فوتوغرافية لكل طيار عراقي من أعضاء البعثة، وملفاً متكاملاً عن كل واحد منهم، فيختصر بذلك مساحة واسعة من الوقت في البحث والدراسة والتحليل.وفي واحدة من أشرس المعارك السرية التي خاضها عاميت، عزم على اللعب بكل الأوتار، والسبل، وما كان يملك من هذا ولا ذاك سوى لعبة واحدة.. أجادت الموساد استخدامها وكانت نتائجها مدهشة. إنها لعبة الجنس، فلا شيء سواها يلين لها الحديد وينصهر، فنساء الموساد الفاتنات في انتظار إشارة البدء، بعدها يطبقن نظريات الإثارة التي أجدنها، واحترفنها بمهارة تفوق الوصف، وكان المطلوب أولاً مراقبة الطيارين العراقيين في أميركا، وملاحظة سلوكهم، واختيار اثنين منهم فقط يتم التركيز عليهما، والدفع بصواريخ بشرية تفجر فيهما المقاومة، والإرادة، وتنزع منهما جذور خلايا العقل والرشاد.
وبعد دراسات تحليلية ساعد على بنائها خبراء متخصصون، نتيجة مراقبات دقيقة للطيارين العراقيين، استقر الرأي حول ثلاثة منهم، هم:
• النقيب طيار شاكر محمود يوسف . .
وكان مغامراً، ينتهز إجازاته لتصيد الفتيات في أماكن اللهو، ويعشق الجنس الى حد الإدمان، بالرغم من زواجه في بغداد. لهذا السبب وقع الاختيار عليه، لكونه صيداً سهل امتلاكه.
• الملازم الأول طيار حامد ضاحي. .
وكان متديناً خجولاً لا يصاحب الفتيات. .ولا يقيم علاقات جنسية . .لكنه لم يكن انطوائياً منعزلاً.. بل كان يرتاد البارات ونوادي الليل وإن كان لا يشرب الخمر. وقع الاختيار عليه أيضاً لأنه يفتقد الى الخبرة في العلاقات الخاصة، ويسهل تطويعه بواسطة فتاة رومانسية حالمة.
• النقيب طيار منير روفا. .
وهو الطيار الوحيد المسيحي بين الطيارين العراقيين وهو من أقرباء طارق عزيز وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء السابق في عهد صدام حسين ، وكان على رأس القائمة في بداية الفرز الأولى، بسبب سهولة استغلال لعبة العقائد والأقليات في عالم الجاسوسية. . لكن لوحظ انكماشه الملفت وملازمته للقاعدة الجوية حتى أنه لا يغادرها في إجازاته الأسبوعية، والتصاقه الدائم بقائد البعثة لكي يحظى بتقرير ممتاز في السلوك، مما يمنحه فرصاً أكبر مستقبلاً في الميزات والترقي.
وظل منير روفا المطلوب رقم واحد لوقت طويل، لكن لما فشلت تقريباً كل الفرص المتاحة كي يتحرر روفا بعض الشيء، أو يبتعد عن الرقابة المفرطة التي تحاصره، استبعد من القائمة، وانحصر الاختيار في النهاية على زميليه شاكر وحامد.. وكان أيضاً – كروفا – من طياري الميغ 21، حيث يسعى شاكر للحصول على دورة قائد تشكيل، ويتدرب حامد لزيادة كفاءته كقائد طائرة حربية نفاثة.


ولد شاكر محمود يوسف سنة 1936، لأسرة ثرية في محلة جديد حسن باشا بضواحي بغداد، وبعد حصوله على الثانوية العامة اتجهت رغبته الى العسكرية، فالتحق بأحد المعاهدة العسكرية، وسافر الى موسكو للدراسة بالكلية الجوية عام 1954. . وفي إحدى القواعد الجوية بكييف تعلم شاكر قيادة الطائرة السوخوي ، وتفوق في استخدام الارتفاعات المنخفضة في تنفيذ الهجمات الجوية، وطرق اعتراض الأهداف والتعامل معها، وتكتيكات المعركة الجوية. تفوق أيضاً، وهو الذي أجاد التحدث باللغة الروسية، ملاطفة الفتيات ومصادقة عدد كبير منهن، وانجذبن كلهن اليه لوسامته كشاب شرقي، يجيد التحدث بلغتهن، وإضفاء جو المرح بكل مكان يرتاده معهن، أما رجولته فكانت إحدى أهم ميزاته في رأيهن. لذلك تسابقن اليه وتنافسن في حبه، واستخدمن دلال الأنثى ونعومتها في الاستئثار به، لكنه كان يشبه النحلة الى حد كبير، إذ كان يقطف من كل زهرة منهن الرحيق، ويبحث عن ثانية واثقاً أنه سيجدها بلا مشقة.
وهكذا كانت سنوات دراسته في روسيا، تفوق لا يقبل الشك، سواء في علوم الطيران والملاحة الجوية، أو فنون جذب الإناث والإيقاع بهن. وبعدما تخرج شاكر يوسف بدرجة ملازم طيار، رجع الى العراق وانخرط في العمل بإحدى القواعد الجوية جنوبي بغداد. ورقي الى رتبة ملازم أول بعد أقل من عامين، نظراً لكفاءته العالية في التعامل مع السوخوي.
وبحلول شباط عام 1959، خطبت له الأسرة فتاة رائعة الجمال من الموصل تقيم أسرتها ببغداد، وكانت فتاة وديعة حنون مهذبة، وجد فيها صفات مغايرة، جعلته يشعر براحة نفسية تجاهها منذ اللقاء العائلي الأول، ويتعجل اليوم الذي يجمعهما معاً بيت واحد، وحياة أسرية جديدة.
ومع الربيع زفت اليه، وعاش مع عروسه بشقته بحي الكاظمية الراقي، لكنه كان بالرغم من ذلك صياداً ماهراً يهوى القنص، ولا يكل من مطاردة الحسان في شوارع بغداد ومنتدياتها، والإيقاع بهن بسهولة، وقد انبهرن ببزته العسكرية الأنيقة، وشارة الطيران ذات البريق الملفت على صدره.
وللمرة الثانية أوفد الى موسكو في تشرين الاول 1960، في بعثة مدتها أربعة أشهر لنيل دورة تدريبية متخصصة، في العمليات القتالية على ارتفاعات عالية جداً، وفي موسكو هذه المرة أيضاً مارس شاكر هوايته، وأقام علاقات نسائية متعددة، معتمداً على راتبه الضخم ومكافآته المجزية التي كان يتحصل عليها كطيار متفوق.
لقد أخطأت كثيراً الحكومة العراقية عندما أوفدت طياريها الى أميركا، وهي تعلم بأنها المؤيدة لسياسات إسرائيل في المنطقة العربية، لكن العملية برمتها كانت من تخطيط المخابرات المركزية الأميركية، عندما عكف الملحق العسكري الأميركي في بغداد، على إقناع العسكريين العراقيين بمدى التطور الكبير، والأساليب الحديثة في تدريب الطيارين ورفع مستوى مهاراتهم القتالية.
ففي الوقت الذي استقر فيه التركيز على شاكر يوسف وحامد الضاحي، وضعت الموساد أمام الـ C.I.A. كافة التقارير التي وصلتها عن النقيب شاكر، من خلال عميلها في العراق (عزرا ناجي زلخا) وزوجته (روان)، تلك التقارير الهامة التي تُشرّح أعماق الطيار العراقي ونزقه، حيث أفاد عزرا بأن روان التقت شاكر، وحاولت خلال حفل ضمهما أن توقع به، لكنه – برغم جمالها الذي لا يقاوم – تجاهلها في البداية، ثم عاود الالتقاء بها وانقطع عنها فجأة بسبب سفره الى الدورة التدريبية بأميركا. ولما كان من السهل إحكام السيطرة عليه بأميركا، بسبب نقطة ضعفه، جيء له خصيصاً بفاتنة أميركية يهودية طاغية الأنوثة، يعجز الرجال عن مقاومة فتنتها الخيالية. إنها كروثر هلكر، التي استدعيت على وجه السرعة من فيينا، حيث تعمل لصالح المخابرات الأميركية كممرضة بالمستشفى الأميركي.
كانت هلكر في منتصف العقد الثالث من عمرها، ملفوفة القوام متوسطة الطول، ذات وجه مستدير ناصع البياض يزيده شعرها الحريري الفاحم جمالاً، وفم دقيق الشفاه، تعلوه عينان نجلاوان بريقهما يخلب العقول، ورثتهما عن أمها الإيطالية، وورثت معهما أيضاً حرارة الجنوب الإيطالي المشهور بدفء نسائه.
انخرطت هلكر في عملها المخابراتي في أوروبا وسنغافورة، وأثبتت كفاءة نادرة في المهام التي كلفت بها، فهي عميلة مدربة على أمور السيطرة بواسطة الجنس، وتجيد بمهارة استخدام "مصيدة العسل" في تطويع الخونة وسحق مقاومتهم. وكانت برغم صغر سنها، تدير دفة العمليات السرية دائماً الى النجاح الأكيد.
اطلعت العميلة الذكية على مهمتها الجديدة، ودققت كثيراً في صورة النقيب شاكر الفوتوغرافية، وتبسمت في خبث وهي تقول:
"لن يستغرق وقتاً طويلاً معي . . فنظراته – بحكم خبرتي – تؤكد ذلك".
وأرسلت الى تكساس كمشرفة على نادي الضباط بالقاعدة الجوية، وهناك التقت به، وبهرته منذ النظرة الأولى، واتبعت معه أسلوب التجاهل، فأكثر من محاولاته للفت انتباهها، فما كانت تهتم به سوى بالقدر الطبيعي في التعامل، حيث الابتسامة الرقيقة ولا شيء غير ذلك. لكن الصياد المشاغب لم يكن ليرضى بالهزيمة، فقد شغلته "الأنثى" الدفيئة، وأرهقته لهفة ورغبة. ولكي ترضي غروره أكدت له هلكر مدى نجاحه، بأن خصّته بابتسامة ندية كإطلالة الربيع، يجول بها طعم النشوة اللذيذ. من بعدها أخذت العلاقة تنمو بينهما يوماً بعد يوم، حتى استفحلت ووصلت الى قمتها في مدى زمني قصير. كانت الفرصة للإسرائيليين أكثر من رائعة، فوجود الطيارين العرب في بيت الذئب – أميركا – كان مدعاة لأن يطمئنوا، ويخططوا بهدوء للفوز باستقطاب أحدهم، اعتماداً على دراسة دقيقة تشتمل على تحليل نفسي لشخصية كل منهم "وبالأخص شاكر والضاحي" وعاداته، وتصرفاته السلوكية اليومية، وميوله، ومعتقداته، وتكوينه النفسي، وتدينه، ودرجة امتزاجه الاجتماعي بالآخرين، وعلاقاته بالزملاء، وهواياته، وقراءاته، وهواياته المفضلة. فكل تلك الأمور أخضعت بواسطة خبراء التحليل النفسي والسلوكي، وما كان ليتسنى لهم التغلغل داخل أعماقهم، إلا بمراقبات مستمرة على مدار الـ 24 ساعة.
ولأن المخابرات العراقية تعلم بكل تلك الألاعيب، فهي لا تتوانى عن "تحصين" أبنائها الطيارين الموفدين في بعثات الى الخارج، حيث تقوم بفرزهم وانتقائهم بعناية تبعاً للتقارير السرية في ملفاتهم، كي لا يقع أحدهم أمام أية خدعة، أو يضعف لابتزازات قد تؤثر على قدراته. فأجهزة الاستخبارات الأجنبية، عادة، تنظر الى أعضاء البعثات العربية، على أنهم أناس قدموا من بلاد تعاني الجوع الجنسي، وتحكمها، عادة، ظروف الدين والتقاليد والأعراف.
وفي الوقت الذي كان فيه النقيب شاكر تحت سيطرة كروثر هلكر، كانت اللعبة تدور أيضاً حول الملازم الأول حامد الضاحي، إذ قذفوا اليه بفتاة جذابة، رومانسية الملامح، عذبة التقاطيع. كان الضاحي شاباً طموحاً في مستهل السادسة والعشرين من عمره، وسيماً، هادئاً، ملتزماً، من أسرة ثرية معروفة في بغداد، أتم خطبته على ابنة عمه قبل سفره لأميركا بأيام، وتعد الأسرة عش الزوجية انتظاراً لعودته. بدأت محاولات تجنيده كالعادة، وكما هو معروف، بفتاة رقيقة التقت به كما لو أن الأمر صدفة. .وكان يومها مع بعض رفاقه يستمتعون بعطلتهم الأسبوعية، فتعارفا وهما يرقصان بشكل سريع، وأفهمته بأن والدها لبناني طلق أمها واختفت أخباره.

تعاطف معها الشاب الشرقي، وأفهمها بأنه عراقي ويستطيع مساعدتها من خلال صديق له ببيروت، في الوصول لوالدها إذا ما كان بلبنان. وبشهامة العربي طلب منها آخر عنوان لوالدها، فاعتذرت قائلة أن أمها تعرفه، وكان من الطبيعي أمام هذا الموقف، ألا ينتابه الشك عندما دعته الفتاة لزيارة بيتها خلال إجازته القادمة، حيث ستقدمه لأمها ويتعرف منها على عنوان الأب المختفي. .ووافق الضاحي على زيارتها.
كان كل شيء قد تم ترتيبه على وجه الدقة، الأم المزيفة، والفيلا الرائعة البديعة، والأجهزة الفنية المتقدمة التي ملأت الصالون، وحمام السباحة في الخلف. يومها .. حاول زملاء الضاحي أن يثنوه عن تلك الزيارة، لكنه ثار عليهم وقال لهم إنه وعدها ولا يحب أن يخلف بوعده، وعلى ذلك تركوه يذهب وحده الى "فتاته"، يسبقه حياء شاب شرقي يزور أناساً لأول مرة.
استقبلته "زينب" باهتمام وترحاب، وقادته الى الصالون فمشى وراءها في أدب، وسرح بفكره قليلاً في خطيبته "فدوى" وأجرى بلا قصد مقارنة بينها وبين مضيفته، فقد دفعه الى ذلك ما لاحظه من احتشام الفتاة، ووداعة ملاحتها الحالمة المريحة، ونظرة الحزن الخفي التي تتخلل شعاعاتها الوادعة، حسرة على الأب الذي تجهل مصيره. لحظتئذ، أحس في قرارة نفسه بالشفقة على الفتاة البائسة، حتى تمنى لو أنه يستطيع إسعادها، وإدخال البهجة الى قلبها الصغير المعذب.
لم تنس الموساد أو الـ C.I.A. أية ثغرة تافهة إلا وأغلقتها، وأوجدت لها حلاً مقنعاً لا يقبل الظن. إذ اختارت للفتاة اسماً يحبه المسلمون في الشرق، واختلقت قصة إنسانية وهمية تثير الشجن والعطف، وتخيرت للمهمة فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، تزحف أنوثتها البضّة المبكرة تحت الثياب، وتترجرج معلنة عن نفسها على استحياء، يزيدها جمالاً وجه يقتحم القلب بلا صعوبة، وينخر في أغواره. هكذا امتزجت الأنوثة بالبراءة، وارتسمت صورة مثالية لفتاة كاملة النضوج، حيّرت عقل الشاب الأغر وهزت مشاعره، وعظم تعلقه بها بعدما جلس الى الأم، فقد كانت بحق سيدة وقور تخلط إنجليزيتها بعربية ركيكة لذيذة.
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تقص عليه حكايتها، منذ البداية، فأدمعت عينا الطيار الأغر، وما كان يتصور أن يتصرف هكذا بتلقائية شديدة، عندما قام الى السيدة واحتضنها، وكان نشيجها المؤلم إفرازا لمأساة تعتصرها. .فيتشقق لها قلب الفتاة الرقيقة، وتنزلق حبات لؤلؤ من أروع عينين صادفهما. .فيمسحها بمنديله في حنان، وبداخله رغبة في احتوائها بين أحضانه، عطفاً وشفقة، بعيداً عن الأمر "الخبيث".
انفردت به السيدة "مارغريت" في الصالون الأميركي الفخم، وأسرت له بأنها قلقة بشأن ابنتها، فهي مسلمة وسط مجتمع غير مسلم، وتخشى عليها أن تقترن بشاب أجنبي، لذا فقط ألحت عليه أن يسعى لمساعدتها في التوصل الى أبيها في بيروت، لكي يتحمل مسؤوليتها قبلما تموت، وتتركها وحيدة مع أموال طائلة (لاحظ الإغراءات المنمقة) ستتركها لها.
ثم عرجت الحية الشوهاء البارعة التقمص الى ناحية ثانية، وطلبت من الطيار الشاب أن يهتم، خلال وجوده بأميركا، بابنتها، لأنها فتاة رومانسية جداً، تؤرق حياتها حكاية أبيها الذي تفتقده، ورجته ألا يصدم مشاعرها بقسوة (لاحظ أيضاً) إذا اعترفت بحبها له، ذلك لأنها تخشى على ابنتها من تجربة الفشل في الحب، خاصة إذا وقعت في حب شاب مثله ينوي العودة الى وطنه، تاركاً المسكينة تتمزق وجعاً.
وقالت أيضاً إنها – أي زينب – تحدثت عنه كثيراً منذ التقت به، وكانت تنتظر لحظة زيارته بلهفة، بما ينم عن مدى اهتمامها وتعلقها به. أقبلت زينب فجأة وكانت ترتدي البُرْنُس، وهتفت في الضاحي وأمها:
ألم يحن الوقت بعد للسباحة. . ؟ هيا لنستحم ونسبح.
دهش الضاحي وقال لها متعجباً:
تسبحين..؟ أنسيت أننا في نهاية مارس..؟.
أجابته زينب وهي تبتسم في وداعة:
أوه . . إن قاعة السباحة مُكيّفة يا عزيزي والمياه دافئة.. ألا تحب السباحة معي قبل الغداء..؟.
أحس ببعض الخجل وقال:
نعم . . نعم . . ولكن . .
وبذكاء أكملت وهي تشير باتجاه ما:
اشتريت لك مايوهاً بالأمس . . ستجده في حجرة الملابس (!!)
وعندما خرجت بالمايوه" تجمد مكانه وثقلت عليه خطاه، فتلك المرة الأولى في حياته، التي يرى فيها جسد أنثى عارياً، جسد ينوء بأنوثة بضة غضة، تفوح منها رائحة الرغبة، ومذاقات اللذات الشهية المسكرة الممزوجة بالشبق.
تركتهما السيدة مارجريت لتعد الطعام، وانغمس الشاب الخجول في لهوه معها ، وبعد الغداء استقبلت الأم مكالمة هاتفية، غادرت على إثرها البيت تاركة الذئب والحمل .. والحمل دائماً في عالم المخابرات معروف، ذلك أنه الرجل.
و هجمت على عقله مشاعر الندم التي آلمته ألماً شديداً، غادر على إثرها الفيلا محزوناً كئيباً، وقد أقسم ألا يعاود الخطأ ثانية أبداً، مهما كانت الظروف.
و استخدمت "حرباء تكساس" شباك الرومانسية، والثراء، وحتى قبولها بارتداء "الحجاب الإسلامي"، فخيّب (حامد) ظنونها!. وفي ملهى ليلي في تلك المدينة الشهيرة بانتشار المافيا والجريمة، دوّت طلقة واحدة في الظلام، ليسقط الطيار العراقي,حامد الضاحي مضرّجاً بدمائه!. أما (كروثر هلكر) فبعد أن عجزت عن إقناع (شاكر) في الولايات المتحدة، أجبرتها الموساد على اللحاق به في بغداد..هدّدته بـ"عار" تسجيلات موضعتها جنسياً بطرق فاضحة، فلم يبع وطنه بالفضيحة، وادّعت أنها "حامل"، ثم كشفت أوراقها الإسرائيلية بأن عرضت عليه أكثر من مليون دولار باسم منظمة السلام الدولية، فرفض، ولما تمادت بتهديدها في أنّ رجال هذه المنظمة سيقتلون زوجته وابنه، انهال عليها النقيب الطيار شاكر ضرباً في شقة استأجرها لها على نهر دجلة، لكنّ الجاسوس اليهودي العراقي (ناجي عزرا زلخا) وجاسوسين عراقيين آخرين كان معه انهالوا عليه برصاص من مسدساتهم المزوّدة بكواتم الصوت.

وبينما كانت كروثر هلكر تعد حقيبة ملابسها على عجل، انشغل الآخرون بإزالة آثار البصمات، ثم جرُّوا جثة ضحيتهم لأسفل السرير، ملفوفة ببطانية، "شرشف"، وغادروا الشقة فرادى.
انتهت بذلك العملية المأساوية، وبهدوء شديد طارت هلكر الى لندن مساء اليوم نفسه، لا تصدق ما حدث، وكانت خطوط ضربات الحزام على جسدها المتورم تؤلمها، وحرمتها النوم تلك الليلة في الفندق. حيث طُلب منها الانتظار بلندن، التي لم تغادرها بعد ذلك أبداً.
وبفشل عاميت المزري، وخيبة الأمل التي منيت بها الموساد والـ C.I.A.، خيم اليأس على الجميع، وساد طقس مشحون بقتامة حالكة، تنذر بالتشاؤم، وتبعت رجفة قلق تهز العقول المرتبكة، التي آلمتها الضربات الفجائية المؤثرة.
منير روفا هو منير جميل حبيب روفا (1934م - 2000م)، جاسوس إسرائيلي من أصل عراقي تمكن في عام 1966م من الهروب بطائرة ميغ 21 تابعة للقوات الجوية العراقية إلى مطار إسرائيلي في عملية منظمة من قبل الموساد واشتهرت بعملية 007، اعتبر الموساد هذه العملية المخابراتية واحدة من أنجح عمليات الموساد، تمكنت المخابرات الإسرائيلية أيضا من تهريب جميع أفراد عائلة منير روفا من العراق إلى إسرائيل وقام الموساد بإعارة الطائرة المختطفة بصورة مؤقتة لوكالة المخابرات الأمريكية لغرض إجراء التحليلات الفنية والهندسية المتعلقة بنظريات الطيران والخاصة بتصميم الطائرة.
بعد هبوط الطائرة عقد مؤتمر صحفي سمح لمنير روفا بالتحدث لفترة وجيزة تحدث فيها عن دوافعه لخيانة بلده وسلاحه مدعيا بأنه كان يعاني من التفرقة الدينية وأنه يشعر بأن العراق ليس بلده لذلك طلب اللجوء والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد فترة وجيزة التحقت عائلته به في إسرائيل ولم يسمح له مغادرة الأراضي الإسرائيلية والتوجه إلى أمريكا. بل منح الجنسية الإسرائيلية وكوفئ بمنحة مالية.
تتميز الميج 21 بانها من الطائرات المتقدمة في ذلك الوقت فهي طائرة اسرع من الصوت تعمل بالبانزين الذي اعطاها ميزة السرعة والاقلاع الخفيف في حين وقود الطائرات الأخرى عبارة عن مادة (RT) وهو نوع نظيف من النفط الأبيض الكيروسين. وتعد هذه الطائرة من طائرات القتال الجوي لمناورتها العالية وقاصفة ذات احمال خفيفة علاوة على امكاتية اسنادها للقطعات الأرضية المشتبكة، حيث في الطائرات الاعتيادية الأخرى تتخصص طائرة لكل مهمة من هذه المهام. وتتميز أيضاً طائرة المغ 21 عن باقي الطائرات مثيلاتها بسرعة فائقة تقدر بحوالي 2062 كم في الساعة. ويمكنها التحليق في دائرة مغلقة طولها 500 كلم، وبسرعة 1298 كلم في الساعة وفي دائرة مغلقة طولها 100 كلم. وتبلغ السرعة القصوى للطيران المستوي 2375 كم في الساعة، في حين كانت السرعة بمقدار النصف عند السكاي هوك في ذلك الوقت و1،4 للفانتوم و1،5 للميراج. كما كانت قياسات الطائرة محيرة إذ بلغ عرض اجنحتها 7،60م وطول جسمها 16،75 وهذا ما لم يتوفر للطائرات الأمريكية الفرنسية وتحولت إلى لغز من الألغاز والأهم من ذلك كله ان كل هذه الميزات كانت موضوعة بين ايدي الطيارين العرب وتفتقد إليها إسرائيل فكانت الرغبة عارمة لكشف أسرارها عن كثب حيث أصبحت هدفا للسعي الأمريكي إسرائيل لاختطاف احداها للوقوف على خفايا قوته جاء دور النقيب الطيار منير روفا الذي تم تجنيده أثناء حضوره إحدى الحفلات الفنية الترفيهية في أحد النوادي حيث تعرف على باربرا وهي سيدة إنجليزية تبين له لاحقاً بانها زوجة مدير مجموعة شركة النفط العراقية المحدودة الشهيرة بتسمية (IPC) التي تم تأميمها لاحقاً على عهد الرئيس الاسبق أحمد حسن البكر عام 1972، والتي كانت رأس حربة وقاعدة للمصالح البريطانية في العراق والمنطقة ووكراً للجاسوسية " وللمزيد من المعلومات راجع محاكمة الجواسيس عام 1969 ".


كانت السياسة البريطانية في تلك الفترة تطمح لرد اعتبارها على اثر الهزيمة المنكرة في العراق بعد الاطاحة بمصالحها ورجالاتها في ثوره يوليو / تموز 1958 حيث كان العراق ورئيس الوزراء والسياسي المخضرم نوري السعيد باشا يمثل قطب الرحى وعراب هذه السياسة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. فربطت بريطانيا دول المنطقة الموالية لها سياسيا واقتصاديا بحلف سمي حلف السنتو أو حلف المعاهدة المركزية أو مجازاً حلف بغداد للوقوف امام المد الثوري والتحرري في المنطقة على اثر حركة يوليو / تموز 1952 في مصر وحركة يوليو / تموز 1958 في العراق وحركة سبتمبر/ ايلول 1962 في اليمن، وكذلك الوقوف امام التوجه الاميركي المتعاضم في المنطقة العربية التي تعتبرها هي وفرنسا تركة لها بعد اتفاقية سايكس بيكو التي منحت الإمارات والولايات العثمانية صفة دولا مستقلة. تطورت علاقة منير روفا مع باربرا بشكل متسارع لاسقاطات مصلحية لكلا الطرفين فارتبط بها بعلاقة عاطفية عارمة سرعان ما تحولت إلى علاقة غريزية محاولا استغلال موقع زوجها المؤثر لدى السفارة البريطانية لغرض تهريبه إلى إنجلترا أو الولايات المتحدة، وهي تعلقت به لوسامته الشخصية ورشاقته العسكرية، ثم رأت فيه الاداة لتنفيذ تطلعاتها ومطامح السفارة البريطانية في بغداد. فأخذا يلتقيان تارةً في الكنيسة بذريعة لصلاة وتارة في الموصل المدينة الشمالية البعيدة تلافيا لانظار زوجها من جهة وانظار الاستخبارات العسكرية العراقية من جهة أخرى والمخابرات البريطانية التابعة للسفارة البريطانية وشركة نفط العراق البريطانية من جهة ثالثة.
من جانبها كانت تصور علاقتها به للمخابرات البريطانية على انها علاقة عمل الهدف منها تجنيده للعمل مع المخابرات البريطانية أو كمصدر للمعلومات عن تسليح العراق وتعبئة قطعاته خصوصاً بعد مشروع الوحدة الثلاثية مع مصر وسوريا عام 1964 على الاخص بعد التطور الخطير على مصالحهم على اثر اتفاق حكومات الدول الثلاثة، لاتخاذ خطوات من شأنها تفعيل الاجراءات الخاصة بالوحدة بين تلك الدول حيث تم تنفيذ خطة التبادل الاستراتيجي للدفاع المشترك الخاص بأنتشار القطعات العسكرية لتلك الدول على اراضيها، ففي عام 1965 تم إرسال بعض قطعات المشاة واسراب الطائرات العراقية لمصر وسوريا وتم استقبال قطعات تلك الدول في العراق بضمنها كتيبة من القوات الخاصة المصرية ومجموعة من عناصر جهاز المخابرات المصري العامل ضد إسرائيل وكان بضمنهم رجل المخابرات المصري المعروف رفعت الجمال الملقب برأفت الهجان في عهد الرئيس عبد السلام عارف، للتنسيق والعمل المشترك للوقوف امام دور الجالية اليهودية في دعمها للتجسس ضد العراق لصالح إسرائيل من جهة ولبناء اللبنات الأولى لتأسيس جهاز المخابرات العراقي الذي كانت تقوم بمهامه إحدى الاقسام التابعة للاستخبارات العسكرية. من جانب اخر ترددت إلى مسمع مدير الشركة علاقة زوجته بالطيار المسيحي الذي وضع هدفا لتجنيده حيث كان تساوره شكوك حول تصرفاتها مما شجعه لتسفيره للتخلص منه. وبعد فترة ابلغت باربرا منير روفا برغبة زوجها مدير شركة النفط لمقابلته الذي التقى زوجها حيث رحب به وشرح له خطة هروبه التي تتضمن مرحلتين:
• الأولى، بضرورة تقديم اجازة مرضية من سربه في قاعدة الرشيد الجوية قرب بغداد والعمل على نقل افراد عائلته إلى المحافظات الشمالية لتهريبهم إلى إيران التي كان يحكمها الشاه محمد رضا بهلوي صديق بريطانيا حيث كان لشركة نفط العراق فرعا في طهران باسم شركة نفط إيران، والتي ستقوم من جانبها بتأمين نقلهم كلاجئين إلى بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة.
• الثانية، ترحيله من البصرة متخفياً إلى بريطانيا الذي من المفترض ان يلتقي عائلته هناك ثم الانطلاق منها إلى الولايات المتحدة.
وافق منير على الخطة مع بعض التعديلات خصوصاُ التوقيتات لأسباب مهنية تتعلق بعمله العسكري. وتلافي متابعة مديرية الاستخبارات العسكرية له. فطلب اجازة مرضية طويلة متحججاً بمرض زوجته لمرافقتها لزيارة اهلها في الموصل وقد رفضت باديء الامر للشكوك التي كنت تحوم حوله من زملائه وامرية حول تذمره الدائم والانطباع لعدم وطنيته الذي عزز ذلك التقارير نصف السنوية لمديرية الاستخبارات العسكرية عنه وطلب دراسة اما ايقافه عن الخدمة العسكرية واحالته على التقاعد أو نقله إلى صنف سلاح اخر بصفة خدمات ارضية، وبقي الامر قيد المتابعة والمراقبة لعدم وجود ادله على خيانته، وايد ذلك بعض زملائه بانه كان يمر بضروف اجتماعية صعبة بزوالها ستزول مبررات تذمره. وبدلاً عن السفر إلى الشمال نحو الموصل سافر بالاتجاة المعاكس إلى الجنوب نحو البصرة حيث التقى زوجها مدير شركة النفط للمرة الثانية الذي رحب به واعد لتنفيذ الخطة لتهريبه بجواز مزور بصفة أحد العمال المشتغلين على ظهر إحدى البواخر من اسطول ناقلات النفط العائدة للشركة.
انطلقت الرحلة والمفاجأة كانت بعد ساعات نوم عميقة من جراء المخدر الذي اعطي له. فوجد نفسه في تل ابيب بدلاً عن لندن. وتم التحقيق معه من قبل الموساد الذي وثق له الصور وأبلغه بأنهم سينشرون هذه الصور مالم يتعاون معهم وأن جميع طلباته ستكون مستجابة وعلى رأسها هجرته وأفراد أسرته إلى الولايات المتحدة ولكن بطائرة حربية عراقية من النوع الحديث الذي تعاقد عليها العراق مؤخراً. رفض باديءالامر مدعيا عجزه عن تحقيق هذه المهمة مع وجود قوة جوية عراقية صارمة واستخبارات عسكرية دقيقة. إلا أن الموساد تعهد بتذليل جميع الصعوبات من خلال العمل على إحداث ثغرات تساعد على خرق الدفاعات والاستخبارات العراقية باستغلال أحد أيام العطل الرسمية وجذب انتباه الاستخبارات والقوة الجوية العراقية لحادث ثانوي مفتعل لتمكين منير روفا بالهرب بالطائرة. وفي الجانب الآخر كانت عائلة روفا قد وصلت إلى الموصل لاتعلم شيئا عما يجري سوى ما أبلغها منير بأنه في واجب عسكري لمدة شهر وعليهم السفر لزيارة الأهل.
بعد عودته عكف بهدوء لتنفيذ الخطة فبعد أشهر تم نقل أفراد عائلته من بغداد إلى الموصل ومنها إلى المناطق الكردية المتاخمة للحدود مع إيران حيث نقلوا بطائرة عمودية إلى داخل إيران ومنها إلى لندن. ظل الطيار منير روفا بعد سفر عائلته إلى لندن في حال عصبية شديدة لكن أحدا لم ينتبه إلى هذا التغيير الذي طرأ على هذا الطيار فكانت تتملكه نوبات من الخوف والقلق على مصيره إذا ما افتضح وعلى عائلته. كانت الساعة قد بلغت الثامنة إلا ربعاً صباح يوم 16 اغسطس / اب 1966 عندما اصطف تشكيل من طائرات الميج 21 التابع لسلاح للقوة الجوية العراقية للقيام بطلعات تدريبية معتادة وكان ضمن الطاقم التدريبي في هذا اليوم الطيار الجاسوس منير روفا. صعد منير روفا إلى طائرته وصعد طيارو تشكيل الميغ 21 الجاثمة على أرض قاعدة الرشيد في بغداد وكان منير قد عقد العزم على ألا يفوت هذه الفرصة مطلقا ًبينما تأخر هو قليلاً بتشغيل محرك طائرته الاسرع من الصوت شغل باقي افراد التشكيل محركات طائراتهم التي اخذت تزمجر على مدارج القاعدة الجوية، على غير عادتها وربما بسبب العطلة الرسمية، كانت القاعدة في ذلك اليوم يشوبها هدوء غريب اشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، وأخيراً اقلع منير والتحق خلف التشكيل، وما لبث ان قام امر التشكيل بالاتصال بمنير ليتحقق من سلامة اجراءات الاقلاع والتوتر الواضح الذي اعتراه منذ الصباح الباكر لهذا اليوم غير العادي، وعلى حين غرة فاجاْ منير الجميع بابتعاده عن التشكيل وطار بسرعة أعلى بكثير من التشكيل أو حتى السرعة المعتادة في التدريب مدعيا قيامه بمناورة تدريبية ضمن المنهج المقرر، وبعد تأخرة لدقائق وجه اليه امر التشكيل نداء بالعودة للتشكيل إلا انه لم يرد عليه فحاول اللحاق به إلا أن منير كان قد تجاوزه بمسافة كبيرة متخذاً طريقه نحو الحدود الأردنية وبسرعة فائقة متجنباً المرور من فوق مدافع مقاومة الطائرات، وعند اختراقه للحدود الأردنية قامت طائرتان من طراز هنتر أردنيتان ذات السرعة الاقل من الصوت، باعتراضه إلا انه افلت منهما نظراً لفارق السرعة والتقنية واتجه فورا إلى حدود إسرائيل التي دخلها مخترقاً منطقة البحر الميت.. وبمجرد دخول الطائرة الميغ 21 الاجواء الإسرائيلية رصدتها ثلاثة ردادات كما دوت صافرات الإنذار معلنةً وجود هجوم جوي معادي، اقلع النقيب الطيار ران وكان معروفاً بأنه متخصص بطيران الالعاب بطائرته الميراج 3 الاقل كفاءة عن الميغ 21 والذي تقدم مرعوبا نحو الطائرة بعلمها العراقي الثلاثي النجوم متصورا هجوما معاديا قد انطلق صوب إسرائيل، بينما قام بأسناده في المطاردة سرب كامل من طائرات الميراج اتخذ بعضها وضع الهجوم في حين تأهبت الاخريات للانسحاب في حالة تطور الامور لما لايحمد عقباه، كان الجو غائماً متقطعاً مما زاد من هلع الطيارين الإسرائيليين وهم يرون لاول مرة بالعين المجردة الميغ ذات الجناح المثلث وهي تزئر مخترقةً الاجواء الإسرائيلية مستعرضةً رشاقتها تارةً ومتتخفيةً خلف الغيوم تارةً أخرى وكأنها صاروخ منطلقاً دون توقف نحو مقتله.. ومرت لحظات صمت رهيبه تقطعت فيها الانفاس.. ثم كسر هذا الصمت منير بالانحدار قليلا وخفظ سرعة الميغ 21 ليمكن الطيار الإسرائيلي ران من التسلق بسرعة إلى ارتفاع أعلى من ارتفاع الطائرة الميج 21 واخذ ران يعد العدة لوضع طائرته بوضع الاستعداد القتالي لمهاجمة الطائرة متصوراً ان مناورةً ما سيقوم بها الطيار المعادي عندما خفض سرعته. وفي هذه الثواني العصيبة دوى صوت متحشرج وكان قائد القوة الجوية الإسرائيلي مردخاي هود عبر جهاز اللاسلكي الخاص بران وطائرات سرب الميراج المتصدية، يطلب من ران بلهجة حازمة "توقف عن إطلاق النار توقف فوراً" لكي لا يعترض الطائرة الميغ 21 ويصاحبها حتى تهبط في أسرائيل
. كان الطيّاران العراقيان النقيب شاكر محمود والملازم أول حامد الضاحي فارسين بحق، إذ أنهما لم يسقطا أمام إغراءات فـُتنة النساء، والثراء، ولم يذعنا لـ"التهديدات" أيضا، فيما سقط الطيار النقيب (منير روفا) رغم أنه احتمى بقاعدته العسكرية في تكساس. لكنّ النهاية كانت "مأساوية جداً..ومفخرة وطنية" لاثنين، و"فادحة مخزية" للثالث



#على_عجيل_منهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يحصل فى البصرة من اغتيال الصاغة المندائين الى ابعاد قاد ...
- من الاتجار بالبشر بين السعودية و الكويت الى تبرئة الف ليلة و ...
- الشرطة بين القانون و الاخلاق الالمانية الاوربية _ ومن هنا نب ...
- فؤاد عارف (1913_ 2010 ) من النظام الملكى الى النظام الجمهورى ...
- فؤاد عارف ( 1913 - 2010 ) الشخصية العراقية الكردية من النظام ...
- طه حسين و مدرسة الأزواج - القسم الثالث
- طه حسين(1889-1973) والأنتماء للمدنية الأوربية - القسم الثا ...
- الكفر بالشرق والذوبان فى الغرب..... نماذج من عصر النهضة العر ...
- استقالة الرئيس الالمانى والتجربة العراقية
- الجاحظ ضاحكا ..... القسم الثالث
- سلاح الفكاهة و الضحك و لكع بن لكع و المتشائل - القسم الثانى
- فضل الكلاب على من لبس الثياب و الحسرة على ايام البصرة
- الحمقى فى كل مكان....فى اخبار الحمقى والمغفلين
- المرأة و البغاء المقدس فى بابل القديمة ..... القسم السابع
- المرأة و الرجل ... العمران والتحديث... من العراق الى السعودي ...
- المرأة البرزة نموذج المرأ ة العربية الاسلامية _ سكينة بنت ال ...
- المرأة والحريم السياسى شبهات حول النموذج الاسلامى لتحرير الم ...
- المرأة وقطع الصلاة والحمار والكلب --- القسم الرابع
- الفتنة بين حجاب الرجال و السفور--- القسم الثالث
- الطبقة الفلاحية فى العراق الجديد


المزيد.....




- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
- فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
- لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط ...
- عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم ...
- مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ ...
- اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا ...
- العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال ...
- سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص ...
- شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك ...
- خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - على عجيل منهل - رجال السماء من القوة الجوية العراقية - النقيب شاكر محمود يوسف والملازم الأول حامد الضاحي والنقيب منير روفا- القسم الثامن