عبدالله العطوي
الحوار المتمدن-العدد: 3032 - 2010 / 6 / 12 - 08:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لازلنا نقف على نافذة القرن الرابع عشر . فتحها ابن خلدون اغمده الله فسيح جناته , ولم نمر ّ بعد الى شرفاته , وكاني به الان يتقلب في قبره كمدا على حالنا .. ولم يعلم ان نافذته فتحت في اتجاه الغرب .. من شرفته الشرقيه ..
خلاصة ما وصلت اليه مما قاله ابو زيد رحمه الله " او هكذا ازعم ".. ان نجاح أي نظام حكم هو بحسب ملائمته لمجتمعه ..وكاني به اراد تنبيهنا نحن فتنبه له غيرنا ..
..في العصور المتاخره وخاصة القرن العشرين والواحد والعشرين ظهرت "موضات " الانظمه على غرار عرض الازياء, فمن ملكية اقطاعيه , الى ملكيات برلمانيه الى جمهوريات , بعضها حزبي متداول والاخر بحزب واحد , الى مقاسات اضيق بين الاشتراكيه والديموقراطيه ... الخ الخ .
واعود لأقول .. ان ايا من هذه الانظمه يجب ان لا نخدع بنجاحه .. لانه لم ينجح كفكر فقط .. بل هوو نجح لانه كان ملائما للمجتمع الذي طبق فيه .
وبما اننا كنا متوقفين منذ سته قرون ولم نبارح التبجيل لكل من يحكمنا , فمن الأولى ان نبقى واقفين ايضا .. امام معرض الازياء هذا .. لنختار بحكمه ما يناسبنا نحن .
لينين عندما قرأ لولي الدين بن خلدون فهم ان وصوله للحكم معني بحاجات شعبه اولا .. ولا يمكنه السيطره الا إن اشبع فضولهم ورغباتهم , لا اكثر ولا اقل .
شعب معدم يمتص دمة اباطرته . فلو انه ساوى في مدخلات الشعب سيلغي الطبقية " المكروه بشده" ويتيح لهم لحظه " التشفي " .
هذه الملاحظه لم تاتي كسقوط اوزة مكسيم غوركي في حوض الراعيه . بل لانه يعلم ان ملامح شعبه تطلب ذلك , جيناتهم تحرضهم على القبول قبل عقولهم , نمط تفكيرهم , تاثير تضاريسهم , كل هذه العوامل حددت خياراته في وضع الدستور الاشتراكي الاول , بالضبط كما ان طقس موسكو يحتم على باعة الملابس ان لا يعرضو اقمشه استوائيه ..!!
قد يتصور البعض ان سقوط الاشتراكيه قبل نهاية القرن كان انتصارا للديموقراطيه في حربها البارده . وهذه حجه بارده ايضا , ما حدث فعلا هو ما قاله شاعرهم يوشنكا , حين كان يرصد تاثير الثوره البلشفيه في تغيير انماط التفكير الجمعي , فالعامل بجهد اكثر سيتقاضا راتبا مثل النائم في بيته , وهذا ما ادى الى الانهيار الحقيقي للشعب قبل السياسه .
اذن رصد المتغيرات لابد ان يكون مواكبا لنمو الشعوب ايضا , تماما كما انك لا تستطيع لبس ثوبك في عمر العاشره الان في عمر الاربعين ..!
وهذا لا يعني قبولك بكل ما يقولونه الباعه " بان هذا هو ما يناسبك " فلابد ان تقيس .. وربما من النظرة الاولى تعرف ان هذا" الطقم " لا يناسبك ..
تسويق الديموقراطيه في مصلحة البائع اولا , ومن الجيد ان هناك امثله قبلت العرض ولكنها لم تناسبهم .. الارجنتين مثلا لم تتجاوز معاناتها بسبب الديموقراطيه منذ اربعين سنه. بل ونحن نشهد مكافحتها في امريكا اللاتينيه منذ " موت معلن " لغارسيا ماركيز ...
ترى ما السبب ؟ اليست الحلم والحريه ؟ اليست طريقة المتحضرين في العيش والمتقدمين علميا ؟
حقيقة الامر ان الديموقراطيه لا تناسب الا الشعوب الرأسماليه فقط . في المجتمعات الفرديه " القائمه على تصنيف الفرد بدون أي رابط اخر" والليبراليه " المقتنعه بان التخصص يعني استماريتك في عمل واحد ولا شيء غيره " والقيمة النهائية تعني الربح المادي فقط .... في هذه المجتمعات تنجح الديموقراطيه, وفي غياب أي عامل من تلك الثلاثه فانها ستنهار تماما.
عند مراجعة التكوين الاجتماعي للسويد مثلا, بدأ بجغرافيته فبلاد الظلمة الطاغيه من الغابات والثلج لا تتيح لك الاختلاط الاجتماعي بكثره. عندما تكون مواردك متاحه عند باب بيتك , فما حاجتك بالجار ؟ التاريخ الجيني لشعوب السلتيين من نهب وسلب وقتال في حضور الغنيمه , لابد وان يرثون غلظة تجعل اقرب الناس له لا يعنيه بشيء ان لم يكن هناك ربح مادي ..!
ربما المثال الاكثر وضوحا " اميركا" . فنشأتها كانت منفى للمجرمين من اوروبا , مساحاتها الشاسعه جعلت الشعور بالحرية غنيمه بعد ازدحام لندن , اثبات الذات بالصناعه كان تعويضا عن الشعور بالفخر زمن الاستقراطيه ....
في كلا المثالين فإن رأي الفرد الخاضع لمصلحته سيكون افضل طريقه للاتفاق فيما بينهم !
الان اتخيل بائعا من الاسكيمو يعرض ملابسه ويحاول ان يقنعني انها من افضل انواع الجلود من الدببه والفقمات !! لارتديها في النفود ...!!
هذا بالضبط ما يتم تسويقه الان , خصوصا ان وكلاء البيع اصبحو اكثر قربا " من باب حسن النيه " .. ومحاولة عرض التثقيف الليبرالي تحت عبائة التخلي عن الانغلاق وكره الاخر " مسببات الارهاب " ... ومجابهة التيارات " القديمه " بحجة التغيير .
المربك في الامر هذا التحول السريع " 180 % " فبعد ان كانت السلطة الدينيه تطبق على مناصب الحضوة والحواشي كأرث للمعاهدة التاسيسيه , اصبح التنصل السريع ومحاولة استبدالهم بطقم جديد تم تفصيله هناك !!
وهناك اعني المطبخ العظيم لفكر لا يعرف الا مصلحته وهدفة الربح فقط .
لماذا لا نعاود قراءة ما كان ابن خلدون يحاول قوله منذ البدء ؟
لماذا لا نصنع ملابسنا بانفسنا ؟ ونعيد صياغه الانظمه بما يتوافق مع ما يلائم ملامحنا , تضاريسنا جيناتنا .. ثقافتنا "قبل ان تندثر "..
فمثل ما كانت امكانيات المكان واسلوب العيش تحتم على سكان هذه البلاد بان لا يصنع منزلا ثقيلا .. ولا يكلفه اكثر مما في يده " مواشيه " ..... وهذه على بساطتها ضمنت استمراريته في بيئه يعجز عنها ساكن الغابات في جبال البيرينيه !!
حتى لو احتجنا الى اختراع توليفه تلائم متغيراتنا اللحظيه لنتدارك ما يمكن ادراكه . لانه " وكما يظهر لكل متابع " ان تغيير قواعد بيت الخيزران الصيني بطوب انجليزي تقتضي هدم المبنى اولا !!!
#عبدالله_العطوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟