أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إينياس دال - خمس سنوات من حكم الملك محمد السادس خيبة الآمال في المغرب















المزيد.....


خمس سنوات من حكم الملك محمد السادس خيبة الآمال في المغرب


إينياس دال

الحوار المتمدن-العدد: 922 - 2004 / 8 / 11 - 11:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


إن الملك محمد السادس الذي اعتلى عرش المغرب في 30 تموز/يوليو عام 1999، سرعان ما أكد أنه سيد المملكة الفعلي. وإذا كان البعض قد تخيل أن ولي العهد الخجول سوف يواجه بعض المصاعب في فرض نفسه على طبقة سياسية مرهوبة، فقد أخطأوا كثيراً في اعتقادهم. لكن الملك الشاب، وبالرغم من السلطة التي يتمتع بها، لم يشرع في مجموع الإصلاحات التي كان يتوقعها منه الرأي العام الديموقراطي باستثناء ما قام به في مجال قانون الأسرة.

كان الملك محمد السادس، المولود في 21 آب/أغسطس عام 1963، أكثر ارتياحاً في بداياته كونه استفاد من شعبية كبيرة. فقد أبقي بعيداً عن شؤون الدولة. وهو لم يتورط في أي من مسائل الأمن أو السياسة المحترفة بعكس والده الحسن الثاني الذي كان محمد الخامس (جد العاهل الحالي) قد اعتمد عليه وأوكل إليه أمر تسوية بعض القضايا الدقيقة مثل قمع تمرد البربر في الريف في العامين 1958-1959.

فميول محمد السادس البسيطة وما نسب إليه في حينها من مقته طقوس البلاط الخانقة قد استقبلت بارتياح. وقد بدأ المغاربة يعتقدون أن الحضور الضاغط للملك الحسن الثاني سوف يعقبه حكم مهادن لشاب حديث وقليلاً ما يهتم بالبروتوكول. وقد تركت ظهوراته العامة الأولى انطباعاً جيداً. وقد نظر بعين الاستحسان إلى "العناية" و"العاطفة" اللتين أبداهما تجاه "الطبقات الاجتماعية الأكثر حرماناً" ورغبته في تنشيط مؤسسة محمد الخامس "التي تخصص أعمالها لشؤون الفقراء والمحتاجين والمعوقين"[1].

وجاءت تنقلاته في شمال البلاد وسماحه لأبراهام سرفاتي[2] بالعودة إلى البلاد وإقالته "الوزير" إدريس البصري الذي تولى الداخلية من العام 1979 إلى العام 1999، وتعيينه حكاماً جدداً, جاء كل ذلك ليفرض على أكثر المشككين أن شيئاً ما في النهاية يتغير في المغرب حيث كثرت الألسنة الهاذية[3].

وفي موازاة ذلك سهلت الأحزاب السياسية التاريخية، وفي مقدمها الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية (USFP) والاستقلال، مهمة الملك الجديد بانضوائها تحت رايته وأكثر عبر حرصها على التفاوض على دعمه. فما كاد الحسن الثاني يتوفى في 30 تموز/يوليو عام 1999، حتى أكدت "الكتلة"، وهي ائتلاف ديموقراطي يضم قوى اليسار والاستقلال، رغبتها في "البقاء على إخلاصها لذكرى الحسن والطريق الذي رسمه". وليس ما يفاجئ في كل هذه المجاملات بعد عقود من القمع والإذلال.

لكن سرعان ما بدا النظام أقوى من الرجل[4]. فوزن العادات ومداهنات المتزلفين تغلبت بسرعة على رغبة الملك في التغيير. فقد نصحه المستشارون السابقون والقسم الأكبر من الأسرة المالكة بالحفاظ على "هيبة" والده، على هذا المزيج من الخشية والاحترام اللذين ما من ملك بدونهما جدير بهذا الاسم...

وفي 30 تموز/يوليو عام 2000، وفي مناسبة خطاب العرش, كانت نبرة الملك قد تغيرت. لم يفته شيء من الإشارات إلى الحلف المقدس عبر "الولاء الذي يوحد الشعب مع الملك منذ 13 قرناً"، وعبارات التعظيم لوالده ولكل السلالة العلوية، وآيات الشكر لـ"الإخلاص الواضح" و"الولاء الحار" و"تماسك الشعب العزيز كتلة واحدة" حول العرش، و"التاريخ المجيد" لهذا الشعب نفسه و"حاضره الواعد" و"مستقبله الباهر". ولقد كان بإمكان الحسن الثاني توقيع نص قانوني يتفادى إثارة أي تغيير دستوري وبنوع خاص الانتقال من "تداول السلطة التوافقي" إلى "التداول الديموقراطي" العزيز على الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي[5] الذي أبقاه محمد السادس على رأس الحكومة.

وهكذا فإن الملك الجديد لم يقم بأي مجازفة وتآلف مع القوانين الجارية. لقد جاءت الاستمرارية تامة. وقد بلغت العبثية قمتها في شباط/فبراير عام 2004 عندما ضرب زلزال عنيف منطقة "الحسيمة" في قلب الريف. فقد كان "للذهنية المخزنية المقيتة"[6]، بحسب عبارة مدير مجلة "تل كيل" الأسبوعية احمد رضا بن شمسي، انعكاسات مؤسفة على مساعدة المنكوبين. فالإدارة التي لا تزال تعمل بذهنية العبودية، والمنهمكة في إرضاء الملك أكثر منه بنجدة آلاف المزارعين الجرحى والجياع والمنهارين، عمدت إلى منع التجول كلياً، أو يكاد، من أجل السماح بمرور الموكب الملكي من دون معوقات. كما طلب إلى رئيس الوزراء إدريس جطو أن يلازم الرباط طالما أن الملك لم يزر المنطقة المنكوبة...

وتأتي الاجتماعات الأخيرة، والنادرة، لمجلس الوزراء، عندما لا يتم تعطيلها، في جو[7] يجعل مدير مجلة "لو جورنال" الأسبوعية، أبو بكر جماعي، يعبر عن استيائه، فيستنكر "نظاماً" مناقضاً للديموقراطية حيث تسوء علاقات سيئة بين الملك ومستشاريه من جهة، والحكومة والأحزاب السياسية (التي فقدت اعتبارها) من جهة أخرى[8].

هكذا، وبعكس ما كان يمكن توقعه من ملك "حديث" لم يتخلَّ محمد السادس عن الشكليات والممارسات القديمة باستثناء لافت في زواجه[9]. وفي هذا الشأن بدا واضحاً جداً في حديث أجرته معه مجلة "باري ماتش" الأسبوعية[10]: "البروتوكول هو البروتوكول ويبقى كذلك. وقد سرت أحاديث عن أنني سأتصرف بما يقلب قليلاً ما كان قائماً. وهذا خطأ. فالأسلوب مختلف لكنني (...) أحرص على الحفاظ على دقته وعلى كل من قواعده".

وإذا ما وافقنا فلوبير في قوله إن "الشكل هو بالضبط ابن الفكر"، لا يمكننا إلا أن نرى في التمسك ببروتوكول بالٍ سمة نظام لا يرى الرئيس نفسه فيه خاضعاً لأي محاسبة ويفعل بالتالي ما يطيب له.

ويبدو أن لا قلة خبرته ولا حداثته المفترضة قادتا محمد السادس إلى إعادة النظر في سير عمل السلطة. وهذا على الأرجح ما هو أكثر إثارة للقلق. فالحسن الثاني، صاحب السلطة المطلقة قد ترك لبعض التقنيين الماليين الجيدين مثل السيدين عبد اللطيف جوهري ومحمد برادة إدارة عملية الإصلاح البنيوية الاقتصادية وغير الشعبية التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي شكل من الأشكال كان للوزراء "التكنوقراط" أحياناً، إبان حكمه، كلمتهم يقولونها من أجل سير أعمال الدولة.

أما مع محمد السادس، وبعد إزاحة السيد عبد الرحمن اليوسفي بدون أي حرج في تشرين الأول/أكتوبر عام 2002، تعرض خلفه السيد إدريس جطو، وزير الداخلية في الوزارة السابقة، لحملة مضايقات فعلية قادها بنوع خاص وزير الداخلية السيد فؤاد علي الحمى صديق الملك. فأن يتمكن بعض الرجال ممن لم يكادوا يبلغون الأربعين من العمر ومن ذوي التجربة السياسية المحدودة، من معاملة رئيس وزراء أكثر خبرة منهم بهذه الطريقة، وهم الذين فرضوه على طبقة سياسية متحفظة، فذلك يدل على مدى "انحطاط السلطة"، وذلك بحسب تعبير أبو بكر جماعي.

إن غطرسة هذه المجموعة الصغيرة، ومنها أيضاً السيد منير مجيدي، السكرتير الخاص للعاهل ومدير الثروة الملكية الهائلة، تغيظ أكثر فأكثر مسؤولين كباراً وتثير مخاوف الكثيرين ممن يتساءلون أين تذهب الحال بالمملكة.

وكان البروفسور ريمي لوفو، المطلع جيداً على أوضاع البلاد والمشتبه قليلاً في كونه خصماً عنيداً، قد طرح أساساً السؤال في أواخر العام 2000: "أنا أطرح الأشياء بكل سذاجة: هل أن محمد السادس سيستمر في عمله كرجل أعمال؟ ففي نظام هو في طريق التحول الديموقراطي لا يمكن للملك أن يكون مستثمراً. ولا يمكنه أن ينافس المستثمرين. وفي هذه الحالة يجب أن يعزز موقعه كحكم"[11].

فمحمد السادس، وهو المقاول الأول والمستثمر الزراعي الأول، وصاحب الثروة الكبرى في البلاد، والذي يمسك بكل السلطات الدستورية، هو في الوقت نفسه الخصم والحكم. ومنذ خمس سنوات لم تكن الهيمنة الملكية على عالم الأعمال بهذه القوة. فهل أن "ملك الفقراء" قد أصبح ملك الأغنياء؟ إن الملك يدافع عن نفسه في ذلك. ويرد البلاط على الذين ينددون بالجو "الاتجاري" في أوساط قسم من حاشيته، بأنه يجب تحفيز الاستثمار الحر ويعطي مثلاً على ذلك ما تم من ترسيخ مجموعة صناعية ومالية خاصة قوية هي "الأومنيوم لشمال إفريقيا[12]"(ONA). غير أن الظروف القليلة الشفافية التي بنيت فيها هذه "المجموعة القوية" جعلت مبررات محامي القصر لا تقنع الاقتصاديين، المغاربة منهم والأجانب[13].

وفي مجال السياسة الخارجية تميز النظام أيضاً منذ أب/أغسطس عام 1999 بسلسلة من المبادرات المزعجة التي شوهت صورته. ففي تموز/يوليو عام 2002 لم تسوَّ قضية جزيرة برجيل (ليلى بالنسبة إلى المغرب) وهي موضوع نزاع مفتوح مع اسبانيا حول حق السيادة عليها، إلا بفضل جهود وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي شعر بالحنق لأنه اضطر إلى تخصيص يومين للعمل على قضية هذه "الجزيرة الصغيرة السخيفة، وهي ليست حتى جزيرة بل مجرد صخرة"[14]. إن فكرة إرسال حوالى اثني عشر جندياً إلى هذه الصخرة المقفرة وغير المعسكرة هي جزء من الخطوات الرعناء التي تكاثرت لدى الملك.

أما ملف الصحراء الغربية فلم تتم إدارته بطريقة أفضل، وقد أدى ضعف خيال الدبلوماسية المغربية إلى حالات توتر لا طائل تحتها مع الممثل الخاص للأمم المتحدة وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بايكر[15] المقرب من الرئيس جورج دبليو بوش، وعلى كل حال كان قد قدم استقالته في حزيران/يونيو عام 2004 وحل مكانه الدبلوماسي البيروفي ألفارو دو سوتو. وأياً يكن فإن تمديد مجلس الأمن في 29 نيسان/أبريل الماضي مهمة بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، وكان الأمين العام السيد كوفي عنان قد طلب عشرة أشهر، يبين أن الضغوط الدولية قد خفت حدتها. ثم أن "الحرب على الإرهاب" وأكثر من ذلك الصورة المؤسفة للولايات المتحدة في مجمل العالم العربي الاسلامي يدفعان الأميركيين إلى مجاملة "أصدقائهم" العرب.

وفي 15 شباط/فبراير عام 2004 وقعت واشنطن اتفاقا للتبادل الحر مع الرباط[16]. ومن جهة أخرى فان الرئيس بوش قد منح المغرب صفة "الحليف الأكبر من خارج حلف الأطلسي" بفضل حربه على الإرهاب كما منح محمد السادس صفة "القائد صاحب الرؤيا داخل العالم العربي". لكنه لم يدعه إلى قمة "الثماني" في سي إيسلند في حزيران/يونيو عام 2004 فيما حرص على حضور رؤساء كل من الجزائر والأردن واليمن والبحرين...

وعلى الصعيد الأمني فإن القسوة التي عومل بها الصحافي علي المرابط، الذي حكم بالسجن لخمس سنوات لـ"تجريحه بشخص الملك" (بسبب كاريكاتور اعتبر "مهيناً") كان لها تأثير كارثي على سمعة المملكة[17]. وهنا أيضاً تطلب الأمر تدخل السيد كولن باول قبل إنجاز اتفاق التبادل الحر من أجل وضع حد لتشبث السلطات المغربية التي أطلقت في النهاية الصحافي في 7 كانون الثاني/يناير عام 2004.

وبعد أيام من اعتداءات 16 أيار/مايو عام 2003 في الدار البيضاء والتي سقط فيها 45 قتيلاً منهم اثنا عشر من الإسلاميين، جاء اعتماد قانون مكافحة الإرهاب الذي لم يطمئن لا منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان[18] ولا شركاء المغرب المعهودين في أوروبا. فهذا القانون، الذي حدد الإرهاب بطريقة مبهمة، فتح الباب أمام مختلف التأويلات. ولأنه يعطي الكثير من التسهيلات لرجال الشرطة فقد اعتبره كثير من رجال القانون خطيراً بقدر ما هو مبالغ فيه.

وقد أكد وزير العدل السيد محمد بوزوبع أنه تم، منذ بدء العمل بهذا القانون تجريم 2112 شخصاً... وهو رقم لا يأخذ في الاعتبار لا الاستجوابات التي لا حصر لها والعنيفة إلى حد ما ولا سوء المعاملة المعممة[19]. أما السيد باتريك بودوان، رئيس الشرف للاتحاد الدولي لجمعيات حقوق الإنسان، فانه إذ يستنكر "منطق القمع والانتقام" لا يتردد في الكلام على "عدالة المذابح"[20].

ومن اجل تبرير العودة بقوة إلى هذه الممارسات القمعية يوضح محمد السادس أن "عصر التسامح" قد ولى وأنه آن الأوان من أجل "مواجهة الرعونة وأولئك الذين يجهدون لكي يمنعوا سلطات الدولة والقضاء من السهر على حماية سلامة الأشخاص والممتلكات وأمنهم" [21].

ويثمن المدافعون عن النظام أيضاً تضاعف عمليات نشر الكتب أو الشهادات عن "سنوات الضغط الخمس والثلاثين" (من 1963 إلى 1998) إضافة إلى المقالات الصحافية حول مواضيع ما كان أحد ليفكر في التطرق إليها أثناء حياة الحسن الثاني. وليس هذا كله خطأ لكن يبقى أن هناك حفنة من المناضلين والصحافيين الشجعان الذين يعيشون تحت رحمة القرارات الاعتباطية.

فالحملة على النقيب مصطفى أديب[22] وإدانته القاسية، والتآمر من جانب الشرطة على نسيب الملك مولاي هشام، والمضايقات الفادحة بحق علي المرابط وحظر صحيفة "جورنال"، التي لا تزال محرومة منذ أواخر العام 2000 من الاعلانات التي يحق لها بها، وصحيفة "الغد" التي لم تصدر مجدداً[23]، وأعمال التعذيب التي لاقاها محمد رشيد شريعي المناضل في الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في صافي، وخصوصاً مطاردة "أصحاب اللحى" منذ اعتداءات أيار/مايو 2003 واعتماد قانون مكافحة الإرهاب، كل هذا يبين أن الإنجازات في مجال الحريات وحقوق الإنسان تبقى هشة لا بل أحياناً يعاد النظر فيها.

وفي المقابل يسجل لمحمد السادس إنجاز قانون الأسرة الجديد. فبعد سنوات من الجمود النسبي والقرارات المثيرة للجدل في السياسة الداخلية، لعب العاهل المغربي دوراً أساسياً في إقراره في كانون الثاني/يناير عام 2004 في المجلسين. فمحمد السادس الذي لم يقبل بالاستسلام كما فعل رئيس الوزراء في حينها عبد الرحمن اليوسفي إثر تظاهرة إسلامية في آذار/مارس عام 2000، ولم يكتفِ بإصلاح خجول كما كان ليفعل على الأرجح السيد محمد بوستة رئيس اللجنة الملكية المكلفة إعادة النظر في "المدونة"، قد تدخل في وجهة ملائمة لمطالب المناضلين المدافعين عن حقوق المرأة[24].

فقد نوى أن "يحرر المرأة من كل المعوقات التي تمنعها من تقديم مساهمتها كاملة في قيام مجتمع متماسك". لكنه يبقى متنبهاً فيرى أن "المهم ليس في صياغته (قانون الأسرة الجديد) بل في أن يتبع ذلك الإجراءات بشكل ملموس على الأرض"[25].

كما أن إنشاء المؤسسة الملكية للحضارة الأمازيغية، وهي من المطالب الرئيسية لحركة البربر، تعتبر نقطة إيجابية في سجل الملك.

غير أن هذه القرارات، وأياً تكن أهميتها لا يبدو أنها تستجيب كلياً تطلعات المواطنين. فمحمد السادس لا يعطي انطباعاً بأنه يستوعب الصعاب التي يعيشها مواطنوه ولا حتى انه يملك رؤية واضحة لما يمكن فعله للشروع في الحل. وهذا ما لحظه منذ العام 2002 البروفسور ريمي لوفو إذ رأى أن الملك "يعاني أكبر الصعوبات في التحكم بمعطيات المشاكل التي تواجهه"[26]. وللأسف فإن الكوادر الشابة التي تحيط به ليست بالمستوى الملائم لمساعدته.

فالملكية التي تبالغ في إظهار بذخها والتي تعرض نفسها كثيراً على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية باتت تواجه المعارضة أكثر فأكثر. فشرعيتها، وبدون أن تكون موضوع تشكيك، تبدو أقل رسوخاً والمفترض إعادة تحديد موقعها الصحيح. فأحد المخاطر التي تحيق بمحمد السادس هو أنه لا يعرف كيف يرد على صعود الحركة الإسلامية إلا بالخيار الأمني كلياً، بدون التصدي للأسباب العميقة لما تلاقيه الأطروحات المتطرفة من صدى. فغالبية المغاربة الذين يواجهون الصعوبات في حياتهم، لا يحسون بان النظام يهتم لمصيرهم. وفي هذا السياق لا يمكن اعتبار مسألة المصاريف السنوية للملكية المغربية، وهي تبلغ تسعة عشر ضعفا مصاريف نظيره الاسباني كقيمة أصلية (بحسب تقديرات صحيفة "أل باييس" الاسبانية)، ووضع إرثه الهائل، قضية لا قيمة لها. فمن الإجراءات المطلوب اتخاذها إعادة توزيع الثروة والإصلاح المالي.

وسؤال آخر يطرح نفسه: فهل أن على الملك أن يتدخل في كل الأمور؟ أليس في هذا خطر بروز انعكاسات مكلفة جداً؟ أليس من الأفضل له أن يترك مسافة ويتخذ لنفسه موقع الحكم، فيعمل على إعادة الاعتبار إلى الطبقة السياسية التي بدونها لا يمكن تحقيق أي شيء؟ إن الكراهية واللامبالاة اللتين تتسبب بهما هذه الطبقة، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى موقف القصر منذ عقود، لا يمكن إلا أن تفيدا المتطرفين. وهذا التحقير لم يعد مقبولاً إلا إذا كان المطلوب تقليص الحياة السياسية إلى أدنى أشكالها التعبيرية[27].

وهذا ما يلفت إليه بالتحديد عبد السلام مغراوي[28] فيرى أن الملكية "يمكن ويجب إصلاحها عبر توضيح علاقتها الدستورية والقضائية بالدولة وبالمجتمع وبالحكومة". وهو اقتناع يؤيده أولئك الذين يريدون رؤية المغرب يدخل عالم الحداثة متسلحاً بملكية دستورية فعلية متنازلاً كلياً عن الدستور المعمول به حالياً.

إن اعتداءات 16 أيار/مايو عام 2003 قد شكلت إنذاراً أولاً ومؤسفاً لنظام لا يأخذ في الاعتبار الحقائق المؤلمة لشريحة من شعبه مثل تلك التي تعيش في سيدي مؤمن أو في هاي توماس من مدن الصفيح في الدار البيضاء. أما اعتداءات مدريد في 11 آذار/مارس عام 2004 التي جاء معظم منفذيها من المغرب فقد وضعت البلاد على لائحة الدول "المصدرة للإرهاب الدولي".

إن سياسة المغرب، الضعيفة في الداخل والمستهدفة من الخارج تبدو متذبذبة أكثر من أي وقت مضى وذلك بالرغم من السلطة المطلقة التي يتمتع بها ذاك الذي يمسك بمصيرها بين يديه.



* صحافي من مؤلفاته:

Le Règne de Hassan II (1961-1999). L’espérance brisée, Maisonneuve et Larose, Paris, 2001 et de Les Trois Rois. La monarchie marocaine de l indépendance à nos jours, Fayard, Paris, à paraître début septembre.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] . من خطابيه في 30/7 و20/8 1999.

[2] . مناضل سابق من اليسار المتطرف سجن مدة سبعة عشر عاماً قبل أن ينفى في العام 1991 إلى فرنسا في ظروف شائنة.

[3] . اقرأ :

Zakya Daoud, “ Le Maroc en mutation ”. Le Monde diplomatique, avril 1999.

[4] . اقرأ:

“ Le Maroc attend le grand changement ”, Le Monde diplomatique, juin 2001.

[5] . السيد اليوسفي المولود في العام 1924 في طنجه ورفيق مقرب من مهدي بن بركة هو أحد مؤسسي الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية. وقد عينه الحسن الثاني رئيس وزراء في شباط/فبراير عام 1998 وقد أبقاه محمد السادس في منصبه حتى تشرين الأول/أكتوبر عام 2002. وقد اعتزل الحياة السياسية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2003.

[6] . من كلمة "مخزن" وهي تعني قي المغرب البنية السياسية الإدارية التي ترتكز إليها السلطة وهي قائمة على الخضوع والطقوس والاحتفالات والتقاليد في مفهوم مميز بالسلطة التي تطبع مجمل الطبقة السياسية وفيها الملك هو المحرك الرئيسي.

[7] بحسب صحيفة "البايس" الاسبانية (9/6/2004) توجه الملك للوزراء في آخر اجتماع معهم بالقول: "باستثناء اثنان أو ثلاثة فإنكم غير فعالين وإذا كانت المهمة لا تعجبكم فلماذا لا ترحلون؟"

[8] . صحيفة "لو جورنال"، الدار البيضاء، 8-14/5/2004.

[9] . عقيلته، لالا سلمى، المهندسة، تشارك في الحياة العامة ولا تعيش منكفئة.

[10] . في 13/5/2004.

[11] . “ Le Maroc, un an après la mort de Hassan II : une conversation à trois (Mounia

Bennani-Chraïbi, Abdallah Hammoudi et Rémy Leveau) ”, Annuaire de l Afrique du Nord, Volume 38, pp. 259 et sq, CNRS Editions, Paris, 1999. Disponible sur le site : http://services.inist.fr/cgi-bin/public/views_doc



[12] . من أجل مزيد من الاطلاع على هذه المجموعة(ONA) راجع موقعها على الشبكة:

http://www.groupe-ona.com/

[13] . تحدثت صحيفتا "تل كيل" و"لوجورنال" موسعاً عن هذه المسائل وخصوصاً عن عملية شراء البنك التجاري المغربي، التابع لمجموعة ONA وفي ظروف ملائمة جداً له، للبنك المغربي الخاص "وفابنك".

[14] . من حديث لمجلة " GQ" (Gentlemen’s Quarterly) الأميركية في 5/5/2004.

[15] . ينص مشروع بايكر على فترة خمس سنوات من الاستقلال الذاتي للصحراء الغربية قبل إجراء استفتاء حول تقرير المصير. وإذ وافقت عليه الجزائر وجبهة البوليساريو ورفضته الرباط وقع هذا المشروع في مأزق.

[16] . وهو اتفاق انتقدته بشدة وسائل الاعلام. وعلى كل فان جوزف إي. ستيغلتز، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، قد اقترح على الرباط، خلال جولة محاضرات في المغرب خلال شباط/فبراير الماضي، بـأن تنتظر عودة الديموقراطيين إلى الحكم في واشنطن لكي يحظوا باتفاق أفضل.

[17] . اقرأ :

Ali El Sarafi, “ Tour de vis sécuritaire au Maroc ”, Le Monde diplomatique, juillet 2003.

[18] . ويسجل هنا أنه خلال التعديل الوزاري الأخير في 8 حزيران/يونيو الماضي تم إلغاء ملف وزير حقوق الإنسان الذي كان يتولاه السيد محمد عوجا.

[19] . أحد الإسلاميين الشباب الذي أوقف في 26/5/2003 ويدعى عبد الحق بن تيسير، والملقب بـ"ملسبات؟؟؟" توفي "بشكل طبيعي" في إحدى عربات الشرطة أثناء نقله إلى إحدى مفوضيات الشرطة في الدار البيضاء. وفي 24/6/2004 نددت منظمة العفو الدولية بـ"أعمال التعذيب المنتظمة" في مركز الاعتقال في تمارا بين الرباط والدار البيضاء على ساحل الأطلسي. راجع على الشبكة:

http://www.amnesty.asso.fr/

[20] . من تصريح لصحيفة "جورنال"، الدار البيضاء، في 15/5/2004.

[21] . من خطاب إلى الأمة في 29/5/2003.

[22] . كان قد ندد بالفساد في صفوف الجيش.

[23] . إن طرد صحافيين نروجيين في منتصف حزيران/يونيو 2004 الذي أخطآ في مقابلة أحد الصحراويين المتمردين لم يحسن من صورة النظام.

[24] . راجع:

Wendy Kristiansen, “ Débats entre femmes en terres d’islam ”, Le Monde diplomatique, avril 2004.

[25] . مجلة باري ماتش، المرجع المذكور اعلاه.

[26] . راجع :

In “ Monarchies arabes, transitions et dérives dynastiques ”, Etudes de la Documentation française, Paris, 2002.

[27] . إن تشكيل تجمع من اليسار الديموقراطي في أول حزيران/يونيو عام 2004 يضم خمس أحزاب اشتراكية صغيرة يهدف إلى إنشاء "حزب اشتراكي موثوق" بحسب ما يقول مؤسسوه.

[28] أستاذ في جامعة برنستون، من مقال نشره في صحيفة "لو جورنال"، الدار البيضاء، 7-13/6/2003.


جميع الحقوق محفوظة 2004© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#إينياس_دال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إينياس دال - خمس سنوات من حكم الملك محمد السادس خيبة الآمال في المغرب