|
خسائر العراق والعرب من تلاعب الدكتاتوريين الجُدد
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3029 - 2010 / 6 / 9 - 18:25
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من هو الرابح، ومن هو الخاسر من تلكؤ بعض السياسيين العراقيين، في تسليم السلطة للفائزين الأكثر حظاً، في الانتخابات التشريعية الأخيرة؟
وهل سيشهد العراق المزيد من ضياع الوقت، وتعطيل مشاريع التنمية والإنماء والإعمار، وهو البلد الذي أشد ما يكون حاجة لمثل هذه المشاريع، بعد سنوات طويلة أهملت فيها العهود السابقة، مثل هذه المشاريع، والتفتت إلى بناء القصور الفخمة، وخوض حروب طويلة، ومهلكة، وخاسرة، ومجانية؟
مقتل الديمقراطية بدم بارد
وهل ستصبح أقوال بعض الزعماء السياسيين العراقيين واقعاً سياسياً أليماً، أم كلاماً لغواً لا معنى له، كقولهم في فندق الرشيد ببغداد، وأمام زعماء عشيرة بني مالك: "أخذناها وبعد ما ننطيها"، و"الهاء" تعود هنا على السلطة، أو كرسي الحكم، أو رئاسة الوزراء، التي ظنَّ الدكتاتوريون الجُدد في العراق أنهم مخلدون فيها، وأنهم من القصر إلى القبر، كما كان يظنّ من قبلهم صدام حسين، الدكتاتور السابق.
أو قولهم كذلك: "لا يستطيع أحد أن يأخذها حتى نعطيها" أو كما قيل في 2/3/2009: "نعطيها للشيطان ولا نعطيها لهم" و"هم"، تعني هنا من سيفوز في الانتخابات التشريعية القادمة 2010.
إذن، رائحة الدكتاتورية الكريهة والنتنة، التي تفوح الآن من العراق، واضحة، وصريحة، وتزكم الأنوف، وتبعث على التقيؤ والقرف، وتقول للمؤمنين: اطلبوا الغوث، والرحمة من الله.
من هم الخاسرون والرابحون؟
الجواب على السؤال السابق، هو بكل بساطة ووضوح، الشعب العراقي والوطن العراقي هو الخاسر. أما الرابحون فهم كُثرُ في داخل العراق، وخارجه. أما في داخل العراق، فهم الدكتاتوريون الجُدد، الذي اقسموا قبل الانتخابات، أنهم لن يسلِّموا السلطة لأحد! وتعهدوا أمام العشائر، وعناصر حزبهم، أن لا أحد يستطيع نزع مُْلكَهم منهم. وكنتُ انتظر من هؤلاء، إعلان العراق دولة ملكية، وملوكها هم ملوك الطوائف الحالية، غير المتوجين، الذين يتناحرون على السلطة، تناحر الكواسر الجائعة على الفريسة.
وأما الرابحون خارج العراق، فلا شك أنهم هؤلاء المستفيدون مادياً، وعسكرياً،ً وسياسياً، ونووياً، من "ضياع الطاسة"، وفوضى الحكم، والفراغ السياسي، في العراق، وانشغال العراقيين والأمريكيين في التوفيق بين ملوك الطوائف العراقية، وإيجاد "صيغة حل" و "ترضية" تحول دون استيلاء الدكتاتوريين الجُدد على السلطة العراقية، وقَسَمُهم بأنهم سوف يعطون السلطة للشيطان، قبل أن يعطوها لصاحب الحق الدستوري والوطني.
بعض الخسائر المنظورة
لقد كانت، وستكون، خسارة الشعب العراقي كبيرة، تُضاف إلى جملة خسائره السابقة، من جراء هذا التلكؤ السياسي الذي يمارسه الدكتاتوريون الجُدد في العراق، ورفضهم تسليم السلطة لمن يستحقها، وتفضيلهم الشيطان (ومعروف هنا من هو الشيطان في هذه الحالة) على من يستحقها. وقد أجمل الزميل والأستاذ الباحث، والمحلل السياسي العراقي، غالب حسن الشابندر هذه الخسائر المنظورة في التالي:
1- مضاعفة تداعيات التجاذب الطائفي والعنصري.
2- تقوية دور العشائرية أكثر، وترسيخ هذا الدور بشكل أعمق، مما يساهم في ازدياد فرص ومجالات تمزيق اللُحمة الوطنية، حيث يضطر الناس الى اللجوء أكثر لعشائرهم، لمعالجة مشاكلهم، وحماية حقوقهم، وفضِّ خصوماتهم.
3- حصول فراغ أمني، وقضائي، وإداري. وسوف يُضطر المواطن نتيجة لذلك، إلى اكتشاف البديل، الذي يُسيِّر له أمور حياته، وشؤون يومه. وهنا يبرز دور الطائفة، والعشيرة، بشكل واضح.
4- ازدياد نزعة الانفصال القومي، والطائفي. فمن المعلوم أن العراق يعاني من شبه انقسام إثني وطائفي. ولا شك أن غياب الحكومة، يُسبب مزيداً من شحن هذه النزعة، ويساعد على تبلورها.
5- توسيع شقة الخلافات بين الكتل الفائزة. وهذا من شأنه أن يخلق خلافات جديدة داخل الائتلاف الواحد. وبالتالي، تتضاعف وتتزايد التناقضات بين الكيانات السياسية، وفي داخلها أيضاً. مما يوفر المزيد من فرص الفوضى السياسية، وما يمكن أن يلحق بذلك من فوضى أمنية، وإدارية، واقتصادية. 6- سوف تتوفر فرص مواتية أكثر، للدول الإقليمية صاحبة المصلحة في العراق. وسوف تعمل هذه الدول على تقوية نفوذها داخل العراق، نتيجة للفراغ السياسي القائم. 7- نشوء علاقة سلبية بين المواطنين العراقيين وبين الكثير من صُنّاع القرار السياسي، خاصة المُتصدين للعملية السياسية مباشرة.
خسائر أخرى مُحقَقة
ونضيف على هذه الخسائر التالي:
1- تعطيل مشاريع التنمية والبناء والإعمار التي العراق بحاجة إليها الآن.
2- زيادة نسبة الفساد المالي والإداري. فقبل مدة قصيرة أعلنت "هيئة النزاهة" العراقية عن ارتفاع نسبة الفساد المالي والإداري في عموم العراق رغم انخفاض أعمال العنف.
3- زيادة أعمال الإرهاب، ودخول المزيد من قوافل الإرهابيين، حيث أصبح العراق بوابة بدون حارس، في ظل التنازع على السلطة، ونشوء فراغ سياسي، من غير المحتمل التغلب عليه قريباً، في ظل وجود الدكتاتورية الجديدة في العراق، التي تصرُّ على عدم تسليم الحكم، وعدم تداول السلطة، كما أعلنت أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة.
4- فقدان الشعب العراقي لأهمية الانتخابات وصناديق الاقتراع. فلقد ظن الشعب العراقي بإقباله المبارك والكثيف غير المسبوق على الاقتراع، بأنه هو صاحب القرار في تكوين السلطة. ولكن تلكؤ الدكتاتوريين الجُدد في تسليم السلطة، وتداول الحكم، أفقد هذا الشعب الثقة في صناديق الاقتراع. وفي ظني أن أية انتخابات قادمة في العراق، لن يكون فيها هذا الزخم الشعبي الذي شهدناه في الانتخابات السابقة في 2005، و 2010.
5- وأخيراً، وهو المهم، والمأسوف له جداً، وهو فقدان الشعب العربي خارج العراق الأمل بإمكانية التغيير السياسي نحو الأفضل وتحقيق الحرية والديمقراطية، التي كان الشعب العربي يأمل باستنساخها من تجربة العراق الجديد بعد 2003. وبذا، لم يكن التلكؤ السياسي في تداول السلطة العراقية كارثة على العراق وحده، بل أصبح كارثة قومية عربية عامة.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق هو الشغل الشاغل الآن للإعلام والسياسة
-
العراق: من دكتاتورية البعث إلى دكتاتورية الملالي
-
من عراق الدكتاتور إلى عراق الدكتاتوريين!
-
الدبلوماسية والاحتلال الإيراني بقفازات إسلامية
-
المائدة العراقية: أمريكا طبخت وإيران أكلت!
-
هل يُصلِحُ العطار الأمريكي ما أفسده الدهر في العراق؟
-
لماذا خابت آمالنا في العراق الجديد؟
-
هل عَلِمْنا بعودة المماليك للعراق؟!
-
الديمقراطية كُرة النار التي تتقاذفها النخب العراقية
-
سقط صدام لكن سلوكياته ما زالت فاعلة
-
العراق: لماذا من جمهورية الخوف الى جمهورية الفساد؟!
-
العراق ونتائج الامتحان العسير
-
أدلة التنوير للخروج من -اللعنة-
-
أسئلة الانتخابات التشريعية العراقية
-
صوت صادح من أصوات التنوير الحديث
-
العراق: من انتخابات 1923 إلى 2010
-
العراق أمام استحقاقات الديمقراطية الصعبة
-
العراق: بين سردين الطائفية وحوت البعث
-
العراق: المثال العربي للعدل السياسي
-
العراق: من اللاهوت السياسي إلى الفلسفة السياسية
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|