عادل كنيهر حافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3028 - 2010 / 6 / 8 - 20:58
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
لابد من القول بدءا, أن السياسة هي مجال معين من مجالات النشاط الاجتماعي, الذي يعني بقضايا إدارة الدولة والمجتمع, وإيجاد الطرق والوسائل والآليات لتلك الإدارة. وتقام أركان السياسة على قراءة الواقع , والخروج باستنتاجات , لمعالجة متطلباته الضرورية وسبل تطوره .
وفي هذا السياق تتطلب السياسة لممارستها, أناسا على درجة من الثقافة, تتناسب مع درجات تطور المجتمع, وتتجاوزها أحيانا, في سياقات المعارف النظرية, لتحليل وقراءة الواقع, وإعطاء تقدير علمي لمستقبل عمليات التطور الاجتماعي والاقتصادي للبلد المعني.
وتعد السياسة في العمق ,عن كونها تعبير مكثف عن المصالح الاقتصادية, وشكل إدارتها في هذا البلد أو ذاك .
كما أن ممارسة السياسية قد افرز لغة متميزة, وأدبا يكاد أن يكون خاصا ومناسبا, وينسجم مع مقام تلك الممارسة.
لذلك تكون أحاديث السياسة دون استخدام لغتها ومفرداتها شيئا من عدم الالتزام بما متعارف عليه في فضاء الثقافة السياسية,وتجاوزا على المألوف في النقاش والجدل السياسي.
والحافز الرئيسي لما تقدم من حديث, هو لشديد الأسف, وجود بعض السياسيين العراقيين , الذين لا يتحدثون بلغة السياسة ومتطلباتها , وإنما يجيبون على الأسئلة بأجوبة لاتصل وتتوافق مع متطلبات ما يسألون عنه .
وهنا أشير لمثلين على ذلك :
أولا – الجواب الذي أعطاه أحد القياديين في أحد الأحزاب الإسلامية وأثناء مقابلة تلفزيونية أجرتها معه محطة السومرية العراقية, قبل الانتخابات العراقية بأيام , حيث عرض عليه مقدم البرنامج صورة لأسطورة التضحية العراقية, الشهيد يوسف سلمان {فهد} ,وهو مغلول اليدين والرجلين بسلاسل الحديد , وسأله إن كان يعرف صاحب الصورة ؟ , ولما رأى مقدم البرنامج تلكئه في الإجابة, سبقه منقذا وقائلا, هذا فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي. والملفت في الأمر أن الصورة كانت لأشهر رموز الكفاح السياسي في العراق , وسبب استشهاده البطولي معروف , وتأريخ إعدامه ليس بالبعيد جدا . وهنا يتساءل المرء !! بأي درجة من الثقافة السياسية يكون هذا الرجل القيادي ؟ , لاسيما وان قراءة تاريخ الحركة الوطنية العراقية من أوليات متطلبات العمل السياسي.
لذلك كنت أتصور أن الرجل سوف يقف وينحني بإجلال لهذا الشهيد , لأنه كان مقيدا بالحديد , ليس لجرم ارتكبه, أو لجنحة مخلة بالشرف, وإنما صعد المشنقة في سبيل سعادة وحرية الشعب العراقي .
ثم سأله مقدم البرنامج سؤالا بأثر السؤال السابق, عن الحزب الشيوعي العراقي وسياسته الحالية وعن رأيه !! , وبدلا من أن يتحدث عن نضال الحزب الشيوعي العراقي, ودوره في مناهضة الاستعمار والرجعية والدكتاتورية, أو عن برنامجه السياسي, أو على الأقل برنامجه الانتخابي...., ولكن هذا الرجل القيادي, أجاب جوابا لا صلة له بسؤال المذيع,حيث أجاب بأن أفكار الشيوعيين لا تتلاءم مع الواقع. وجوابا مثل هذا يكون لسؤال عن أفكار الحزب الشيوعي النظرية ,لا عن الحزب وسياسته وبرنامجه الحالي.
المهم في الأمر أن هذه الأجوبة قد ذكرتني بحديث للمرحوم شمران الياسري {ابوكاطع}, طيب الله ثراه ,حيث كنت ذات مره مع رفيق في جريدة طريق الشعب ,وحين حضر ابوكاطع, وأول جملة سمعتها منه هي { على هالرنة وطحينج ناعم }, وحين سأله احد الرفاق عن المعنى من حديثه, تحدث أبو كاطع عن شخص, واعتقد انه كان بعثيا , ولكن المرحوم أبو كاطع قال( فد واحد),حيث { أقاموا له أهله حفلة عرس ممتازة , وعادة الناس في الريف , يزفون العريس على زوجته , وبعد فترة من الوقت يخرج العريس , ويسأله أهله , {هل جامعت زوجتك } وكالعادة سألوه هذا السؤال , ولكن العريس لم يدبر أموره , فأجابهم هذا نهر العرار شلون يجري جريان ! حيث كان نهر صغير يسمى نهر العرار قرب بيوت القرية , إلا أن أم العريس غاضها الجواب , فقالت له بعصبية { إحنا ما سألناك على نهر العرار , احنه أنكلك أخذت مرتك لو لا؟ }
المثل الثاني على تدني اللغة السياسية عند بعض السياسيين , هو مقالة الشماتة , التي وصلتني من موقع صفحة اليسار العراقي , التي أتابع قراءة كثير من مواضيعها , وهذه المقالة كتبها الأخ على بوتو , وهو على حد علمي من ناشطي الحزب في السبعينات , إلا أن ما سطره في المقالة لا يعني البتة انه يريد أن يوجه نقدا بناء بهدف تقويم هذا الجانب أو ذاك من عمل الحزب , وبرنامجه السياسي , واطروحاته النظرية ,وهذا مرحب به وحسنا يفعل الرجل لو جاء بأمر كهذا. هذا أولا, وثانيا أن يقدم الناقد بديلا للموضوع مدار النقد, لكي يجري النقاش عن صلاحية أي من الموضوعين. وثالثا – الحزب يقوم أولا من نظرية وأهداف قريبة وبعيدة وبرنامج لتحقيق الأهداف , و من عنصر بشري يعمل ضمن نظام الحزب , الذي يعين المسؤوليات , وكيفية التعامل داخل التنظيم , والكل خاضع للتغيير, شأن كل عناصر المادة المتنوعة , ولكن تغيير العنصر البشري هو أسرع تغييرا من مقومات الكيان السياسي , لذلك من الخطأ أن يتركز النقد على العنصر البشري , إلا إذا أريد بالنقد ضرب وحدة الحزب من خلال تلطيخ سمعة قيادته وإيجاد عدم الثقة بين القاعدة والقيادة .
رابعا – يفترض بالكاتب الناقد أن يكون ملما بالموضوع وشخوصه المعنية بالنقد , وهنا أرجو أن يتسع لي صدر الأخ علي بوتو , لأقول له , انك لا تملك كثيرا من المعلومات عن سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي, ولا عن القياديين الذين تهكمت عليهم بلغة غير متداولة في تعاطي السياسة .
فيما يتعلق بالشخصية القيادية, الدكتور علي عوده {أبو برافدا}, أقول لك أن أول عملية اقتحام لأحد المواقع العسكرية الصدامية من قبل أنصار الحزب الشيوعي عام 1981 في منطقة بهدنان كان قائد مجموعة الاقتحام التي سيطرت على الموقع هو علي عوده, وأخر عنصر ظل في الموقع يهتف باسم صدام, أسكته علي عوده( أبو برافدا) سوية مع هلاهيل الشهيد أبو كريم, وهتافات الرفيق أبو حسين باسم الحزب الشيوعي . إما عضو اللجنة المركزية جاسم الحلفي( أبو أحلام) , فلا أستطيع أن اعدد لك المواقف البطولية والعمليات العسكرية التي رفعت من سمعة الحزب , والتي كان ينفذها مع رفاقه الأنصار,والتي قادها شخصيا , حيث كان أبو أحلام مستعدا دائما للتضحية بنفسه في سبيل الحزب . ومن الطبيعي القول أن ليس هناك إنسانا يخلو من العيوب , وقبل أن تتهمني بالوصولية , أحيطك علما بأني كنت أكثر مسؤولية في كردستان من القياديين الذين تهكمت عليهم . إما زعيم الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى , فأنك لم تعايش الرجل يا أخ علي بوتو , ولو تتعرف عن قرب بهذه الشخصية , لجمعت راحتي يديك وضربت بها جبينك بقوة, ندما على شتيمتك الرجل بتلك البذاءة { الله يطيح حظك حميد مجيد موسى }.
حميد مجيد الذي أنهى دراسته الإعدادية بأعلى درجات النجاح في العراق, والذي خرج مهشما وبأعجوبة من أيادي البعث. الرجل الذي يتدفق غيرة وحمية على الحزب ورفاقه , الرجل المخلص النزيه, كريم الخلق وعفيف النفس , الذي يتمتع بذكاء ودبلوماسية لا يناظره في ذلك أحدا من قيادة الحزب , الرجل الذي عاش في ساحة الأنصار منذ 1983 حتى 2003 حيث أصيب بالهجوم الكيماوي على منطقة بهدنان, وكاد أن يقتل في هجوم الجيش العراقي على مدينة اربيل ... وأنت يا أخ علي تكافئه بشتيمة {طيح الله حظك حميد....}, هل قصدك تقويم سلوك الرجل ؟ وهل صادفت في قراءتك للأدبيات السياسية ألفاظا كهذه ؟ , السياسة يا صاحبي هي اعلي درجات الجدية لأنها تبحث وتتعلق بمصير الناس , لذلك تكاد لغتها تكون خاصة بمفرداتها اللغوية , حيث توصف السياسي المنحرف بالدكتاتور , أو الانتهازي , وصولي ,يميني , يساري , متلكئ , كما يوصف السياسي الجيد , بالمناضل , الجهادي , الملتزم .....وهكذا لا نجد مكانا لمفردات طايح الحظ , أو ابن الكلب, أو ابن القرد , لان هكذا مفردات تحول السياسة من أعلى درجات الجدية إلى تسميات حديقة الحيوان . وأخيرا أقول أن أعضاء قيادة الحزب الشيوعي , لم يضعوا اللوم فقط على وعي المواطن العراقي في عدم التصويت لممثلي الحزب ,وإنما أيضا وضعوا اللوم على كامل قوى التيار الليبرالي العراقي, لأنهم أثروا المكاسب الضيقة, وضيعوا أنفسهم في ثنايا الكتل الكبيرة , وأملي أن يكون الجدل والحوار عموما لصالح الوطن , وان يدار بروح ايجابية ولغة توازي جدية السياسة وثقافتها المطلوبة .
عادل كنيهر حافظ
#عادل_كنيهر_حافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟