|
مشاهد حياتية مستفزة(الحلقة3)
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 3028 - 2010 / 6 / 8 - 15:25
المحور:
حقوق الانسان
مشاهد حياتية مستفزة.(الحلقة 3)
عرفت مجتمعاتنا العربية عامة، والمجتمع المغربي خاصة، تحولات اجتماعية خطيرة في بعض قيمها ومسلكياتها، إلى درجة أصبحت تنذر بأفدح الأخطار، حيث طغت الكثير من التصرفات السيئة على الأصول القيمية وتحكمت فيها، حتى باتت هوامش ومنسيات تراثية، وأفقدتها قيمتها الأصيلة وبريقها الذي كثيرا ما افتخرنا به على العالمين مند غابر الزمن. والخطير في الأمر، أن عقلاء الأمة لاذوا بالصمت حيال انتشارها، ولم يحركوا ساكنا لصدها وتغيرها، وهم ربما معذورون في ذلك لسببين اثنين، الأول: لأن وقوف أي كان في وجه الخطأ والفساد يجر عليه عداء كل الجهات الفاسدة والداعمة للفساد، وهم كثر. والسبب الثاني: لأن أكثرية الناس لا ينتصرون للموقف الصحيح وإن كانوا أصحاب مصلحة فيه، مطبقين المثل المغربي الدارج: "بعد من البلى لا يبليك" والذي يطابقه عند إخواننا في المشرق " ابعد من الشر وغني له". ما مكن هذه السلوكات المستفزة من تصرفات العباد، وقد اخترت بعضها لكثيرة ذيوعه بيننا وعظيم استفزازه لمشاعرنا . المشهد رقم 1 الجزء 3 النظافة والثقاقة البيئية. كم هو مستفز تحول مجتمعنا الذي يتوضأ خمس مرات في اليوم، إلى مجتمع ملوث لبيئته بفضلاته الصلبة والسائلة، حيث يمكن لأي مواطن، وفي أي جهة من جهات بلادنا العزيزة، أن يلقي بأكوام النفايات وأكياس الزبالة، بل ويمكنه أن يحفر في الطريق الرئيسي والفرعي لمد المياه أو الصرف الصحي أو الهاتف دون مراجعة الجهات المسؤولة ، ويطرح مخلفات البناء على جنباتها الرئيسية والفرعية، ويرميها على الأرصفة وفي الشوارع والأزقة، ، ودون مساءلة أو محاسبة، حتى عجت ٍجل بيوت مدننا وشوارعها وأرصفتها وحدائقها ومدارسها وحتى مؤسساتها الرسمية بالأوساخ والقاذورات. بخلاف البلدان المتحضرة التي أصبحت قضية النظافة عندهم سلوك حضاري وأخلاقي وديني واجتماعي وبيئي وجمالي، يمارسه المواطن لديهم بحكم انتمائه الوطني كتعبير عن المواطنة الصحيحة، ويحض عليه المسؤول بحكم مسؤوليته. وقد رأيت يوما في أحد شوارع باريس، منظر طفل صغير يلتهم مثلجة بشهية، ولما تبقى في يده غلافها، لم يلقي به على الأرض كما يفعل كبارنا قبل الصغار، بل توجه به مباشرة إلى أقرب سلة مهملات، ورمي به فيا بهدوء. فكانت بذلك شوارعهم نظيفة، وأرصفتهم نظيفة، لأن مدارسهم وجامعاتهم تغرس في طلابها ثقافة البيئة، فتحولت قضية النظافة والبيئة عندهم إلى سلوك ومواطنة. المشهد 2 الجزء 3 ثقافة الورود. شيء جميل أن يصبح الورد في بلادنا أفضل ما يقدم في كثير من المناسبات السارة والمفرحة، لما يحمله من تعبيرات التأدب واللباقة والمجاملة، وما يرمز إليه من الوجاهة الاجتماعية، وقد عرفت تقليعة إهداء الورد للأهل والأصحاب والأحباب الأعزاء، انتشارا كبيرا، ورواجا مهما في الآونة الأخيرة. لكن الغريب في المستفز حقا، هو أن هذا السلوك الحضري الذي دخل ثقافتنا المغربية على حين غرة، لم يستطع أن يلغي عادة العبث بالورود وكل أنواع الأغراس في حدائقنا العامة والخاصة، حتى غدت تتشابه جميعها في الجذب والتصحر وقبح المنظر. ولم يلغي ما نعيشه من تناقض مع الذات والسلوك، بحيث أننا لا نزرع الورود في حدائق منازلنا، لمن يملك حدائق منزلية، أو في المزهريات على شرفات نوافذنا، أو على السطوح كما كانت تفعل الجدات في السابق، ولكننا نقتلعها أينما وجدناها، ومع دلك نقدمها هدايا ذات معان رومانسية.. أليست هذه ثنائية مستفزة ومثيرة للدهشة، بل وللألم أيضا. المشهد .رقم 3 الجزء 3 تدخين رجال التعليم أمام التلاميذ. أمر مستفز لكل إنسان سوي، مشهد رجل التعليم، معلما كان أو أستاذا أو حارسا عاما أومديرا، وأي عامل بالمؤسسات التعليمية، وهم يقفون في ساحة المدرسة وقد أمسك بسيجارته ينفث دخانها أمام التلاميذ، وعلى بعد أمتار قليله من السبورات والمجلات الحائطية التي أنتجها التلاميذ بمعية نفس المعلم وقد علق عليها يافطات النصائح المحذرة من عواقب التدخين، وإنه يسبب السرطان، فكيف يا ترى يجرؤ هذا المعلم الذي سمعه تلميذه يقول له إن التدخين يسبب السرطان! على مواجهة الدهشة والاستغراب التي تملأ نظرات التلميذ البريء له وهو يشعل السيجارة تلوى الأخرى، وأي قيم سيتشبع بها أبناؤنا في هذه السن الخطيرة، وماذا ينتظر منهم في المستقبل. فهل نحن بحاجة إلى أنظمة صارمة تمنع رجل التعليم (على الأقل) وهو في ساحات المدارس من أن يقوم بذلك السلوك المرفوض،التدخين.
هذه صور حياتية من صنع أيدينا.. وهي نتاج ثقافة مجتمعية سيطرت عليها العادات والتقاليد والأعراف التي- مع السف- تتمسح جلها بالإسلام وتدّعي زوراً انتسابها إليه، وانتماءها لأحكامه وتعاليمه. صور من ألبوم حياتنا يحوي مئات الألآف من الصور التي نصنعها بأيدينا وننحتها بأدواتنا ونتمسك بها حد العبادة، ما يعطي الفرصة للآخرين لتوظيفها في مهاجمة إسلامنا والطعن فيه وإرهاب المُتعاطفين معه للابتعاد عنه والتخلي عن دعمه أو حتى الدفاع عن حقوقه. ولا أدري هل سنستفيق من سباتنا ونراقب تصرفاتنا، ومتى نرجع جميعاً لديننا الحق ونقتدي بسيد الخلق نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قدوتنا في هديه وسلوكاته وتعاملاته وفي أخلاقه.. ولن يتأتى ذلك إلا بالتوعية الفاعلة والحقيقية، التي هي مفتاح تفكيك كل الظاهرة السلبية واحتوائها، وهي التي تخلق في المجتمع روح المسؤولية، وتواجه كل الاعوجاجات السلوكية التي تخطف منه الفرحة والعذوبة، وتطارد من حوله الجمال والحق والبهجة وتغتال الحب. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشاهد حياتية مستفزة الحلقة 2
-
مشاهد حياتية مستفزة, الحلقة الأولى,
-
عيد العمال بنكهة جديدة
-
اليوم العالمي للصحافة
-
احتفالات عيد العمال
-
على هامش المصادقة على مدونة السير الجديجة
-
قصار القامة عظماء الهامة
-
المعارض ليست سيئة كلها
-
الاعتذار(1)
-
فوضى الأعياد
-
محاسبة الرؤساء بداية الإصلاح
-
لغو أطفال
-
من شب على شيء شاب عليه
-
الرياضة والسياسة
-
قراءة في الانتخابات المغربية الأخيرة
-
الهوية، أمازيغي قح
-
مغازلة الطارئين
-
مغامرة الكتابة ؟؟
-
توهج الكلمة
-
الصحافة الإلكترونية تتمأسس بالمغرب
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|