|
حلم رقم 2 وبلاغ مدني رقم واحد من دمشق
خالد المريز
الحوار المتمدن-العدد: 922 - 2004 / 8 / 11 - 10:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ملأت الناس ساحات دمشق وسُدت شوارع المدينة بهم ولم يبق مكان لموطئ قدم إلا وبه جموع السوريين! إنهم مهتاجون، مغتاظون، يملأ صوت هديرهم كل مكان ولهم "جلجلة كبيرة" أقوى من تلك التي رآها مصطفى طلاس في نومه والتي صدرت عن رجال تعدادهم بالآلاف" يرقصون رقصة الحرب"، وبما أن "الشيخ الجليل أحمد الرفاعي" لا يتقدم هؤلاء الرجال اعتمرني الفرح إذ أدركت أنني لست في حلم مصطفى طلاس ولست طرفاً في الحسم ما بين حافظ ورفعت الأسد....بجانبي يقف شخص يبدو أنه أهدأ من بقية الهادرين في هذا البحر من الرجال. في كل الأحوال، بهرني ما رأيت فصرخت بصوت عال: "الله أكبر، ماذا أرى!؟ بحراً أرى؟!" فأسرع الشخص الذي يقف بجانبي ووضع يده على فمي ليمنعني من الكلام.... قبل أن أحاول رفع يده عن فمي قال: "كيف تردد هذه العبارة؟ ألا تخشى أن يخطئوك ويلخبطوا بينك وبين حافظ الأسد؟ بالرغم من أن موديل رأسك لا يشبه موديل رأسه!" قلت في نفسي: يبدو أن الأحداث سبقتني أو حصل الكثير مما لا علم لي به وأنا نائم! كان أكثر هؤلاء الرجال بين العشرينات والخمسينات من أعمارهم، وأما جموع الرجال في الستينات أو ما يزيد من أعمارها فتميزت باللون الأبيض الذي تلبسه، لقد ارتدوا ثياباً بيضاء طويلة فضفاضة! "ولعمري إنها أكفان!" تجرأت وقلت ذلك بصوت عال، فنظر إلي نفس الشخص الذي منعني من الكلام قبل قليل وقال "أصبت، إنها أكفان لبسوها تلبية لنداء غسان تويني من صفحات النهار إلى العرب أن يلبسوا أكفانهم ويسيروا بجموعهم باتجاه فلسطين من أجل قضية العرب، هؤلاء سمعوا النداء وقرروا أن المسير من أجل قضية العرب، كل العرب، يبدأ من هنا، من دمشق!"
يبدو أن كل هذه الجوع تحركت وهبت على هذا الشكل بدافع واحد. ولكن ، ومع وجود هذا الدافع الذي جمع كل هؤلاء يتعثر أن يتابع المرء ما يقال في كل الأماكن التي أراها وأرى هذه الجموع بها فاختلطت الأصوات ولم أستطع تمييز ما يقال من هذه الجهة أو من تلك، كنت أسمع وأميز فقط ما يدور بالقرب مني وعلى بعد بضعة أمتار، ولكنني أخال أن الجميع يتكلمون حول أشياء مشابهة لما أسمعه هنا في قطر دائرة تمييزي لما يقال. كان أحدهم يسأل: "نحن نزلنا إلى الشارع ولكن هل الظرف الذاتي والموضوعي ناضجان؟" فأجابه شخص آخر بقليل من التهكم: "يا له من سؤال! وهل هناك أنضج مما تراه وتعيشه؟ انظر حولك إلى هذه الجموع! هل كنا في الشارع لولا أن كل الشروط متوفرة؟" وتابع متحمس آخر الجواب قائلاً: "أولادنا يكبرون ونحن نهرم ولم نعد قادرين على الانتظار حتى يقول قائل نضجت الظروف... وليكن بعلمك: نحن نُنضّج كل الظروف...دعونا من الكلام ولنبدأ الهجوم." تساءل آخر: "ولكن ألا نحتاج إلى قيادات لتقودنا؟" أجاب ثالث: "دعك من هذا ياصاح.. ثم من تريد؟ الأمين الأول رياض الترك يفكر بالاشتراكية الديمقراطية وله تفكير آخر يختلف عنا، الأخ أبو أنس البيانوني ينتظر عفواً من بشار الأسد ليشمل الجميع ويعود إلى سورية ويمارس حقه في العمل السياسي ومازال يناقش (الميثاق)، وأما منيف ملحم فهو ضد العولمة ولهذا يريد أن يسامح البشار على جرائم الحافظ ويريد المصالحة، والرفيق فاتح جاموس يعلق على قرار النظام بعودته إلى السجن بالكلام عن الموقف (اللاعقلاني للسلطة) وكأن لها مواقف أخرى مناقضة، فاتح يريد يا صاحبي عقلنة النظام! عقب أحدهم على ما سمعه: "لا نستطيع انتظار الاجتماعية الديمقراطية التي يعدنا بها الترك، ولا نستطيع الانتظار إلى أن يعقلن فاتح جاموس النظام، ولا نستطيع انتظار الأحزاب أن تضع برنامجاً، ولن نتأخر أكثر في انتظار رحمة من لا رحمة بقلبه فنحن أمام حاقد ورث حقده وكرهه من أبيه...
على بعد بضعة أمتار فقط من مكان وقوفي كان هناك من يهتف و"يزمجر بغضب" ويريد الإسراع في إنجاز المهمات ويتكلم عن الأولويات. "اهجموا على السجون وحرروا السجناء ... اهجموا على فروع الأمن واحتلوها، وإياكم أن يضيع أي ملف أو أي تقرير أو أي قصاصة ورق مهما كانت صغيرة ... حافظوا على كل قصاصة وخاصة في فرع الأمن العسكري...لا تعاملوا الحراس بعنف وقريباً سنصنف الجميع وسنعزل المجرم ونقدمه لمحكمة عادلة وعلنية عما اقترفت يداه، ولكن إن حاول أحد حراس تلك الفروع إضرام النار للملفات فاحرقوه قبل أن يتمكن من ذلك....إننا نريد الملفات كما هي ، وأدوات التعذيب كما هي اتركوها على حالها ولا تأخذكم العاطفة أو يأخذكم الحماس وتتعاملوا بعنف إن لم يكن له من داع...
قال آخر: "سنحتل مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين ونقرأ بلاغ رقم واحدً على شعبنا الباسل" عقب آخر: "ولكن هذا يذكرنا بالإنقلابات العسكرية والبلاغ رقم واحد، وأنا ومعي الشعب السوري بالتأكيد، نكره أن تطلق علينا صفة الباسل بسبب الباسل وأبيه وأخيه وعائلته...ارحمونا قليلاً وغيروا من اللغة.." فرد عليه: "موافق معك على كل ما قلته ولكنني مصر على إطلاق بلاغ رقم واحد وليكن (بلاغ مدني رقم واحد)"، سأل آخر: "هل أعددت البلاغ؟ ومن سيعلنه؟" أجاب آخر: "لا يحتاج البيان للكثير، فلا نحتاج لأن نكذب ولا نحتاج لخطابات قسم ولا نريد صوتاً شبيهاً بصوت محمد حوراني كي يقرأ البلاغ... سنقول المختصر المفيد مثل: لن تكون سورية بعد اليوم بلد تقسيم الناس إلى (إما مخالف أو مخلوف) ولا تنسى أن توضح لمن سيسمع الإذاعة في الخارج أن (مخلوف هو ابن خال بشار الأسد) ...وسنقول سورية لنا جميعاً، ولهذا نتوجه بالنداء إلى أحبتنا في المنفى العودة إلى بلد سيشاركون في تحويله إلى دولة قانون ووطن لنا جميعاً وليس لأحد حق أكثر من الآخر فيه ... " أراد أن يتكلم الكثير ثم صمت لبرهة واستأنف ليقول: "يجب ألا نعقد الأمور فالكلام عما نريده وعما افتقدناه سيخرج تلقائياً من القلب وسيذهب إلى القلب..."
قال آخر: "ماذا سيحصل إذا انكسرنا؟" رد رجل بثقة عالية: "لن ننكسر نحن أصحاب حق وهم شراذم..وحتى لو انكسرنا فلن نخسر شيئاً إلا قيودنا..ونحن بالأساس محرومون من كل شيء" سأل ثالث: "هل تعتقدون أن الولايات المتحدة ستتدخل لحماية صديقهم وابن صديقهم الشاب" رد عليه أحدهم "هذا ما لا يجب أن نضيع الوقت في التفكير به فالمهم الخلاص من ابن الديناصور ومن حوله" وسأل سائل آخر: "ماذا سنفعل بالرأس القابع فوق تلك الرقبة الطويلة بعينين زرقاويتين يمينهما ترف؟" " فليبشر لأننا سنعامله معاملة حسنة" انبرى آخر مجيباً وتابع "سنبدأ بفحص بروستاته ولن نصغي إلى أي تعليق أو بيان يصدر عن هيئة علماء البعثيين..." صرخ آخر لا تضيعوا الوقت دعونا نهجم! وهكذا تعالت الأصوات وتحركت الجموع مثل الأمواج التي بتقديري لن تستطيع إيقافها قوة، ازدادت الهتافات أكثر فأكثر: هجوم هجوم عليهم... وبينما أنا منتش بهذا الجو استيقظت على صوت تشفيط سيارة في الشارع ينبعث منها صوت علي الديك: "طل الصبح ولك علوش".. لم أستطع النوم بعدها... في الصباح ذهبت لجارنا لأشرب القهوة عندهم، فقال جارنا: أعرف أنك حلمت، ولكن قبل أن تطلب مني التفسير: إليك ما سمعت: "ميشيل كيلو يستخسر الخبز والملح والعشرة الطيبة في فاضل الربيعي" و"كردي آخر يقتل جراء التعذيب خلال الأيام القليلة الماضية". انهلت باللعنات على من أيقظني من حلم الليل ليضعني في كابوس النهار.
تل سنون
#خالد_المريز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المخابرات السورية ستتشوق لتفسيره لي ولكننا لسنا مسؤولين عن أ
...
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|