|
كلام .... في الوطن والوطنية ..؟؟!
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3027 - 2010 / 6 / 7 - 13:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الوطن والوطنية مفاهيم حديثة قديمة ، التعبير عنهما يتباين تبعا لمنطلقات فكرية ودينية وإيديولوجية ، وأبسط تعريف للوطن هو حب الأرض التي نعيش على أديمها ، ونستنشق هواءها ونسمات برها و بحرها ، وننعم بخيرها وخيراتها ، أو هو التفاعل القائم بين الإنسان والجغرافيا، وقد لا يختلف اثنان على معنى الوطن لأن التاريخ يحدثنا عن تشبث الإنسان بموطن ميلاده ، وكثيرا ما ينسب العظماء إلى موطنهم الأصلي ، فهذا دمشقي وذاك بغدادي ، وآخر قيرواني ، أو تلمساني أو قرطبي ... ومن هنا كان التغني بالوطن ، فالنبي الكريم في هجرته وابتعاده عن موطنه مكة قال [ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك]. ، كما أورد الشاعر مصطفى صادق الرافعي قائلا: بلادي هواها في لساني وفي دمي***يمجدها قلبي ويدعو لها فمي ولا خير فيمن لا يحب بلاده**** ولا في حليف الحب إن لم يتيم و عبد الرحمن (الداخل) خاطب نخلة قد غرست بجوار قصره بقرطبة ( وادي آش) ، فامتدّت به الذكرى إلى وطنه في المشرق، وحنَّ إلى أهله وقومه في أرض العرب ، فقال: يا نخلَ، أنت غريبةٌ مثْلي *** في الأرضِ نائيَةٌ عن الأهْلِ !
غير أن الفكر السلفي يستهجن الوطن وينظر إليه باعتباره زريبة محاطة بأسلاك شائكة وأسوار عالية تحجز البشر عن الإختلاط بغيرها ولو هي من جنسها ، ويرون بأن الوطن فكر نكوصي يضرب الإسلام في المقتل ويمزقه شر ممزق ، فهو يستبدل الولاء لله والإسلام ، بالولاء للأرض ، والله والإسلام لا يمكن وضعهما داخل حيز مكاني معزول ، أما الوطن فالولوج إليه يتطلب أوراق ثبوت ، وجواز سفر ، و تأشيرة دخول . ومرور على السكانير الذي أصبح يعري العباد دون علمهم بفضل تقدم تكنولوجية المراقبة عن بعد . فإن كان الوطن معلوم الدلالة ، واضح المعنى ، لأنه مجسم ومحسوس ، ومدرك قياسا وأشياء ومعالم تظهر واضحة على الخرائط والصور ، وينقلها برناج قوقل إرث بأدق التفاصيل العينية ، والمشاهدة الحسية بالمتر والسنتمتر ، بأبعاد واضحة وقياسات دقيقة ، قد لا يتصورها العقل أحيانا ! ، غير أن المواطنة تختلف تماما عن الوطن في مجال الإدراك ، فالمواطنة مثلها مثل الأيمان والحب والكراهية والشجاعة ... يصعب قياسها لأنها نسبية و استبطانية يصعب تلمسها وتقدير وزنها ومقدارها ، فعلاقة الوطن والمواطنة في تقديري شبيهة بالعلاقة بين الجسد والروح ، وبين البصر والبصيرة ، وبين الضعف والضعف . وإثارتي لموضوع الوطن والمواطنة مرده رغبة في تبيان مدى تعدد الفهوم حول الوطنية ، فهي تتعدد بتعدد الثقافات واللغات والديانات ، وهي زئبقية مائعة تأخذ شكل الإناء الذي توضع فيه ، أو أنها تتلون تلون الحرباء ، تماهيا مع الأجسام التي تقف عليها . فالمواطنة عند البعض عقيدة دينية ، وعند الآخرين انضواء تحت توجه مذهبي أو طائفي ، وآخرون يتصورونها عبارة عن ولاء للدولة أو هيئة من هيئاتها المتبدلة ، أو خضوع لرمز من الرموز ، أو انتماء أثني ولغوي ... الخ . فالإشكالية المطروحة حسب فهمي المتواضع هو أن المواطنة داخل الوطن الواحد توزن بموازين عدة ، ووطنيتي قد تتلاقى وتتقاطع مع وطنية غيري أو تختلف عنه كليا ، ومن هنا بدأ التراشق بتهمة بالخيانة للوطن التي هي نقيض المواطنة ببعده الإيجابي ، بنفس الحدة التي عرفها التراشق بين الإيمان والكفر عند المسلمين ، منذ الفتنة الكبرى في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه وما لحقه من تكفيرات ظنية متبادلة بين أهل الشام وأهل الكوفة ، وهو ما نجني ثماره حاليا بين الشيعة والسنة . ***في وطني ... مواطنة مقنطرة . ( بالقناطير ) . وأنا أعيش في وطني الجزائر ، الذي أعتز بالإنتماء إليه ، أعتز بجغرافيته المتنوعة ، بأراضيه السهلية الخصبة ، وسهوبه الفقيرة ، وتلاله الملتويه ، وجباله التي كانت الحصن المنيع لثوارنا عبر العصور والأعاصير ، وصحارئه الشاسعة التي هي بمقدار قارة منها الى وطن ، والتي تحوي دلائل قيمية تثبت قدم إنساننا الأمازيغي الإفريقي عبر متحف مفتوح على الهواء الطلق برسوم مثبتة على الصخر ، وجبال هي من روائع التكوين على يد نحات مقتدر اسمه الطبيعة ، وما وهبها الله من نعم الخير مدفونة تحت كثبانها ذخيرة تقي الأجيال الخوف العاجل والآجل ، وأنا اقف على قمة جبل ( اسكرن) أشهد عظمة الله والوطن مجسدة في غروب آخاذ قلما تشاهد له مثالا ومثيلا في بقاع العالم . وحب هذه الأرض الطيبة المعطاءة واجب أول ، يتبعه حب إنسانها مهما تلونت بشرته ، وتنوع معتقده ، وتبدلت لغته بفعل التواصل والإتصال مع الآخرين ، حب هذا الإنسان بشكله وشاكلته ومشاكساته ، وسرعة انفعالة ، وطريقة تفكيره ، وفجاجته أو غلظته وتسامحه ، وحتى بلادته وخيلائه وسذاجته ، المهم أنه من هذا الوطن الغالي ، هذا الإنسان الذي لبس لبوسا متنوعا تبعا للظروف الإستعمارية المحيطة به ، فهو تقلب بين الديانات واستقر على الإسلام والمذهب المالكي ، واتقن لغات مستعمريه ، وحافظ على لغة دينه عظا عليها بالنواجد ، وكثيرا ما ضحى بلغته الأمازيغية جهلا أو تجهيلا ، فلولا الجدات لاندثرت وانمحت ، فالجزائري في تقديري هو الأمازيغي المعتز بتاريخه القديم وأبطاله العظام ، وهو نفسه المحارب الشرس ضد الغلاة المستعمرين الرومان والوندال والبزنطيين ، وهو نفسه الذي قاوم الغزو العربي لاعتبارات أثبتت بأن الغزاة لم يأتوا لنشر الدين ، وإنما جاءوا للإستئثار بالمغانم الدنيوية ، وهم الذين اقتنعوا بعد لأي بالدين الجديد ، ونشروه في الأندلس وبلاد السودان ( افريقيا الغربية) ، وهم الذين حاربوا الأسبان وقاوموا فرنسا ، وهؤلاء هم اجدادنا جميعا ولهم ذكر في التاريخ .
واتذكر هنا موقفا عظيما صاغه الأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم صاحب الملتقيات الفكرية الإسلامية ومستشار الرئيس بومدين ، والمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان للجزائر عام 1975 ، الذي صرح لوسائل الإعلام في المطار قائلا ( إن فرنسا التاريخية تحيي الجزائر الفتية المستقلة ) ، فما كان من مولود قاسم إلى قال لرئيسه بومدين ( إنه يسبنا ؟) ، وشرح بعدها للرئيس بومدين قراءته للتصريح ( إن الرئيس الفرنسي يقول لنا إن فرنسا ذات العراقة والأثالة والقدم في التاريخ تحيي الجزائر التي ولدت حديثا في 1962 ، أي انه يقول أنتم ياجزائريون حديثي العهد ، مواليد جدد ، لا ذكر لكم في التاريخ ، فانتم أبناء اليوم لا جذور لكم في الماضي ؟ فما كان من مولود قاسم إلا الرد المفحم عبر المقالات ووسائل الإعلام ، وهو المفوه والمتقن لأزيد من ثمان لغات حية بما فيها لغته الأصلية الأمازيغية ،موضحا بالدليل أننا أكثر قدما من فرنسا وآثالة منها ، وأنا زعيمهم فرساجيتوريكوس كان سجينا مع بطلنا يوغرطة في أحدى سجون روما . غير أن ما قلته في وطنيتي قد يرى البعض فيه قصورا ، وزللا ، وقد يصفني البعض بالمروق والخيانة ، أو يجعلني بيدقا عميلا للشرق أو الغرب ، لأن تصورات البشر تستلهم غالبا من ينابيع جاهزة ، قد تلعب الأدلجات دورها في إخراج عباد يفكرون بنمطية ، فهم إما أنهم ينكرون الوطن والمواطنة على شاكلة السلفية ، أو قد يختزلون الوطنية فيما بعد الفتح الإسلامي ويجعلون قبلها كفرا لا يجب تناوله بالذكر والإشادة ، واعتبار ما فعلوه يدخل في إطار عفى الله عم سلف، وبعضهم يستمد وطنيته من تبعية للمشرق ، وآخرون لا يرونها إلا علمانية في لغتهم الفرنسية ولباسهم المتغرب ، و هناك من يراها ممثلة في رئيس الدولة أو أميرها ، فتظهر مواطنته إمعية للنظام ويعبر عنها بالتبعية المطلقة والتصفيق والإشادة ، وتبرير الأخطاء ، وهكذا .... فالوطنية وطنيات ، وكل يصبغها بصباغ مستلهم من قناعاته التراثية ، فمواطنة ابن باديس تخالف مواطنة كاتب ياسين ، لأن الأول بمشارب ثقافية عربية مشرقية من مخرجات مدرسة الإخوان محمد عبد و والسيد قطب ، والثاني مشاربه غربية فرنسية بمخرجات الفكر التنويري والعقلاني وأفكار الثورة الفرنسية ، ومواطنة حزب الشعب ليست ذاتها مواطنة حزب البيان الجزائري ، ومفجروا الثورة في 1954 كانوا ينظرون باستهجان للمصاليين ، وأصبح أبو الكفاح السياسي ( مصالي الحاج) خائنا من منطلقات ثورية ، ومواطنة أحمد بن بلة الرئيس ليست ذاتها مواطنة معارضه وخصمه حسين آيت أحمد، ووطنية قبائل الشاوية الأمازيغية قد تخالف وطنية أمازيغ القبائل لاعتبارات ثقافية ولغوية ، فالشاوية من منطق موقع موطنهم هم أكثر الأمازيغ تأثرا بالعروبية المشرقية ، بينما القبائل أنهلوا من الفكر الغربي ( الفرنكوفوني)لأنهم أقرب لمنابعه ، ومن هنا فقد أرى في الماك ( M.A.K ) وفرحات مهني بإعلانه جمهورية القبائل المؤقتة شطحة بدون معنى ، وتغريدة خارج السرب ، إلا أن بعضنا يعتبرها بميزانه قمة الوطنية .. ولله في خلقه شؤوون . إن المواطنة محتكرة لصالح الأقوياء ، مثلها مثل الإيمان ، فإذا كانت الزندقة سلاحا يشهر ضد المعارضين السياسيين أيام الدولة الأموية العباسية ، فإن التخوين سلاح يشهره الحكام وأصحاب الريوع المتحكمون في دواليب الدولة ضد الخصوم والمعارضين باسم الوطنية ، سواء كان ذلك في الفكر ، أواللغة ،أوالمذهب أو الإنتساب ،أو الإنفتاح على ثقافات الغير ، وجعل الناس جميعهم محاطين بسياج من الموروثات تبين زيغها وانحارفها وعدم مسايرتها لقيم الحاضر والمستقبل ، فالمبدعون عندنا يولدون في حالة اتهام ، وتتم نشأتهم وهم في حالة إدانة وتهمة ، وإذا بلغوا النضج قد يحكم عليهم بالخيانة والإعدام .
مجمل القول أن حب الوطن (الوطنية ) ، نفحة ايمانية ، وشعور داخلي وجداني يصعب قياسه ومعاينته ، وإن ظهر فهو يظهر في مواقف وأفعال تبدو واضحة عند الشدائد التي تتعرض لها البلاد والعباد ، فكثيرا ما قيل بأن (الأزمة تلد الهمة ) ، وعند الشدائد يبرز مقدار التضحيات التي كانت في مرحلة كمون أيام أزمنة الرخاء والإستقرار ، وتلك المواقف قد لا تعبر عن وطنية الجميع ، وكثيرا ما تغنينا بوطنية فلان وعلان ، فتحولت تلك الوطنية إلى دخان بعد انكشاف المستور من القول والفعل المبتور والمقبور ، أ و المسكوت عنه لحاجات في نفس يعقوب ، وقد يكون توافق الأنظمة في إخفاء الأرشيف و حجزه أو تبديده ( مثل ماهو الحال بين فرنسا والجزائر) هو رغبة لضمان استمرار وهم وطنية البعض منهما ، وهم في حقيقة الأمر في جحيم الرذيلة والخيانة يرتعون .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أفعال بني أمية في الأندلس ( عصر الإمارة).
-
الفركوفونية والعروبية ، صراع افتراضي لوأد الأمازيغية .
-
أحمد عصيد و العلوي ، أو صراع العقل والعاطفة
-
فرنسا....و( الخارجون عن القانون )
-
حول شعوبية الأمس واليوم .
-
الآثار بين كارثتي النهب والإهمال .
-
محنة الأمازيغ في الأندلس ( عصر الولاة ).
-
هوية الأمازيغ بين الأصالة والإغتراب .
-
الأمازيغ والجبروت الأموي .
-
التسونامي الإلكتروني .. بين المطاوعة والتطويع.
-
الأمازيغ الذين تربعوا على عرش الفراعنة ؟، وقهروا اليهود ؟.
-
الإديولوجية القاتلة في شمال افريقيا.
-
جدل حول تسمية / المغرب العر بي؟ أم بلاد تمازغا ؟
-
يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد، صراع عقيدة أم صراع منفعة ؟
-
الإسلام... دين وحدة أم فرقة ؟
-
يزيد زرهوني العلماني ،في صراع مع السلفيين
-
زكية الضيفاوي ... أو نضال المرأة التونسية.
-
التيهان بين العروبة والإسلام .
-
هل العرب أحسنوا تمثيل الإسلام ؟
-
فتنة قرطبة الأندلسية. 403 هج/1013م ، هل هي فتنة أمازيغية أم
...
المزيد.....
-
إعادة 20 طفلا إلى روسيا من مخيم في سوريا
-
مقتل 16 شخصاً على الأقل في غارة جوية على مدرسة في مخيم النصي
...
-
ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي.. NVIDIA تطلق برنامجًا لمساعدة
...
-
عمرو موسى: هناك خطة إسرائيلية للاستيلاء على كل أراضي فلسطين
...
-
وزير الخارجية البريطاني الجديد يزور ألمانيا في أول رحلة خارج
...
-
مخاطر نقص اليود في الجسم
-
علماء: الأنهار الجليدية في النمسا قد تذوب تماما بحلول عام 20
...
-
مسؤول رفيع في البيت الأبيض لـ-نيويورك تايمز-: بايدن أظهر علا
...
-
روسيا.. اكتشاف مواد في الخشب الأحفوري تتحول إلى بلورات
-
مخاطر استخدام -أسرّة التسمير-
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|