مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 922 - 2004 / 8 / 11 - 11:45
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
وعلى ذلك يرى ويتلمس العديد من المتتبعين اكثر من مشروع دولي للمنطقة، تنشط باتجاهاته شخصيات متنوعة الأفكار سواءاً ارادت ام لا في منطق عالم اليوم الذي تزداد مصالحه ترابطاً، لتصبّ لصالح قطب بعينه او احدى دوائره المكوّنة او اتفاق اكثر من دائرة. وكذا حال الأقطاب الأخرى في جهودها للحفاظ ولتطويرمصالحها(حقوقها؟) في منطقة يزداد ابنائها وعياً لأهمية منطقتهم وما تشكله من ركيزة هائلة اساسية لضمان امن واستقرار العالم الأقتصادي الفكري السياسي وتطوره اللاحق، رغم المجالات المقننة المفسوحة امامهم وبما ثابرت عليه جهودهم، رغم القمع الوحشي الدموي والتحطيم والأفقار وفرض حياة الهامش على من تجرأ يوماً برفع عقيرته ضد الظلم والوحشية الدموية والقتل الجماعي .
وفي كل الأحوال يرى عديدون ان المشروع الوطني كلّما ازداد انحيازاً لحقوق المواطن والوطن،
فانه اضافة الى حصوله على قبول الأكثرية (ولو النسبية)، سيترك تأثيره على وجهة التوافق بين الوطني والدولي والأقليمي لصالح البلاد . . الأمر الذي تفهمه اوساط اقليمية ودولية بشكل اسرع، لمعارفها، وبسبب الحالة الأستثنائية التي يعيشها العراقيون والتي لاتخلو من سعي وتحريض البعض على استمرارها لتحقيق مكاسب اكبر له على حساب العراقيين وحقوقهم .
لذا فانها تسرع لدعم ومحاولة احتواء البعض ممن تستطيع الوصول اليه والتلويح له بدعمه للحصول على الحكم او على جزء منه ـ غير مبالية بما يقاسيه العراقيون، ولابمصير ذلك البعض ذاته لاحقاً ـ محققة اضافة الى المكاسب الأنانية، تأمين مخاطر مما يحيق بالوضع الأقليمي من تغيير قد يمس جوهر حكمها او مصالحها فيه، الأمر الذي لم تنسق اليه قوة عراقية ما، رغم ما يحصل من تمزّق . . الاّ فلول صدام والعناصر الأرهابية التي تحاول استغلال البطالة والفقر والمنطق ودرجات الوعي المشوّه الذي خلّفه الدكتاتور، اضافة الى لعبها على المصالح الأقليمية.
ان ما يثير تلك الجهات هو تمسّك العراقيين بعراقهم وبطيفه المتنوع، وعدم انجرارهم الى تلك المحاولات في النتيجة النهائية، رغم تتالي وتعدد اثارة انواع الفتن، كلّما خطت عملية اعادة البناء خطوة جديدة الى الأمام، لتثير الفتن في كل قضية يجري العمل على حلّها. وترفع انواع الحجج للحيلولة دون الأستقرار، من رفع الدين والطائفة والقومية كسياسة، الى التباكي على تصدّع البيت القومي العربي المخلخل اساساً والدعوة الى ترميمه على الأسس السابقة وكأن شيئاً لم يستجد ولم يحصل، الى الموقف من القضية الكردية العادلة وحقوق الأقليات، ومحاولات الضغط والأبتزاز والتهديد والتعكيروالكذب .
من جهة اخرى، وكما تواجه الدول الكبرى في الشرق ـ في آسيا واوروبا ـ تطورات العالم الجديد وآفاقها ونتائج انهيار انظمة الحكم الشمولي، بطرق متنوعة لتطوير والحفاظ على مصالحها في المنطقة، يواجه الغرب مصاعبه بعد التحولات العالمية الكبرى، فان شكل لأنظمة المتشددة زمن الحرب الباردة التي دعم هيكلها وبنائها وخطابها، لم يعد ينسجم مع واقعه وطموحه في عالم اليوم والمنطقة، اضافة الى ضعف مؤاتاة الأرضية الأجتماعية، لمشروعه الجديد ـ الأمر الذي يختلف عما واجهه في اوربا الشرقية ـ وبعد ان عمل لخلق تلك الأرضية بما توفّرله آنذاك لـ ( الوقوف امام خطر الشرق).
اضافة الى عدم مطاوعة من عمل ضمن ستراتيج الغرب المباشر عشية انهيار الأتحاد السوفيتي، والذي اعتبر نفسه انه هو الذي (حرر) أفغانستان من قبضة الشرق ( بل هو الذي اطاح بالشرق، دون اذن من الغرب!) و(نجح) في تحقيق استقلال عدد من الجمهوريات الأسلامية عن الأتحاد السوفيتي السابق وهو (مستعد اليوم للأطاحة بالغرب!) . . محاولاً تجيير ما جرى من تغييرات لصالحه، وكأنما لم تكن تلك التغييرات نتيجة عوامل متنوعة كثيرة التعقيد، كان ابرزها دور شعوب تلك البلدان ورفضها لواقعها في سنوات الركود، لتفاقم معاناة الفقير، وتدمير وملاحقة مشاريع الأصلاح الأجتماعي الثقافي القومي الحضاري الديمقراطي، وما ادى ذلك الى انغلاق وجهل وعودة الى اساطير الأسلاف ـ وكما اثّرت سياسة الدكتاتورالدموي صدام في تشويه الوعي الأجتماعي والحضاري في العراق ـ الأمر الذي استغله ويستغله الأرهابيون وانواع العصابات بالقتل والرشوة بالمال الحرام، وبالديماغوجيا.
لقد فات على من يتخذ الدين الحنيف وطوائفه من الزرقاوي و(المصري) وغيرهم، ستاراً لأعماله الأرهابية ضد الشعب العراقي (الكافر) على حد طروحاتهم المريضة المتنكّرة للدين الحنيف، دين الرحمة والتسامح والمحبة، ان الشعب العراقي لم يخلُ من مراجع وفصائل اسلامية متنوّرة كافحت وضحّت وتربّت في مواجهة الدكتاتورية الفردية وتكافح من اجل مشروع عراقي وطني تقدمي مشترك مع اطياف الشعب العراقي وقواه الفكرية والسياسية، بل ويدعو عدد من كبار مفكريها الى تلاقي الأديان والى تلاحم الهلال مع الصليب، من اجل ايقاف النزيف وانقاذ البلاد.
لقد عبّر الأستنكار السريع لكبار مراجع الأسلام في العراق وفي مقدمتهم اية الله العظمى السيد علي السيستاني، ضد جرائم تفجيرات الكنائس وازهاق ارواح العديد من المدنيين العراقيين المسيحيين رجالاً ونساءاً، وتحذيرهم العراقيين من خطر الفتنة الجديدة التي يسعى اليها الأرهابيون بعد ان خابت محاولاتهم السابقة . . عبّر عن التمسك بالموقف الأنساني الوطني، وجاء ملبيا لمشاعر الطيف العراقي المتنوّع، وتأكيداً على ضرورة ترك العراق وشأنه وان الأصرار على الجريمة لن يمزّق العراقيين بل سيزيدهم اصراراً رغم آلام فقدان الأبرياء لأنها بلادهم ولا فرصة امامهم في بلاد اخرى لن تعاملهم الاّ كالعبيد، الأمر الذي سيؤدي ان استمر الأرهاب، الى امتداد الحريق والى شموله عموم المنطقة على ارضية تمسك العراقيين بعراقيتهم واستعدادهم للدفاع عنه وعن حياتهم، وفق اوسع المراقبين .
لقد فات على الأرهابيين انهم يواجهون الطاقة الوطنية الكبيرة التي امتاز بها العراقيون، التي جاءت نتيجة نضال شاق ومرير خاضه كلّ العراقيين وكل قوى السلم والتحرر والديمقراطية والتآخي القومي والديني في العراق، وفي المنطقة والتي ناضلت وقدمت اغلى التضحيات في اوطانها ومن اجلها طيلة العقود الماضية . . من اجل الديمقراطية، ومن اجل تساوي وتآخي الناس على اختلاف انتماءاتهم، ومن اجل تساوي المرأة والرجل . . رغم شدة قمع السلطات الذي تركّز عليها وعلى كل السائرين في دروب التقدم والحداثة، ومن اجل حق المنطقة وشعوبها في تشكيل ذاتها وكينونتها وحياتها وحريتها، وتعاونها المتبادل المنفعة مع دول وشعوب العالم .
ان توافق قوى واحزاب الأصلاح والتقدم حيثما وجدت، بيمينها ويسارها وابتعادها عن الدوران في فلك الماضي واجترار المشاكل والتنابز، وابتعادها عن تأثيرات الفكر الشمولي والروح الأستثئارية وايلاء الأهتمام اليومي لحياة الفقراء والمعوزين وضحايا الحروب والأرهاب وسبل النهوض بها، والتفتح نحو المستقبل وآفاقه، فأنها ورغم محدودية تنظيماتها الفعلية وضعف تفاعل اوسع الناس معها، بسبب تركة وتشويهات الدكتاتورية واخطاء الأحتلال والأوضاع الأمنية، والأنشغال بالمشغوليات اليومية المرهقة بسبب عموم الحياة الأستثنائية الشاقة . . تشكّل خطوة هامة محفّزة داعية الى توافق ابناء وبنات محل السكن، العمل، الدراسة، لمواجهة وافشال مخطط الأرهابيين الدموي . . الذي يستدعي توافق ابناء وبنات التيارات السياسية الفكرية، كلّ تيّار بتياره، والاّ فان توافق الناس سيؤدي الى دفع القوى السياسية الى التوافق وسيعزل من يعيقها عنه، وفق العديد من المعنيين والخبراء الأجتماعيين .
واخيراً يرى الكثيرمن المعنيين بشؤون التجديد، ان التوافق الوطني هو احد سمات النضال المجدي في المرحلة الراهنة (*) من عالم اليوم بعد انتهاء الحرب الباردة واحتفاظ الرأسمالية( المؤقت؟) بمبادرتها التأريخية، ودورها في تقرير السياسة الدولية، ملتفة حول قطب واحد منظور. الأمر الذي يعني بروز دور نوادي الكبار لتقسيم المصالح والأتفاق على ضوابط التنافس وسرية اقسام منها، كما في نهاية كل حرب دولية(عالمية)، في عالم وثيق التشابك والصلات، عالم تصنيع الأزمات وحلّها، عالم تصدير رأس المال. (انتهى)
9 /8 / 2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) راجع اسباب حل الأممية الأولى وتشكيل الأممية الثانية ـ ماركس، انجلس / المختارات، عن الألمانية.
#مهند_البراك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟