|
يوميات مغارة الموت: تداعيات الأزمة
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3025 - 2010 / 6 / 5 - 16:48
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
قبل الدخول في سرد هذه اليوميات، كان لابد أن نعود وراءا لفهم الأسباب التي دفعت إلى هذا الإعتصام ، وقبله كان لازما أن نتحدث عن بعض المتغيرات السياسية التي مست في العمق كيان الشركة المساهمة والتي كانت نسبتها في الشركة هي 74 في المئة تمتلكها شركة أستور الملكية البلجيكية و26 في المئة هي نسبة المكتب الوطني للأبحاث زالمساهمات المعدنية، وكان طبيعيا أن تسيطر الشركة البلجيكية في التسيير الإداري للشركة. في سنة 1986م عرف المغرب تشريعا جديدا سمي حينها مغربة المؤسسات الإنتاجية، مضمونه أن أي الشركات الأجنبية التي تستغل في المغرب يجب أن يشرف على تسييرها أطر مغربية على أساس استثمار فائض الربح في خلق مشاريع تنموية داخل المغرب، لذلك انتقل تسيير الشركة إلى المكتب الوطني للأبحاث والمساهمات المعدنية، من نتائجها خلق معمل للصلب بمدينة مكناس، بالإضافة إلى تهييء تجزئة سكنية (حي عمالي) بمدينة مريرت، إضافة إلى بدء إدخال تكنولوجيا جديدة كما توجت هذه الإستثمارات بتحويل نسبة هامة من فائض الربح إلى جيوب المدير العام للشركة وفراره إلى الولايات المتحدة، مما اضطر الشركة البلجيكية إلى البحث في انقاذ مايمكن انقاذه، لذلك إلتجأت لإدخال شركة تويست كمساهم ثالث سنة 1990 وهي شركة تابعة لها ويشرف عليها أطر مغاربة لتنتزع التسيير العام من خلال الإشراف العام على الشركة المنجمية (المدير العام هو في نفس الوقت مدير تويست)، بينما المدير المحلي تابع لإدارة مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية مايعني أن نزاعا خفيا بين الإدارتين كان قائما في التسيير انعكس على مستوى الإنتاج من حيث المردودية التي هبطت إلى مستويات غير محتملة، مما أعطى الضوء الأخضر للإدارة العامة في شخص مديرها (تويست) في صياغة استراتيجية جديدة تهيؤا لسيناريو الإفلاس، مضمونها أنها ستزيد من إدخال التكنولوجيا الجديدة التي سبق أن جربتها بمنجم تويست لتغطية النقص في الإنتاج، وإضافة أكثر من 200 عامل جديد دون ترسيم لتعويض النقص الحاصل على مستوي الإنقطاعات عن العمل نتيجة إضرابات العمال(1)،كان هذا في الظاهر، بينما كانت الإدارة العامة في الحقيقة تعي جيدا سياسية المكتب المحلي(التابع لمكتب الأبحاث) الذي عمد إلى استهلاك قوة العمل بتوجيه العمل نحو أوراش التنقيب والبحث المعدني بدل الإنتاج وهو ما سيفاقم الوضع إضافة إلى عوامل أخرى لها علاقة بالوضع العمالي لينفجر سنة 1993م. إذا كانت سنة 1986 هي نقطة التحول بالنسبة للشركة المنجمية لجبل عوام فهي أيضا السنة التي ستعرف تحولا نوعيا على مستوى العمل النقابي بالنسبة للعمال، حيث ستعرف ترسيم الجيل الجديد من العمال الشباب أبناء العمال ممن ماتوا في حوادث شغل حيث كان بروتوكول التشغيل، بفضل نضالات العمال، يعطي الأولوية في التشغيل لأبناء العمال العاطلين، عرف هذا الجيل دخول عمال طلبة لأول مرة في المنجم، الشيء الذي سيحمل وعيا سياسيا وإيديولوجيا جديدا للعمال سيساهم في شحن العمل النقابي على المستوى الإديولوجي والسياسي والتنظيمي، أفرز مدرستين جديدتين على الأقل يمكن تقسيمهما على الشكل التالي: مدرسة تتبنى جدلية النقابي بالسياسي في استقلال تام عن الأحزاب السياسية من منطلق غياب الحزب الذي يمثل قضايا العمال، ومدرسة جدلية النقابي بالحزبي التي تسعى إلى استثمار النضال النقابي في الطموح الحزبي السياسي، وهو ما هيأ الأمر لدخول نقابة الكونفدرالية الديموقراطية للشغل لأول مرة لتأطير عمال المنجم. قبل ذلك كانت هناك نقابة ذيلية لحزب الإستقلال لكن نفوذها كان يقتصر على تأطير بعض الأطر الوظيفية بالمنجم (نقابة الشيفان) وهم أقلية. كانت نقابة الإتحاد المغربي للشغل هي النقابة المهيمنة منذ الإستقلال وكانت طبيعة انتخاب المكتب النقابي في مناجم جبل عوام تخضع لطقوس مغايرة تماما لمضمون القانون الأساسي الذي يؤطر النقابة فيما يخص انتخاب المكتب المسير وفترة تسييره والتي قد تطول أو تقصتر حسب أداء المكتب وفعاليته، فإذا كان في مستوى طموح العمال بقي مدة أطول، وإذا أظهر فتورا لا يرضي العمال عمدوا إلى تغييره وبالقوة أحيانا، وغالبا كانت المكاتب تنتخب بالتراضي أو بالإجماع أحيانا أخرى وفي استقلال تام عن المركزية سواء في اتخاذ قرار الإضراب أو في شكله أو في مدته وهي الخاصية التي كانت تميز نضالات مناجم جبل عوام، ويكفي أن نعرف أن مابين سنة 86 و90 تغير المكتب أكثر من أربع مرات تخللتها تجربة نوعية لهذا الجيل من الشباب من خلال تجاوز سيطرة احد الأطر المعروف بهيمنته على العمال والذي كان المحاور الأساسي مع العمال والمتحكم فيهم من خلال التأثير على وحدتهم باستمالة المكتب النقابي وكذلك استمالة بعض العمال من خلال إتاحة بعض السلفات والمساعدات وخلق جو من عدم الثقة تكرس ذلك بتورط المكتب الذي كان يسير إلى حدود سنة 86 والذي أجبر بالقوة على الإستقالة وتعيين مكتب جديد. وعموما عرفت هذه المرحلة مابين سنة 86 و 90 أخذا وردا بين الشركة والعمال توج بصعود رفاق إلى الأمام (2) في تسيير المكتب النقابي ووضع أول ملف مطلبي يستند إلى معرفة قانونية حول المطالب التي لم تكن الشركة تلبيها على الرغم من وعيها بها، قوبل الملف بنوع من التماطل مما اضطر العمال إلى التصعيد، وتزامن ذالك مع صعودالمد النضالي والمظاهرات التي عرفتها الجامعات المغربية مما اعتبر في حينها تنسيقا سياسيا يمس أمن الدولة من نتائجه إجبار الأماميين على الإستقالة من المكتب، وكان ذلك بأن نودي على المكتب النقابي من طرف عامل الإقليم للحوار، وكان موضوع الحوار الإستقالة تحت التهديد بالخطف، كان الكاتب العام من أصول صحراوية وفي نفس الوقت طالب بجامعة فاس ، حدد له عامل الإقليم مهلة للإستقالة الجماعية في حدود 48 ساعة وإلا سيجد نفسه في سجن قلعة مكونة بتهمة الإنتماء إلى انفصاليي الصحراء وإثارة القلاقل بما يمس أمن الدولة، مما اضطر الكاتب العام لعقد اجتماع طارئ مع بعض مستشاريه من العمال في الليل لشرح الموقف حيث تفهموا ضرورة وضع الإستقالة وتعيين مكتب آخر دون تسريب موضوع الحوار الذي تم مع عامل الإقليم، الشيء الذي وضع العمال في موقف غامض اعتبروه خيانة، عموما عرفت سنة 88 إضرابا دام أكثر من ثلاثة أشهر حيث انتهى بتلبية بعض المطالب من بينها 10 في المئة من الزيادة في الأجور وبعض التعويضات الجزئية،مما اعتبر فشلا من لدن خلفاء رفاق إلى الأمام، الذين اتهموا إضافة إلى الخيانة بتسييس المطالب النقابية، وكان الوضع يحتم تعيين مكتب لامنتمي سياسيا انتهى إلى تعيين حفظة القرآن من الورعين وهم بسطاء لا يفقهون فعلا في السياسة شيئا، قدموا هم الآخرون ملفا فيه الكثير من النقط التي بقيت من الملف المطلبي للسنة الفارطة موازاة مع ذلك بدأت تتشكل نواة من الكونفدرالية الديموقراطية للشغل بزعامة رفاق من منظمة العمل الديموقراطي والإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية إضافة إلى العدل والإحسان وسط عمال المصفاة المعدنية وبعط أطر الشركة من الموظفين الصغار. كما كان الإنجاز الكبير الذي حققه مكتب حفظة القرآن في بداية 89 عبارة عن نكتة: بعض السنتيمات زيادة في الأجور، بعض مربعات الصابون وتلبية بعض الوعود في حالة صعود أثمنة المعادن المستخرجة من المنجم في السوق الدولية، قلت نكتة لأنه بالفعل كان كذلك، عندما عاد الكاتب ليخبر العمال بما تم الإتفاق عليه، كان كل ماقاله الكاتب، قاله بكل عفوية وبكل صراحة، أخبرنا بأن أسعار المعادن في نزول تام، وأن الشركة تمر بأزمة قاسية لا تستطيع تلبية أي شيء، وان المدير جازاه الله خيرا تفهم وضعنا كممثلين عن العمال، وانه، أي الكاتب، رغبه في تمتيع العمال بشيء يعيد لهم ماء الوجه. على ما أبدوه من نضال. في هذه السنة عمدت الشركة إلى إدخال فوج جديد من العمال الشباب مع أول دفعة من المكننة قصد التجريب، كانت عبارة عن آلات بخارية أثبت عدم صلاحيتها مع مرور الوقت لما تثيره من دخان داخل الأنفاق على الرغم من تقنيات تصفية الدخان المتطورة، لتطلب من شركة انكليزية بمدها بآلات مماثلة تعمل على الكهرباء. لاحظ العمال على أن المعدات الجديد، مع زيادة فوج جديد من العمال، يناقض تصريحات المسؤولين بوجود أزمة على مستوى التسويق، مما دفعهم إلى تغيير مكتب الفقهاء، ليدخل على الخط تيار آخر هو تيار العدل والإحسان بحنكة جديدة، مكتب يترأسه أحد الإخوان ومساعدين من عمال حنكتهم التجربة النقابية، ومستشار من رفاق إلى الأمام، أي أنه مكتب يتوفر على عنصر المناورة وامتصاص التناقضات الثانوية، ترجم ذلك على مستوى التنسيق مع النقابات الأخرى، الذي تعثر بفعل تدخل المركزيات النقابية التي كانت العائق الكبير في ذلك التنسيق الذي ستنعكس نتائجه علينا فيما بعد عندما ندخل في معركة الكرامة سنة 93 . في المقال القادم سنتناول تداعيات إضراب 1990 م. يتبع (1)مع تصاعد موجة الإضرابات وتهديد الكونفدرالية الديموقراطية للشغل آنذاك بالإضراب العام عمدت الحكومة المغربية إلى تفعيل قانون الحق في العمل بالنسبة لغير المضربين ما أعطى للشركات الحق بتجييش احتياط من العمال المياومين غير الرسميين للإستعانة بهم في حالة الإضراب (2)أعاد هذا المكتب طرح مجموعة من البروتوكولات والإتفاقيات القديمة التي لم تحترمها الشركة سواءا فيما يخص مايسمى عادة بأجور الشهر 13 من السنة وكذلك مشكل االسلامة داخل المنجم، ووضع الصندوق الأسود المملوك عادة للعمال والذي كان يتصرف فيه الإطار الذي سبق ذكره وفق ما ذكرت من إخضاع العمال بالسلفات الصغيرة، ومساعدة الموالين له خصوصا في القضايا الإجتماعية والصحية كحالات المرض التي تستلزم نفقات عالية كعملية الجراحة مثلا، وكذلك طرح إشكالية التعامل مع النصوص القانونية التي كانت تتلاعب بها الشركة وفق مصلحتها بالتوفيق مابين قوانين الحقبة الإستعمارية الفرنسية وقوانين التشريعات الجديدة، وبعبارة أعاد الإعتبار لمجموعة من الإتفاقيات التي أهملتها الشركة بفعل جهل وأمية العمال بسبب نصوصها المدرجة باللغة الفرنسية
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات مغارة الموت: تجربة الحلم
-
سفر الخروج.. إلى أين ؟-2-
-
سفر الخروج .. الخروج إلى أين؟
-
حكايا من المهجر -لاموخنيرا-
-
أوهام ماوراء المتوسط: -الحريك-
-
أمة التستر
-
أوهام ما بعد المتوسط 2
-
أوهام ما وراء المتوسط
-
سبحة الضفادع
-
الحكومة المغربية وقضايا الهجرة
-
تداعيات الرحيل
-
مذكرات عبور: بوابة ابني نصر
-
مذكرات عبور
-
في التناقض: ماهو حرام على انجلز حلال على أنور نجم الدين 2
-
في التناقض: ماهو حرام على انجلز حلال على أنور نجم الدين
-
حكايا من المهجر: ساحة وليلي 2
-
رسالة غرام، وجحيم المدرسة القروية
-
حكايا من المهجر: ساحة وليلي
-
حكايا من المهجر: صراع الهيمنة 3
-
حكايا من المهجر: صراع الهيمنة 2
المزيد.....
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
-
واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع
...
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. جدول رواتب المتقاعدين الجديد
...
-
The WFTU statement on the recent development in the Ukraine
...
-
بيان اتحاد النقابات العالمي حول التطور الأخير في الحرب الأوك
...
-
مزارعون يغلقون ميناء في فرنسا احتجاجا على محادثات مع ميركوسو
...
-
“وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم
...
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|