جمعة الحلفي
الحوار المتمدن-العدد: 921 - 2004 / 8 / 10 - 09:01
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
سأل حشاش صديقه، وهو حشاش أيضاً: قل لي ماذا تقرأ، أقول لك من أنت. فقال له: ماذا تقرأ؟ رد عليه: من أنت؟
طبعاً هذه نكتة بايخة لكنني أردت أن أدخل، من خلالها، الى موضوع جدي يتعلق بالقراءة. ففيما مضى من السنين كان السؤال، ماذا تقرأ، سؤالاً أليفاً وشبه دائم، لأن القراءة كانت فعلاً يومياً لأوساط واسعة من الشباب، أما اليوم فأن السؤال لم يعد ماذا تقرأ، بل ماذا تشاهد، أو ماذا تسمع، أو كيف تقضي أوقات فراغك. وبين اليوم والأمس حكايات كثيرة.
فكما أذكر، عندما كنا شباباً (وقد لانزال؟) كنا نتبارى بعدد الكتب التي نقرأها، في كل شهر، بل وفي كل أسبوع. وكانت نوعية الكتب التي نقرأ، هي الأخرى، موضع تباه. فمن يقرأ المنفلوطي ليس مثل الذي يقرأ كولن ولسون، ومن يقرأ ذنون أيوب غير الذي يقرأ ديستوفسكي. كنا نجوب المكتبات، من شارع المتنبي حتى ساحة التحرير، حيث مكتبة النهضة الشهيرة، التي كنا نجد فيها كل ماهو ممنوع أو محظور أو نادر، من الكتب، لنشتريها أو نستعيرها. وكان من يستعير كتاباً من مكتبة عامة أو مكتبة صديق، يجب أن يعيده في اليوم التالي، أو خلال يومين كأقصى حد. ولم يكن أحد يتذمر أو يتضايق من قصر المدة أو من ضيق الوقت، فقد كانت قراءة كتاب مهم، أو محظور، أوجب من أية مشاغل أخرى. وبسبب من نهم القراءة وحب الإطلاع، لم نكن نوفر حتى الكتب الرديئة، التي كنا نتداولها كي نقارن بينها وبين الكتب المهمة، أو لكي نجعل من الكتاب ومؤلفه، موضوعاً للتندر. وكانت مثل هذه الكتب، أشبه بكيس البزر، نبدأ بقراءته من نقطة انطلاقنا في باب المعظم وننتهي منه في ساحة الأندلس حيث مقر اتحاد الأدباء وحديقته الأليفة.
الآن لم نعد كذلك، لا نحن ولا أولادنا. ربما هناك استثناءات لكن، عموماً، ضعفت موهبة القراءة لدى الكثيرين, ولأسباب كثيرة. وقد أجريت، ذات مرة، ما يشبه الاستقصاء بين عدد من الأصدقاء، فسمعت إجابات غير مشجعة عن سؤال تراجع القراءة. أما الجيل الحالي، أي جيل الطلبة أو المتخرجين الجدد، فهو جيل لا يقرأ. نعم أقول لا يقرأ على مسؤوليتي. فقد صادفت أعدادا ليست قليلة من أبناء أصدقائي، خارج العراق و داخله، وتأكدت من أن بعضهم يقرأ بالمصادفة، والبعض الآخر لا يقرأ سوى ماهو ممتع ومسل، أما الغالبية العظمى فلا يفتحون كتاباً، والأسباب، إذا كانت هناك أسباب، فهي واهية، ماعدا الانشغال بالدراسة أو الاشتغال على الكمبيوتر والانترنت. والحصيلة، كما اعتقد، أننا سنربح جيلاً أمياً بامتياز، على صعيد تحصيل المعرفة وتكوين الذائقة وتحفيز الوعي، إن لم يعاد النظر في سؤال الكتاب والقراءة.
#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟