|
حادثة اسطول الحرية و الدور التركي - الأطلسي - في المنطقة
وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 3023 - 2010 / 6 / 3 - 12:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الذهنية الرأسمالية الحالية المسيطرة على اتخاذ القرار في الولايات المتحدة , ذهنية " الربح " والتفوق ، تملك تسطحاً وفراغا ً ينم عن عدم نضج " سياسي " غير قادر على تقدير الحرب بحقيقتها الكاملة لا الجزئية ، أي حقيقة الأضرار والآلام التي تسببها لدى طرفيها ، هذه الحقيقة التي تعيها دول القارة الأوربية التي شهدت العديد من الحروب والتي كانت أعتاها و آخرها الحرب العالمية الثانية .. لهذا السبب ، كل حروب الولايات المتحدة الأمريكية جاءت بنتائج أضرت بسمعتها على كافة الصعد . فقد خبرت أوربا معنى الحرب جيداً من هذه الزاوية ، وهو مالا تعرفه الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تشهد عاصمتها واشنطن الغارات الألمانية على لندن ، ولا الخراب الذي حل بألمانيا وباريس و الانهيار الاقتصادي الكامل الذي أصاب عموم أوربا وما ترافق مع هذا كله من أوجاع وألم وكوارث إنسانية ألمت بالمدنيين إضافة للعسكريين . التأريخ ، نقش ذهنية السياسة الأوربية ( عبر تحولاته ) بهذا المسلك المناهض لمفهوم الحرب ، لذا ، فإن تحولات ما بعد الأزمة المالية ، ورغم أنها تعصف اليوم بأوربا بشدة مثلما عصفت بالولايات المتحدة ، وربما يتراجع اليورو أمام الدولار ، لكن ، و بصورة عامة فإن الأحداث تؤكد بأن عالمنا يشهد تراجعاً عكسياً في دورة تاريخه ، فأميركا بوصولها للقمة ، تتراجع أمام تحديات عالم جديد ، الصين وآسيا .. وإيران وروسيا ، ورغم أن أميركا استمالت الروس مؤخراً ، لكن ، الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها شن الحرب على إيران مطلقاً ، ولو فعلتها ، فذلك سيكون على حساب المصلحة القومية الأمريكية ، ستخسر الكثير الذي سيضاف إلى رزمة خسائرها السياسية والاقتصادية ، خصوصاً وإن الحرب ستكون كبيرة وممتدة وقد تؤدي إلى تغيير أنظمة في المنطقة ، وهي أمور كلها قيد الدراسة في مراكز صنع القرار الأوربي و الأمريكي..
الدور التركي الجديد في المنطقة
يهلل الكثيرين للدور التركي " الجديد " في الشرق الأوسط ، وكأن تركيا دولة " مفردة " لا تعمل ضمن منظومة دولية كبيرة منذ قرن ٍ تقريباً ، فتركيا ورغم " شبه " استقلاليتها الداخلية ، لكنها بسياستها الخارجية تعمل ضمن منظومة مصالحها المشتركة مع الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة وإسرائيل ، وقد تبلور هذا بوضوح منذ حرب العراق في 2003 عندما رفض البرلمان التركي شن الحرب من أراضي البلاد .. لهذا السبب ، الدور التركي في المنطقة تتزايد تقاطعاته مع أوربا شيئاً فشيئاً خصوصاً بعد اضمحلال القوة والفاعلية الأمريكية في إدارة سياسة الشرق الأوسط ، وقضية أسطول الحرية أظهرت مدى جدية تركيا في لعب دور ٍ فاعل في قضايا الشرق الأوسط ، الذي نرجح ، بأنه سيكون " الشرق الأوسط الأوربي " بعد أن تبخر حلم " الشرق الأوسط الأمريكي " الذي أرادت فرضه أميركا بقوة السلاح . فصحيح ان الولايات المتحدة لا تزال هي " الجنرال " الذي يقود النيتو ، لكن ، سياسة النيتو باتت مشتركة متعددة الأقطاب بعد كبوات الأميركان المتكررة . إن من يتابع الأحداث ، خصوصاً حدث " أسطول الحرية " واعتراض الجيش الإسرائيلي له في المياه الدولية يجد أن الخطوات التركية لا تزال مدروسة وحذرة ، ففيما يبدو من خلالها أن الحكومة التركية لم تتجرأ على طرد السفير الإسرائيلي ، واكتفت بتصعيد الخطاب السياسي في " بانوراما " ذكرتنا بحادثة اغتيال المبحوح والتصعيد الإعلامي دون الفعل الإجرائي الذي اتخذته حكومة دبي تجاه إسرائيل مع إن المسألة واضحة وضوح الشمس .. نجد تركيا اليوم ، مستندة على حلف شمال الأطلسي والقرارات السياسية " الأمريكية - الأوربية " تتعامل في ضوء منهج مدروس طويل الأمد اقترحه صموئيل هنتغتون في كتابه " صدام الحضارات " منذ العام 1994 عندما أشار إلى ضرورة ان تعود تركيا لقيادة العالم الإسلامي ، لكن أحدا لم يسمع منه وقتذاك ، إذ كانت " إسرائيل " هي المعول عليه في ذلك وفق هندسة واستراتيجيات السياسة الأمريكية التي توهمت بأنها ستقود العالم حتى جاءت حرب تموز 2006 في جنوب لبنان وتراجع اعتماد الغرب على إسرائيل كقلعة حصينة " تحرس " و " تضبط " العالم الإسلامي الغني بالبترول ، فمنذ 2006 بدأ مسلسل " إدخال " تركيا كلاعب أساسي في المنطقة لمواجهة النفوذ والتمدد الإيراني .. كون تركيا تمثل نموذج الدولة الإسلامية الديمقراطية المعتدلة ، الحمل الوديع الذي لن يضر مصالح أوربا القابل للانقياد في مسار الحضارة الغربية . لا يضر في حقيقة الأمر تركيا لو قطعت كافة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل لتؤدي مهمة سحب البساط من تحت إيران و تأدية مهمتها " الأطلسية – الأوربية " على أتم وجه ، ولكن ، الغرب يخاف على إسرائيل من عزلة كبيرة قد تؤدي بها إلى مخاطر وعواقب غير محدودة لو تخلت عنها " صديقة " مثل تركيا ، سيكون موقفها هشاً أمام سوريا وإيران . الدور التركي لا يقتصر على فك حصار غزة ، بل بدا قبل ذلك بتبني الإعلام التركي القضايا الشرق أوسطية من زاوية جديدة ابتداءاً من فيلم " العراق وادي الذئاب " السينمائي والذي تحول فيما بعد إلى مسلسل تلفزيوني " أثارت " إسرائيل ضجة حوله ، مروراً باقتحام المسلسلات التركية المدبلجة القنوات الفضائية العربية ومحاولتها " اختراق " الوعي الجمعي العربي الإسلامي الجديد ، وصولاً إلى بث أول قناة تركية ناطقة بالعربية ، إذا علمنا ان اللغة العربية تحتل موقعاً بالغ الحساسية في العقل السياسي التركي الاتاتوركي العلماني ، نكتشف مدى التجاوز الذي تبذله مراكز صنع القرار في تركيا لكي تؤدي مهمة احتواء النفوذ الإيراني ومحاولة فصل " سوريا " عن " إيران " وضرب طوق من العزلة الدولية المطبقة على الجمهورية الإسلامية ، فضلاً عن توسعة الدور السياسي والاقتصادي التركي بانفتاحه على دول الشرق الأوسط العربية . هذه كلها ، تلخص الدور التركي الجديد في المنطقة ، وهو دور صعب للغاية ، وتحتاج تركيا إلى سنوات عديدة وربما عقود كي تتحول إلى " دولة مركزية صلبة " تقود العالم الإسلامي خلال العقود القادة من القرن العشرين بما يخدم " الحضارة الغربية " حسب المخطط الهنتغتوني في كتابه " صدام الحضارات " قبل أربعة عشر عاماً ، لكن ، قد يحصل تبدل ٌ بسيط وهو أن الحضارة الغربية قد تقودها أوربا بدلاً من الولايات المتحدة في دورة عكسية تراجعية في التاريخ ، إذ أن الغرب كانت تقوده أوربا قبل أمريكا في الحقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية ، يبدو وكأن التاريخ يتراجع خطوة ، وهذا يعتمد على ثقل أوربا الاقتصادي والسياسي في عالم ما بعد الأزمة المالية ، و أرجح شخصياً رجحان كفة الاتحاد الأوربي الذي تمكن من فرض وجهة نظره السياسية على الولايات المتحدة بما يتعلق بالعلاقة مع روسيا ! وجهة النظر هذه تمثل أهم ثوابت العقلية الأوربية السياسية المناهضة للحرب ، فما هي العقلية السياسية الأوربية التي ستقود حلف الأطلسي ؟
يمكن الرجوع إلى مواضيع " نهاية الانكلوسكسونية " للكاتب المتعلقة بالذهنية السياسية " الخبيرة " الاوربية واختلافها عن العقل السياسي الامريكي المتهور
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل ٌ .. وإيمانٌ عظيم
-
سياسة بريطانيا و أميركا : تراكمات أخطاء حررت المارد الشيعي م
...
-
مورفين ٌ .. و ابتسامة
-
سقوطُ بغداد : مدرسة ُ الحرب الجديدة وكلمة ٌ أخرى سيقولها الت
...
-
لماذا نعتقد ؟ .. الإيديولوجيا من منظور عصبي
-
العقل والدين Mind And Religin
-
العقل ُ : آلة ُ بناء ِ الحضارة
-
الوعي والزمن
-
الباراسايكولوجي بين نظريتي الكم و النسبية
-
نظرية - عربية - في علم الاقتصاد
-
كيف أدرك الشرق الوعي الكلي ؟
-
الآلة الواعية .. بين الوهم ِ والحقيقة
-
الروبوت الواعي المفكر_فكرة الوعي الآلي
-
تركيب هيكل الاقتصاد العالمي التبادلي حتى العام 2012
-
مراقب العقل ( الضمير )
-
دراسات قدرات الدماغ الخفية( الباراسايكولوجي) في الإتحاد السو
...
-
الباراسايكولوجي والطاقة الفراغية الكمية_Parapsychology & Qua
...
-
الباراسايكولوجي والطاقة Energy and Parapsychology
-
الطاقة Energy .. رؤية علمية معاصرة
-
أزمة الطاقة Energy crisis ..العلاقة الجوهرية مع تخلف الفيزيا
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|