أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مونير كوبي - هل للقسر الإجتماعي حدود؟















المزيد.....

هل للقسر الإجتماعي حدود؟


مونير كوبي

الحوار المتمدن-العدد: 3023 - 2010 / 6 / 3 - 08:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يمكن أن نؤكد على الطابع القسري للظواهر السوسيولوجية على الأفراد الذين يشكلون لحمة المجتمع، بأن نثبت أن أقل تصرف نتخيل فيه قدرة ذاتية تجلت فيها الإرادة، هي في العمق، خاضعة لسلطة المجتمع والضمير الجمعي.
يمكن أن نؤكد هذا الأمر، وبشكل محسوس، انطلاقا من ظاهرة الصلاة كما يتم سلوكها من طرف المصلي، وكما يتمثلها عامة الناس، سواء كانوا يؤدون طقوس الصلاة فعلا أم لا يصلون أصلا. إن الصلاة واجب ديني غير قابل للمساومة أو التفاوض، وكل من لا يؤديها يرجم بنظرات مريبة فيها اتهام ضمني بالإنحراف عما شرعه الرب، وأقرته السنة، وأفاضت المذاهب الفقهية الأربعة في شرح تعاليمه، وتقعيدها على نحو مفصل ومستفيض.
إن سؤال الصلاة لا يطرح عادة على نحو بريء، ولا تبدو البراءة في هذا السؤال إلا في نظر إنسان ساذج، لأن هذا السؤال المجتمع أدمجه في ذهنية الفرد فصار المجتمع يتحدث بلسانه، ويطرح أسئلته التي تقاضي الأفراد الآخرين، وتزج بهم في محكمة المجتمع، لتحاكمهم محاكمة القاضي للمجرم، أو على الأقل للمتهم.
ومن هذا المنظور، يندر جدا ألا يطرح عليك هذا السؤال، سواء كنت متدنيا أو غير متدين، ولاسيما وأن المجتمع المغربي، حسب ما أدلى به معهد الإستطلاعات الأمريكي غالوب، هو الأكثر تدينا في العالم، بعد مصر المحتلة للمركز الأول عالميا، حيث بلغت نسبة التدين فيها %100، وبنغلاديش التي احتلت الرتبة الثانية بنسبة % 99، في حين بلغت النسبة في صفوف المغاربة% 98(يومية المساء، العدد 752، بتاريخ: الجمعة 20 فبراير 2009). والإنسان الذي يطرح مثل هذا السؤال إن كان ممن ينضبط لطقوس العبادة حتى وإن كان يخلطها بموبقات الإنحراف فإنه يشعر بالرضى والحبور الذي يلاقيه من طرف السائل. أما إن كان المستفسر منقطعا عنها، أو ممتنعا عن الصلاة أصلا، فإنه يشعر في الغالب بالحرج والخجل، لأنه إنتهك قاعدة إجتماعية لها قدسيتها في تأطير الشخص من طرف المجتمع، وفي تقييم شخصيته، بتحنيطها أو موضعتها داخل قوالب ذهنية قبلية يفرغ فيها، مهما نبلت نفسه، أو سمت أخلاقه، أو سخت يده.
إن لحظة الحرج التي تستبد بالإنسان المعني بالسؤال، وهو يطرح عليه سؤال الصلاة، ويطلب منه أن يجيب بالإقرار أو بالنفي، هو دليل كاف لمن إبتغى الكفاية على مدى الضغط الذي يمارسه المجتمع على أفراده، ليمتثلوا لتعاليمه وأعرافه وقوانينه.
ولكي نستدل أكثر على صواب هذا الرأي وصحته، أنى ولينا وجهنا، نتساءل هنا لم لا يشعر الإنسان الغربي بالحرج إزاء هذا السؤال بالذات؟ لنجيب بالقول إن هذا السؤال لا يطرح أصلا، أو لنقل إنه لا يطرح بنفس الإلحاح والحدة التي يطرح بها عندنا، وحتى لو طرح في مناسبة أو سياق يفرضه على نحو: هل تؤمن بالرب؟ هل تصلي في الكنيسة؟ فإن ذلك لا يستثير الضيق الذي يحسه الإنسان المسلم بالإسم، والمعني هنا هو ذلك الذي لا يؤدي طقوس الصلاة والعبادة، فالحضارة الغربية حسمت ومنذ وقت طويل في هذا الأمر، بتبني العلمانية منهجا وسلوكا في الحياة، ففصلت بذلك بين ما لله وما لقيصر. فلا تجد، تبعا لذلك، من يسألك، هل تؤمن بالرب أو هل تذهب إلى الكنيسة، لأن ما يهمه بالدرجة الأولى هو سلوكك المدني ومعاملاتك اليومية مع غيرك.
قلنا إذن إن هذا الأمر دليل كاف لإثبات سلطة القسر التي يضغط بها المجتمع على أفراده، ومع ذلك يحسن بنا أن نستزيد معرفة بهذه السلطة الجبارة التي تتخذ أشكالا وتمظهرات مختلفة كما هو الحال بالنسبة للصلاة، وكما هو الحال بالنسبة للزواج. فسؤال الزواج هو الآخر سؤال مجتمعي، وليس سؤالا شفافا كما يمكن أن يظهر لأول وهلة، فالناس لا يستسيغون أن يكون إنسانا موظفا، وذو أجرة قارة ومحترمة، وبصحة جيدة، غير متزوج. وتتفتق مخيلتهم "المبدعة" جدا عن أسباب لعزوفه عن الزواج، فهو إن لم يكن منحطا ومنحرفا، أو زير نساء يرتاد دور الدعارة، فهو شاذ جنسيا يُفْعَلُ به إن لم يكن هو نفسه الفاعل. إنهم مستعدون لأن يفرضوا أنفسهم عليك، بل إنهم يفرضون أنفسهم عليك، ويقتحمون حميمياتك، ليضعوا أنفسهم أوصياء عليك بإسم الواجب! وإذا ما حصل ورفضت "عرضهم"، وكسرت الطوق الذي يحاصرونك به تحت أي مسمى، حكموا عليك بالخبل أو الشذوذ، سواء كان شذوذا في التفكير، أو في السلوك والممارسة.
والغريب في الأمر، أن منهم من تجده يحترق في داخلة نفسه، ليس لأنه مهتم بمصيبته، بل لأنه يعتبر أن مصيبتك شديدة لا تضاهيها مصيبة أخرى في الوجود، وكأنه يعمل بالقول الرباني القرآني: "ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"(سورة الحشر،الآية:09). وعملا بهذا الإيثار، ينهال عليك بالتوبيخ أحيانا، وبالنصح والتحريض أحيانا أخرى، لكنه أبدا لا يتسامح معك في هذا السلوك المزعج في نظره، وفي نظر المجتمع الذي يسكنه، ويستقر في وعيه الجمعي.
هنا كذلك، لا نعثر على مثيل لهذه القيم في فرنسا، أو في غيرها من الدول الأوربية، فالزواج يتعايش سلميا مع اللازواج، ومع كافة العلاقات الجنسية التي نعدها، نحن المشروطون بقيم الشرق شاذة وغير سوية، ويعدها المجتمع الغربي أشياء مألوفة ومقننة، فلا يثير الإحتجاج، أو الإنتفاض، أو مجرد الإمتعاض الذي نلفيه لدينا، كلما حاد أفراد أو جماعات، عما هو سائد اجتماعيا.
من هنا، يتبدى لنا أننا لا نستطيع أن نفكر، أو نتخذ موقفا إزاء ما يعتمل داخل ذواتنا أو داخل المجتمع، إلا وفق ما ربينا عليه وإكتسبناه، بحكم هذا الوجود المجتمعي القبلي، وهذا ما لم تفتر همة السوسيولوجي الفرنسي إيميل دوركايم في تأكيده، سواء في كتابه "قواعد المنهج في علم الإجتماع"، أو في التقسيم الإجتماعي للعمل، وحتى في دراسته الشيقة حول الإنتحار وحول الأشكال البدائية للدين.
إن المجتمع وفق هذا المنظور الدوركايمي، هو شرط قبلي لكل وجود فردي، وأي وجود فردي لا يتخذ موقعه داخل المجتمع إلا بالنظر إلى امتثاله لمثل هذا المجتمع وعوائده، أو لنقل بأن وجوده رهين بالقهر الخارجي الذي يمارسه المجتمع عليه بحيث لا تنفع قناعاته أو مواقفه الشخصية، مهما بدت عقلانية أو منطقية في التخلص تماما من هذه السلطة، فيغدو مطلب الحرية، تبعا لذلك، مطلبا جوهريا، تهفو إليه نفس الإنسان لأنها تفتقده في الواقع.
وعلى هذا النحو لا يتعلم الطفل سوى كيف ينضبط للقوالب الجاهزة التي يجدها أمامه كاملة وتامة، تصقل فيها شخصيته لتغدو شخصية مماثلة لباقي شخصيات أفراد المجتمع. وهذا التأطير الإجتماعي للفرد هو الذي يجعله غير قادر على الإنفكاك من القيم التي تقيم الأشياء والسلوكات وتنظر من خلالها إلى العالم والآخر. وهنا يمكن أن نستحضر واقعة تبين شدة القهر الذي يمارسه الوعي الجمعي على أفراده. تحكي الممثلة المغربية زهور المعمري في برنامج تلفزيوني رمضاني ما وقع لفرقتها المسرحية ذات يوم بعدما حطت الرحال بمدينة ورزازات خلال شهر الصيام، وتستطرد الممثلة حديثها بالإشارة إلى أن المسرحية كانت تتضمن مشهدا، يتحلق فيه المشخصون حول المائدة لشرب الشاي، فكانوا يتظاهرون بارتشاف كؤوس الشاي بعد فيها، فما كان من الجمهور إلا أن أخذ أي شيء وجده قريبا له، وكان أساسا الحجارة، فرشق بها الممثلين.
لم يكن مسموحا إذن، حتى للممثلين بخرق عادة إجتماعية، وطقس ديني له قدسيته في الممارسات اليومية، لأفراد ثقفوا على الخضوع لها، والتخلي عن الوعي والإرادة إزاءها، لأن مجتمعا قائم الذات، بعوائده وقوانينه، يسكن كل ذات، وتجعله لا يتحدث إلا بإسم الضمير الجمعي الذي صار أعظم سلطة توجه سلوكها في الواقع وعلاقتها بالآخرين.
غير أن هذه الهالة المبجلة التي أضفيناها على المجتمع، والتي أهملنا بموجبها أي وعي أو إرادة للشخص في تقدير سلوكاته وتوجيهها، لا ينبغي أن تخفي عنا مظاهر، يطفو فيها ، على الرغم من الثقل الذي يمارسه المجتمع، حرية شخصية لا يمكن طمسها، تحت أي مسمى من المسميات. فتسريحة الشعر لدى الفتيان، وحتى الطريقة التي ترتدي بها الفتيات الحجاب لا تخلو في منهما إرادة تحمل على الإختيار بين عدة بدائل ممكنة. وإذا تساءلنا: لماذا اعتنق ملك الراب العالمي مالك الإسلام الصوفي؟ فسنجيب حتما بأنه هو من اختار ذلك، فبَّدل ديانته المسيحية بالسير على خطى شيخه في الزاوية البودشيشية. وإذا كان مالك غيَّر جلدة أبويه الدينية بالتحول إلى الإسلام، فإن المغربية مليكة جولياني حولت نفسها إلى إيطالية، وتحولت من الإسلام إلى المسيحية لتصير زوجة المدير التنفيذي والرئيس المنتدب لنادي ميلان(يومية المساء، العدد 674، بتاريخ: الأربعاء19 نوفمبر2008).
ولعل المثال التاريخي الذي يشهد على التحدي والإرادة هو ذاك الذي جسدته سناء بنهمة، إذ لم تمنع الإعاقة هذه العداءة المغربية من أن تحقق ما عجز عنه الأسوياء، عندما منحت ثلاث ميداليات للمغرب في أولمبياد بكين الأخيرة الخاصة بذوي الإحتياجات الخاصة.
ليس هناك إذن، إنسان يقوم بالفعل دون أن يفكر فيه قبلا، ويحيط نظره بكافة زواياه، قبل أن يتخذ قرارا بأدائه أو الإمتناع عنه. وليس هناك يوم يمر عليه دون أن يكون قد اختار شيئا، أو قيم سلوكا، أو اتخذ قرارا نابعا من حقل ممكناته. فسواء في المنزل، أو في المدرسة، أو في السوق، أو أمام التلفاز أو الانترنت، الإنسان يختار. حتى وهو حائر يختار أن يبقى حائرا، أو يحسمه بالهروب من الحسم أو الإنتقال إلى شيء آخر. لكنه في النهاية يختار لأن كل الطرق تؤدي إلى الإختيار، وتبعا لذلك، لامناص له من الإختيار.
لنخلص، بالإستناد إلى ما أجلنا فيه النظر، إلى أن للقسر الإجتماعي حدود، كما أن للحرية الفردية والإستقلالية الشخصية حدود هي الأخرى، والإنسان يستدمج هذه المفارقة في ذاته وسلوكاته، وفي أفكاره ومشاعره وقناعاته، بما يسعفه على القبول بالحياة في حدودها المعقولة، أو بما قد يعمق الشروخ لديه، ويدمي جروح نفسه أكثر مما هي عليه. فكيف يحيا الإنسان متوازنا بين قواعد المجتمع الإلزامية ومتطلبات الحرية الشخصية؟ هذا رهان الفرد ورهان المجتمع في الآن وفي المستقبل.



#مونير_كوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوي سينمائيا القوي سيميائيا


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مونير كوبي - هل للقسر الإجتماعي حدود؟