|
أسطورة نهر
لؤي عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 3022 - 2010 / 6 / 2 - 12:55
المحور:
الادب والفن
من منابع الأنهار ... ولدت الأساطير .. و على امتدادها .. أينعت .. واندثرت .... لكنها ..عادت وسكنت هناك .... حيث المكان .. الذي لا أنهار فيه ....
- فاض النهر من جديد ... وأخذ الزرع والمحاصيل ... إلى أين ستمضي بنا هذه السنين .. - قدمنا الكثير من الأضاحي ... عذراوات .... من أجمل بناتنا ... ومن أكثرهن جمالاًً وعفة .. - ومع ذلك ... لم يسكن غضب النهر ... ولم يبق ما نخزنه للشتاء القادم ... - لنضحي ثانيةً ... لهذا النهر العظيم ...... علّه يستجيب .. فتسكن ثورة غضبه .. - بما نضحي .. وقد خسرنا كل شيء ... - لنضحي ... بابنتي ... أطهر النساء وأجملهن ... - لكن يا سيدي ... - هل هناك من حلول أخرى ..؟؟؟ .. يجب أن تعود الطمأنينة للناس .. ويعم السلام هذه الأرض ثانية - آمل أن يستجيب الإله لدعائنا ... - ولم لا يستجيب ... وأنا أدفع له أغلى ما لدي ... لتهدأ ثورة غضبه ... إنه الإله ... وسوف يستجيب ...
- أي دموع نذرف الآن ... دموع الحزن على أغلى بناتنا ... على محاصيلنا ... وعلى أنفسنا وأولادنا من جوع لم نشهده من قبل سوف يلم بنا ... أم دموع خوف من آلهة ... تجبرت علينا وعلى أضاحينا ... آه ... ما أحوجنا لحكيم ... يرشدنا بحكمته .... - لو تنفع الدموع ... لهدأت ثورة النهر من دموعنا ... ولو ينفع الندب ... لأستجابة الآلهة لندبنا ... - وما العمل الآن ... هل سنجلس ونراقب الأطفال يموتون جوعاً ... وخوفاً ..؟؟؟ - لا ... لا ... لن نجلس .... بل سوف نتحدى النهر نفسه ... - من أنت ... ؟؟ - إنه مزارع يقطن في أقاصي أراضينا يا سيدي ... - نعم ... مزارع .... يشقى طوال السنة .. ليرى محصوله يذهب سدى مع مياه نهر يفيض بشكل دائم ... - هل قلت نتحدى النهر ..؟؟؟ - نعم ... نتحداه .. - ونثير غضب آلهته ..؟؟؟ - وهل سيكون غضبها أسوأ من ذلك ؟؟؟ - ما رأي المستشار بما يسمع .؟؟ - لنسمع وجهة نظره.... ربما نستشف من كلامه الحكمة ... - أعطنا ما لديك ... - نخرج جميعاً للعمل .. ونبني حاجزاً كبيراً ... يحتوي مياه النهر حين يفيض .. لتتجمع المياه بداخله ... فيكون سداً منيعاً .. يقينا شر النهر وغضبه ... وبذلك ننقذ زرعنا ومحاصيلنا ونسيطر على مياهٍ .. نجرها بقنواتٍ نسقي بها الأراضي البعيدة عن مجرى النهر ... - وهل سينجح عملنا ...؟؟؟ - بالتعاون .. سوف ينجح ... - ما رأيك الآن أيها المستشار ...؟؟؟ - لنعمل بنصيحته ... فلا شيء نخسره إن لم ننجح ... - وماذا عن غضب الآلهه ..؟؟؟ سنتحداها .. ولن تسكت عن ذلك .. بل ستوقع بنا أقسى العذاب ... - لن نغضب آلهتنا يا سيدي ... بل سوف نصلي لتبارك لنا الآلهة عملنا ... لينصرف المزارع الآن بعد أذنك يا مولاي ... وغداً يجتمع عند المعبد كل المزارعين ... نصلي جميعاً لآلهتنا ... ونذهب للعمل معاً على بناء ذلك السد ... وعندما نعود نشكرها جميعاً على سلامتنا من غضبها ... - حسناً ... حسناً ... ان كان هذا رأيك .... لنجتمع غداً ... - ولتكن أنت يا سيدي من يقودنا للعمل صباحاً ... ويبارك عودتنا سالمين مساءً ...
- ها قد اكتملت السنه و اجتمعت المياه داخل السد ... وأثمر عملنا معاً ... وباركت الآلهة جهودنا ... لنصلي للآلهة ولنحتفل كما لم نحتفل يوماً حتى الصباح ... وليكن هذا الشهر من كل سنه شهر أفراح لا أتراح ... تقام الأفراح طيلة أيامه .. ولياليه .... - يجب أن نصلي للآلهة التي ألهمتنا بهذه الفكرة ياسيدي ... - ها نحن نصلي لآلهة النهر صباح مساء .. يا حارس المعبد ... - نصلي لآلهة ضحينا لها بالعذراوات والخيرات ولم تستجب لنا ..؟؟ أم نصلي لإله جمعنا على العمل سوياً وألهمنا بما فيه خير وفير وسعادة كاملة لنا ...؟؟؟ - ماذا تقصد يا حارس المعبد ..؟؟؟ - ياسيدي ... عندما خرجتم لبناء السد ... كنتم تصلون صباح مساء كما لم تعتادوا أن تصلوا لآلهتنا من قبل ... فكانت الصلاة والتضرع سبباً لإستجابة رب السماء لنا ... - أين ذلك الإله ... وكيف سنعبده ونصلي إليه دون أن نعرفه ... - كيف لا نعرفه ياسيدي وقد أوحى إلينا بما هو لمصلحتنا ... - إن كلامك جميل .. لكنه غير مفهوم لنا ... أفصح أكثر ... واشرح لنا ... - يا سيدي ... كنا ننذر لآلهة لا تستجيب لنا أبداً ... لكن مجرد أن رفعنا دعائنا للسماء ... نجحنا في عملنا ... وعم الخير والسلام الأرض ... فالإله في السماء استجاب لنا دون أضاحي ودون نذور ... بل بالعمل معاً ... لذلك وإكراماً له وتبجيلاً ... لنصلي له صباح مساء ... ولنحافظ على علاقتنا الطيبة معه بدعائنا كل يوم ... - ماذا ترى في هذا الكلام أيها المستشار ... ؟؟؟ - أرى بأن كلامه قد أصاب عين الحقيقة والمنطق ... ولندعو لرب يستجيب دون أضاحي ... - ما هذا يا سيدي ...؟؟ مالذي تتكلمون عنه ...؟؟ أنا من أوحيت لكم بالفكرة ... وأنا من حرض الناس على العمل معاً لبناء السد ... - أنت لست سوى شخص أوحى إليه الرب لينقل لنا عن لسانه رؤيته العظيمه ... فحافظ على مكانتك التي أعطاك إياها رب السماء... - لم يوحي إلي أحد بهذه الفكرة ... إنما هي نتاج تفكير بالمآسي التي ألمت بنا ... والذي جمعنا معاً على العمل هو العقل والمنطق وروح التعاون لحل مشكلة أنهكت أجسادنا وأنفسنا ... - أخاف يا سيدي أن تغضب السماء علينا ... من وجود شخص ينكر نعمتها وفضلها علينا .. بمجرد أن اختارته لينقل لنا الوحي يريد أن يضع نفسه بمصاف الآلهة ... - لا ... لا أريد أن أكون مثل الآلهة .... أريد أن نقرأ حقائق الحياة و وقائعها .. وبذلك نتجنب خطأ الطبيعة وفيضان النهر وغيره ... وهكذا استنجت الفكرة ... وسوف نقوم بإصلاح السد كلما لزم الأمر كي يبقى قوياً يمنع وقوع الشر ... - ليس السد ما يمنع وقوع الشر .. بل الرب ... الذي أوحى اليك بفكرة السد وما أنت إلا ناكر لفضل الرب علينا ... وجاحد بنعمته علينا ... وتريدنا أن نصدق تخريفك هذا ... أنك ملحد بما حملته لنا من الألهة العظيمة ... أرى يا سيدي ...أن لا نغضب رب السماء ... فتحل علينا لعنته ... ويحل بنا ما لا يحمد عقباه ... - وماذا ترى يا حارس المعبد ... ؟؟؟ - أرى يا سيدي أن نقطع رأس هذا المزارع الجاحد بنعمة ربه ... لأن بقائه بيننا سيغضب الرب بدون أدنى شك ... - خذوه من هنا .. واقطعوا رأسه ... ولنصلي لرب السماء .. حتى يدوم الخير بدوام السد هذا ... - مولاي ... سيدي ... انا من أوحى بهذه.... ..... ..... - لتكن القائم على المعبد والمتابع لصلواتنا ... فقد كان الرب معنا طوال فترة بناء السد ... وحتى هذه اللحظة .. فما أحوجنا لمحبته لنا ونعمه علينا .... - يعيش مولانا وسيدنا ... - يعيش ... يعيش .... ....
- إنه شتاء بارد جداً يا سيدي ... وأخشى أن تتراكم الثلوج فوق الجبال .. فإن ذابت في الربيع سوف تتجمع في السد .. الذي لن يتسع لهذه الكمية الكبيرة من المياه ... وخصوصاً بعد أن مرت سنوات طويلة على بنائه .. ولم تعد تقوى جدرانه على حمل كل تلك الكميات الكبيرة من المياه .... - إلى ماذا تلمح أيها المستشار ..؟؟؟ - لقد حان الوقت لكي نخرج معاً لنرمم هذا السد ونحصنه جيداً حتى لا نخسره ونخسر معه كل شيء في سيل جارف ... تماماً كما فعلنا عندما بنيناه ... - ما رأيك يا حارس المعبد بهذا الكلام ؟؟؟ - سيدي ومولاي ... المستشار يعبر عن خوفنا كبشر ... وهذا الأمر طبيعي ... لكن لو نظرنا إلى تلك السنين التي عشناها برخاء وسلام بعد رفع الصلوات لرب السماء ... لإكتشفنا بأن الرب معنا ... ويحمينا من كل مكروه ... فالسيول التي أتت الأرض وتجمعت في السد .. كان الواحد منها كفيلاً بتدمير المحاصيل وتلف الزرع وتخريب البيوت وتجويع الناس ... لكن لربك حكمة من ذلك ألا وهي رسالته لنا كي نعبده .. لنعيش بسلام ... - لكن السد الذي منع عنا الأذى والشر ... - أي سد هذا الذي يقف كل تلك السنين بوجه سيول جارفه وأمطار غزيرة .. لولا أن الآلهة جبلته بخلودها ومنعت الأذى عنا من خلاله .. وذلك يعود لرفعنا الصلوات لرب السماء ... لا تجحد بنعمة الرب علينا ... وابتعد عن التشكيك بقدرات رب السماء وفضائله .. أيها المستشار .. و اطمئن ... اطمئن ... فإن الذي يحمينا هي صلواتنا .. وتعبدنا للإله ... دعونا نذهب إلى المعبد ... لرفع الصلوات كي يخفف الرب عنا المشقة ويبعد عنا الشر ....
- سيدي ومولاي ... هاقد أنتهى الشتاء وولى ... وانزاحت الغيوم الماطرة .. والثلوج التي غطت قمم الجبال تذوب رويداً رويداً ... علَ هذا يبين صدق كلامي .. بأن الرب هو من يحمينا وليس سد من صنع انسان ... - صدقت يا حارس المعبد ... صدقت ... لنقم الصلوات ... ولنشكر الرب على نعمه علينا ... - لنذهب إلى المعبد جميعا .. بعد عودة المزارعين من حقولهم ... .... ... يا إلهي ... لماذا تهتز الأرض من تحت أقدامنا ... مالذي يحدث ... - سيدي ... مولاي .. - مالذي يحدث أيها المستشار ... ؟؟؟ - السد يا سيدي ... السد ... - ماذا هناك .؟؟ ما ذا حدث ..؟؟ - لقد تحطمت جدران السد ياسيدي ... - هذا مستحيل أيها المستشار ... إن الرب معنا .. سيدي لا تصدق كلامه ... - انظر من شرفتك يا سيدي .. وتبين حقيقة الأمر ... وانظر هول الواقعة .... - يارب السماء ... أي غضب حل بنا .... مالذي أراه ... ياه ... ما هذا ... لم يبق شيء ... لقد غمرت المياه كل شيء ... أين ذهب المزارعين..؟؟ ما ذا حل بهم - من كان في أرضه ... قد جرفه السيل ومات .. ومن كان في بيته ... تهدم البيت فوق رأسه ... ولم ينجو إلا من حالفه الحظ وتسلق التلة قبل أن تغمر المياه الزرع والأشجار والحارات والبيوت .. - وهل ... مات ... الكثير ... من المزارعين .... - معظمهم كان في الحقل ... - ونحن ماذا سيحل بنا ... - سيدي أنتم في مأمن من مياه السيل الجارف ... لأن قصركم في أعلى التلة ولن تصله المياه مهما علت.... - وماذا تقول آلهتك ... يا حارس المعبد ...؟؟؟ أجبني ... ماذا تقول ؟؟؟ - لا بد وأن أحداً ارتكب خطأ بحق الآلهة ... - وهل تعاقب الآلهة الجميع ... من أجل خطأ واحد .... - ربما جميعنا أخطأنا ... عندما شككنا بها يا سيدي ... - خذوه من وجهي .... سوف ننظر لاحقاً بشأنك ... وشأن آلهتك .....
لن تنتهي الحكايات والأنهار تجري ... فهناك الكثير لترويه .. قبل أن تجف ...
#لؤي_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنتظار
-
الزير سالم في ديارنا
-
في الظل
-
نبض قلب
-
وجهات نظر 4
-
وجهات نظر 3
-
وجهات نظر
-
بوسة شوارب
-
احساس اسمه الحب
-
نوستاليجيا2
-
نوستاليجيا 1
-
حكاية .. أول أيام الخريف
-
كوابيس النهار
-
نقاش ديموقراطي .. لأجل المرأة
-
طفولة
-
دعنا نتكلم
-
ملح من نوع آخر
-
ظلالٌ تفنى .. بحثاً عن الخلود
-
عربة القدر
-
أوغاريت
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|