|
مشكلات المراهقة والشباب في الوطن العربي
صادق جعفر الروازق
الحوار المتمدن-العدد: 3022 - 2010 / 6 / 2 - 12:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مما لا شك فيه أن التربية السليمة تنتج مجتمعاً سليماً، يشكـّل الشباب فيه مادته الرئيسية، ومن هنا فان التركيز على تربية جيل الشباب هو ضرورة اجتماعية كونها تشكل المفصل الحيوي في بناء المجتمعات وتقدمها، ولذا اهتم علماء النفس وعلماء الاجتماع، والتربية والسياسة، والصحة والاقتصاد، والدين بموضوع الشباب ودراسة موضوع المراهقة التي تشكل مرحلة مهمة وخطيرة في حياتهم، فهي نقطة تحول مهمة وخطيرة في آن واحد. فالاهتمام بمرحلة المراهقة تنبع من ضرورة بناء مجتمع إصلاحي، وهذا ما أكده الأستاذ محمد صادق عرجون، وهو يضع التربية الدينية في مقدمة أولويات التربية لمرحلة مراهقة الشباب فيقول: «ان الشباب هم عصب الأمة وموضع آمالها، وهو الذي يقود الأمة في مستقبل حياتها، فإنه إذا لم يلق الشاب توجيهاً تربوياً يقوم على دعائم الوعي والفضيلة والتمسك بآداب الدين والعلم والمعرفة، فإنه يذهب بكل عمل نعمله، ويهدم كلّ بناء نبنيه»(1). لأن الشباب هم الجيل الأكثر مرونة وتقبلاً للتطور والتغيّر دون أن يجدوا أيّ حرج في ذلك. فالشاب في هذه الفترة يكون أكثر استعداداً لكشف قدراته وطاقاته الجسمية والعقلية وحتى الروحية، فضلاً عن تطلعه واعتزازه بتراث وثقافة مجتمعه، ففي التربية الصحيحة والتوجيه الصحيح ينطلق الشاب مضحياً من أجل مجتمعه وأمته ووطنه، بكل ما يؤمن به من الأفكار والعقائد والرؤى السليمة. والأمر ينعكس حينما تكون التربية ناقصة أو شاذة أحياناً. وانطلاقاً من أهمية هذا الموضوع ومدى خطورته على مستقبل المجتمعات العربية، قدم الدكتور فيصل محمد خير الزراد كتابه هذا، والذي اقتصرت دراسته فيه على الشباب أو (مشكلة المراهقة) معززاً دراسته بجداول إحصائية لدراسات ميدانية اهتمت بشرائح الشباب في الوطن العربي. فجاءت الدراسة تحمل سبعة فصول، ومقدمة أوضح فيها أهمية هذه الدراسة وانعكاساتها على جيل الشباب ومؤكداً فيها على أهمية الدور التربوي والتوجيهي في تكامل المسيرة الصحيحة لبناء المجتمعات القوية المتينة المنتصرة على الجهل والتخلف. ففي الفصل الأول حاول المؤلف تحديد مرحلة المراهقة والمسماة احياناً بمرحلة الشباب، وهي المرحلة التي تمتد من سن البلوغ أي حوالي السنة الثالثة عشرة وحتى عمر الـ (21) سنة تقريباً. وتسمى هذه الرحلة أيضاً وتسمى بمرحلة (الفتوّة)، تتلوها مرحلة الشباب الثانية وتمتد من سن الرشد (21) وحتى عمر الثلاثين. أما الأستاذ أحمد فؤاد الشربيني وضمن (محاضرات في جامعة الاسكندرية 1967م) ـ وبحسب الدكتور المؤلف ـ فإنه قسم مرحلة الشباب إلى أربع مراحل فرعية، هي: 1- مرحلة المراهقة: وتمتد من (12-15) سنة تقريباً، يصاحبها تغييرات فسيولوجية. 2- مرحلة اليفوع: وتمتد من (15-18) سنة، فيها استمرار النضج الجسمي. 3- مرحلة الشباب المبكر: وتمتد من (19-21) سنة، وفيها تتجه التغييرات الوجدانية والنفسية نحو الاستقرار. 4- مرحلة الشباب البالغ: وتمتد (21-30) سنة تتم فيها عمليات النضج العضوي والقدرة على التكيف مع ظروف الحياة. ومن ثمّ يفرد المؤلف موضوعاً أهتم بخصائص مرحلتي المراهقة والشباب، مستعرضاً فيها الدراسات الوصفية، والتغيرات النفسية والوجدانية التي تطرأ على المراهق. ثم يذهب الى «الدراسات التفسيرية للمراهقة» من خلال السؤال المهم؛ وهو: هل يمكن القول بأن مظاهر المراهقة ترجع بأسبابها إلى نوع واحد من التغييرات التي تطرأ على المراهق في مرحلة مراهقته، كالتغييرات الفسيولوجية مثلاً أو غيرها؟ يختلف المختصون في تحديد الاجابة على هذا التساؤل وتتوزع على اجتهادات متعددة، من أبرزها: يفترض بعض علماء لنفس الطفولة والمراهقة أمثال آرنولد جيزل أن أسباب المراهقة تعود إلى ما يتعرض له المراهق من ظروف اجتماعية واقتصادية وعوامل وراثية أحياناً، وهذه الظروف لها تأثير كبير على مرحلة الطفولة السابقة، فالطفولة التـَعِسة، والدلال الزائد، والقسوة، والحرمان، والمرض، والجهل، والفقر، وفقدان أحد الأبوين أو كليهما، أو نقص الغذاء، أو تحكم بعض الدوافع اللاشعورية، والعقد السابقة في تصرفات الآباء تجاه الأبناء... إلخ كل ذلك يؤدي إلى الكثير من المشاكل والأزمات الشخصية والفكرية والاجتماعية والوجدانية والجسمية. ويقول ستانلي هول (G.Stanley Hall) من أن هذه المرحلة تعتبر مرحلة أزمة وتوت ومحن، وأنها مليئة بالمشكلات، ولا يمكن للمراهق تجنب ذلك. أو القول كما تؤكد الدراسات الأنثروبولوجية من أن مشكلات المراهق ليست أمراً لا يمكن تجنبه، بل هو نتاج للقيود التي تفرضها الحضارة التي يعيش فيها الفرد. أو كما يقول العالم يونج (C.G Jung) بأن هذه المرحلة ـ أي مرحلة المراهقة ـ هي عبارة عن مرحلة تيقظ في الشعور وفي الميلاد النفسي الذي يتم بالتمييز بين الأنا والأبوين. أو القول كما يرى أصحاب علم النفس التبولوجي(2) مثل العالم كورت لوين (K.Lewin) بأن هذه المرحلة من مراحل الحياة تتصف بكثرة المشكلات، لأنها مرحلة انتقال الفرد من منطقة معلومة إلى منطقة مجهولة، كل ما فيها لم يتضح بعد من الناحية المعرفية، وحتى جسم المراهق نفسه. ثم تناول المؤلف في الفصل الثاني «الحاجات الأساسية لدى المراهقين والشباب» من حيث الحاجة إلى الطعام والشراب والهواء والنوم والراحة من التعب وطرح الفضلات والمحافظة على حرارة الجسم والضغط وحماية الجسم والتخلص من الألم والنشاط والحركة واللعب واستخدام الحواس والجنس وحاجات أخرى. ثم يتناول المؤلف في الفصل الثالث أنواع المشكلات وطرق التعرف عليها، مؤكداً أن المشكلات تتوزع على الجوانب الاتية: 1- مشكلات أسرية عائلية. 2- مشكلات اقتصادية، مادية. 3- مشكلات مدرسية، أكاديمية. 4- مشكلات مهنية. 5- مشكلات نفسية أو عاطفية. 6- مشكلات جنسية. 7- مشكلات صحية عضوية. 8- مشكلات دينية وأخلاقية. 9- مشكلات ترفيهية وقضاء وقت الفراغ. 10- مشكلات تتعلق بالمستقبل التربوي المهني. 11- مشكلات وطنية وقومية سياسية. وأما طرق التعرف على المشكلة، فهي: 1- طريقة الملاحظة المباشرة. 2- طريقة المقابلة الشخصية. 3- طريقة الاستبيانات. 4- طريقة الفحوص والتحليلات الطبية. 5- تحليل كتابات الشباب ومذكراتهم اليومية. 6- طريقة التجربة المنظمة وطريقة الاستبطان. 7- طريقة التحليل النفسي. 8- طريقة دراسة تاريخ الحالة. ومن أبلغ ما أشار إليه المؤلف ـ وهو يستعرض أهم المشكلات السريرية والسلوكية لدى المراهقين ضمن دراسة في الفصل الرابع ـ قوله: لعل من المفيد أن نشير إلى أن معظم مشاكل المراهقين والصغار، غالباً ما تكون من الكبار ممن هم حولهم، ومن عدم قدرة هؤلاء الكبار على فهمهم أو فهم حاجاتهم النمائية والاجتماعية والإرشادية، أو من عدم مساعدتهم، بشكل مبكر على حل مشاكلهم، أو الاستماع إلى هذه المشاكل بتقبل واحترام، وفتح قنوات الحوار معهم من دون قهر أو نقد أو حرج في ذلك. مع الأخذ بعين الأعتبار متطلبات العصر، بما فيه من تقدم وتقنية وعلوم وعولمة وتغريب وغير ذلك. ثم أفرد المؤلف أهم المشاكل التي تواجه المراهق، ومنها: 1- توهم المرض (أو المُراق). 2- الميول النرجسية. 3- الفقدان العصبي لشهية الطعام. 4- الجنوح. 5- الانتحار. 6- الأدمان على الكحول والمخدارت والمؤثرات على العقل. ويؤكد المؤلف: ان سوء استعمال المخدرات والمؤثرات العقلية لدى المراهقين (Adolescent drug abuse) من أكبر المشاكل التي تواجه المراهقين والشباب في عالمنا العربي، وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة 35% من حالات المراهقين الذين يدخلون المستشفيات في العالم هي بسبب سوء استعمال العقاقير، وأن (3/1) طلبة المدارس في العالم يشربون الخمرة، أو يتعاطون الحشيش، وأن نسبة (50%) من حوادث الطرق هي لمراهقين وشباب بسبب تعاطي الكحول، ونسبة (10-15%) من المراهقين يعانون من أزمات نفسية بسبب الكحول والمخدرات. وتشير الدراسات العالمية إلى أن المراهق يستعمل الكحول، والحشيش والمنشطات، وعقاقير الهلوسة، والمهدئيات، والمنومات (مجموعة الأتروبين مثل الكمدرين (Kemedrine) والآرتان (Artane) والأتروبين (Atropine) وعادة تكون المشكلات السلوكية المقترنة بالتعاطي لدى المراهق أكثر خطورة من التعاطي نفسه، مثل السرقة، والدعارة، والاشتراك في توزيع المخدرات والمواد (وذلك لأن العقوبة على الصغار أخف مما هي على الكبار) وغالباً ما يمر المراهق بمرحلة التجربة او التسلية أو الاستعمال العابر، أو التعاطي القهري، وهنا يحدث الادمان، وعلاج حالات المراهقين صعبة تتطلب تعاون الأسرة والمدرسة والأصدقاء أو المجتمع. ومن ثم يفرد المؤلف دراسة احصائية تبين نسبة المتعاطين للمخدرات وقد أشارت صحيفة الخليج في عددها 6494 الصادرة بتاريخ 28/02/1997م إلى عدد التلاميذ الذين يتعاطون الخدرات في مدارس (دبي) فكانت على النحو التالي: 1- المرحلة الابتدائية (174) تلميذاً. 2- المرحلة الاعدادية (144) تلميذاً. 3- المرحلة الثانوية (48) تلميذاً. 4- فصول محو الأمية (31) مدمناً. 5- صغار من غير تلاميذ المدارس(18) صغيراً. وبالطبع ان هذه الأرقام لا تمثل كامل المشكلة، ومن ثم يفرد المؤلف وجهة نظر نفسية لتفسير هذا الأدمان مؤكداً على ان الفرد يواجه إحباطاً (Frustration) لا يقوى على مواجهته لأسباب ما. فإنه يتجنب الآلام الناجمة عن هذا الاحباط ويواجه الواقع بالهروب منه عن طريق الادمان. ومن المشاكل السلوكية أيضاً مسألة التدخين والانحرافات الجنسية واضطرابات السلوك الشخصية، وقد ركز المؤلف على هذه النقاط بشكل تفصيلي، كانت بحق دراسة غارت في عمق الكثير من المشاكل التي يعاني منها الشباب والمراهقين. أما الفصل الخامس فقد أفرده المؤلف للمشكلات الاجتماعية والثقافية والوطنية المعاصرة مؤكداً على ما حصل للشباب في البوسنة، والشيشان، ويوغسلافيا، والفلبين، وكوريا، وأندنوسيا، وأفغانستان، ولبنان، والعراق، وفلسطين، وليبيا، والسودان، وسوريا، وغيرها من بلدان عربية إسلامية بفعل المخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يستهدف القيم والأخلاق والدين والاقتصاد والنفط والفكر والمفكرين، ومن ثم تشويه الحضارة والتراث لهذه البلدان، والمحاولة الخطيرة لتشويه المعالم الحضارية والتراثية والدينية كي ينشأ جيل فاقد لهويته العربية والإسلامية. كما أكد المؤلف على خطورة العدو الداخلي الذي يكمن في داخلنا وفي أنظمتنا عندما نسهّل للغرب وللصهيونية حرية الحركة والعمل والانتشار والسيطرة والتدمير والقتل والاعتقال والأسر، ويضيف المؤلف: وعندما نفتح الأبواب على مصراعيها للغرب في تقديم المساعدات وبناء القواعد على أرض الوطن. وقد وقف المؤلف ـ في هذا الفصل ـ على الكثير من المشاكل الحقيقية التي واجهت الشباب ومنها: اضطهاد الاطفال والمراهقين باستخدامهم للعمالة والتجارة بهم استغلالاً فضيعاً بسبب الفقر والضعف والجهل أو الحروب، والأنكى ظاهرة بيع الأطفال!!! بعد ذلك يؤكد المؤلف دور العولمة في التأثير على الشباب مؤكداً أنها تهدف ضمنياً إلى تطبيق نمط الحياة الأمريكية بوسائل عدة. وأما الفصل السادس فقد أفرده المؤلف لاستعراض الدراسات الأجنبية والعربية حول مشكلات الشباب. وختم دراسته في فصل سابع مبيناً فيه أساليب علاج المشكلات مبيناً ذلك من خلال: 1- العلاج النفسي الجماعي. 2- العلاج النفسي الأسري والزواجي. 3- العلاج النفسي السلوكي ـ المعرفي. 4- العلاج الديني. ومن ثم يفرد نصائح إرشادية للتعامل مع المراهقين والشباب مؤكداً على الأخذ بنظر الاعتبار السمات الطبيعية والشخصية للمشكلات التي يعاني منها المراهقون والشباب، والنواحي النفسية والصحية والاجتماعية والفكرية وفهم الظروف البيئية الصعبة التي تحيط بهم وتحليلها، وتأثير عومل البيئة بسلبياتها وإيجابياتها. الهوامش ــــــــــــــــــــ (1) انظر (الدين منبع الإصلاح الاجتماعي) محمد صادق عرجون، منشورات معهد الاسكندرية الديني، 1959م: 43. (2) (Topology) الطوبولوجيا هي الهندسة اللاكمية، أو اللامقدارية، وهي فرع من الرياضيات تهتم بدراسة موقع الشيء بالنسبة إلى الأشياء الأخرى من دون الاعتماد على المسافة والحجم (المؤلف).
#صادق_جعفر_الروازق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسألة الحرية في مدوّنة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور
-
تجديد العقل النهضوي
-
مؤلف وكتاب
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|