أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زيد محمود علي - انهيار سلطة المعرفة















المزيد.....



انهيار سلطة المعرفة


زيد محمود علي
(Zaid Mahmud)


الحوار المتمدن-العدد: 3019 - 2010 / 5 / 30 - 00:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان الطابع العام للمثقف المعاصر ھو المثقف المزیف , والمثقف
المزیف ھو قبل كل شيء مثقف مباع .
جان بول سارتر
من المفید في كل مرة تقدم فیھا السیاسة حججھا , او یسلم فیھا العقل
نفسھ للسیاسة , ان یقال اننا في حضرة ( ایدیولوجیة ) بھذا تسمى
عن طریق العرف الضمني المتواصل على الدوام , المنطقة
الرمادیة التي تتلاقى فیھا وتتشابك وقائع السلطة ووقائع الخطاب
وعلیھ فأن : نقد للعقل السیاسي یجب ان یبدا بنقد لمفھوم
الایدیولوجیة .
ریجس دوبریة
الماضي سار بتعرجات , وتاریخ طویل ملئ بالاحداث وان الزمن
بشكل عام لم یكن في صالح البشریة , انما الانسان كان وسیلة
ولاسیما ابتداءا من القرن العشرین وما یسمى بعصر الطغیان , لھذا
القرن : (( العامل الثقافي المتمثل بالایدیولوجیات الكبیرة التي
غیرت بالفعل حیاة الجنس البشري كلھ وتحول الارھاب الى مؤسسة
والحكم الى استبداد والانسان القیمة الى انسان وسیلة )) والى جانب
الفكر القومي والاشتراكي لا ان ما تمثلت الایدیولوجیات الفاشیة
والتي دعت الى اقامة نظام بنمط من الوثنیة یبشر بالقیم الطبیعیة ,
وبالدعوة الى ولادة انسان جدید یذكرنا بالانسان المتفوق الذي
مادعى الیھ الفیلسوف نیتشة , وھكذا یحول الانسان الى بطل
ولیتمكن الانسان من ذلك للعودة الى اسطورة التفوق الغربي
واھدافھا البعیدة في السیطرة على العالم , انطلاقا من عظمة الشعب
وعظمة الفكر .
وان القیمة العلیا انما تكمن في الانسان الذي یصبح مقیاس كل شيء
لا في الانسان الحلم بل في الانسان الحقیقي انسان ایامنا ھذه مع مالھ
من حاجات ومشاریع , ومن حیاة اجتماعیة خاصة بھ , وكل
مشروع ینفي الحریات الفردیة . یقول جاك ماریتان في ھذا السیاق
(( وظیفة الدولة انما تقول حصرا على تامین اللوازم المادیة لحفنة
من افراد ینشغل كل منھم في البحث عن مصلحتھ بھدف اغنائھا ))
وھل ھي ھذه المحصلة التي یحاول الانسان كسبھا ام ان ھنالك
اھداف انسانیة , تحاول البشریة تحقیقھا , لكن الزمن الحالي ھو
الزمن الصعب والزمن الذي فقد فیھ حتى اصحاب الفكر والمعرفة
وموقفھما امام رجال السیاسة , والسلطة , ونشبھ ذلك كخضوع
الجندي امام ضابطھ , والموظف امام مدیره , وسلطة المعرفة
اصبحت سلطة تابعة مجردة , كما اتسمت بمصادرة (( العقل
واختفائھ لصالح الایدیولوجیات البدائیة التي كانت تضخ عداءاتھا
عبر الازمات والھزات والانقباضات السیاسیة والاجتماعیة وتبحث
عن حقوقھا القبلیة في انتمائھا الدموي والارضوي )) وتصبح الثقافة
ومنتجاتھا الى سلع كاي سلع اخرى كا (( الصابون ودواء الغسیل
معروضة للبیع والشراء . وان المعرفة الصحیحة والعمل الصحیح ,
او على انھا انتاج المعنى وتوزیعھ تبقى مجذرة في التجربة
الانسانیة , ببعدھا التاریخي الاجتماعي , تبقى لخدمة الاھداف
الانسانیة وعلى راسھا الوعي في توسعھ وتعمقھ , الوعي بالمجتمع
والوعي بالوجود . ولذلك فان الخطوة الاولى في الوعي : (( تكون
– بالتحرر من قوالب التفكیر الجامدة والمتعصبة والمنغلقة على
الذات وذلك بدیمقراطیة النظام السیاسي والنظام الاقتصادي , اي
بالتخلص من الحاجة والعبودیة )) . وھنا تبقى الحكومات العسكریة
والمستبدة والانظمة الدكتاتوریة لا تنظر بعین الرضى الى المتعلمین
والمثقفین من ابناء الشعب وھي تفضل لو انھم كانوا كلھم امیین
جھلة ذلك ان من یعرف القراءة ھي تماما فن الیقظة والحذر وھي
القدرة على امتلاك وحضور فاعل . یقول الناقد الامیركي ( یاونس)
یجب ان نقراا لنزید من قوتنا كل قارئ لابد ان یكون رجلا دینامیكیا
مفعما بالحیاة .. والتاریخ البشري یسیر بتعرجات وتطورات شبھ
مضطربة , صراع دائم , حیث یقول الفیلسوف الالماني ھیغل ,
الذي اعتبر ان تقدم التاریخ لا ینشا من التطور المضطرب للعقل بل
ھو ینشا من خلال التداخل الاعمى للانفعالات التي ادت بالانسان
الى الصراع والثورة والحرب (( وھو من اشتھر عنده بخداع
العقل)) . فالتاریخ یتقدم من خلال عملیة صراع مستمر بین مذاھب
الفكر والسیاسة المتعارضة والملیئة بالتناقضات الداخلیة ثم تحل
محلھا مذاھب اقل تناقضا واكثر سمو تعطى دفعة للوصول الى
تناقضات جدیدة ومختلفة وھو ما یسمیھ بالجدل الصاعد .
ان الوقوف على ماھیة المعرفة ومدى صلتھا بالسلطة التي نقصدھا
سلطة الحكم او السیاسة اما مثال الدكتاتوریة او ایة سلطة , یقول ((
میشیل فوكو )) في ھذا الصدد الذي یقول بان المعرفة تختلط مع
السلطة وسیكون جوابي عبارة عن ( قھقھة ) . فادا سبق ان قلت او
اردت القول بان المعرفة ھي السلطة فذلك یعني انھ لم یعد ھناك ما
اقولھ لاني عندما اطابق بینھما فلا افھم لم اجتھد واتمسك بمحاولة
اظھار العلاقات المختلفة والقائمة بینھما ان اولئك الذین یقولون بان
المعرفة قناع السلطة ھم في منظوري یبدون لایملكون القدرة على
الفھم ولیس ھناك مجال للرد علیھم . ولو ركزنا على اكثر مھام
عملیات التاریخیة نرى ان اكثر المھتمین من المفكرین یتطرقون
الى السلطة وما ھي علاقتھا بالفكر والمعرفة , ویریدون ان تتفاعل
معھا , باعتقادنا ھم مجبرون خوفا من جبروت السلطة في
اضطھادھم لانھ قلما راینا سلطة باختیارھا تساھم في رفع المستوى
الاخلاقي والحضاري للشعب . وكانت الحیاة السیاسیة في فترات
مختلفة من التاریخ الانساني یعتمد اساسا على السلطة المعرفیة في
تمشیة امور شؤون الدولة , وحیث منذ الصیاغات الاولى للتفكیر
الفلسفي عند الیونان وحتى بدایات القرن العشرین لعب المفكرون
والفلاسفة والمثقفون دورا بارزا في قیادة مجتمعاتھم , بل ووجھوا
السیاسین في انحاء كثیرة من المعمورة فقد كان (( ارسطو مستشارا
للاسكندر الاكبر ودیكارت مقربا من ملكة السوید وفرانسیس بیكون
دزءا من البلاط الملكي الانكلیزي , وجان جاك روسو جو نلوك
مونتسیكو , تومان ھوبز , جون سیتورت فیل , دیدرو والقائمة
تطول بالاسماء , كانوا عونا وموجھین للعدید من القیادات السیاسیة
بید ان ھذا الدور تراجع كثیرا منذ منتصف القرن العشرین واصبحنا
الیوم في عالم یقوده السیاسین والمصالح السیاسیة )) حیث كانت
السیاسة في الزمن الماضي تقود لكن الفكر ھو الموجھ وسلطة
المعرفة كانت لھا الدور البارز والمتمیز في توجیھ القادة السیاسیین
والمسؤولین في ادارات الحكومات وكان لصیاغة الفكر السیاسي یتم
من قبل الفلاسفة والمفكرین , فخیر دلیل على ذلك حینما صاغ
افلاطون كتابة ( جمھوریة افلاطون ) السیاسة التي یتطلب اتباعھا
للمدینة الفاضلة وكیفیة التعامل مع العامة وشؤون الحكومة والدولة
(( ومع دخول عصر النھضة اصبحت اوربا امام وضع جدید بعد
انھیار سلطة الكنیسة التي لم یكن انھیارھا سیاسیا فقط , بل ثقافي
ایضا بمعنى انھ انھارت الثقافة التي انتجتھا على مدى القرون
السابقة , والتي شكلت رؤیة الانسان وثقافتھ وتفسیره للعالم
ولمصیره .. وقد توحدت تلك العملیة بالوصول الى عصر التنویر او
الانوار , والذي صادق بھ نزعات ثلاثة مھمة وھي العقلیة والعملیة
والانسانیة , والتي تعكس الابعاد التي ساھم العلم فیھا باعادة بناء
العقل والفكر الانساني من جدید على اسس مادیة وواقعیة قادتھ
لاحداث تطورات مھمة في مسیرة الحضارة الانسانیة التي قطف
ثمارھا القرن العشرین )) . ودخل العالم مرحلة جدیدة ھو دور
السیاسیین في قیادة العالم المتحضر الیوم , في الدفاع عن مصالح
الشركات الكبرى , وتمیزت ھذه المرحلة بقیادة دول العالم الغربي
التي عززت من تراجع دور اصحاب الفكر , ویوما بعد یوم نرى
انھیار سلطة المعرفة ھي نتیجة للتطورات الحالیة والمقبلة ففي
سبیل استمراریة القیادة السیاسیة لحكومات العالم الغربي في مراعاة
مصالح الشركات والمؤوسسات الكبرى , من اجل تحقیق الارباح
على حساب جیوش انسانیة عاطلة عن العمل بغض النظر عن
الجوانب الاخلاقیة والانسانیة .
وثمة ملحوظة جدیرة بالذكر , ان العالم الیوم وبعد سقوط اكثر النظم
الشمولیة وبروز عالم جدید وھو ما یسمى بعالم العولمة الراسمالیة
التي اخذت یوم بعد یوم تنصب نفسھا بدیلا للنظم والمؤسسات
المندثرة , فان معاناة الانسانیة , لان اسباب ذلك ھو تبعیة النظم
وسیاساتھا , واستبدادھا , وانظمة لاتاخذ بحسابھا اعتبارات حقوق
المجتمع والفرد . وھذا الشيء لا یشمل البلدان الغنیة التي تمتلك
موارد طبیعیة وامكانیات من موارد الطاقة النفطیة فانھا رغم ذلك
نراھا كذلك منھوبة اقتصادیا من قبل الدول الكبرى . فان مستحقاتھا
لاتعد اكثر من نسبة ضئیلة جدا نسبة الى ما یملكھ المجتمع من
موارد ضخمة .. وھذا النھج الاقتصادي تجاوز مرحلة الامبریالیة
في نھب الشعوب , (( وھو یضع افقھ الفكري والاجتماعي .. الخ
اداتھ الكبرى , راس المال , وھو في خدمة راس المال ھذا ,
ویوظف في تفریغھ للعالم من مضامینھ ومفاھیمھ السابقة , واكسابھ
مضامین ومفاھیم جدیدة كل ماوصل ویصل الیھ الانسان في نشاطھ
العلمي المحموم الذي صنع الثورة المعلوماتیة , الثورة في عالم
الصورة والاتصالات ووضعھا في خدمة العولمة لیعید تشكیل العالم
حسب مقتضیات المرحلة الجدیدة ومصالح راس المال )) وھذه
السیاسة المتبعة في العالم , تعتبر سیاسة ھامشیة تنطلق فقط ضمن
مصالح اقتصادیة سیاسیة نفعیة دون اعتبر لاي مقاییس او اعتبارات
, وغیاب المبادئ والبرامج , وفي ضوء ھذا الوضع للعمل السیاسي
واشكالھ , (( من الطبیعي ان یكون دور الثقافة ھامشیا لا یتعدى
الدیكور , وان یكون المثقف في المنظمة السیاسیة عنصرا ثانویا ,
او لیس موضوع ثقة او رضا ومن الطبیعي ایضا ان یقع التباعد
خلافا فافتراقا وربما عداء بین الطرفین )) ولو ان القوى السیاسیة
الاصلیة التي ترید للثقافة والمعرفة ان تمثل دورھا داخل المجتمع
ومؤسساتھ المدنیة , لا ستطاعت ھذه القوى المتنفذة من افساح
المجال لھا , لكن اكثر النظم السیاسیة الشكلیة لیس من مصلحتھا ان
تكون جادة في ھذا المجال لانھا ترید تمریر سیاساتھا , وتحاول
اخضاع جمیع المؤسسات الاجتماعیة والثقافیة , وكبر دلیل على
ذلك وكما تلاحظ ان الترویج للثقافة الاستھلاكیة السھلة او الملفقة
وبالمقابل محاربة الثقافة الجادة , افساد ضمائر المثقفین من خلال
عملیة الشراء والغراء والاستیعاب انشاء كم ھائل من المؤسسات
والمنابر الثقافیة , ضمن مواصفات تقنیة والمقاییس الثقافیة ,
اعتبارھا الاساسي للرواج والنجاح والشھرة , التضییق على الرموز
الثقافیة الوطنیة من خلال الرقابة والحصار , وتحریض القوى
الرجعیة تحت ستار القیم التقلیدیة , الخ محاصرة الاشكال
المتواضعة من بقایا الثقافة الوطنیة , كدور النشر والصحف الوطنیة
, وھكذا نشھد (( تداعي )) وسقوط القلاع الثقافیة الراسخة والمؤثرة
, لتقوم عوضا عنھا ( ناطحات ) سحاب ثقافیة تتمثل بھذا الكم الھائل
والمتزاید من الصحافة الملونة , والمسلسلات التلفزیونیة ,
بمضامین تافھة ومزورة , وغابت الاعمال الجادة في مجال الدب
والفنون جمیعا وحلت مكانھا سیول جارفة من الرداءة والتفاھة
والنحلال , وھكذا نجد ان قانون ( جریشام ) الذي یقول ان العملة
الردیئة تطرد العملة الجیدة , وان اشرار الناس یطردون اخیارھم ,
واصدق ما یطبق وتبرز تجلیاتھ في مجال الفكر والادب والفن , في
الوقت الحاضر . حیث یسود منطق البیروقراطیة وتعم المؤسسات
الحكومیة والثقافیة وفقا لرغبات الاستحواذ على الجماھیر وتحویلھا
الى قطیع معدوم الحریة والارادة اما البیروقراطیة السیاسیة فھي
تحجز الافكار وتصادرھا وتحمل الدوغمائیة محل الحركة
المتصاعدة للجدلیة فینتج عن ذلك تشویة وفسح الثقافة والتعدي على
الحریة الاجتماعیة , ان المتھم الاول والاخیر (( ھو الطبقیة
الارھابیة المتربعة على كرسي الحكم التي تحارب الدیمقراطیة
بالدیمقراطیة وتقتل السیاسة بالسیاسة وتخلق الانتكاسة والھزیمة في
الحرب بتحریك الحرب وتقتل الثقافة بالثقافة , ولكن دیمقراطیتھا
وسیاستھا وحربھا وثقافتھا ھو مزاجھا وضیق نفسھا وارادتھا
المتقلبة وبسالتھا ( ! ) على المواطن .. )) .
وعلى مر التاریخ ھنالك الكثیر من الحداث التي واجھت فلاسفة
ومفكرین , نالوا جزاءا غیر متكافئ من قبل الحكام وھم على مر
التاریخ كثیرین , واھمھم " سقراط الفیلسوف , وغالیلوو , ابن رشد
, والحلاج " الذین یتبر من التاریخ الاسلامي المقرب لنا , حیث كان
الخصم اللدود والرئیسي الاول للسلطة انذاك , ففي الثالث والعشرین
من ذي القعدة عام 309 ھجري كانت بشاعة الانتقام الدلیل الاول
ضد اي نوع من الفكر , فقد ضرب الحلاج الف سوط وقطعت یداه
ورجلاه وصلب وھو لایزال حیا , وبعد ان سقطت راسھ صب على
جسده الزیت واحرق , ثم نثر رماده من اعلى مئذنة على دجلة .
(( ولاشك ان قصة صلب الحلاج التي تتصل بقصة صلب المسیح ,
وباعدام جان دارك وبكل حادثة استشھاد وفداء في التاریخ , تعبر
خیر عن مدى تمكن الافكار الحلاجیة من نفس الحلاج وھي تبین
مدى الایمان الفكري , وقدرتھ على الاعمال الخارقة )) .
وھنا نقول ان لكل زمان فترة كانوا ھنالك شھداء الفكر والمعرفة ,
وكان الصراع دائر باستمرار بین الجبھتین , المعرفة والسلطة ومن
یقودھا , ففي الحالة الاولى الذي لم تعتمد الحكومات على المفكرین
والفلاسفة , في تمشیة امور العامة من الناس حسب نھج صحیح ,
فالقادة الحكومیین عند رغباتھم یقومون بضرب وابادة وابعاد لھذه
الفئة , بتصورھم ان اصحاب الفكر والمعرفة , خوفا من احتلالھم
مواقع او مناصب القادة السیاسیین في ادارات الحكومة , اضافة الى
اعتبار الفكر والمعرفة , سلاح ذو حدین یخافھ الساسة , كونھ یشكل
خطرا على السلطة والمجتمع , وحتى التاریخ القریب كانت الكنیسة
في الغرب بالمرصاد للفلاسفة والمفكرین واصحاب المعرفة ,
وابسط مثال ما قامت بھ الكنیسة من ملاحقة لفیلسوف مثل غالیلوا
حینما اطلق نظریتھ بدوران الارض حول الشمس , وان الارض
مركز الكون , على اثر ذلك تم القاءة بالسجن وتعذیبھ باعتبار ذلك
لا یتماشى مع مفاھیم الدین والكنیسة وھنالك الكثیر من الامثلة على
صراع المؤسسات مع رواد الفكر والمعرفة .
ومع مرور الزمن ان السیاسة تحاول التقولب والتفاعل مع الفكر
والمعرفة , لكن ذلك نادر جدا , لان ما یعتقده القادة من اصحاب
السلطة السیاسیة , ان السیاسي ھو بالبدیھة یكون حامل الفكر
والمعرفة , وھذا ھو تمازج غریب , لان المعرفة التي یقصدھا
السیاسي ھي المعرفة السیاسیة ولیس معرفة حقول العلم والفكر من
جمیع الاصناف , ونطلاقا من ھذه الفكرة فان السیاسیین قد تخلوا
عن المفكرین واصحاب العلم والمعرفة , وقاموا بابعادھم عن
شؤونھم , خوفا من ھیمنة الفكر والمعرفة على حقل السیاسة ,
وطالما ظلت السیاسة بعیدة عن الواقع المعرفي , وعن مفكریھا ,
فانھا تظل السیاسة وادارة الحكم یصاحبھا جمود وادارة غیر متكاملة
في قیادة المجتمع , وسیصیبھا تصدع وخلل من خلال الممارسات
السیاسیة داخل المجتمع .
ان الطبقة الحاكمة تحمل الافكار ولكنھا تحارب اصحاب الفكر
والمعرفة , لا یھمھا غیر التربع على موقع الحكم , اما الافراد
العادیین فالبعض منھم , یحملون الافكار ویبدعون فیھا لكن ھذه
الافكار لا تحركھم ولاتثیر العواطف الجیاشة فیھم ولا تشارك في
تحقیق امالھم وطموحاتھم , وھناك افراد انتھازیون من حیث الافكار
التي یحملونھا , فھم یحملون الافكار التي ( تتوافق ) مع مصالحھم
الذاتیة , وبعد حصولھم على المصالح یتخلون عنھا ویذھبون الى
افكار اخرى املا في الحصول على مكاسب جدیدة , لذا تعد الافكار
بالنسبة لھؤلاء وسیلة لتحقیق غایة ذاتیة ولیست غایة بحد ذاتھا . یعد
ھؤلاء انتھازیین بالنسبة للافكار التي یحملونھا . اذن المنطلقان
السلبي والانتھازي یبعدان كل البعد عن مبدئیة التمسك بالفكار , لذا
تكون اثارھما على السلوك اثار سلبیة ومخربة بالنسبة للفرد
والمجتمع , اما المنطلقات الایجابیة نحو الافكار فھي المنطلقات
التفكیریة والعقائدیة والحسابیة , والتي توجد في عدد قلیل من
الافراد. فالمفكرون یھتمون بعملیة التفكیر اكثر مما یھتمون بالسلوك
الناجم عن الافكار والمعتقدات . ذلك ان المعرفة والتامل یمنحانھم
درجة عالیة من القناعة اكثر مما یمنحھم السلوك القائم على المبادئ
او السلوك المتكیف لعادات وطرائق الجماعة . والیوم فقد العقل
والمعرفة سلطتھما , ففي حقبات تاریخیة كان الغرب یتفھم ما لھذه
السلطة , فحینما یقال سلطة العقل , لھا قوة سحریة , فلا احد في
الدنیا كان یجرؤ على الاعتراض علیھا , او نفیھا ما ان یقال انھ (
قرار العقل ) حتى یصدع الجمیع بالموافقة علیھ . انھ سلطة رھیبة ,
وجوھما الملزمة والناھیة تتعدد : (( تبدا بالاعتراض الجماعي على
من یخرج علیھا , تمر بالعثر والاكراه , وتنتھي بالنفي او السحق
اھل الغرب تفھموا ھذه السلطة , منھم من قبلھا واكدھا من دیكارت
الى اسبینوزا وكانط وھیجل ولوكاتش ... ومنھم من لا مسھا وفككھا
وفھم لعبتھا فاعتراض علیھا ومزق ھیبتھا الاسطوریة , من نیتشة
وھیدغر ال فوكو ودریدا ودولوز لكن توافق الجمیع عندنا على كون
العقل سید الحقیقة وصاحب السلطة الفصل , فیما یخص الانسان
والوجود , لم یلغ التنافي المتبادل والتفاتل , لیس فقط بین ممثلي
الاتجاھات الفكریة المختلفة بل بین اھل الاتجاه الواحد ایضا )) .
وحیث ساھم بعض المثقفین السلطویین كذلك في انھیار سلطة
المعرفة من خلال احباطھم مقلقھم من الواقع السیاسي دون ان
یقوموا بواجباتھم تجاه تغییر الواقع السیاسي , والبعض الاخر ساھم
في المسیر ضمن الخط السیاسي الاصلاحي وفي مغازلة المؤسسات
والانظمة السیاسیة , مع الظاھرة الخطیرة التي اصابت المثقف ھي
ظاھرة الاستسلام والطاعة للسلطة السیاسیة .
(( فمثقف الیوم ھو في اغلب الاحیان موظف , لذا فان اكتساب
عیشھ من دولة النظام یجعلھ اسیر منطوقھا واستبدادھا , وھذا یشكل
عائقا موضوعیا امام المصداقیة مع الذات ومع الاخرین , ان مثقف
الیوم یمكن ان یقارن بشاعر البلاط في ما مضى تغدق السلطة علیھ
الالقاب والمنافع , ان المثقف في ظل الانظمة التوتالیتاریة قد یتحول
الى واجھة واداة لترسیخ الاستبداد اذ ان الخطاب الذي یستھلكھ قد
یبدو ظاھریا خطابا ثوریا ورافضا لما ھو قائم . فلیس غریبا ان
یكثر عدد (المثقفین ) الذین یدورون في فلك زمرة حاكمة او
اولیغارشیة تستھلك یومیا كلاما دیمقراطیا وفي تعلیب الثقافة وتحدید
مصطلحاتھا المتداولة وتعمیقھا تكمن غالبا عملیة السیطرة على
المجتمع باكملھ وصرف نظره عن جوھر النظام القمعي
والاستبدادي , فالقول وحدة لایجعل الممارسة ثوریة وتغییریة
بالمعنى الحقیقي للكلمة , بل لابد ان یرتبط بالفعل , لكن اذا اعتبرنا
ان المثقف یستخدم الكلمة باعتبارھا اداة اساسیة لممارستھ فكیف
یتحدد الفعل على ضوء ھذا الاعتبار )) .
الفكر والمعرفة , قوة یخشاه الطغاة , لانھا تحرك العالم وتقرر
مصائر الشعوب , واكبر دلیل على ذلك ان الامم
(( تقاس بعدد مفكریھا لابعدد افرادھا )) والمجتمعات والامم التي لا
تملك المفكرین واصحاب المعرفة , لا یحسب لھا الحساب , وان
الطغاة ھاجسھم الكبیر اغتیال الافكار ومصادرتھا ان لم یمكن
شراؤھا وترویقھا والسیطرة علیھا .
(( ان ھؤلاء لا یخشون الجماھیر ولا یقیمون لھا اي وزن , انھم
یخشون تلك الرؤوس القلیلة التي تحرك الجماھیر وتقرع لھا
النواقیس والطبول انھم یخشون القلاع الفكریة والطلائع الثقافیة فیھا
)) قد یتساءل البعض ھل ان المعرفة سلطة بالمفھوم العام , واذا
كانت سلطة فكیف لھا ان تحكم , فبدیھي ان المعرفة كالدولة كلا ھما
سلطة , واذا كانت الدولة سلطة دائما , فانھ كل معرفة سلطة , بل ان
المعرفة قابلة لكي تكون سلطة كاما ادعت انھا وحدھا الحقیقیة ,
فیسعى معتنقوھا الى تجسیدھا في سلطة تعدد المعارف , وتفرض
على الجمیع نظامھا العقائدي . وعلى ھذا النحو قامت النظم العقائدیة
الاستبدایة . (( لقد حددت العلاقة بین السلطة المعرفیة والسلطة
السیاسیة في التاریخ الثقافي فالحاكم یعتمد في الاساس على سلطتھ
الرادعة من شرطة وجیش الا انھ یحرص على تغلیفھا بمبررات
رمزیة لیضفي الشرعیة على سلطتھ , ذلك ان السلطة لا تحب ان
تكشف عن وجھھا كسلطة سافرة بل تحاول تحریرھا بخطاب
ورموز وطقوس )) . وفي وقتنا الحاضر اكثر الانظمة السیاسیة
فاقدة لكل ثقافة ومعرفة حیث انھا مجردة من الوعي المعرفي , نرى
حتى الانسان المثقف الذي تبؤا موقعا من المواقع في الموسسات
السیاسیة , یتخلى عن مجموعة المعارف والثقافة لا جل ذلك الموقع
, ولربما في بعض الاحیان یقوم باھانة المثقفین الحاملي العلم
والمعرفة , من خلال مبرراتھ للدفاع عن السلطة المجردة , واكثر
من ذلك اصبحت المعرفة والثقافة كدیكورات یتم توظیفھا لغایات
معینة, وكانت اكثر الانظمة السیاسیة تحاول خلق یوتوبیا معرفیة في
الارض , لكن تلك كانت اطروحات لا اكثر في العشرینات وضع ما
نھایم تخطیط منھج علمي للمعرفة والسیاسة , یستطیع المثقفون
التقدم بھ من الحقیقة الى الارتیاب . وعلى الرغم من ان ما نھایم لم
یستطع انجاز ھذا التحول , الا انھ استبق على وجھ الدقة – شكلھ
القادم . الا ان خیطا واحدا عند مانھایم ابدى اعتراضھ على
التطورات التي اقرھا . فبعد ان قال بان المعرفة تساوي الایدیولوجیا
واوضح ان كل الایدیولوجیات والیوتوبیات خادعة للمثقفین , تراجع
مانھایم , فكیف للانسانیة ان تتقدم دون رؤیة للمستقبل او لعالم
افضل ؟ بعد ان كشف زیف الایدیولوجیا والیوتوبیا في عدة مئات
من الصفحات انھى مانھایم كتابھ بالشك لقد خشي ان یكون نقدة
للبوتوبیا بالغ التدمیر , ھذه ھي العبارات الاخیرة في ( الایدیولوجیا
والیوتوبیا ) . (( ان اختفاء الیوتوبیا سیؤدي الى حالة من الثبات
والجمود لایصبح فیھا نفسھ اكثر من شيء . عندھا ستواجھ اعظم
التناقضات التي یمكن ان نتخیلھا .. بعد تطور طویل معذب لكنھ
بطولي وعندما یبلغ الوعي اعلى مراحلھ وحین یتوقت التاریخ ان
یصبح قدرا اعمى – ویصبح – اكثر فاكثر من ابداع الانسان فان
التخلي عن الیوتوبیا یعني ان الانسان سیفقد ارادتھ في تشكیل
التاریخ , ومن ثم قدرتھ عن فھمھ )) فالثقافة والمثقف واھل المعرفة
عاشوا حیاة تناقضات نتیجة الظروف السیاسیة والسلطة الدینیة التي
كانت تفرض علیھم , وخاصة سلطة الكنیسة , وھذا الضغط كان
یزداد یوما بعد یوم , والمثقفین كانت مشكلتھم طلب الرزق , الحالة
التي جعلتھم مستعدین لرعایة مشاعر الامراء والمسؤولین مقابل
استسلامھم الفكري . ( وھكذا وجد المثقفون انھم صاروا
كالسفسطائیین ایام الاغریق مضطرین لكي یعیشوا الى الاعتماد
قدرتھم على العمل كمستشارین لاصحاب السلطة , على حساب
نزاھتھم الفكریة , ثم ظھرت المطبعة , فكان ھذا انقلابا في حیاة
المفكر , اذ صار للمفكر لاول مرة ان یتحدث الى الناس من جھة ,
وان یتلقى بعض الموارد المالیة من قرائھ من جھة اخرى . ان
الحلف الذي تم بین المؤلف وصاحب المطبعة في القرن السادس
عشر , اذ كان كلاھما یصدر عن قناعات اجتماعیة واخلاقیة ودینیة
واحدة , جعل استقلال المفكر ممكنا )) ورغم ذلك فان اللوم في
انھیار سلطة المعرفة تقع على عاتق المثقف نفسھ , الذي جعل من
نفسھ سلطة رخیصة , حیث انتقالھ الفجائي من تسول المعرفة الى
تسول السلطة بكثیر من الادعاء وقلیل من الحیاء : لایجرؤ ان یقول
لجمھوره الجدید انھ اختار دوره الجدید لشعوره بمصلحتھ الشخصیة
ذلك , لا , انھ یقدم نفسھ لھ مجددا في صورة رسول صاحب رسالة
فلا یخجل من ان یكرر في الحاضر مااعاد في الماضي وثبت
بطلانھ ! لقد كان بالامس داعیة للحزب او للفكر القادرة على الھاب
. النفوس وتجیش الناس , اما الیوم (( فھو فقیھ السلطان الذي یؤجر
لسانھ لتحصیل عائدات ذلك بعض مال وجاه ونفوذ )) ویوم بعد یوم
یتم حصر وتمدید الثقافة في المجتمع , مع الضغط المتزاید عن
المفكرین العاملین في مجال المعرفة , مما جعل (( نقل الثقافة
التابعة اة القابلة للاستتباع الى داخل البلاط , الى السلطة او الخلفیة (
انت تكتب وانا اشتري ) بھذا الملصق السلطاني , جرى استجرار
الشعراء والادباء والعلماء والاطباء .. الى داخل الحریم الثقافي )) .
وحجزھم ضمن اطر محدودة , یكون في ھذه الحالة ھو المعزل بین
مؤسسات الثقافة والمعرفة من جھة وبین الجمھور من جھة ثانیة ,
في حین ان الجمھور یعتبر قوة لایستھان بھا , لان التاریخ ھو
تاریخ الشعوب في الثورات والانقلابات والانتفاضات , لدورھا في
اسقاط اقوى الصروح في التاریخ القدیم والحدیث , وقد بین بعض
المنظرین بان ھنالك تسمیتین للمثقف , اولھما ھو المثقف ( شعبوى
) مایطلق علیھ اي انھ یقدس الجمھور , ویمنحھ الولاء , (( ولا
یتصور التاریخ والتطور والتعبیر الا مقترنة بھ . ثم ازاء مثقف
نخبوي یحتقر العامة , ویمارس التشنیع على وعیھا المتخلف ولا
یتصور التاریخ الا فعلا عاقلا تمترسھ بالنیابة نخبھ ملھمة !!
الفوارق بین الصنفین وافرة : یتتلمذ الشعبوي على الشعب , فیما
یتعالى النخبوي عنھ ھذه واحدة , اما الثانیة فان الشعبوي یعتبر
مخرجا وحلا ما یعتبره النخبوي علة للانسداد وسببا للاخفاق ! وفي
الثالثة یذھب اقبال الشعبوي على الجمھور الى حد التحالف معھ ضد
الدولة والسلطة والنظام فیما یذھب ادبار النخبوي اذ یسصغر شان
الجمھور باسم المعرفة والثقافة )) . وھو بدوره یساھم في خلق
مستلزمات انھیار سلطو المعرفة بجانب السلطة السیاسیة , لانھ یتفق
معھا في الكثیر من المجالات والنقاط , وفي احیان اخرى تجعلھ
راس حربة ضد المعرفة والثقافة والجمھور , فالنخبوي ان لم
یتعامل مع الشارع تكون نخبویة مضادة للمعرفیة , وكثیر من
المثقفین سقطوا تاریخیا , لانھم لم یساھموا جماھیریا في البناء
الاجتماعي المعرفي , حیث یظل في ذاكرة الجمیع امثال المفكرین
الفرنسیین : سارتروفوكو وغیرھم كان انطلاقتھم من وسط
الجماھیر والشارع . والكثیرین من المثقفین غیروا تشویھ الحقیقة
التاریخیة , من خلال تكلیف السلطة السیاسیة لھم , وحدث ذلك ان
كان في دول العالم او في دول العالم الثالث , وظل من ھذه الفئة
التي تحمل اركان المعرفة تطلق نظریاتھا المعاصرة , بقولھا انتھى
عصر الطبقیة في زمننا الحاضر , لكن الطبقیة وفوارقھا قد برزت
اكثر من الزمن الماضي (( بید ان الایدیولوجیا البورجوازیة التي
وسمت بمیسمھا في البدایة , تقنیي المعرفة العملیة عن طریق
التربیة وتعلیم ( الاداب القدیمة ) تتعارض وتتناقض الیوم مع ذلك
الجانب الاخر التكویني من انفسھم , المتمثل في وظیفتھم كباحثین ,
اي علمھم ومعرفتھم ومناھجھم وطرائقھم فالى ھذا على وجھ
التحدید مرد نزعتھم الشمولیة ولكن اذا طبقوا مناھجھم وطرائقھم
لاحلال الطبقة السائدة وایدیولوجیتھا – التي ھي في الوقت نفسھ
ایدیولوجیتھم – فلن یسعھم ان یخفوا على انفسھم ویكتموھا ان تلك
الطبقة وھذه الایدیولوجیا ولھما وجھھما الخصوصي النزعة
المستتر عن الانظار ومنذئذ یكتشفون خلال ابحاثھم بالذات ,
الاستلاب , على اعتبار انھم وسائل لغایات تظل اجنبیة غربیة عنھم
, ومحظر علیھم ان یضعوھا موضع استفھام واستجواب ولایتبع ھذا
التناقض منھم , بل من الطبقة السائدة بعینھا )) .
ومن البدیھي ان المعرفة والثقافة لمجتمعاتنا تاخذ مسارا اخرا في
انھیار كلما تقدمت الحیاة الى الامام , وكلما تطورت المجتمعات
تكنولوجیا , وانساننا المعاصر في زمن العولمة یتم اختراقھ فكریا ,
وتاكیدا لھیمنة الاتجاه الجبري للعولمة الامیركیة المتمكنة من
رسائل الاعلام بشكل مطلق , فاعلام (( كسلطة رابعة اقدر من
الطائرة على اختاق عقول الناس واقدر على التحكم بافكارھم
وقناعاتھم ولذلك فالولایات المتحدة الامیركیة تحتل العالم بالاعلام
وتفرض على العالم ثقافتھا عبر الدعایة الاعلامیة المباشرة , ثم عبر
التكتیك النفسي للامركة وھو ماعرف بتكتیك الجینز والكوكاكولا
وجیمس بوند والمكدونالدز )) بحیث تحول العصر الى عصر القوة
تجبر الشعوب والدول للرضوخ امام القوة , ویتم تعلیمھا
الدیمقراطیة وحقوق الانسان , ومفھوم الحق داخل المجتمعات , في
الوقت نفسھ , مثل ھذه الدول الكبرى , وعلى راسھا امیركا , ھل
اعطت حق شعبھا في تقریر مصیره , ویتمتع بدیمقراطیة حقیقیة
وببساطة حین یكون بیدك مدفع رشاش (( وخلفك مدرعة تمید
الارض من تحتھا وفوقك مظلة قویة من القاذفات والمقاتلات ,
وحین تحمل صواریخك رؤوس نوویة بوسعھا الانطلاق من اي
بقعة فوق الیابسة او الماء او تحت الماء .. حین یكون من یملك ذلك
كلھ مضللا ظالما فھل نحتاج الى التفائل بالحق ام انھ في ھذه الحالة
یكون الحق مایراه ھو؟! )) لكن الحق العام والحق الاخلاقي الحزین
الذین یریدون جعلھ مغلوبا على امره یقول انھ لیس لدیك اي الحق
في ؟؟؟ على ھذا النحو . فھل من حقك قتلي واستبعادي وجري
متبرا للموافقة على شروطك لكي اظل على قید الحیاة ؟ .
وقد ساھمت وسائل الاعلام على التاثیر في تغییر سلوك الانسان
المعاصر , رغم تقدم الثقافة بالمفھوم العام , فان ھنالك تخلف في
الفكر والمعرفة , دخلت وسائل الاعلام السمعیة والبصریة منھا
الستلایت والانترنیت , رغم انھما جھازان عصریان لكنھما یحملان
في توجھاتھما الامور السلبیة والایجابیة , لكن في ھذه المرحلة التي
تقوم بھا الشركات الموجھة في غزو عقول الناس , نعم ..
ھناك (( ثقافة وحضارة ووجود دولة قامت ثقافتھا على نظریة
الغزو بكل ما فیھ من ازدراء للاخرین ولیست ھذه ثقافة جدیدة على
القرن العشرین .. بل ھي قدیمة قدم التاریخ فھناك من قدم للتاریخ
ابطالا بینما ھم في واقع الامر مجرد مجرمین یحملون في طیاتھم
ثقافة واحدة وھي ثقافة الغزو الاسكندر المقدوني , یولیوس قیصر –
ھانبال – وصولا الى نابلیون وھتلر وموسولیني .. الخ لم یكن من
بینھم مجرد واحد ضمن ثقافة الدفاع عن وطنھ او الدفاع عن سيء
اخر , سوى مصالحھ التي امتدت لتشمل نصف الكرة الارضیة في
بعض الاحیان )) والیوم امتدادا بھذا الغزو ھو غزو العولمة
المتامركة الحدیثة , التي اثرت بشكل فعال على التحرر والابداع
الفكري , لان الثقافة الاصلیة , التي تحاول الاستقلال , بعیدا عن
الانعزال عن الحضارات والثقافات الاخرى في عالمنا الیوم ,
ومحاولة الحفاظ على الھویة الثقافیة الذاتیة المستقلة (( فالمثقف
المبدع , ھو الذي یعي مسالة الاصالة والمعاصرة وعیا عمیقا ,
فیرى فیھما تكاملا , لا تعارضا او ثنائیة باطلة , یعي ان الاصالة
ارث اشتركت في صنعھ اجیال مضت واخرى تحیا , ومن خلال
ھذه الاصالة تنكشف الجذور التاریخیة للفرد في علاقاتھ بمحیطھ
الطبیعي فالاصالة وفق ذا دائمة التفتح على صیرورة التاریخ وانھ
بلا ھذا التفتح المتحرك تغدو الاصالة مجرد عبء ثقیل یعرقل
المسیرة , بھذا المعنى لا تعارض الاصالة مع المعاصرة )) .
اننا نعتقد في ھذه المرحلة لا نملك العدة المعرفیة اللازمة لمواجھة
الابعاد احضاریة المعاصرة ولاسیما لواقع الغرب الحالي ومفھومة
تجاه شعوب العالم , ومنظومة قوتھا في الھیمنة على الخطاب
الایدیولوجي والمعرفي في انحاء العالم , عكس مل كانت علیھ
الحضارات القدیمة , كانت حضارات معرفیة متكاملة في خدمة
الانسانیة جمعاء , وخاصة ما نقصدھا الحضارة الیونانیة القدیمة
والھندیة والصینیة , وغیرھا من حضارات انسانیة , وحینما نرید ان
نقرا خطاب الغرب الیوم , نطلع على ان الغرب یمتلك اساطیل
تتحرك بالطاقة النوویة , وصواریخ العابرة للقارات والقنابل الذریة
والنوویة والنیترونیة وللاسلحة الجرثومیة عسكرة كاملة للبر وابحر
والجو والفضاء , جیشا من العملاء والجواسیس في الختصاصات
والفعالیات , ھذا واقع الغرب الیوم ھو ھیمنة متكاملة على العالم ,
وھكذا دشن نیتشة النقد الجذري لمشروع التنویر ذاتھ , والاسس
الحداثة المفھومیة معلنا نقد ( ارادة الحقیقة ) التي قامت علیھا
الحداثة ( كارادة سلطة ) مبنیا ضرورة اقامة تاریخ للمفاھیم ذاتھا
لھدم معقولیة ( الوعي والتطابق ) وتركیز ممارسة جدیدة للفلسفة
تتاسس على الاختلاف وھو المفھوم المركزي الذي یقوم علیھ
مایدعي الیوم خطاب ما بعد الحداثة . اما فوكو : فقد اقام دعائم
جدیدة للمقاربة التاریخیة , تھدم التاریخائیة التنویریة ومحتواھا
الاتصالي اذ : التاریخ المتصل ھو الردیف الملازم التاسیسي للذات
فھو الذي یضمھ لھا ان تعید كل ما ضاع منھا ویؤكد ان الزمان لا
یفرق بین الاشیاء الا لكي یعید الیھا وحدتھا وما یعد بان كل ھذه
الامور التي ازاحھا الاختلاف في مقدور الذات في صورة الوعي
التاریخي – ان تمتلكھا لتبسط علیھا ھیمنتھا وتجد فیھا ما یمكن ان
نسمیھ مقرھا , ان التاریخ عندئذ یصبح لدى فوكو (( تقویضا للوعي
وتجاوزا لا حادیة الزمن واتصالیتھ وتبیانا لجھاز السلطة الذي اتخذ
ارادة الحقیقة كمنظومة اقصاء وفي ھذا السیاقة تدخل العلوم
الانسانیة یوصفھا معارف ھشة البناء النظري بمفھومھا للانسان
الذي یتوجب اعلان ( موتھ ) وطموحھا الوضعي الذي یخفي ارادة
القوة الذي یؤطرھا ویؤسسھا )) . وھنا نعود مرة اخرى الى
موضوعنا ھو ان مشكلات خطیرة تواجھ العالم الیوم , بسبب تھدید
البشریة من خلال الاسلحة النوویة التي انتشرت بشكل كبیر في
عالمنا اضافة الى ان الانسان یواجھ حالات التلوث والتسمم
والاصابة بالامراض نتیجة صناعة الاسلحة الدمار الشامل في العالم
ومنذ مجيء الثورة الصناعیة , التي احدثت تغییرات اجتماعیة یعتبر
التغییر الوحید منذ انتقال المجتمع الى الشكل الزراعي منذ الاف
السنین بید ان ھذه الثورة الصناعیة (( ازالت القیم التقلیدیة وفقدت
الحیاة ومعناھا , واغترب رجل الشارع اذ اصبح لا حول لھ ولا قوة
ازاء الالة البیروقراطیة الخالیة من الاھتمام بالفرد , والمتحكمة في
الحیاة الیومیة الوتینیة . كل ھذه الشرور والتھدیدات من شانھا ان
تدفعنا الى التساؤل عما اذا كان اسلوب الحیاة الذي افرزه العلم
المستند الى التكنولوجیا والى الاسلوب الصناعي للانتاج ملائم
للانسان وعما اذا كان ھذا الحال ماساة دائمة , فاذا كان الجواب
بالایجاب ففناء البشریة ھو المصیر سواء تم في بحظة بفعل قنبلة
ذریة او بعد قرون بفعل الانحلال والفوضى )) . وكل ذلك من اجل
السیطرة والھیمنة على العالم والدولة تبقى دولة وسلطة في جمیع
العصور , ویبقى العلم مرتبط بالسیاسة منذ قدیم الزمان في حالة
تحیزه او مقاومتھ للسلطة , لكن ھنالك العلماء والمفكرین والفلاسفة
وقفوا ضد الانظمة والدولة , فمثالا على ذلك اعدام سقراط شاھد
على ذلك , حیث اعدامبسبب تمرده على المعتقدات السائدة , على
النظام الحكم وحوكم جالیلو دینیا لان اراءه جاءت مخالفة من لغة
لعقیدة دینیة كنسیة , وثمة فارق بین مفكري الزمن القدیم وبین
علماء العصر الیوم انھم علماء لا یحتجون انھم توابع وخدام للدولة
وللنظام القائم , وھم قانعون بالوضع القائم , یضعون ابحاثھم في
خدمة مصالحھم , كعلماء وحاملي الفكر والمعرفة ھم خدام النظام
بكل اشكالھ , لا یھمھم انھیار سلطة المعرفة او نھوضھا وحتى
التربیة والتعلیم فشلت في ارساء التعلیم على اسس علمیة
وموضوعیة لخدمة المجتمعات , والمناصب والالقاب اصبحت
وسیلة ومصالح خاصة دون اعتبار لخدمة المجتمع وتطویره او
اعطاء اھمیة لا مكانیات وقدرة الشخص في اداء واجبھ او قدرتھ
على الابداع في مجال عملھ , وھو نتاج النظم السیاسیة التي ترید
فقط سد الفراغ لا اكثر دون اعتبارات اخرى . في حین ان سلطة
المعرفة والثقافة لھا سلطتھا المفروضة على النظم السیاسیة لیس في
واقعنا بل في الواقع الغربي وخاصة فرنسا , حیث لھا تاثیر وفعل
على القرار السیاسي , وكذلك السلطة السیاسیة ھناك تاخذ بعین
الاعتبار دور سلطة المعرفة , واحترام ارائھا وطروحاتھا .
والمقصودھنا كما ذكرنا دور المثقفین كمبدعین ومنجین للمعرفة ,
ولا وجودھم (( كفئة اجتماعیة ذات وظیفة محددة في عملیة الانتاج
الاجتماعي , ولكن دورھم السیاسي اي مشاركتھم في تكوین النظام
العام , سواء كانت ھذه المشاركة غیر مباشرة عن طریق ما تقدمھ
السلطة الثقافیة من مادة لتحقیقھ اعادة ھذا النظام او مباشرة من
خلال انخراط المثقفین في العمل السیاسي بالمعنى القیق للكلمة )) ,
ولربما الكثیرین لا یعطون اھمیة للمعرفة , ثم استنادھم على بعض
المعطیات , لكن یجب ان نفھم مسالة مھمة ان المعرفة – كالدولة –
كلاھماسلطة . واذا كانت الدولة ھي سلطة دائما , (( فانھ لیس كل
معرفة سلطة , بل ان المعرفة قابلة لكي تكون سلطة كلما اوعت انھا
وحدھا الحقیقة , فیسعى مغتنقوھا الى تجسیدھا في سلطة تلغي تعدد
المعارف , وتفرض على الجمیع نظامھا العقائدي وعلى ھذا النحو
قامت النظم العقائدي الاستبدادیة )) فمثل ھذه النظم الاستبدادیة
تعتمد اساسا على سلطة الردع , باستخدام الشرطة والجیش
والمخابرات , الا انھ تحرص ھذه السلطة بتغلیف وتبطین شرعیتھا
بخطاب معرفي ضمن طقوس ثقافیة كارتونیة فارغة , لتبریر
واقعھا المتخلف والمرفوض من قبل الشعب والعامة . وان سند ھذا
الخطاب ھو الراي العام , والراي العام لا وجود لھ الا في النظم
الدیمقراطیة , لذلك فان الراي العام في مجتمعاتنا الشرقیة او في
دول العالم الثالث , ضعیفة نظرا لضعف المجتمع المدني وتنظیماتھ
السیاسیة والمھنیة والثقافیة , والتي ھي منعدمة او صنیعة للدولة ,
فالدولة لم تعطي المجال للمجتمع المدني بل ھیمنت على كل
المجتمع بفرض ایدیولوجیتھا , والخطاب المعرقب عن طریق
مفكریھ یحاول تحریر الراي العام من قبضة السلطة , عكس الراي
العام الفرنسي كنموذج رائد وخاصة في منتصف ھذا القرن لیكون
خلاصة لموقظ الوعي , وضمیر المواطنین , في التاثیر على القرار
السیاسي في اوربا , لان الخطاب المعرفي والفكر , لھ من الاھتمام
بالمجتمعات الاوربیة بشكل بالغ الاھمیة , وھھنا تصح الى حد بعید
حین یبین )) ( Marcuse ) بعض اقوالالمفكر الامریكي ماركوز
بعد تحلیلھ فلسفة ھیغل وھوسرل , اما مھمة الفكر ھي الرفض ھي
كسر حدة الواقع والسیطرة علیھ . وھھنا یكمن صلب المشكلة في
راینا )) فمھمة الرفض وكسر حدة الواقع تتطلب من المفكرین اولا
التاثیر على الواقع الاجتماعي سواء في الثقافة او الاقتصاد او
السیاسة او الفكر من اجل محاولة تغییره لا من اجل تدویمھ , عكس
المزلق الخطیر الذي ینزلق الیھ الكثیر من المثقفین ونخباتھم , في
دعم السلطات الحاكمة التي تنحرف في استخدام وتوظیف سلطتھا
لخدمة المصالح الخاصة دون اعتبار للعامة من الشعب . وھذه
الحالة تجعل من المثقف الاصیل ان یراعي الحقائق انطلاقا من
حقیقة شخصیة وجماعیة بمبدئیة ونكران ذات دون النظر للمصالح
الشخصیة ویدافع عن ھذه الحقیقة حتى الموت ویوجھ سلوكھ
انطلاقا من ذلك المیزان , والتفكیر المستقیم , ونحن نعلم ما للكثیرین
من ادعیاء الثقافة والمعرفة في مجتمعاتنا الذین اخلوا بشرف
الموقف والمبدا تجاه شعبھم , وقاموا بتضلیل وتسمسم عقول بشرنا
وجعلوھم اداة للسلطة , ومثالا على ذلك في وقتنا الحاضر . ان ما
تقدمھ الدول الكبرى من اذعات مرئیة موجھة وافلام زكتب
ودوریات , حسب اخر الكتلوكات المعدة من قبل خبراء ومختصین
في اقناع الناس , وتغییر وجھات نظرھم في القضایا العامة
والسیاسیة , وھذه المھمة الاساسیة لمرتزقة الثقافة التي لا یھمھا الا
مصلحتھا والحصول على مكاسب شخصیة دون اعطاء اھمیة
لمصالح شعبھم والعامة من الناس , وقلیلون من العلة في اخفاق
النھضة الحدیثة یعود , فضلاعن الدولة الى المجتمع , فالمجتمع
على ما ذھب الى ذلك عبدالھ العروي – مصاب بعلة التاخر
التاریخي , ومثقفوه غاقون في معظمھم – في نزعة تقلیدانیة
لذلك یمیل اكثرھم الى تنزیھة من تھمة ( traditioualiste )
المسؤولیة في انتاج الاخفاق النھضوي والاكتفاء بالتشنیع على
الدولة وتحمیلھا مسؤولیات ذلك الاخفاق واوزاره . لقد بات الحاجة
ماسة – عند المثقف المتطلع الى ممارسة دور تاریخي فعال في
الارتقاء بعجلة القومیة الاجتماعیة والسیاسیة – الى الانتقال في
وعي عملیة التغییر من الاشكالیة السیاسیة الى الاشكالیة الاجتماعیة
. وھذا یفترض نجاحا في عملھ الفكري جوھریا یصیر بمقتضاه
قادرا على ممارسة نقد مزدوج : نقد السلطة ونقد المجتمع .
(( لا یتعلق نقد السلطة – حصرا بنقد سلطة الدولة فحسب على ما
في ذلك من اولویة تعلو على اي شيء من دون ان تلغیھ , بل بنقد
كل سلطة سیاسیة بما في ذلك سلطة المؤسسات الحزبیة . ولعلنا
نملك من القرائن الناطقة مایسوغ الذھاب الى الاعتقاد في شرعیة
ھذا النقد الشامل المطلوب . لنكتف منھا – وھي كثیرة بایراد اثنتین
: اولاھما ان فعل نقد السلطة لیس الا فعل انتصار الدیمقراطیة اي
لحق المجتمع في ادارة الشان العام وفي تقریر مصیره المدني بعیدا
عن وصایة او حجر قد یساقھ – ھنا او ھناك – من باب ادعاء
التمثیل السیاسي لارادة الشعب والمبدا الذي على مقتضاه تؤسس
ھذا الوعي بعلاقة التقاطب التنابذي بین السلطة والدیمقراطیة , ھو
ان ارادة الشعب وحقوقھ المجتمع ( الدیمقراطیة قاعدة تحقیقھا )
لیست دائما برسم الكفالة من خلال المؤسسة – دولة او حزبا – اي
من خلال نخبة تنتزع لنفسھا بقوة ادوات القھر المادیة او بقوة
الایدیولوجیا شرعیة تمثیل وادارة مصالح المجتمع , اذ یملك
المجتمع ان یؤسس لنفسھ سلطة ذاتیة مستقلة عن سلطة المجتمع
السیاسي )) .
وفي الاخیر ان انھیار المعرفة ھو غیاب الاصالة والغاء دور العقل
في المجال المعرفي وھكذا نرى ان الانسان قد ازیح من مكانھ
بواسطة فكر تسلطي والقي على ھامش الاشیاء ومورست علیھ
الضغوط حتى درجة ضیاعھ , یقول میشیل فوكو في ھذا الصدد ((
لیس الانسان بالتاكید الا نوعا من التمزق في نسق الاشیاء )) ویقول
(( لیفي ستروس )) ان الھدف النھائي الاخیر للعلوم الانسانیة لیس
توحید الانسان وتكوینھ وانما انحلالھ , ویجیبھ على ذلك (( فوكو ))
اننا نعیش الیوم بالفعل موت الانسان داخل اسوار معرفتنا , زان
الانفراد بصناعة مستقبل الانسانیة وباستبعاد الانسان من اي دور
فاعل وحصرھا في دائرة المنفعل والمحروم من ابسط الحقوق
الانسانیة ھو ھذا الدور الذي تؤدیھ المؤسسات المافیویة في عالمنا
الیوم . وتزداد المواجھة الفكریة بین (( سلطتي العقل واللاعقل بین
قوة المعقول واللامعقول وتدور الصراعات حول السلطة مباشرة
ومداورة وتضطرم نیران الحروب انطلاقا من مصالح القوى
المتعارضة ومن مواقعھا وسعیھا الى التمكن , بوسائلھا الخاصة بھا
من سیادة المكان وتحویلھ مكانھ سلطانیة ممیزة وتستخدم في ھذه
الحروب بكل الاسلحة المتوفرة والممكن توفرھا )) وایة سلطة ھنا
لاتقبل ولا تسمح لا حد ان یقول لھا( لا ) وكذلك انعكست ھذه الحالة
الفاشیة على النخبة الممثلة في الانظمة , حیث كذلك ھذه النخبة لا
تقبل النقد ولا حتى ابسط الكلمات النقدیة التي یرفضھا امثال ھؤلاء
الذین نطلق علیھم النخب المزیفة ھي التي تؤمن ومقتنعة برایھا دون
اعتبار للعامة من الناس والجمھور وھذه الحالة ما نسمیھا نحن
بازمة العقل في المجتمع المتخلف (( فالعقل یعاني من اتجاھات ترید
تعطیلھ او الغاءه : زاعمة انھا تفعل ذلك لحساب سلطة اعلى تعرف
كل شيء او لحساب سلطة سیاسیة قادرة على ان تدبر للناس
امورھم وعلى ان تفكر بدلا منھم وحین یستم تعطیل العقل زمنا
طویلا یعتاد الناس الغاء عقولھم .. وحین یقترن ھذا الصدا العقلي
یعامل الخوف من التفكیر الحر )) .
یتطبع الانسان على ممارسة التفكیر المحدود والعام لما یفكر بھ اي
انسان وھذا ما تتمناه الانظمة السیاسیة في شكل واتجاه العقلیة
المطلوبة وعندھا یكون في الافق انھیار لسلطة المعرفة .
-- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- --
انھیار سلطة المعرفة
-- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- --
المصادر:
- -- -- -- -- --
-1 افكارجدیدة لعالم جدید / موریس ابو ناصر ص 15 المركز
الثقافي العربي .
. -2 نفس المصدر السابق ص 20
. -3 نفس المصدر السابق ص 51
. -4 نفس المصدر السابق ص 87
. 2002 – -5 العربي –ص 26 – العدد 518
-6 ص 52 تكنولوجیا الخطاب / میشال فوكو – محمد علي
الكبیسي .
-7 العربي 554 – ینایر 2005 – قضایا عامة د. عبد الله الحسیمي
. ص 16
. -8 نفس المصدر السابق ص 17
-9 ص 58 مجلة الطریق 1999 العدد الاول .
-10 ص 35 بین الثقافة والسیاسة / عبد الرحمن منیف .
. -11 بین الثقافة والسیاسة / عبد الرحمن المنیف / ص 61
-12 ص 140 دیالكتیك العلاقة المعقدة بین المثالیة والمادیة –
عزیز السید جاسم .
-13 ص 272 نفس المصدر
-14 ص 137 المجتمع في الفصل – جارلس ماخ / دار الشؤون
الثقافیة العامة .
-15 ص 17 – بین القطیعة والخلق – د . مقداد ندیم – دار
الحداثة.
. -16 ص 50 مجلة الطریق اللبنانیة – العدد الثاني 1994
-17 ص 269 الفكر في مخافة الكبیر – الدكتور محمد عبد
الرحمن مرحبا / دار الجیل بیروت .
-18 ص 141 المثقف ھمومھ وعطاءه / مركز دراسات الوحدة –
بیروت.
148 نھایة الیوتوبیا , تالیف راسل جاكوبى- عالم - -19 ص 147
. 2001 - المعرفة 269
-20 ص 22 المثقفون والسلطة – احمد بھاء الدین / كتاب العربي
. 38
-21 ص 90 نھایة الداعیة – عبد الالھ بلقزیز – المركز الثقافي
العربي
-22 ص 48 مستقبل العلاقة بین المثقف والسلطة – دكتور خلیل
احمد خلیل – دكتور محمد علي الكبیسي .
-23 ص 13 نھایة الداعیة – عبد الله بلقزیز – المركز الثقافي دار
الفكر المعاصر .
-24 ص 26 دفاععن المثقفین / جان بول ساتر – دار الاداب
ترجمة جورج طرابیش .
-25 ص 21 الارھاب الاعلامي – ماجد العبید – دارالمعرفة لبنان.
. -26 نفس المصدر ص 71
. -27 نفس المصدر ص 51
( -28 ص 10 الثقافة والمثقف / سلسلة كتب المستقبل العربي ( 10
-29 ص 305 نفس المصدر .
. 1987 – -30 ص 46 مجلة المنار العدد 36
-31 ص 111 المثقف ھمومھ وعطاءه / مؤسسة عبد الحمید شومان
.
-32 ص 141 نفس المصدر .
-33 ص 172 نفس المصدر .
-34 ص 228 نفس المصدر .
-35 ص 24 نقد العقل السحري / خلیل احمد خلیل / دار الطلیعة .
-36 ص 207 الفلسفة والانسان / د. حسام الالوسي / دار الحكمة .
- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -- -



#زيد_محمود_علي (هاشتاغ)       Zaid_Mahmud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلد المثقفين *فرنسا بلد الحرية والثقافة....


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زيد محمود علي - انهيار سلطة المعرفة