أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهند صلاحات - نظرات في المشروع الأمريكي لصياغة الإسلام الليبرالي















المزيد.....



نظرات في المشروع الأمريكي لصياغة الإسلام الليبرالي


مهند صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 919 - 2004 / 8 / 8 - 12:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في متابعة لاخر المقالات الفكرية والسياسية حول الأحداث استوقفتني وبشكل غريب مقالة (المشروع الأميركي لصياغة الإسلام الليبرالي) للباحث المصري القدير السيد يسين والتي جسدت جزءا من الواقع السياسي الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية صياغته وإملائه على المنطقة لما فيها من حقائق واضحة وقراءات في الواقع مختصرة ومجدية .

إلا أنني من وجهة نظري الخاصة رأيت أن السيد يسين قد وصل لمرحلة ربما كما يسميها البعض الآخذ بالواقع المرئي ( أي الحكم على السياسة بواقع نشرات الأخبار) فهو يرى أن أمريكا التي أنتجت الحركات الإسلامية الليبرالية والأنظمة العربية الديكتاتورية قد تخلت عنها وغدت خصما لها.

من ناحية أخرى قام السيد يسين بحصر الحركات الإسلامية الليبرالية بأنها حركات أوجدتها أمريكا , متناسيا ثاني أكبر حركة إسلامية ليبرالية وهي حركة الأخوان المسلمين بتاريخها الواسع حركة أنتجتها بريطانيا العظمى وخاضت حربا شنيعة ضد عملاء أمريكا الإسلاميين من السلفيين وهذا ما نراه جليا في الحرب المضادة التي شنها ضدهم ما يسمون اليوم بمقاتلين أو رجالات ومفكرين ومنظرين القاعدة والذين كان أبرزهم الدكتور ايمن الظواهري في كتابه الشهير ( الحصاد المر .. الأخوان المسلمون في ستين عاما) حيث يحاول الظواهري بما يملكه من أدلة إثبات تورط حسن البنا والهضيبي مع القصر الذي كان تابعا لبريطانيا العظمى وحتى في حين أن دب الخلاف بين الطرفين - البنا والملك فاروق- كان خلافا سلطويا لا أيدلوجيا بحيث أن أيدلوجية الأخوان والقصر في ذلك الوقت بقيت واحدة وتصب في نفس الهدف لكن مع اختلاف في الطريقة !

ولإيضاح أكثر ربما العودة لما كتبه د. رفعت السعيد بما كشفه من جديد عن صفحات مجهولة من حياة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

فيقول الدكتور رفعت في مقال جديد له نشر بجريدة " الأهالي " اليسارية فيقول :
(لابد أن الأستاذ حسن البنا قد تأمل الخريطة السياسية في مصر الثلاثينيات، تأملها وأطال التأمل في مختلف تضاريسها، ثم اختار0

وكان اختياره علي ماهر باشا0 وعلي ماهر شخصية طموحة لعبت أدواراً بالغة الخطورة في الحياة السياسية المصرية، وكان يناصب الوفد العداء، ويحتقر أحزاب الأقلية، ويحاول أن يتلاعب بها، وأن يصوغ من ذلك معادلة تحاول تعبئة الجماهير المصرية في صف السراي0

ومعه في ذلك كله.. كان حسن البنا الذي اتخذ من علاقته بعلي ماهر سلماً سريعاً ليجعل من جماعته التي كانت تعاني من عزلة خانقة، ملء السمع والبصر0

وعلي نغمات علي ماهر بدأت جماعة الإخوان تتحرك وسريعاً في الساحة المصرية0

ونعود إلي علي ماهر باشا فقد كان البداية، كان مفتاح العلاقة الفسيحة بين الشيخ البنا والملك ، كان علي ماهر عدواً لدودا لحزب الوفد، وكان واحداً من دعائم القصر الملكي الأساسيين وللسببين معا وجد في البنا ضالته0 وتكاد المراجع في أغلبها أن تجمع علي أن بداية العلاقة بين البنا وعلي ماهر كانت عام 01935

و البنا من الناحية الأخري كان حريصاً علي توثيق علاقته بالقصر الملكي والاستناد إلي دعمه0 وكان ذلك منذ بداية تأسيس الجماعة، وقد رأينا في فصل سابق كيف تقرب من الملك فؤاد لكنه كان مجرد تأييد من مدرس مغمور وجماعة مغمورة0 يقول أحد الباحثين «بدأ حسن البنا دعوته وعينه علي القصر الملكي، يحاول أن يرتبط به ويشد الرحال إليه ليقنعه بأن مصلحة العرش أن تكون جماعة الإخوان ركيزة له».

ولأن علي ماهر كان صاحب النفوذ الأول في عصر فاروق ، فقد أدرك البنا أن مفتاح أبواب القصر بين يديه، ولهذا قرر أن يوثق علاقته به، ومهما كان الثمن الذي يدفعه0 وإذا كانت إيماءات وربما ترتيبات علي ماهر هي طريق البنا نحو الألمان، فإن علي ماهر استطاع أن يغرس حسن البنا وجماعته بالكامل في حقل الولاء المفتوح والمبالغ فيه ربما إلي درجة الفجاجة للقصر الملكي0

وإذا أردنا نموذجاً لهذه العلاقة المتينة بين البنا وماهر نطالع كنموذج واحد من عشرات وربما أكثر من العشرات من أشكال العلاقات المميزة بين الطرفين، نطالع بعضا مما كتبه البنا «حضر علي ماهر باشا ومعه عبد الرحمن عزام باشا مؤتمر فلسطين في لندن فودعهما الإخوان أحر وداع، وبعد حضوره ذهب وفد من الإخوان إلي المحطة لاستقباله وعلي رأسه الأستاذ أحمد السكري فهتف بحياته، وأمر الإخوان أن يهتفوا بحياته كذلك، فهتف بعضهم وامتنع الآخرون، وعادوا ثائرين، ورفعوا إلي احتجاجاً عنيفاً ذكروا فيه أن الإخوان ليسوا هتافين، وأنهم لم يهتفوا لأشخاص، وإنما يذكرون الله وحده، ويهتفون لجهاد وأعمال، فطيبت خاطرهم بأن هذه تحية المسافر، وأننا لا نحيي شخصاً، ولكن نحيي عمله لفلسطين، فاحتسبوها عند الله في سبيل فلسطين العربية».

ويقول ميتشيل أن هذه العلاقة المبالغ فيها مع علي ماهر كانت سبباً في إحداث انشقاق في صفوف الجماعة فقد عارضها البعض مستندين إلي قول سابق للبنا يؤكد أن من بين فضائل الجماعة ومن خصائصها الأساسية تجنب التورط مع الأكابر والأعلام والأحزاب والجماعات00 ولذلك فقد طالبوا بفصل أحمد السكري محور العلاقة مع علي ماهر، وكان يحرك بعض المنشقين فكرة الرفض لأن تصبح الجماعة أداة في يد علي ماهر والقصر لمحاربة الوفد.

ويؤكد المؤّرخ الإخواني الأستاذ محمود عبد الحليم أن حسن البنا كان يري أن أقصر طريق لتحقيق أهداف الدعوة إنما يكون بالاتصال بالملك الشاب فاروق وإقناعه بأهداف الدعوة، وبأن انتماءه إليها سيصلح البلاد ويحفظ له عرشه، ومن أجل ذلك سعي البنا للاتصال برجل محايد كان يأنس في رجاحة عقله وفي صدق وطنيته ونزاهته، وكان في نفس الوقت من أقرب الشخصيات إلي الملك حيث كان أستاذه من قبل، ذلك هو علي ماهر0 وكان علي ماهر من القلائل الذين يفهمون فكرة الإخوان ويقدرونها، كما يقدرون الأستاذ المرشد كل التقدير ». وكان البنا جاهزاً لكل شيء، وأي شيء يرضي القصر ويفتح أبوابه أمامه0

وعندما توفي الملك فؤاد كتبت مجلة الإخوان تحت عنوان «مات الملك يحيا الملك» «مصر تفتقد اليوم بدرها في الليلة الظلماء، ولا تجد النور الذي اعتادت أن تجد الهدي علي سناه0 فمن للفلاح والعامل، من للفقير يروي غلته ويشفي علته، ومن للدين الحنيف يرد عنه البدع، ومن للإسلام يعز شوكته ويعلي كلمته ومن للشرق العربي يؤسس وحدته ويرفع رايته».

ثم توالت مقالات مجلة الإخوان في الدعاء لفاروق ولي العهد، ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان يتحلي بها والده، وتصفه «بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه». وفي مقال آخر تصف المجلة الفتي صغير السن الذي لم يزل ولياً للعهد بأنه «المربي والأستاذ والمثل الأعلي».

وفي هذه الأثناء كان الخلاف بين رجال القصر وحكومة الوفد علي أشده0 وفيما كانت الاستعدادات لتولية الملك اقترح الأمير محمد علي (الذي أصبح بتولية فاروق ملكا وليا للعهد) بأن يقام احتفال ديني تتم فيه مراسيم تولية الملك0 حيث يعقد الاحتفال في القلعة ويقوم شيخ الأزهر بتسليمه سيف جده محمد علي0 ولم يكن هذا الاقتراح سوي جزء من مخطط كامل رسمه الثالوث المسيطر علي القصر (علي ماهر- الشيخ المراغي- كامل البنداري) لاحتواء الملك، وتقوية نفوذه وتقديمه في صورة الملك الصالح المسلح بالدين في مواجهة النحاس باشا المسلح بتأييد الشعب0

لكن النحاس باشا يتمسك بأهداب ليبراليته ويرفض أن يتولي الملك بأسلوب إسلامي قائلا في خطاب عنيف أمام مجلس النواب«إن هذا الاقتراح إقحام للدين فيما ليس من شئونه، وإيجاد سلطة دينية خاصة بجانب السلطة المدنية»0 وقال «الإسلام لا يعرف سلطة روحية، وليس للرسل وساطة بين الله وبين عباده ، وليس أحرص مني ولا من الحكومة التي أتشرف برئاستها علي احترام وتنزيه الإسلام، كما أنه ليس أحرص منا علي الالتزام بأحكام الدستور، ولكن الاحتفال بمباشرة جلالة الملك لسلطته الدستورية شيء آخر0 فهو مجال وطني يجب أن يتباري فيه سائر المصريين مسلمين وغير مسلمين».

ويأتي الرد سريعا من حسن البنا، فيعقد وعلي وجه السرعة المؤتمر الرابع للجماعة معلنا وبصراحة تامة أن هدف المؤتمر الوحيد هو الاحتفال باعتلاء فاروق العرش 0

ويصدر مكتب الإرشاد نشرة تقول «قرر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين الاحتفال بحضور جلالة الملك المعظم فاروق الأول وتسلمه مهام ملكه السعيد وتقديم فروض التهنئة والولاء بهذه المناسبة الميمونة» وكان الملك قد وصل إلي الإسكندرية، وركب القطار الملكي إلي القاهرة وعلي طول الطريق احتشد الإخوان وجوالتهم في محطات السكة الحديد لتحية الملك0 وعقد المؤتمر الرابع للترويج لهذا الاحتفال0

ولم تكن كل الإمكانات بعيدة عن دعم ونفوذ وتمويل علي ماهر)(1)0

هذا القدر يكفي لربط العلاقة الوثيقة بين القصر الليبرالي التابع لبريطانيا قلبا وقالبا وبين حركة الأخوان المسلمين التي انصبت في اهتمامها على إفراغ الشباب المتحمس من فكره الثوري عبر زرعه بالشعائر الفارغة وتهبيط العزائم وبث نظريات المؤامرة بين الشعوب العربية, وكل ذلك يؤكد ليبرالية هذه الحركات الإسلامية التي بدأت بالتوجه الأمريكي بعد انتهاء الدور بريطانيا من المنطقة رسوخ القناعة التامة لدى الحركات الإسلامية البريطانية النشأة بان أمريكا جادة في مشروعها الشرق أوسطي ولا بديل عن السير بخطاها لحفظ بقاء النوع الإسلامي السياسي في المنطقة ضمن المشروع الأمريكي وهذا ما لم يشمله السيد يسين في مقاله ولم يلمح إلى تحول حركة الإخوان المسلمين نحو الامركة وبالذات بعد القرارات التي اتخذتها القيادة المركزية في مصر بالتوجه نحو الحكومة.
لذلك فإن حركة الإخوان المسلمون تكون جزءا من حركات الإسلام السياسي حسب التعريف الذي أورده الكاتب لتعريف حركات الإسلام الليبرالي بقوله (والإسلام الليبرالي يُعنى به هذا الاتجاه من اتجاهات تيار الإسلام السياسي، الذي لا يرى تناقضاً بين مبادئ الإسلام وقيم الليبرالية والديموقراطية. وهي تسمية على كل حال تتسم بالغموض لأنه يقع تحت ما يسمى الإسلام الليبرالي "تيارات شتى"، ومفكرون إسلاميون يختلفون اختلافات متعددة في رؤاهم للعالم، وفي الحلول التي يتبنونها للمشكلات المعاصرة.) وهذه هي أهم مقومات حركة الإخوان المسلمين التي بدت جلية من خلال التطبيق الفعلي لحركة الإخوان من خلال دخولها انتخابات المجالس النيابية ودخولها الوزارات وتبنيها فكرة الشيروقراطية باعتبارها توفيق بين فكرة الديمقراطية الليبرالية التحررية وبين مبدا الشورى الإسلامية , وإسهام منظرين الحركة في إظهار الإسلام على هذه الشاكلة الليبرالية.

من ناحية أخرى يقول السيد يسين : أن أمريكا بمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي قد تخلت عن المجاهدين في أفغانستان الذين كانوا بزعامة ابن لادن وتركتهم يواجهون مصيرهم, مثل هذا الكلام بحاجة لاعادة نظر مرة أخرى من حيث ثلاثة محاور أساسية
1/ نشأة حركة طالبان
2/ تعاون القاعدة مع طالبان
3/ دور ابن لادن في خدمة أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي

بالنسبة لنشأة طالبان الأمريكية الباكستانية فهي أيضا بحاجة لبحث واقعي بطبيعة العلاقة بين قيام باكستان والليبرالية الغربية والتي قامت على الشكل التالي :

عام 1947 أُعلنت دولة باكستان التي انفصلت عن الهند عندما خرجت بريطانيا منها عقب مؤتمر مالطا وتقسيم الحلفاء للعالم.

وانطلقت فكرة الانفصال أساسا تحت شعار الدولة الإسلامية، وقام بها بعض الشباب من الهنود المسلمين الذين تعلموا في بريطانيا وعلى رأسهم محمد علي جناح. وكانوا كما تشير المراجع، غير متدينين أصلا وساعدتهم بريطانيا ضد المهاتما غاندي رغم معارضة المرجع الأساسي رئيس جمعية العلماء "آبو الأعلى المودودي" الذي قال في محاضرة ألقاها عام :1940 "إن المسلمين الذين تثقفوا من أهلها (الهند) بالثقافة الغربية يستعصي عليهم إدراك الحقيقة السامية (الإسلام) فهم وإن كانوا يلهجون بذكر الحكومة الإسلامية، مضطرون بطبيعتهم وثقافتهم إلى ألا يهتدوا إلا إلى الدولة القومية". (2)

كذلك لا بد من الإشارة إلى قيام باكستان على أساس أحد مشاريع أمريكا والتنظير له والعمل لإيجاده وهو مشروع الشرق الأوسط وهذا ما يظهر جليا عبر خطاب ظفر الله خان وزير خارجية باكستان في عام 1947 بعد أن قام بزيارة إلى منطقتنا العربية فزار بيروت ودمشق وانقرة وعقد مؤتمرا صحافيا في القاهرة في 27 شباط 1952 قال فيه: "لقد قابلت في عواصم الدول الأربع رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية وكبار الزعماء ووجدت وجهات نظرهم في ما يختص بمستقبل الشرق الأوسط (التي تعتبر باكستان جزءا منه سواء من الناحية الثقافية أو المثالية أو السياسية) متفقة في معظم النقاط الرئيسية. وان من يعرفون سياسة باكستان يدركون أن وحدة العالم الإسلامي هي أحد الأركان الرئيسية التي تقوم عليها عقيدتنا السياسية". وانتهى مؤتمره الصحافي بالمقصود الأساسي من هذه الجولة فقال: "إن مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط لا يمكن أن يكون كاملا إلا إذا انضمت إليه البلدان الواقعة شرق المنطقة، وتشمل باكستان وأفغانستان وإيران والدول العربية وتركيا. ولا بد من تسوية الخلاف بين العرب وإسرائيل قبل تنظيم الدفاع عن الشرق الأوسط". (من محاضرة الدكتور راشد البراوي في كلية التجارة بجامعة القاهرة عام 1952 تحت عنوان "الكتلة الإسلامية").

من الواضح هنا أن مشروع "الشرق الأوسط" الأكبر نشأ مع قيام دولة باكستان في ظل انتشار مفهوم القوميات، إذ كانت خطة الحلفاء منذ ذلك التاريخ تحقق النتيجتين الآتيتين:

1- إيجاد مساحة جغرافية تحت شعار الوحدة الإسلامية تنطلق من باكستان وأفغانستان إلى ساحل شرق البحر المتوسط وتركيا يتكون منه ما أطلق عليه الستار الحديدي في مواجهة الاتحاد السوفيتي.

2- تفريغ المنطقة المسماة "الشرق الأوسط" من أي قوة ذاتية خارج الرقابة الغربية عموما ثم الأميركية، وذلك بإطلاق مصطلح سياسي جديد "الشرق الأوسط" الذي يضع إسرائيل والبلاد العربية وتركيا وإيران وباكستان وأفغانستان في سلة واحدة لحساب الغرب، وهذا كان واضحا من تصريح ظفر الله خان والإشارة إلى وجوب حل الخلاف مع إسرائيل مما يعني أن إسرائيل أضحت حقيقة يُبنى عليها، وان الدفاع عن الشرق الأوسط هو ضد الاتحاد السوفيتي، لذا سارت الخطط كما يأتي:

تحييد إسرائيل في مرحلة الخمسينات حتى عام ،1967 والتركيز على المقاطعة فحسب مع سكون الحدود وعزل المقاومة لمصلحة استكمال ورشة القوة الإسرائيلية.

لذا انصرف الاهتمام الإسلامي نحو الإلحاد ومحاربة الشيوعية، والاهتمام العلماني نحو القوميات والبحث في بطون التاريخ. وكان كِلا الاتجاهين في مصلحة نمو إسرائيل مما أعطى مفهوم الشرق الأوسط تصورا ثابتا في لغتنا السياسية كمرجعية في تصنيف.

في المقابل ونظرا إلى مكونات البنية الثقافية للحركة الصهيونية في إطار المنهجية الغربية في فاعلية دورها، فقد تفادت هذه الحركة من المرجعية القومية والمرجعية الاشتراكية معا في تفعيل حضورها في عالمنا العربي والإسلامي، فارتكزت على الفكر القومي النابع من فلسفة القرن التاسع عشر لتبني أيديولوجيا الوطن القومي اليهودي على ارض فلسطين. كما استمدت من الفكر الاشتراكي مكونات تأسيس الدولة بجزم وفاعلية، وكانت الكيوبتز مع حزب العمل جزءا من الفكر الاشتراكي في ارفع نماذجه ضمن الحركة الاشتراكية وبالخصوص في أوروبا.

وهكذا أسس الشرق الأوسط لفراغ وانحراف في الرؤية في سائر مسيرة العالم العربي بحيث بدد الفكر الاشتراكي وحدة الشعب الفلسطيني في تحديد صراعه مع إسرائيل وتوصيفه له. فأصبحت هنالك جبهات ولكن لغير مجابهة.

فالشعارات التي رفعت في المزاوجة بين الصهيونية والإمبريالية أرضت الصهيونية، إذ جعلت هزيمتها هزيمة للعالم الغربي كله.

وهكذا وضعت القضية في إطار الحرب الباردة في الصراع بين الشرق والغرب، وكان ذلك منحدرا يفتش عن المسار الأسهل أمام صعاب الإعداد الاجتماعي الإنمائي لمواجهة إسرائيل ضمن خطة محددة.

من ناحية أخرى تبددت الروح الإسلامية في التركيز على محاربة الإلحاد الشيوعي الذي أغرى، هو الآخر، بجدال يستدرج الشعور العميق بالعجز عن المواجهة. وهكذا وجد الفكر الإسلامي في ثراء الخليج رفاهية التقوى في وسائل إعلامه وبلاغة التنظير في عظمة الإسلام.

كانت المطالبة بالحقوق الفلسطينية بابا سهلا للخروج من مواجهة المشكلات الجامعة للعالم العربي والتي تركس الإرادة لضعف التأهيل النفسي.

ومن خلال هذا الركود الذي انتهى إلى الحدود السياسية في مواجهة إسرائيل، كانت فكرة الشرق الأوسط كمصطلح تجد معناها في ذهن المخطط الاستعماري وفي ذهن العالم العربي الذي قبلها في لغته السياسية، حين افتقد فكرة استراتيجيا مستقبلية تدرس مبادرات أوروبا في اتجاه عالمنا. لذا بدا معناها في ذهن المخطط الاستعماري أحد إنتاج معناها في ذهن أدبيات العالم العربي حين نظر إليها من الوجهة النفسية تسليماً بمنطق المستحيل، ونظر إليها المخطط الأوروبي استسلاما لمدى مساحة بيضاء يمر فيها وزير النقل الإسرائيلي للوصول إلى قطر ويداه تقطران من دماء الفلسطينيين نقطة نقطة في صحراء السياسة العربية لتكون معالم طريق عودته إلى إسرائيل ليجهز على البقية من شعب فلسطين. (3)

عملا بدورها في مشروع الشرق الأوسط الكبير قامت باكستان بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية المركزية بإطلاق العنان لطلاب المدارس الإسلامية فيها لخوض التجربة في أفغانستان فأنتجت حركة طالبان (فكانت تجربة مشتركة باكستانية أمريكية) وقامت حركة طالبان بتسليح وتدريب أمريكي, ونشأة وفكرة ملقنة باكستانية لإنشاء الدولة الإسلامية في أفغانستان والقضاء على شاه مسعود وبقايا السوفييت في أفغانستان, وحققت مطلبها وهدفها ونجحت التجربة نجاحا باهرا.

إلا آن السياسة الأمريكية في العالم التي بدأت في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كانت تشكل عقدة للشباب الإسلامي الذي رأى أن أمريكا يستحيل أن تكون شريكا حقيقيا وهي ليست إلا شرا مطلق عكس ما علمته إياه حكوماته بأن أمريكا الصديق الوفي للوقوف أمام الإلحاد السوفيتي فكان شباب طالبان عائق أمام إتمام مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أفغانستان إحدى ركائزه الأساسية فكان لا بد من القيام بحركة خاطفة تنهي قوة الشباب الإسلامي المندفع مفرغا من فكره معبأ بأوهام الدولة الإسلامية المباركة ليبراليا وكذلك تقديم قربان للمشروع يكون قرابينه هذا الشباب المندفع إلى جانب إيجاد دور اكبر لابن لادن ورجاله الذين توغلوا في داخل طالبان ليشكلوا القوة الأمريكية الإسلامية في أفغانستان , والذين اقتصر دورهم على كبح جماح الشباب الطالباني وتوجيهه وتهيئته لقربان الذبح الأمريكي..

مع صعود الحزب الديمقراطي الأمريكي كانت المهمة قد نضج نصفها بعد تبني ابن لادن حادثي تفجير السفارتين الأمريكيتين في إفريقيا عام 1998 وتنظيم القاعدة.

ومن هنا أوجدت أمريكا بطلها المزعوم ابن لادن الذي خطف الأضواء سريعا بوصفه بطلا إسلاميا استطاع أن يضرب أمريكا وصار الخطر الأكبر الذي يهددها في كل العالم, ومع مجيء حزب بوش للحكم, سار المشروع باتجاهه وكما هو مرسوم له بتحديد المهمة الأكبر لابن لادن بحيث يحقق أهدافا طالما خططت لها أمريكا لإنجاز مشروع الشرق الأوسط الكبير عبر إيجاد حدث يهز العالم يستطيع من خلاله الحزب الديمقراطي تثبيت دعائم حكمه أولا عبره لدورة انتخابية ثانية , فأربع سنوات غير كافية لإتمام المشروع وهذا ما يبشر بنجاح بوش في الانتخابات القادمة في أمريكا رغم ما يراهن عل عكسه المحللون.

كانت أحداث 11/9/ الحدث الأعظم الذي هز العالم والذي بدأت فيه أمريكا بتنفيذ مشروعها الشرق أوسطي , بحيث قامت بتدمير بنية طالبان التي انتهت مهمتها الأولى في القضاء على بقايا السوفييت في أفغانستان والبدء من داخل أفغانستان في المشروع, ومن ثم إيجاد مبرر لتغيير القوانين الداخلية في داخل الولايات المتحدة لتساعد حزب بوش على إملاء قراراته دون رادع, بحجة حماية أمريكا من أي خطر تشكله القاعدة.

من هذه المبررات التي أعطاها ابن لادن حسب دوره المرسوم أمريكيا للقيادة الأمريكية للبدء في احتلال العالم كله ووضعه تحت السيطرة الأمريكية لتحقيق المشروع, وكان لها ذلك بأيدي إسلامية ليبرالية تنفذ الأوامر كما تريد أمريكا.

كان هناك أثر أخر لما قام به ابن لادن حول العالم وهو وضع حركات التحرر الثورية في مأزق التورط ببراثن القاعدة وإرهابها عند أي محاولة للتصدي لأمريكا في محاول بسط هيمنتها على العالم, وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال خط سير الاحتلال في العراق حيث عمليات الخطف التي يقوم بها الإسلاميون هناك في محاولة مكشوفة لإضفاء صفة الجهادية الإسلامية على طابع الصراع العربي الأمريكي في العراق ووسم المقاومة العراقية جميعا بطابع القاعدة الإرهابي السلفي.

من هنا بدا جليا دوران لابن لادن في خدمة المشروع الأمريكي الشرق أوسطي قبل وبعد الاتحاد السوفيتي مما يناقض الفكرة التي جاء بها السيد يسين في مقالته على أن أمريكا تخلت عن المجاهدين جميعا في أفغانستان وصاروا أعدائها, والفكرة أن أمريكا بالأصح رسمت دورا أخر لهم ووضعت القسم الأخر وهم شباب طالبان على مذبح القرابين لإيجاد مسرحية الحرب ضد الإرهاب والإسلام .

لقراءة أخرى في مقالة السيد يسين من بدايتها نلحظ أنه بدائها بداية صحيحة من حيث التحليل المنطقي للسياسة الأمريكية قائلا:

(المتتبعون لسياسات الولايات المتحدة عبر حكوماتها المختلفة جمهورية كانت أو ليبرالية، يعرفون أنها لا تنطلق من قيم مبدئية ولا من اقتناعات أيديولوجية محددة، ذلك أنها تطبق البراغماتية فلسفة وممارسة! بمعنى أنها تركز على مصالحها كما تدركها النخبة السياسية الحاكمة في إدارة ما، وبغض النظر عن تناقض هذه السياسات مع الأخلاق او معايير الحكم النزيه أو حتى مع القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، التي تدعى الولايات المتحدة أنها هي الحاجة الأساسية لها والضامنة لسلامة تطبيقها على نطاق العالم كله.

والدليل على ما نقول أنها - من خلال الاستخبارات المركزية - دبرت انقلاباً ضد الّيندي رئيس جمهورية تشيلي الذي انتخب ديموقراطيا، لأنه كان معاديا للسياسة الاستعمارية وللهيمنة الأميركية. ولم يكن هذا هو الانقلاب الوحيد الذي دبر ضد حكومات ديموقراطية. ومن ناحية أخرى دعمت الولايات المتحدة نظماً استبدادية تقوم بقهر شعوبها، لأن هذا الدعم كان يحمي مصالحها. ويكفي أن ندلل على ذلك بمثال إيران في عهد الشاه، الذي رسخ الحكم الاستبدادي بعد قيام الولايات المتحدة بانقلاب ضد الزعيم الوطني الإيراني مصدق، الذي أمم النفط وسعى لتحرير بلاده من اسر الهيمنة الأميركية.

وفي العقود الأخيرة تبدو الانتهازية السياسية الأميركية واضحة في دعمها لأسامة بن لادن وجماعات المتشددين الإسلاميين في فترة الحرب ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، حيث دعمت "الجهاد الإسلامي" ومولته وسلحته لأنه كان يناضل ضد الشيوعية.) (4)

إلى هنا استطاع السيد يسين أن يعطي الصورة الحقيقية لما بدا في السياسة الأمريكية حول المنطقة وترسيخ مشروعها الشرق أوسطي, لكنه وقع في الخطأ حين قال :

(وسرعان ما انقلبت على أسامة بن لادن حين سقط الاتحاد السوفيتي وانسحبت قواته من أفغانستان، وتركت بن لادن وأنصاره من "المجاهدين" لمصيرهم.)(5)
لكنه يعود فيضع النقاط على الحروف في رؤيته للقضية العراقية من ناحية كانت بحاجة لتوضيح أكثر من حيث أسباب الدعم اللوجستي الأمريكي لصدام حسين في حربه ضد إيران التي يرى بها المحللون السياسيون أكثر من وجهة نظر واقعية منها السوق السلاحية الأمريكية حين أتبعت سياسة إغراء العدو لإغراقه في التسلح هي سياسة السوق السلاحية التي فشل الاتحاد السوفيتي بإيجادها لتصريف أسلحته الثقيلة نظرا لبنيته الفكرية التي تحتم عليه كمنظومة اشتراكية السعي لسعادة الإنسان وليس نشر السلاح لتدميره فاكتفى الاتحاد السوفيتي بتصديره كما من الأسلحة الخفيفة التي دعم بها الثوار والثورات الإنسانية حول العالم, بينما أمريكا وجدت لنفسها أسواقا هائلة لتصدير الأسلحة الفاسدة والتي انتهى مفعولها, فصدرتها لأسواق ترحب بمثل هذه السلع مقابل نفطها ومقابل فتح أراضيها لقواعد عسكرية مثل الوطن العربي, وكذلك دولا متناحرة غارقة حتى عروشها بدم شعوبها وشعوب غيرها, فوجدت الدولة الانتهازية (أمريكا ) سوقا رائجة لدعم الحروب الكبرى كالحرب العراقية الإيرانية فكانت سوقا رائجة لبضائعها لإشعال نار السلاح بقوة أكبر في تلك الحرب المدعومة من بعض دول الخليج كالسعودية.
ومن ناحية أخرى يصور الكاتب دخول صدام للكويت على أنها كمين للإيقاع به بفخ, وهذا لا يبدو منطقيا نظرا لذات حرب الخليج الثانية التي شمها الحلفاء وكان بإمكان الحلفاء منذ اللحظة الأولى من دخول بغداد , إلا أن أمريكا كانت تعي ماذا تفعل في تلك اللحظة , حيث دخول بغداد وإسقاط حكم صدام الشريك في مخططها لن يكون لعبة صحيحة لوجود الشركاء الدوليين في الحرب من ناحية , ومن ناحية أخرى أن دور صدام لم ينتهي في تلك اللحظة في مشروع الشرق الأوسط وبقائه يبرر ويسهل لأمريكا التواجد في المنطقة لإنتاج المشروع الشرق أوسطي بحجة الحرب على صدام.

(ومن ناحية أخرى شجعت الولايات المتحدة صدام حسين في حربه ضد إيران، لمواجهة خطر تصدير الثورة الإسلامية، أمدته بالسلاح والمشورة العسكرية، وبالمعلومات الاستخبارية إلى أن انتهت الحرب. ومرة ثانية أوحت لصدام حسين من طريق السفيرة الأميركية الشهيرة في العراق [ابريل غلاسبي] أنها لن تمانع لو قرر صدام غزو الكويت.

ووقع الرئيس العراقي السابق في الكمين، واندفع بجهالة وحماقة سياسية نادرة الى غزو الكويت، معتدياً بذلك على الشرعية الدولية والشرعية القومية العربية على السواء. وأدى الغزو إلى دعوة القوات المسلحة الأميركية مع قوات التحالف لتحرير الكويت، وكان ذلك في الواقع بداية للحضور العسكري الكثيف في منطقة الخليج العربي من خلال قواعد عسكرية ضخمة وقوات مسلحة متعددة.)(6)

وفي النهاية وبعد هذه القراءة البسيطة في داخل المقال أترككم لاستكمال ما جاء في هذا المقال الرائع حول جذور الإسلام الليبرالي الغارق حتى عمامات رجاله في العمالة مع الغرب ضد شعوب المنطقة والشريك الأكبر في إتمام مشروع أمريكا (الشرق الأوسط الكبير)

(دعم الإسلام الليبرالي

والواقع أننا أردنا باستحضار الوقائع التاريخية السابقة إبراز انتهازية السياسة الأميركية، وعدم انطلاقها من مرجعيات ثابتة لا تحيد عنها. وتطبيقا لذلك حدث تحول لافت بعد أحداث الحادي عشر من أيلول واعلان الإمبراطورية الأميركية حربها ضد الإرهاب، والتي كان شعارها الشهير: "من ليس معنا فهو ضدنا".

غير أن هذه الحرب المعلنة والتي لا سابق لها، لأنه ليس لها مسرح محدد ولكن هي بامتداد المعمورة، وليس لها مدى زمني معروف، لأنها بحسب التصريحات الأميركية حرب إلى الأبد، اتضحت لها سمات فريدة. لأن هذه الحرب عبر الأعوام الأخيرة، أخذت تتبنى تحليلا ثقافيا متميزا حاول تشخيص الأسباب العميقة الكامنة وراء الإرهاب.

وهذا التحليل الثقافي توصل من خلال جهود علماء اجتماعيين وخبراء استراتيجيين أميركيين عديدين إلى معادلة بالغة البساطة تقول: الإرهاب هو الناتج الأساسي للتفكير الإسلامي المتطرف الذي شاع في بلاد عربية واسلامية متعددة في العقود الأخيرة وتبنته جماعات إسلامية مسلحة، أصبحت تمارس الإرهاب تحت شعاراته التكفيرية، وسواء في ذلك تكفير الحكومات العربية أو حكومات البلاد الإسلامية بدعوى أنها لا تطبّق شرع الله، أو تكفير الأجانب من الغربيين والأميركيين خصوصاً الذين يدنسون البلاد الإسلامية وخاصة أراضى السعودية.

وحاول التحليل الثقافي الاستراتيجي - الأميركي البحث عن أسباب شيوع هذا الفكر المتطرف، ووجدها في انسداد آفاق الممارسة الديموقراطية من حيث حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التنظيم أمام مئات الألوف من الشباب المسلم، بحكم سيادة النظم الاستبدادية في البلاد العربية والإسلامية. ولذلك لم يجدوا منفذا أمامهم سوى الانخراط في الجماعات المتطرفة التي انتقلت - بحكم اشتراكها في الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي الشيوعي في أفغانستان - من المستويات المحلية إلى الآفاق العالمية، بحيث أصبحت تمارس الإرهاب على مستوى العالم. وما أحداث أيلول 2001 التي وجهت ضد رموز القوة الأميركية، سوى الإعلان الجهير بأن الإرهاب الإسلامي قد تعولم، واصبح يمارس على مستوى العالم كله.

والولايات المتحدة وضعت استراتيجيا لتغيير الأوضاع الاستبدادية في "الشرق الأوسط الكبير" بما يضمه من دول عربية وإسلامية متعددة، تمتد من تركيا حتى باكستان، تقوم أساسا على فرض الديموقراطية فرضا على النظم السياسية المستبدة، التي بانغلاقها السياسي أدت إلى شيوع الفكر المتطرف والإرهاب.

وهذه المبادرة الأميركية التي لاقت رفضا من جانب الحكومات والشعوب العربية، نقلت إلى مؤتمر الدول الثماني الكبرى، حتى تساهم في التصديق عليها وتمنحها مزيدا من القوة والتأثير.

وبغض النظر عن مصير هذه المبادرة في التطبيق، فإنه يلفت النظر أن الولايات المتحدة - بناء على تفكير استراتيجي وتحليل ثقافي متعمق - قامت بصياغة استراتيجية "ابستمولوجية" ونعني معرفية للمرة الأولى، هدفها الرئيسي إعادة صياغة مفاهيم الإسلام الليبرالي، ودعم الجماعات الإسلامية التي تتبناه، وتشجيع المفكرين والمثقفين الإسلاميين الذين يرفعون لواءه.

والإسلام الليبرالي يُعنى به هذا الاتجاه من اتجاهات تيار الإسلام السياسي، الذي لا يرى تناقضاً بين مبادئ الإسلام وقيم الليبرالية والديموقراطية. وهي تسمية على كل حال تتسم بالغموض لأنه يقع تحت ما يسمى الإسلام الليبرالي "تيارات شتى"، ومفكرون إسلاميون يختلفون اختلافات متعددة في رؤاهم للعالم، وفي الحلول التي يتبنونها للمشكلات المعاصرة.

والاستراتيجيا المعرفية الأميركية التي نتحدث عنها عبارة عن وثيقة بالغة الأهمية أصدرتها الباحثة الأميركية شيرل بينارد التي تعمل في قسم بحوث الأمن القومي في مؤسسة رائد الأميركية. وهذه المؤسسة بحكم تاريخ نشأتها كمركز ابحاث استراتيجي لسلاح الجو الأميركي، تم تحولها من بعد إلى مركز عام للدراسات الاستراتيجية الشاملة، هي خير معبر عن "العقل الاستراتيجي الأميركي".

أصدرت بينارد كتيباً بعنوان "الإسلام المدني الديموقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات"، وذلك عام .2003 ويبدو أنه لم يتم الالتفات الى أهميته القصوى الا عندها قامت مؤلفة البحث بنشر ملخص لأهم نتائجه بعنوان: "كيف يمكن الغرب أن يدعم الإصلاح الإسلامي" وذلك في ربيع هذه السنة (2004).

والدليل على ذلك ان نشرة إسلامية إخبارية إلكترونية فطنت إلى الأهمية القصوى للبحث الأصلي، ونشر محررها احمد ناصف، استعراضاً موجزاً له، وتحليلاً ذكياً لتوصياته الإستراتيجية، كما أن جريدة "الشرق الأوسط" نشرت منذ أيام خبراً مهماً عن الكتاب لأحد مراسليها في الولايات المتحدة يدل على حسن متابعته، صدى هذا البحث الخطير.

ولو رجعنا إلى نص البحث الأصلي - وهو تحت أيدينا - لرأينا مؤلفته تقرر في التمهيد ما يأتي:

إن العالم الإسلامي منغمس في صراع لتحديد طبيعته وقيمه، مع ما يتضمنه ذلك من نتائج خطيرة تمس المستقبل. والسؤال هنا: ما هو الدور الذي يستطيع باقي العالم [وتعني غير الإسلامي] القيام به في هذا المجال، وهو العالم الذي يهدده هذا الصراع، ومن شأنه أن يؤثر على مساره؟ وتعني ما هو الدور الذي يمكن أن يجعل هذا الصراع سلمياً ونتائجه إيجابية؟ إن صياغة منهج دقيق للاقتراب من هذه المشكلة يتضمن فهماً مرهفاً للصراع الأيديولوجي الدائر في الوقت الراهن داخل الإسلام، بهدف تحديد الشركاء المناسبين، وتعيين أهداف واقعية يمكن بلوغها ووسائل لتشجيع تطوير الفكر الإسلامي بطريقة إيجابية.

إن للولايات المتحدة في ما يتعلق بالإسلام السياسي ثلاثة أهداف: الأول هو وقف شيوع الفكر المتطرف واللجوء إلى العنف. والثاني هو رفع الشبهات التي قد تحيط بمسلكها وذلك باتهامها أنها تعادي الإسلام. والثالث أنها - في الأجل الطويل - عليها أن تجد طرقاً لمواجهة الأسباب العميقة الاقتصادية والاجتماعية والسـياسية التي تغذي الراديكالية الإسلامية، وتشجيع حركة تسعى إلى التنمية والديموقراطية.

ولا شك في أن الجدل والصراع الدائر داخل العالم الإسلامي حالياً قد يؤدي إلى غموض الصورة الراهنة للخلافات الأيديولوجية الإسلامية. ولأجل تيسير مهمة الفهم من الأفضل ألا نصنف الفاعلين باعتبارهم يمكن أن يندرجوا تحت هذه الفئة أو تلك، ولكن على أساس توزيعهم على أفق ممتد له أطياف متعددة. ومما يعمق الفهم أيضا تحديد آراء كل منهم بالنسبة إلى عدد من الموضوعات الأساسية، وذلك ضماناً لتصنيفهم داخل هذا الأفق بشكل دقيق.

وفي هذا الضوء نعرف من هم - من خلال آرائهم - الأقرب إلى القيم الغربية والأميركية خصوصاً، ومن هم الذين يتبنون مواقف عدائية منها.

وبناء على هذه الدراسة المتعمقة يقدم التقرير عناصر أساسية لاستراتيجيا ثقافية وسياسية مقترحة لفرز الاتجاهات الإسلامية الرئيسة، التي يجملها التقرير في أربعة: العلمانيين، والأصوليين، والتقليديين، والحداثيين. وفي ضوء هذا الفرز تشن الولايات المتحدة حرباً ثقافية - إن صح التعبير - ضد الاتجاهات الإسلامية العدائية، وفي الوقت نفسه تصوغ استراتيجيا لدعم الاتجاهات الإسلامية القريبة من القيم الأميركية، مادياً وثقافياً وسياسياً لمساعدتها في الاشتراك في ممارسة السلطة السياسية في البلاد العربية والإسلامية.

ما سبق ليس سوى مقدمة وجيزة، تشير - مجرد إشارة - إلى الاستراتيجيا الأميركية لتطوير الإسلام الليبرالي حتى يصبح أنصاره شركاء لأميركا في الإصلاح الديموقراطي، الذي تسعى بكل قوتها وضغوطها على الأنظمة العربية إلى تحقيقه.

غير أن قصة الإسلام الليبرالي لها جذور تاريخية تستحق أن نرصدها واستراتيجيات معرفية تحتاج الى تحليل، وخطط سياسية ينبغي إخضاعها لتحليل نقدي متعمق.)(7)

..............................................................

(1) عبدالوهاب خضر/ د. رفعت السعيد يكشف من جديد عن صفحات مجهولة من حياة مؤسس جماعة الاخوان المسلمين /الحوار المتمدن - العدد: 909 - 2004 / 7 / 29
(2) (المحاضرة منشورة ومعرّبة تحت عنوان "الانقلاب الإسلامي").
(3) قراءة في كتاب -القضايا الكبرى- / مهند صلاحات الحوار المتمدن - العدد: 838 - 2004 / 5 / 18
(4) ,(5) ,(6), (7) هذه المقالة نشرت ل (السيد يسين) عن " النهار" اللبنانية، عدد الأحد 25 تموز 2004



#مهند_صلاحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنود في خدمة امريكا
- القوات الأردنية تقتل ثلاثة مسلحين حاولوا دخول الأراضي الفلسط ...
- ترجمة قرار محكمة العدل الدولية ضد الجدار العنصري الى العربية ...
- النص الكامل لوثيقة التحقيق الخاصة بالمجلس التشريعي الفلسطيني ...
- أنقذوا الشعب الفلسطيني ..نداء الى كل أنصار الإنسانية في العا ...
- المافيا الفلسطينية تعبث بارواح الناس/ مقالة كادت ان تودي بصا ...
- ويمضي الرفاق أيضا برحلة الشهداء في جبل النار / نابلس
- لماذا قتلوا ناجي العلي
- تشي به الأشياء التي لم يعشها معها ... حتى الشمس
- صدام و أحد عشر لصا في ضيافة العراقيين
- شهداء الحرية والثورة والاشتراكية الرفيق / محمد الأسود ... ثو ...
- شهداء الحرية الماركسية /الرفيق وديع حداد .. صانع الثورة الحم ...
- شهداء الاشتراكية والتحرر... الرفيق إبراهيم الراعي شهيد الحرك ...
- شهداء الاشتراكية والتحرر... الرفيق إبراهيم الراعي شهيد الحرك ...
- شهداء الحرية والاشتراكية / الرفيق أبو علي مصطفى ... رجل تعلم ...
- الفساد الإداري والمالي في السلطة الفلسطينية
- رجال في الشمس / رواية الشهيد غسان كنفاني ... الجزء الأول
- الدعارة آفة إجتماعية حقيقية بحاجة لعلاج
- خطأ النظرة إلى المجتمع تؤدي إلى خطأ النظرة إلى الحياة / مفهو ...
- أزمة المثقف العربي / غربة الوطن في الوطن


المزيد.....




- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
- تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب ...
- اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا ...
- الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهند صلاحات - نظرات في المشروع الأمريكي لصياغة الإسلام الليبرالي