|
الغلو والتطرف دوائر تتكامل في الأهداف والوسائل (5) .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 14:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نشرت جريدة "التجديد " مشكورة ، نص القرار الذي أصدره مجمع الفقه الإسلامي حول شروط وآداب الإفتاء . ولعله الرد المبين على كل من يدعي أن الفتوى هي مجرد رأي ليرفع عنها صفة الإلزام . والقرار إياه لا شك يضع الجريدة وإدارتها والجهة المشرفة عليها في تناقض صارخ من المفروض أن يتولد عنه حرج شديد . ذلك أن الجريدة تصر على التمادي في اعتبار الفتوى رأيا غير ملزم للمستفتي ، وتنتقد ، بكل تحامل ، الذين يؤاخذون على الجريدة وإدارتها نشر الفتاوى الخارجة عن العصر والمنافية للعقل والمنطق والمناهضة لمصلحة الأمة . ومما نشرته الجريدة ( فقد كشف التناول الإعلامي للفتاوى التي تنشرها "التجديد" أن القصد اتجه إلى استهداف الفتوى من حيث كونها رأيا اجتهاديا ينطلق من المرجعية الإسلامية ويقدم إجابات معينة يستفتي الناس حولها بزعم أن الفتوى هي رأي ديني ملزم لا يملك معه المرء أي خيار ولا حرية )( عدد 2373 بتاريخ 07-09 ماي 2010) . وتريد الجريدة إقناع القراء والمتتبعين للجدال والنقاش حول خطورة الفتاوى التي تنشرها على النسيج الاجتماعي والسياسي في المغرب ، بأن تلك الفتاوى هي مجرد آراء لا تلزم أحدا . والمسعى الحقيقي للجريدة هو اتهام طائفة من المغاربة بكونهم يحاربون الدين عبر محاربتهم للفتاوى و"ترهيب" الفقهاء عن قول الحق كما هو واضح من الفقرة التالية (طبعا، المقصود من هذه الحملة هو أن يسكت العلماء وألا ينطقوا إلا إن كانوا سيباركون آراء أقلية مجتمعية مرتهنة في خطابها وتطلعاتها إلى الأطروحة العلمانية التي لا ترى في الدين إلا باعثا أخلاقيا مؤثثا لرؤيتها، وتتنكر للأبعاد المقاصدية والتشريعية والاجتماعية التي يحملها النص الشرعي بدعوى المخالفة للحداثة والتقدم!. )(التجديد /4/2010) . ودون الخوض في الجدال حول طبيعة الفتوى ومدى إلزاميتها ، نكتفي بالاستشهاد بما قرره مجمع الفقه الإسلامي في الموضوع كالتالي ( الإفتاء بيان الحكم الشرعي عند السؤال عنه .. والمفتي هو العالِم بالأحكام الشرعية وبالقضايا والحوادث ، والذي رزق من العلم والقدرة ما يستطيع به استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها ، وتنزيلها على الوقائع والقضايا الحادثة . والفتوى أمر عظيم ؛ لأنها بيان لشرع رب العالمين ، والمفتي يُوَقّع عن الله تعالى في حُكمه ، ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الشريعة . .. الأصل في الفتوى أنها غير ملزمة قضاء ، إلا أنها ملزمة ديانة فلا يسع المسلم مخالفتها ) . فهل بعد هذا القرار من جدال في طبيعة الفتوى وإلزاميتها؟ الفتوى إذن ، تخرج عن نطاق الرأي ، كما تتجاوز مجال الاجتهاد . ذلك أن الاجتهاد يبقى محدودا ضمن دائرة الرأي الذي يقوم على الترجيح وليس على القطع واليقين كما الفتوى . لهذا حذر الرسول (ص) من عواقب الإفتاء ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار ) . بينما شجع على الاجتهاد وإعمال العقل والمنطق والقياس: ( من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) . فالمفتي إما يكون مجتهدا يبذل وسعه لاستنباط حكم شرعي أو يكون مقلدا يكتفي بترديد فتوى غيره وتنزيلها على قضية مشابهة مع فارق في الزمان أو البيئة أو العرف . ومثال ذلك فتوى تزويج الفتاة القاصر التي أنتجتها بيئة اجتماعية وسياسية لم تعد قائمة . لكن عددا من الفقهاء المقلدين لم يستوعبوا بعد ديناميكية المجتمعات وحركية الواقع الاجتماعي والسياسي والقانوني ، وظلوا يعيشون خارج التاريخ ويسعون لضبط حركية المجتمع وإخضاعها لما توارثوه من فتاوى باتت خارج زمانها . ولعل الصراع الي تخوضه المنظمات الحقوقية وفئات واسعة من الفقهاء في السعودية ضد هذا النوع من الفتاوى التي ترهن المجتمع وتحجز تطوره وتعزله عن مناخ عصره وتفاعله مع شعوب الأرض بما يقتضيه البحث عن الحكمة وطلبها حتى من فم كافر ، لعل هذا الصراع دليل على عقم فقه البداوة وتحجره ، من جهة ، ومن أخرى دليل على أن النموذج الفقهي والمجتمعي المشرقي لا يصلح ليكون نموذجا لأهله فأحرى لغيره . وليس غريبا أن تصدر نفس المواقف عن التيار السلفي الوهابي /الطالباني وعن التيار الإسلامي الذي ينعت نفسه بالاعتدال في موضوع الدفاع عن فتاوى التشدد والغلو ومناهضة العلم والمنطق . فالتياران معا يتصديان لمطالب الكف عن الترويج ، على الأقل ، لفتاوى تصادم روح الإسلام من حيث كونها تعطي تفسيرا متحجرا لدين الرحمة والكرامة وتجعله يعادي قيم العصر وثقافة حقوق الإنسان . فالذين يشرعنون زواج الفتيات ذوات التسع سنين ويشجعون الآباء على حجز البنات وإن لسنوات عديدة ، أو يحرمون التسوق من الأسواق الممتازة بحجة بيعها للخمور ، أو الذين يفتون بتعدد الزوجات دون التقيد بمقتضيات مدونة الأسرة ، أو يدافعون عن ارتداء النقاب بشكله الوهابي / الطالباني ، وغيرها من الفتاوى التي تكفر الناس والحكام والأنظمة والدول ؛ كل هؤلاء ، حتى وإن كانوا أعضاء بالمجالس العلمية ، يضعون أنفسهم وفتاواهم في مواجهة قيم الانفتاح وثقافة التسامح وفقه الاعتدال . أي تجمعهم أهداف ومنطلقات واحدة مهما تظاهروا بالاختلاف فيما بينهم . فقد خصص التيار السلفي الوهابي بالمغرب عدد76 من أسبوعية "السبيل" للدفاع عن تلك الفتاوى ولاستعداء العلماء وعموم المواطنين ضد الحداثيين الديمقراطيين . إذ جاء في افتتاحية العدد ( يتضح أن السجال الذي عرفته الساحة الصحفية حول الفتاوى التي نشرتها يومية التجديد ليس سجالا معرفيا نتج عن اختلاف في الفكر والتوجه ، بل هو معركة من معارك صراع وجودي بين الإسلام والعلمانية ، حاولت خلاله وسائل الإعلام العلمانية بكل قوتها ، أن تضغط على الدولة لمنع كل شكل من أشكال الفتاوى لكونه يتعارض مع دولة الحق والقانون ). إنه نفس الموقف العدائي الذي يتخذه التيار "المعتدل" من الحداثيين والديمقراطيين ، كما سبقت الإشارة إليه أعلاه وفي مقالة سابقة . وما يهمنا في هذا المقام هو التذكير بتكامل الأدوار بين التيارين من أجل بدونة المجتمع وحجز تطوره وانفتاحه على قيم العصر وثقافته الإنسانية . بحيث نجد التيار "المعتدل" يساند التيار السلفي /الوهابي في الضغط على الدولة لإعادة فتح دور الانغلاق التي تسمت زورا "دور القرآن" والتي أغلقتها السلطات الأمنية وأيدت قرارها الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع . إذ لم تكف جريدة التجديد عن التنديد بقرار الإغلاق الذي اتخذته السلطات العمومية إثر تأكدها من طبيعة الثقافة المنغلقة والفتاوى المتحجرة التي تنشرها هذه المقرات باسم الدين . وهكذا يشد التطرف بعضه بعضا ويسانده في مواقفه ، مما يجعل خطاب جريدة التجديد حول الاعتدال أجوفا . وبهذا تتكامل دوائر التطرف والغلو وتتقاسم الأدوار بهدف تطويق النظام الملكي ومنازعة إمارة المؤمنين اختصاصاتها الدستورية والدينية ، وعلى رأسها الإفتاء والاستغلال السياسوي للدين. فالتطرف عقيدة واحدة وإن تعددت ألوان طيفه وتنوعت أنشطة فصائله . للحديث بقية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار لفائدة جريدة المنعطف
-
بعد سبع سنوات عن الأحداث الإرهابية ، أين المغرب من خطر الإره
...
-
التطرف ثقافة ومواجهته فرض عين وليس فرض كفاية(4) .
-
التجديد ولعبة وضع السم في العسل؟(3)
-
متى يدرك المثقفون مثل الأستاذ الساسي غلو التجديد وتطرف أصحاب
...
-
وأخيرا أدرك الساسي غلو التجديد وتطرف أصحابها !!(1)
-
الفساد واللاعقاب يقودان حتما إلى الكارثة أو الفتنة .
-
مبادرة -أنصفونا- تخلو من عناصر الاتزان والإنصاف والمصداقية.
-
مبادرة -أنصفونا- بحاجة إلى الوضوح والإقرار وليس الغموض والإن
...
-
مبادرة -أنصفونا- صرخة إنكار وليست مراجعة واعتذار .
-
جماعة العدل والإحسان بين تكتيك الدولة وارتباك القضاء .
-
المرأة بين حركية الواقع وتحجر الفقه .
-
ماذا لو تحولت فاجعة مكناس إلى بداية حقيقية لعهد الحساب والعق
...
-
خلافة الشيخ ياسين قضية عقدية وليست تنظيمية .
-
هل نضجت شروط محاورة معتقلي السلفية الجهادية ؟
-
فتاوى الريسوني : الخفيات والأبعاد .
-
زواج القاصرات جُرم اجتماعي وقانوني .
-
جماعة العدل والإحسان والنبوءة المكذوبة .
-
هل ستكون الأحزاب السياسية في الموعد مع رهان الجهوية ؟
-
من يجر المغرب إلى فتنة الإفتاء ؟
المزيد.....
-
كلمة مرتقبة لقائد الثورة الاسلامية بذكرى تأسيس منظمة تعبئة ا
...
-
كلمة مرتقبة لقائد الثورة الاسلامية آية الله السيد خامنئي بمن
...
-
إيران تنفي التورط بمقتل حاخام يهودي في الإمارات
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|