|
الأردن تحت شعارات الثورة الملكية و التغيير
رأفت عمر
الحوار المتمدن-العدد: 918 - 2004 / 8 / 7 - 10:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إن مجرد تخيل صمود النظام الأردني طوال هذه المدة خاصة في حقبة الخمسينات والستينات من عمره يدعو للعجب ، فقد استطاع الملك الحسين أن يحتفظ لأسرته بعرشها الأردني رغم كل ما عصف بالأردن من عواصف ليثبت أنه فعلاً معلم سياسي خطير ، استطاعت مؤسسة العرش الأردنية ليس فقط أن تصمد وتستمر بل أيضاً أن تحافظ على وتيرة من التنمية الداخلية تعتبر في الإطار المقارنة مع التنمية العربية الفاشلة بامتياز لا بأس بها ، لقد كان الحسين دائماً يشير إلى ذلك ويعتد به فيقول دائما انظروا حولنا هل ترون من هو أكثر تقدماً منا –طبعاً إسرائيل ليست حولنا في هذه المقارنة- و الحديث الدائم عن كيف كنا وكيف أصبحنا ، وعن نهضة التعليم وتحديثه المستمر وعن كيف تحولت عمان من قرية إلى عاصمة يشار لها بالبنان لجمالها وحسن تنظيمها……إلى آخر تلك القائمة ذلك صحيح تماماً طالما أن الأمة ابتليت بحكام من عينة صدام حسين فأصبحت أقاليم الأطراف كالأردن في الهلال الخصيب والإمارات في جزيرة العرب وتونس في المغرب العربي تبز أقاليم القلب وتتفوق عليها بشكل هو مدعاة للألم أكثر مما هو مدعاة للفخر ، الشيء الذي جعل أكثر القوى السياسية تقدمية في الأردن تنكفئ ولا تجد لها نصيراً فاعلاً في الشارع على غرار ما كان يحدث في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم ، عندما كانت القوى التقدمية والقومية منها على وجه الخصوص ورغم بدائية طرحها تشكل خطراً جسيماً على العرش الأردني ، خاصة إبان الوحدة بين مصر وسورياً التي تنفست الأنظمة الملكية عموماً والأردني خصوصاً الصعداء إبان انهيارها ، لقد كان موقف الملكية مشروعاً من زاوية ملك يريد أن يحتفظ بعرشه ، ولما كانت هزيمة المشروع القومي الناصري الكاسحة عام 67 ووصول الحكام الجدد على متن الدبابات ألئك الحكام المعنيين فقط بعروشهم ومصالحهم القبلية والطائفية ، بدا النظام الملكي بعامة أكثر شرعية ومعقولية وأقل قمعاً وإرهاباً ، وبدون ضوضاء وبالتدريج وفي ظل الأحكام العرفية انكفأ الأردن على دستور طلال الديموقراطي جداً وبالتعديلات الدستورية لم يبقى من ذلك الدستور سوى الاسم. لم أتمكن شخصياً من فهم كيف أن الانتخابات البرلمانية تفرز مجالساً عشائرية و أقل وعياً وتقدمية من مؤسسة العرش حتى قال لي أحد أساتذتي يوما :"إن النظام السياسي العربي الذي يزور الانتخابات غبي طالما كان باستطاعته أن يصدر قوانين مؤقتة" فعلاً لقد كان النظام السياسي الأردني ذكياً بامتياز فقوانين الأحزاب والانتخابات والحريات العامة قوانين إما مؤقتة و إما تعدل بقوانين مؤقتة وبما أن الناتج سيكون محكوما أصلا بالقانون الذي أنتجه فالناتج سيقر منتجه لا محالة ، المعادلة بسيطة أيها السادة الذين تتذاكون على عقول القراء وتهينون الشعب بوصفه بأنه متخلف وعشائري بالقياس إلى ملكه ، فبالعنف وبالأحكام العرفية لعقود وبالقوانين المُفَصَّلة على مقاس أحذية حكامنا كانت النتيجة شعوب متطرفة متخلفة سياسياً ، لقد أجهضت الأنظمة العربية ولا زالت تجهض أي بدائل معقولة لها واحترفت تنفيذ ذلك في مراحل مبكرة من بروز تلك البدائل فلا يبقى إلى البدائل المتطرفة المتخلفة التي باتت اليوم التهديد الحقيقي ليس فقط للنظام العربي بل حتى للأمة وشعوبها ، أي ديموقراطية تلك وأي نظام تقدمي ذلك الذي يعجز حتى عن احتمال نائب واحد يتجرأ على ما يسمى هيبة النظام والخطوط الحمراء التي باتت تغل أعناقنا هو النائب توجان فيصل ورغم أني لا أتفق مع السيدة فيصل في كثير مما تذهب إليه لكنني لا يمكن أن أتصور إقصائها من العمل السياسي بأمر قضائي لأنها انتقدت بشدة دولة المهندس علي أبو الراغب لأنه حرص حرصاً شديداً على أن تكون قوانين شركات التأمين بالشكل الذي يخدم مصالح تلك الشركات بحيث تضاعفت التأمينات التي يدفعها المواطن وتذكر بأنه من أهم مالكي هذه الشركات ، هل يمكن أن يفهمني أحد أي ديموقراطية تلك التي يتم الحديث عنها ومجلس النواب يواجه بعدد هائل من القوانين المؤقتة التي لا يكفي عمره لمناقشتها والبت فيها وإذا كانت القوانين المؤقتة شرعت أصلاً لمنح الفرصة للحكومة في حال عدم انعقاد البرلمان لوضع قانون مؤقت في حالة الكوارث الطبيعية كالزلازل و البراكين و الاعصارات والمجاعات فهل نفهم من ذلك أن الأردن يعيش حالة كارثية متصلة لا تنقطع ، يا سادة إن التنمية بعامة والسياسية منها خاصة لا تصنعها أنظمة همها الأول هو البقاء والسلطة إذ كيف نتوقع مِن مَن يحتكر السلطة أن يتنازل عنها من هو هذا الملك -وكل حكامنا العرب ملوك- الراغب في حرية شعبه و أن يتحول هذا الشعب من عبد لإرادته إلى سيد نفسه ، أربع سنوات من حكم الملك عبد الله الثاني مضت بثلاث حكومات وبرلمان تراجعت فيها الحريات وفُصِّل قانون انتخابي انتج برلمانا اكثر عشائرية من سابقه وسيكون أقل عشائرية من لاحقه ، واقتصاد يحيى بغرفة الإنعاش معتمدا على المعونات ومعدل بطالة يطال عنان السماء ومعدل هجرة ضرب اطنابه وشعارات يعلن عن تشكيل لجان لشرح معانيها ولم يفهمها أحد بعد وشرخ في الهوية الوطنية يعتبر الحديث عنه جريمة وكأن تجاهله يعالجه فيما يتسلل ليظهر بكل بشاعته في المدرجات الرياضية والجامعات وحتى في الملاهي الليلية ، وفضائح الفساد تجود بها علينا الصحف العالمية وآخرها تلك التي كشف النقاب عنها نائب كويتي وتتعلق بنهب النفط الممنوح للأردن ثم بررت الجريمة بأنه لا يصلح لتكرير في مصفاة البترول الأردنية لذا يباع في السوق العالمي ويستورد آخر يمكن تكريره مع أن ذلك لم يعلن عنه من قبل ولا ضير طالما أن المنحة النفطية العراقية للأردن ولسنوات لم تكن تظهر أبداً في الميزانية العامة ، إن المبررين والمطبلين للنظم العربية شركاء في جريمتها سواء كانوا يمارسون ذلك بوعي أو بدون وعي فعلى حد قول شاعرنا إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم كأني بذلك الكاتب الذي يستنكر أن بعض الصحفيين يرفضون الأدوار التي يقوم بها أبناء الزعماء العرب بحجة أنهم مواطنين ولهم الحق الدستوري بذلك ولو أنه يا سيدي يحق لكل مواطن ما يحق لابن الرئيس لأصبح كل مواطنينا ملوكاً ورؤساء جمهوريات ، أو ذاك الكاتب الذي يدعي بأن الملك عبد الله الثاني يقف ضد إرادة شعبه ومع حرية الشعب العراقي ليبرهن بذلك على تخلف الشعب الأردني ناسيا أو متناسياً أن الزعماء العرب عامة لم يقفوا ضد صدام حباً بالشعب العراقي أو رغبة في حريته بل طاعة لأمريكا كلنا يتمنى حرية شعب العراق وحرية كل الشعوب العربية ولكن الأكيد يا سيدي أنه ما من نظام معني بحريتنا وكيف ذلك وهو صاحب مفتاح قيودنا الحريص عليها لأنها مبرر وجوده كسجان للشعب والشعب الأردني بعامه وقف ضد أمريكا وليس مع صدام ، وليس من أردني شريف يقبل أبداً بالجرائم الإنسانية التي ارتكبها صدام ضد شعبه مع إقرارنا بأن قلة الوعي في ظل الظرف السياسي العربي عامة جعلت الكثير من أبناء الأردن للأسف يؤيدون صدام تحت التأثير الإعلامي الصدامي الذي كان يصوره عدواً للإمبريالية لكنه ظل تأيداً من زاوية العداء للاحتلال وفي ظل التضليل الإعلامي الذي كان يمول بكوبونات النفط من دم شعب العراق . أيها السادة كفوا عن هذا احتقار شعوبكم وانضموا إليها وقبل أن تتهموها بالتخلف اسألوا أنفسكم ماذا فعلتم لتخلصوها من هذا التخلف ، كفوا عن فرض الوصاية بحجج فارغة مثل "الشعب العراقي لم يحكم تاريخياً إلى بالحديد والنار" وكأنه ليس شعب بشري له حق الحياة والحرية و مثل "الشعب الأردني متخلف سياسياً وعشائري" وكأننا لا نعلم من الذي استعمل العشائرية ليحكم بها ثم عاد اليوم وتنكر لها واكتشف أخيرا وفجأة أنها تخلفا وأنها تعيق التقدم ، ومثل الشعب العربي في الحجاز ونجد الذي فرض عليه المذهب الوهابي لقرن من الزمن ثم أتهمه فارضوه بالتعصب ، يا سادة أتقو التاريخ الذي نقاد إلى مزبلته في ظل هذه النظم اتقوا شعوبكم المستعبدة العاجزة عن تحرير شيء فالعبيد لا ينتجون الحرية لأحد أتقو ضمائركم وكونوا بشراً لا جلادين فما يخطه القلم أبقى من حكم الحديد والنار لأنه شفة الضمير .
#رأفت_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|