أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - التضامن من اجل بديل اشتراكي - راهن الحركة النقابية ومهام اليسار الاشتراكي الجدري















المزيد.....



راهن الحركة النقابية ومهام اليسار الاشتراكي الجدري


التضامن من اجل بديل اشتراكي

الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 09:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


افتتاحية
من بين أهم القضايا التي تتصدر الاهتمام والنقاش وتشكل مصدر صراع وانقسام، هناك مسالة الحركات الاجتماعية الشعبية.في الماضي كانت النضالات الاجتماعية والتحركات الشعبية مؤطرة من قبل المنظمات النقابية أو مسيجة من قبل الأحزاب السياسية المهيمنة. فأحداث 1965 ارتبطت بالمعارضة اليسارية والنقابة الوطنية للتلاميذ والاتحاد الوطني لطلبة المغرب،وارتبطت أحداث يونيو 1981 بالمركزيات النقابية كدش و ام ش.أما أحداث 1984 فارتبطت بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب واليسار الماركسي، في حين سترتبط أحداث 14دجنبر1990بالمركزية النقابية كدش.
بعد فترة فراغ سياسي ونقابي (التوافق والحوار الاجتماعي)اخدت تبرز من حين لآخر نضالات واحتجاجات شعبية منفلتة من مراقبة وتاطير النقابات والأحزاب التقليدية.وبدأت تتشكل عدة تنظيمات اجتماعية جديدة تسعى لتاطير الحركات الاحتجاجية. وقد حفزت هده المعطيات الجديدة نقاشات وتساؤلات جديدة.
فمن قبل كانت النقاشات واهتمامات القوى المناضلة تختزل فيما يجب عمله داخل النقابات، أما اليوم فتجد القوى المناضلة نفسها أمام أسئلة من طراز جديد من قبيل: مستقبل الحركات السياسية والنقابية التقليدية؟ دور ووظيفة الحركات الاجتماعية الجديدة؟ علاقة الاجتماعي بالسياسي؟ علاقة الحركة الاجتماعية بالتنظيمات السياسية؟...
وفي مخاض النقاش حول راهن الحركة النقابية ومهام اليسار الاشتراكي الجدري بمناسبة فاتح ماي ، برزت بعض الأفكار والأطروحات بين أعضاء التضامن.وقد ارتأينا في هيئة التحرير تخصيص هده العدد لتسليط الضوء على بعض منها، ونحن على يقين بان الرؤى والأفكار لا تتبلور إلا من خلال احتكاكها بأفكار ورؤى مختلفة.
التضامن
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أزمة الحركات السياسية والنقابية التاريخية وإعادة تشكل القوى الاجتماعية الشعبية
سعيد بلعربي
مقدمة:
عرفت الحقبة التاريخية الممتدة من القرن 19 إلى منتصف القرن 20 هيمنة ثلاث حركات اجتماعية تاريخية:
الحركة الفلاحية التاريخية التي تشكلت مع بداية المرحلة الإقطاعية.
الحركة العمالية التي تشكلت مع صعود الرأسمالية الصناعية.
حركة التحرر الوطني التي تشكلت مع الاستعمار الإمبريالي.
طبعت هذه الحركات الحقبة التاريخية الماضية بسماتها، وهيمنت على كل القوى والحركات الاجتماعية المرافقة لها، وتمكنت من احتوئها في معظم الفترات.
لكن مع النصف الأخير من القرن الماضي دخلت هذه الحركات التاريخية الثلاث سيرورة انحدار فقدت معه هيمنتها السياسية والإيديولوجية. وبالموازاة مع مسلسل انحدار هذه الحركات الاجتماعية التاريخية انطلق مسلسل جديد لإعادة تشكل قوى و حركات اجتماعية مستقلة سياسيا وتنظيميا عن الحركات التاريخية.
هل يتعلق الأمر بمجرد أزمة ظرفية سيتم تجاوزها وستستعيد هذه الحركات عافيتها، و دورها السياسي المهيمن، أم يتعلق الأمر بنهاية الدور السياسي المهيمن لهذه الحركات التاريخية وبروز "حركات اجتماعية جديدة " ستلعب دورا سياسيا مهيمنا خلال ما بعد هده المرحلة التاريخية الانتقالية ؟
السياق التاريخي لتشكل الحركات التاريخية.
ارتبطت هيمنة هذه الحركات السياسية التاريخية بتشكل ثلاث قوى اجتماعية / طبقية/ عرفت صعودا خلال مراحل مختلفة من الحقبة التاريخية الماضية و لعبت دورا رئيسا في الصراع ضد القوى الاجتماعية / الطبقية/ المسيطرة.
ففي المجتمعات الفلاحية برزت طبقة الفلاحين وتشكلت على قاعدتها حركة فلاحية تبوأت قيادة نضال المضطهدين ضد الإقطاع.
وبعد صعود الرأسمالية وتغلغلها في المجتمعات الفلاحية برزت البروليتاريا الصناعية / المدينية كقيادة طبقية جديدة للمستغلين والمضطهدين ضد الطبقات المالكة، وحلت الحركة العمالية محل الحركة الفلاحية. ومع صعود الإمبريالية برزت حركة التحرر الوطني في البلدان المستعمرة كحركة سياسية لبرجوازية وطنية صاعدة تبوأت قيادة شعوب المستعمرات في نضالها من اجل الاستقلال والتحرر الوطني من الاستعمار والسيطرة الإمبريالية.
اختلفت العلاقة فيما بين هذه الحركات التاريخية حسب المراحل وحسب الشروط السياسية الخاصة بكل بلد. يتبين ذلك من خلال دور هذه الحركات في الثورات الثلاث الكبرى التي عرفهما القرن 19 والقرن 20 (الثورة الفرنسية) و (الثورتين الروسية والصينية). فقد عرفت الثورة الفرنسية قيام نوع من التحالف بين البرجوازية الصناعية والبروليتاريا المدينية، بالمقابل عرفت الثورة الألمانية (1848) تحالف البرجوازية الصناعية مع الفلاحين. وفي الثورة الروسية(1917 ) قام تحالف بين الحركة العمالية و الحركة الفلاحية. أما الثورة الصينية فقد عرفت تحالف هذه الحركات الثلاث قبل ان تنفصل البرجوازية الوطنية عن " الجبهة الوطنية الشعبية" مع تقدم الثورة وتجديرها.
و من جهة أخرى، تميزت هذه الحركات التاريخية بارتباطها وتماثلها مع مشاريع اجتماعية تاريخية شكلت قطيعة مع المشروع الاجتماعي السائد:
1- مشروع الثورة الفلاحية للتحرر من العبودية والمجتمع الإقطاعيين.
2- مشروع الثورة الاشتراكية للتحرر من الرأسمالية.
3- مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية للتحرر من الإمبريالية والاستعمار.
كما تميزت كل حركة بإستراتيجية خاصة بها : الحرب والتمردات الفلاحية، الإضرابات العمالية
والانتفاضات المسلحة، حرب التحرير الوطني والمقاومة المسلحة.
الصعود السياسي للحركة العمالية و حركة التحرر الوطني
عرفت المرحلة التاريخية الممتدة من 1848 إلى منتصف القرن الماضي هيمنة هاتين الحركتين سياسيا وايدولوجيا واستراتيجيا. و تمكنتا من التعبير عن نفسهما سياسيا، عبر تشكيل حركات سياسية جماهيرية على صعيد وطني (أحزاب عمالية أو وطنية جماهيرية) وعلى صعيد عالمي (الامميتين الاشتراكية والشيوعية بالنسبة للحركة العمالية، وحركة عدم الانحياز ومؤتمر القارات الثلاث بالنسبة لحركات التحرر الوطني).
في سياق سياسي وتاريخي خاضع لهيمنة هاتين الحركتين ستندمج معظم القوى الاجتماعية الشعبية في المنظمات الجماهيرية لهاتين الحركتين، ولم تتشكل كحركات مستقلة إلا في حالات استثنائية، وكحركات هامشية وتابعة سياسيا لهاتين الحركتين. وقد عززهذا الارتباط كون الحركة العمالية والحركات الوطنية استطاعت، نسبيا وبتفاوت، دمج مطالب و تطلعات القوى الاجتماعية الصاعدة بما في ذلك الحركة الفلاحية التاريخية في برامجها الاجتماعية والسياسية وتعبئتها خلف رايتهما، وبروزهما كحركتين حاملتين لمشروع اجتماعي وسياسي تحرري شامل.
وتمكنت هاتين الحركتين من إدخال تغييرات بنيوية على النظام الرأسمالي مست كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية (الأسواق، علاقات الإنتاج، مؤسسات الدولة، الحريات الفردية والجماعية...الخ) سواء من خلال سيرورة الثورات الاشتراكية وثورات التحرر الوطني، أو من خلال العمل داخل المؤسسات التمثيلية للدولة البرجوازية. وكل التقدم الذي عرفته البشرية يعود في قسمه الأكبر إلى هاتين الحركتين التاريخيتين.

أزمة الحركات التاريخية
يتعين قبل كل شئ تحديد ما نعنيه بالأزمة: هل يتعلق الأمر بحالة جزر في التطور التاريخي لهاته الحركات ستليها حالات نهوض كما حدث بالنسبة للحركة العمالية إبان هزيمة كمونة باريس أو إبان سحق الحركة العمالية مع صعود النازية. أم يتعلق الأمر بأزمة تاريخية تعلن عن نهاية مرحلة هاته الحركات التاريخية و بالتالي نهاية هيمنتها السياسية على القوى الاجتماعية الشعبية و نهاية دورها كقيادة سياسية للنضال الاجتماعي والسياسي ضد الرأسمالية و الإمبريالية ؟
1- هل يرتبط صعود و أفول الحركات الاجتماعية بالدورات الاقتصادية للرأسمالية وفي أية دورة تعرف الحركات الاجتماعية نهوضها أو أفولها ؟
2- هل هناك عوامل خارج الدورة الاقتصادية تحفز نهوض الحركات الاجتماعية، وما هي هذه العوامل؟ هل هي عوامل سياسية أو ثقافية ؟
3- هل هناك علاقة بين التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي تعرفها الرأسمالية والتحولات السياسية والتنظيمية داخل الحركات الاجتماعية ؟
رغم كثرة الأبحاث والدراسات حول تاريخ الحركات الاجتماعية فان حالات المد والجزر التي عرفتها الحركات الاجتماعية لا تجد تفسيرات موحدة يمكن على ضوئها اكتشاف "قوانين" تطور الحركات الاجتماعية. ومع ذلك يمكننا الوقوف على عاملين أساسيين رافقا أفول الحركات السياسية التاريخية:
1- انغلاق البنيات السياسية داخل الدولة والمجتمع (خاصة بنيات "الحركات السياسية المهيمنة").
2- عدم استقرار "التجمعات السياسية" و تفكك ارتباطاتها
وتحالفاتها مع القوى الاجتماعية.
ويحيل هذين العاملين بدورهما إلى طبيعة السياق التاريخي والسياسي. ففي سياق يتميز باستقرار و انفتاح سياسيين يمكن للقوى الاجتماعية دمج حركتها وفعلها بالحركات التاريخية والتنازل عن استقلاليتها (السياسية و التنظيمية) للتحرك و الفعل من داخل بنيات الحركات السياسية المهيمنة، التي تدمج مطالب وتطلعات كل القوى الاجتماعية وتقوم بدور التعبير السياسي عن حركاتها.
وفي سياق يتميز بانغلاق وجمود الحركات السياسية التاريخية و عدم استقرار تحالفاتها الاجتماعية تجد القوى الاجتماعية نفسها في وضع البحث عن تشكيل أو إعادة تشكيل " حركاتها الذاتية "و تنظيم نفسها بشكل مستقل (سياسيا وتنظيميا) والنضال بشكل مباشر لتحقيق مطالبها وتطلعاتها دون الحاجة للمرور عبر "التمثيلية السياسية" للحركات التاريخية.
بهذه المعنى يمكن تفسير "العزوف السياسي" للقوى الاجتماعية وفك ارتباطها مع الحركات السياسية التاريخية لكونها تتعارض أو لا تتجاوب مع مطالبها وتطلعاتها.
وليست "الديموقراطية التشاركية" و "التنظيم الذاتي" سوى التعبير المكثف عن مسلسل إعادة تشكل القوي الاجتماعية وبداية انخراطها في إعادة صياغة قواعد "التمثيلية السياسية" كجواب عن مسلسل "ماسسة" واندماج الحركات السياسية التاريخية وانتهاء دورها كممثل سياسي لمطالب وتطلعات كل القوى الاجتماعية.
مظاهر أزمة الحركات التاريخية
1- أزمة المشروع السياسي التاريخي:
أدى تغلغل وتوسع العلاقات الرأسمالية في المجتمعات الفلاحية إلى اندماج أقسام واسعة من طبقة الفلاحين في علاقات الإنتاج والسوق الرأسماليين وبالتالي انحدار الحركة الفلاحية التاريخية التي لم تعد مسنودة بأي مشروع اجتماعي بديل عن الرأسمالية يسمح باستمرارها كقوة سياسية مهيمنة.
ومع تغلغل الرأسمالية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة وإدماج اقتصادياتها في السوق الرأسمالية، انتهت البرجوازية الوطنية الصاعدة إلى الاندماج (بغض النظر عن الشكل والوثيرة) في المشروع الرأسمالي وبالتالي انحدار حركة التحرر الوطني التي لم تعد مسنودة بمشروع وطني تحرري.
كما أن الحركة العمالية التاريخية ستعرف سيرورة اندماج في المجتمع الرأسمالي بدءا باندماج جناحها الاشتراكي الديموقراطي وانحطاطه الإصلاحي مرورا بالانحطاط البيروقراطي لجناحها الشيوعي وصولا إلى التحول الليبرالي للحركة العمالية التاريخية ككل، ونهايتها كحركة حاملة لمشروع اجتماعي بديل عن الرأسمالية.
إن القاسم المشترك بين هذه الحركات الثلاث هو تزامن انحدارها بقطيعتها مع مشروعها التاريخي و اندماجها في المشروع الاجتماعي السائد.
لا يتعلق الأمر ادن بمجرد انحراف ظرفي بل بقطيعة مع المشروع التاريخي لهذه الحركات ونهاية حركاتها السياسية كحركات للتحرر وطني والاجتماعي.
2- أزمة الاستراتيجية السياسية
ارتكزت حركة التحرر الوطني على الحزب كأداة لتنظيم وقيادة القوى الاجتماعية الشعبية، من اجل بناء (أو توحيد) الدولة الوطنية ذات السيادة على تراب واقتصاد وطنيين.
وارتكزت الحركة العمالية على الحزب لتعبئة و تنظيم القوى الشعبية من اجل تغيير الطبيعة الطبقية للدولة (سواء عن طريق الإصلاح أو عن طريق الثورة) من اجل استخدامها كأداة لتغيير العلاقات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية.
إلا أن حصيلة التاريخية لتجربة هاتين الحركتين كشفت عن محدودية الحزب كأداة لتعبئة وتنظيم القوى الاجتماعية الشعبية، كما كشفت عن محدودية الدولة كأداة لضبط أو تغيير القوى الاقتصادية.
فالحزب الوطني فقد وظيفة التعبير السياسي عن المطالب والتطلعات السياسة المتناقضة لمختلف القوى الاجتماعية.كما فقد الحزب العمالي وظيفة التعيير السياسي عن مطالب وتطلعات مختلف فئات الشغيلة. ولم تعد الدولة الوطنية قادرة على ضبط قوى السوق الراسماية العالمية كما لم تعد الدولة العمالية قادرة على تحرير القوى المنتجة من اكراهاتها.
حقبة تاريخية جديدة : إعادة تشكل جديد للحركة الاجتماعية
هناك تشكل متزايد لطيف من الحركات الاجتماعية بشكل متزامن وفي بلدان مختلفة وهناك انبعاث لحركات اجتماعية تم الاعتقاد بزوالها مع تطور الراسماية واكتساحها لمختلف علاقات الإنتاج
(حركات الفلاحين على سبيل المثال).
ولا بد من التذكير أن معظم هذه الحركات الاجتماعية ليست "جديدة" بل هي حركات سبق أن ظهرت خلال الحقبة التاريخية الماضية (على الأقل خلال القرن19) وعرفت نهوضا في بعض المراحل قبل أفولها في مراحل أخرى خاصة مع صعود الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني كحركتين سياسيتين مهيمنتين.
تتميز هذه الحركات الاجتماعية بعدة خصائص مشتركة من بينها:
1- التنظيم الذاتي المستقل بدل الانخراط في المنظمات السياسية والجماهيرية المنحذرة من الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني.
2- المطالب المباشرة بدل الرهان على تطبيق برامج استراتيجية بعيدة المدى
3- الديموقراطية المباشرة بدل الديموقراطية التمثيلية
4- الاعتماد على القوى الذاتية بدل الرهان على تحالفات طبقية واسعة
5- السلطة المضادة داخل المجتمع بدل الرهان على سلطة الدولة
6- أممية الحركات الاجتماعية بدلا عن أممية الحركات السياسية
تمثل هذه الخصائص في نفس ألان حصيلة نقدية لتجربة الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني، ومقدمات لاستراتيجية جديدة للتحرر من الرأسمالية والإمبريالية.
كما تلعب هذه الحركات الاجتماعية دور "مثقف ومنظم جماعي" لمختلف القوى الاجتماعية وتلعب دورا أساسيا في إعادة صياغة المبادئ والمفاهيم التي قامت عليها حركة التحرر الوطني والحركة العمالية:
1- مفهوم المواطن والمواطنة
2- مفهوم السلطة والديموقراطية
3- مفهوم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
4- مفهوم التضامن الاممي
5- إعادة صياغة معالم عالم آخر
نحن في مرحلة شبيهة بمرحلة "الاشتراكية الطوباوية" لكن "طوباوية" ملموسة أكثر واقعية من "الاشتراكية العلمية" للحركة العمالية و حركة التحرر الوطني.
تناقضات الحركة الاجتماعية الجديدة
1- التكوين الطبقي:
يختلف التكوين الطبقي للحركات الاجتماعية في البلدان الإمبريالية عنه في البلدان التابعة. ففي البلدان الإمبريالية ترتكز الحركات الاجتماعية التقدمية على قاعدة اجتماعية يتكون أعضاؤها من الشرائح الاجتماعية الوسطي، وتطبع هذه الفئات بطابعها مطالب الحركة الاجتماعية. بالمقابل ترتكز التيارات القومية والعمالية المحافظة على قاعدة عمالية وشعبية. ويمكن تفسير هذه الظاهرة / المفارقة بالتحولات التي يعرفها التكوين الطبقي في المجتمعات الرأسمالية الصناعية كما يمكن تفسيرها بجمود وانغلاق البنيات التنظيمية للحركة العمالية التقليدية و بالتحولات الجارية في بنية الطبقة العاملة نفسها (تراجع وزن الشغيلة الصناعية التقليدية وازدياد وزن وحجم الشغيلة في قطاع الخدمات). فالتحولات الجارية في القاعدة الاقتصادية للرأسمالية تغير تدريجيا مركز التقاطبات الطبقية داخل المجتمعات الرأسمالية الصناعية في اتجاه انتقال مركز التقل من دائرة الإنتاج إلى دائرة التوزيع و الخدمات وهو ما يترتب عنه في المرحلة الراهنة عدم استقرار النسيج الاجتماعي للطبقة العاملة.
وهناك حركات اجتماعية ترتكز على قاعدة اجتماعية متعددة الجذور و الانتماءات الطبقية: قاعدة عمالية و شعبية و قيادة و كوادر من الشرائح الوسطى ومطالب في معظمها مطالب الفئات الوسطى.
أما في بلدان العالم الثالث فتبقى القاعدة الاجتماعية الأساسية لمعظم الحركات الاجتماعية ذات غلبة شعبية وقيادات و كوادر تنتمي في معظمها لما يمكن أن نسميه " الانتلجنسيا الحديثة " في هذه المجتمعات.و يمكن تفسير التكوين الطبقي للحركة الاجتماعية في هذه البلدان بعدة عوامل متداخلة:
1- الوزن العددي والاجتماعي للطبقات الشعبية
2- تأثير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على الشرائح الاجتماعية الشعبية (الإقصاء والتهميش و الفقر..)
3- انسداد الآفاق أمام الانتلجنسيا الحديثة بفعل البطالة الجماهيرية الدائمة
4- القمع السيـاسي وانغلاق البنيـات السياسية (أحزاب ومؤسسات)
وإذا كان مركز التقل في التقاطبات والصراعات الاجتماعية لا زال مستقرا (التقاطب بين القوى الرأسمالية والطبقات الشعبية) فان أشكال تصريف هذا الصراع قد أخد أشكالا جديدة، يحتل فيها الانتماء الاثني والديني والجهوي (أكثر من الانتماء الطبقي) قنوات لتصريف هذا الصراع. وهذا ما يفسر ارتكاز هذه الحركات الاجتماعية على هذه الأبعاد أكثر من ارتكازها على الانتماء الوطني أو الطبقي (كما هو الحال مع حركة التحرر الوطني و الحركة العمالية). هذه الانتماءات تطبع الحركات الاجتماعية و تحدد دائرة ومجالات نشاطها. و يتسبب من جهة أخرى في قيام تحالفات واصطفافات متناقضة بين حركات اجتماعية تقدمية وحركات سياسية دينية أو اثنية رجعية لكن تقف على نفس الانتماء ونفس القاعدة الاجتماعية.
--------------------------------------------------------------------------------
حول أزمة الحركة العمالية ومحدودية الحركات الاجتماعية الجديدة
أمين ناصر
حول أزمة الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني
يطرح النص حول "ازمة الحركات السياسية والنقابية التاريخية" جملة من القضايا والإشكالات التي يصعب نقاشها خارج سياقها، فالنص ينطلق من تشخيص عام ومجرد، وليس من تحليل مسلسل سياسي ملموس. ويزيد من تعقيد الأمر،كون معظم البلدان والمناطق تعرف حاليا مسلسلات سياسية جد مختلفة .
لهذا سأنطلق في مداخلتي من النص نفسه في محاولة لنقاش بعض الأفكار الواردة فيه.
يطور النص فكرة عامة تتلخص في استنفاذ الحركة العمالية التقليدية لدورها التاريخي والسياسي، مستندا في استنتاجه هدا إلى كون القوى و المشاريع التي تأسست على قاعدتها هذه الحركة، لم تعد تشكل محور نضال شامل وحامل لبديل معادي للرأسمالية . ويعلل النص فرضيته هاته، باندماج هذه الحركة في المجتمع الرأسمالي ومؤسساته، وتفكك علاقاتها مع باقي الحركات والقوى الاجتماعية. هذا الاندماج يعكس، في نظر صاحب النص، في نفس الآن مسلسل انحطاط ليبرالي وقطيعة مع مشروع التغيير الاجتماعي. ينطلق النص من السؤال حول طبيعة أزمة الحركة العمالية: هل هي أزمة ظرفية أم أزمة بنيوية ؟ودون جواب واضح يميل النص إلى فرضية استنفاذ الحركة العمالية التقليدية لدورها السياسي خلال هذه المرحلة، و هو نفس المصير الدي الت اليه حركة التحرر الوطني.
فيما يخص الفكرة الأولى في النص، نعتقد أنها تستند الى استنتاج عام، وهو ما سنقف عليه فيما بعد .
اما الفكرة الثانية في النص فتتمحور حول الموقع الذي أصبحت تحتله الحركات الاجتماعية (دون تحديد دقيق لهده الحركات) كنتيجة لأزمة الحركات التاريخية (الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني). فإخفاق تجارب التغيير الاجتماعي سواء عن طريق "الإصلاح" أو عن طريق "الثورة" أدى، حسب النص، إلى إعادة النظر من جانب الحركات والقوى الاجتماعية، في علاقتها السياسية مع الحركة العمالية التقليدية (وحركة التحرر الوطني)، وانخراطها على طريقتها في النشاط السياسي والنضالي وميلها إلى لعب دور المثقف والمنظم الجماعي في وسطها الاجتماعي.
نعتقد أن هذه الفكرة وإن كانت صحيحة على مستوى الواقع، فإنها مفرطة في تقدير الدينامية السياسية والقوة الفعلية للحركات الاجتماعية .
الفكرة الثالثة في النص هي ربط هذه التحولات بشروط موضوعية تتمثل في تحولات البنية الطبقية وخاصة بنية الطبقة العاملة نتيجة تحولات الرأسمالية نفسها. التي من بين نتائجها انفجار الناقض بين الرأسمال والعمل في أشكال مختلفة، مما جعل التناقضات الاجتماعية تعبر عن نفسها من خلال مظاهر متعددة .فالهوية الاجتماعية والسياسية للمضطهدين تتألف من عوامل متداخلة و مرتبطة فيما بينها كعوامل الانتماء الجهوي والثقافي و الديني، على حساب الهوية الطبقية ( والوطنية ). وهي العوامل التي أصبحت تطبع النضالات والمعارك الاجتماعية و تجعلها غير مرتبطة آليا بالوعي الطبقي و بأفق التحرر الاشتراكي.
هذا ما يفسر حسب النص بروز حركات اجتماعية و شعبية تأخذ شكل ائتلافات واسعة لطبقات و شرائح اجتماعية غالبا ما تاخد الشرائح الوسطى و بعض قطاعات الانتلجنسا الحديثة مكانة متميزة داخلها. يتجلى ذلك على مستوى المطالب كما على مستوى البدائل.
نعتقد أن هذه الفكرة تثير كثرا من اللبس سنحاول توضيحه بعد نقاش كل فكرة على حدة.
حول أزمة الحركة العمالية
في تحليله لازمة الحركة العمالية يضع النص في كفة واحدة و على نفس المقاس، منظمات الحركة العمالية باختلاف تقاليدها وتجاربها ومواقعها. وهناك خلط، على الأقل في النص، بين أزمة الحركة العمالية وفقدان هذه الأخيرة لهيمنتها السياسية.
بينما نجد أن البلدان التي عرفت وجود أحزاب عمالية وبرجوازية قوية، لازال الحد الفاصل بين اليسار واليمين قائما وله مفعوله السياسي وسط الجماهير. فاليسار وإن كان ليبراليا لازال يمثل بالنسبة للأغلبية الساحقة من الأجراء أداة لمعاقبة اليمين. ورغم كون أحزاب اليسار التقليدي في هذه البلدان ليست معادية للرأسمالية (وهذا مند زمن بعيد ) فان انحطاطها الليبرالي ( وهو مسلسل معقد ) لا يعني انتفاء وجود تيارات معادية لليبرالية داخلها. يسري هذا على الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وبشكل خاص على الأحزاب الشيوعية. فالإصلاحية لازالت قائمة ، ولها قاعدتها الاجتماعية ، وهي تعمل على تجديد قواها من خلال معارضتها لليبرالية.
أما موقف الأحزاب والقوى الإصلاحية من النضالات وموقف الجماهير من هذه الأحزاب فا ن الوضع يختلف ، حسب تموقع هذه الأحزاب: في الحكومة أم المعارضة .
أما الوضع في البلدان التي لم تعرف وجود أحزاب عمالية أو تم فيها تحييد الحركة العمالية أو قمعها في المهد
( حالة العالم العربي) فهو اكثر تعقيدا. فادا ما أخدنا على سبيل المثال أمريكا اللاتينية ، سنجد أن اليسار المنحدر من حركة التحرر هو اليوم على رأس الحكومة في عدد متزايد من البلدان . وهذا يفسرأن أزمة المشروع التاريخي لم تفقد اليسار مكانته السياسية في صفوف الطبقات الشعبية .
صحيح أن هذه المكانة نسبية ومتقلبة و لا تترجم هيمنة سياسية مستقرة، لكن دلك لا يعود إلى ازمة المشروع التاريخي بل الى عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية و مداها وإلى عوامل أخرى متناقضة : عمق الهجوم البرجوازي ،القبول بالليبرالية الاجتماعية على الليبرالية المتوحشة في غياب البديل ، تماثل وتكيف قسم مهم من الأجراء مع الليبرالية الاجتماعية ، ضعف مستوى الوعي و الكفاحية ....
أما الحديث عن تراجع وزن الطبقة العاملة فيحتاج إلى كثير من التدقيق، فهذا التراجع صحيح بالنسبة للعمال الصناعيين، لكن بالمقابل هناك توسع لقاعدة المكرهين على بيع قوة عملهم. وادا كانت جماهير الشغيلة لا تشكل طبقة منسجمة نظرا لتعدد وضعيات
العمل وتفاوت المكتسبات ونظرا لتعميق الهشاشة واتساع دائرة البطالة وتأثير عوامل التمايزات الجنسية والقومية
( وهي عوامل تعمق الانقسامات ) فانه لا يجب أن يغيب عنا أن التاريخ لم يعرف قيام وحدة عفوية لمختلف شرائح الطبقة العاملة. فهذه الأخيرة كانت دوما منقسمة. أما الوعي الجماعي بالمصالح المشتركة فهو قبل كل شيء ثمرة نضال سياسي وثمرة تجارب ملموسة من التقاربات و النضالات المشتركة.
النقطة الثانية تتعلق بالدور الطليعي أو الثوري للطبقة العاملة. ليس هدا الدور معطى مسبق ولا يمكن أن يبرز بشكل كامل إلا في حالات احتداد التقاطبات الطبقية وهو مشروط بما راكمته الشغيلة خلال الفترات السابقة ، من تقاليد النضال ومن تجارب التنظيم المستقل .
النقطة الثالثة ، تتعلق بعدم قدرة الطبقة العاملة لوحدها تغيير موازين القوى. بالتأكيد لا يمكن للطبقة العاملة تغيير موازين القوى إلا في إطار تحالفات اجتماعية من داخل الطبقات الشعبية .
وأخيرا، فرغم ما راكمته النضالات من هزائم ، فان النضالات العمالية لازالت مستمرة ولازالت الشغيلة تعتمد في نضالاتها على المنظمات النقابية حتى في الحالات التي تتكيف فيها هذه الأخيرة مع الليبرالية الاجتماعية أو في حالة خيانتها لمصالح الشغيلة .
حول الحركات الاجتماعية
إن إقامة تمييز بين الحركات الاجتماعية والحركة العمالية لا يجب أن يقود إلى إقامة جدار فاصل او تعارض بينهما ، فكثير من الحركات الاجتماعية تم تحفيزها من قبل مناضلين أو تنظيمات منحدرة من الحركة العمالية التقليدية او لازالت تحافظ على الارتباط بها .فالحركة الفلاحية البوليفية على سبيل المثال ، هي في كثير من الحالات بقيادة قدماء منجميي كونفدرالية عمال بوليفيا . كما أن حركة العولمة البديلة لم تولد من عدم .
إن الحركة الاجتماعية جد منقسمة ، فبعض قطاعاتها تعيش أزمة عميقة ، كما هو حال حركة العاطلين بفرنسا و الأرجنتين .ونفس الشيء بالنسبة لحركات " بدون " .هذا الانقسام هو ما يفسر التطور اللامتساوي و المتفاوت لحركة العولمة البديلة .
ومن جهة أخرى نعتقد انه من الخطأ الاعتقاد بكون الحركة الاجتماعية تلعب دور مثقف ومنظم جماعي ( أو تأخذ مكان الأحزاب المعادية للرأسمالية ). فمقابل وجود إرادة حقيقية للمقاومة و بلورة البدائل ، هناك غياب لفهم جماعي و موحد للمهام وغياب إرادة لتشكيل جبهة موحدة منصهرة في ممارسة نضالية موحدة . يتجلى هذا بشكل واضح من خلال النقاشات حول مستقبل المنتديات الاجتماعية : هل هي مجرد ملتقيات للتنسيق المرن للتدخل في بعض الأحداث أم إطار لبناء شبكات قطاعية حول هده القضية أو تلك أم إطار لبلورة بديل استراتيجي ؟ أم هي مجرد أداة ضغط على المؤسسات و الحكومات ؟
كما يتجلى في الاختلاف حول العلاقة مع الحركة العمالية و الأحزاب السياسية.
خلف هذه الاختلافات تختفي الاختيارات السياسية المتناقضة: تغيير العالم دون انتزاع السلطة السياسية، إصلاح الرأسمالية و ضبط قواها بتغيير طبيعتها الليبرالية، تغيير العالم عن طريق قطيعة سياسية و اجتماعية جذرية مع الرأسمالية...
و تحيل هذه الاختلافات و إن كانت الحدود الفاصلة بينها لازالت غير واضحة بما فيه الكفاية ، إلى الخلاف الكلاسيكي بين الإصلاح والثورة .
إن ضعف الحركات الاجتماعية يتمثل في عدم إدراكها ( ورفض بعض قطاعاتها ) الطبيعة الإستراتيجية للتحالف مع الحركة العمالية و لضرورة جبهة موحدة تشمل المنظمات السياسية و الحركة النقابية و الحركة الاجتماعية، من اجل قلب موازين القوى. و لابد من التذكير هنا بان الانتصار الوحيد الذي الحق هزيمة سياسية بالبرجوازية قد تحقق بفعل تشكل مثل هذه الجبهة خلال حملة مقاطعة الدستور الأوربي بفرنسا . وعلى عكس ما قد يعتقد البعض ، تقف و من خلال التجربة ، قطاعات متزايدة داخل الحركة الاجتماعية و النقابية ، على محدودية الاستقلالية و تصل بتجربتها إلى ضرورة أفق سياسي لنضالاتها . كما تكشف التجارب ( فينزولا نموذجا ) أن التغيير السياسي يخلق شروط جديدة أمام تطور و بروز أدوات جديدة للنضال.
إن تطور العولمة الرأسمالية يخلق القاعدة المادية لتقارب الحركة العمالية و الاجتماعية و ليس العكس .فمنطق التراكم الحالي يغير بشكل جذري علاقة التوزيع بين الربح و الأجر لصالح الرأسمال عن طريق الهجوم على تكلفة قوة العمل ( الأجر المباشر و الأجر الاجتماعي) و على شروط العمل ، و من جهة أخرى يفرض نظام التراكم الحالي تسليعا واسعا للحاجيات الاجتماعية مما يزيد من تعميق اللامساواة الاجتماعية و التفاوت بين الجهات و البلدان ، مع تعميق كل مظاهر القمع و الاضطهاد ( النوع، الأقليات ، الأشد فقرا ). هذا ما يجعل التناقضات الطبقية تتداخل مع شتى أشكال الاضطهاد. و لعل صعود حركات الهنود و الحركات الجهوية في أمريكا اللاتينية هو أوضح تعبير عن هذا التداخل : التداخل بين الهوية الاجتماعية ( فلاحين فقراء ومهددين ) و الهوية الثقافية و الاثنية ( بفعل السياسة الاستعمارية و العنصرية اتجاه المسالة الهندية ) .
و يمكننا التفكير في المسالة الامازيغية عندنا لبحث تمفصل مقاومة التهميش الاجتماعي في بعض المدن و الجهات مع الهوية الثقافية . لكن لا يجب أن يغيب عنا اختراق العلاقات الطبقية لمختلف أشكال الاضطهاد.
وادا كانت بعض الحركات الاجتماعية الشعبية في أمريكا اللاتينية تطالب اليوم بتأميم الغاز والماء و النفط والأرض و بتجميد اتفاقيات التبادل الحر فهذا راجع إلى مستوى التعبئة الشعبية في هذه البلدان .
وإذا كانت هذه المطالب و الحاجيات تبدو في بلدنا غير متطابقة مع مستوى النضالات ، بالنظر إلى الشروط السياسية و الاجتماعية التي تجري فيها هذه النضالات ، فان ذلك لا يجب أن يقودنا إلى إقامة جدار فاصل بين هذه المطالب و المطالب المباشرة الأكثر أساسية ، بل علينا التفكير في كيفية الربط بين مطالب الأجور و السكن و الخدمات الأساسية و بين الإجراءات الضرورية لتلبيتها ، من اجل رسم معالم سياسة بديلة . بهدا المعنى لا تمثل هذه المطالب التي تشكل محور النضالات الاجتماعية و السياسية في العديد من البلدان ، مطالب الشرائح الوسطى ، بل تكتسي بعدا طبقيا حتى في حال عدم ارتكازها مباشرة على العمال ( كطبقة فاعلة ).فحينما تطرح مسالة سلطة القرار و الرقابة تصدم الحركة الاجتماعية
و الشعبية بسلطة الامبريالية و الرأسماليين .
وبشكل عام ، يشكل تمفصل وتداخل التناقضات الطبقية والتناقضات الاجتماعية ، قاعدة موضوعية لوحة النضال ضد الاستغلال ونضال الجماهير الشعبية العام .هذه الوحدة هي الكفيلة في نفس الآن بتجاوز أزمة الحركة العمالية و محدودية وضعف الحركات الاجتماعية ، لكن على قاعدة برنامج نضالي موحد ، عمالي و شعبي و على قاعدة مشروع تحرري شامل .
-------------------------------------------------------------------------------------------
أزمة الحركة النقابية: تصحيح أم إعادة البناء ؟
جبهات الهجوم الطبقي وأهدافه
1- الهجوم الاقتصادي: يتركز هجوم الدولة و أرباب العمل حول هدف تقليص تكلفة قوة العمل. وتتمثل الترجمة القانونية لهدا الهدف في تفكيك التشريعات المنظمة لعلاقات الشغل(المرونة)، وإعادة النظر في قانون الوظيفة العمومية والقوانين الأساسية للموظفين. كما تتمثل في السعي إلى فرض مزيد من القيود على الحريات وتعقيد شروط ممارستها، عبر إعادة النظر في الحريات النقابية وإفراغ التمثيلية النقابية من محتواها ومنع الحق في الإضراب و قمع النضالات وتجريم الحركات الاجتماعية.
2- الهجوم الاجتماعي: يتركز الهجوم الاجتماعي خلال العقدين الأخيرين حول هدف تقليص الميزانيات الاجتماعية والاستثمارات العمومية خاصة المرتبطة منها بالبنيات والمرافق المنتجة للخدمات العمومية. والبنيات التحتية. ويترج هدا الهجوم من خلال التقليص التدريجي للموارد المالية الموجهة نحو الاستثمار والميزانيات الاجتماعية و خوصصة الخدمات العمومية ورسملة الحماية الاجتماعية وتفكيك صندوق الموازنة والمقاصة وتحرير أسعار المواد والخدمات ذات الاستهلاك الشعبي الواسع والإصلاح الرجعي للنظام الضريبي.....
3- الهجوم السياسي: يستهدف الهجوم السياسي خلال العقدين الأخيرين تسييج الحياة السياسية ومنع تشكل مساحات محررة تسمح بتطور قوى سياسية واجتماعية مستقلة عن النظام السياسي. ويدمج الهجوم السياسي بين آلية الاحتواء و الارشاء والانتقاء من فوق وبين آلية القمع المباشر من تحت. ويترجم هدا الهجوم السياسي من خلال إعادة صياغة القوانين المنظمة للحريات العامة في اتجاه مزيد من القيود على ممارستها وتسييج الحياة العامة والحياة السياسية من خلال سن تشريعات قمعية جديدة (قانون مكافحة الإرهاب والهجرة السرية والسكن العشوائي و التهريب والمخدرات والباعة المتجولين....) و تقليص هامش الحريات الفردية من خلال توسيع مجال "المقدسات" واستخدام مبرر خطر الإرهاب لإرهاب المجتمع وفرض حالة استثناء غير معلنة.
الخلاصة: يتوزع هجوم الدولة والطبقات السائدة على ثلاث جبهات: شروط العمل والحياة الاجتماعية والحريات العامة والفردية. ويستهدف هدا الهجوم المنسق تحقيق ثلاثة أهداف عامة:
1- إرساء قواعد علاقات شغل ترتكز على الهشاشة والمرونة
2- إرساء قواعد نظام التوزيع اللامتساوي للثروات
3- إرساء قواعد نظام الدولة البوليسية
ليست هده الأهداف ظرفية مرتبطة بشروط اقتصادية أو سياسية مؤقتة، بل هي تعبير عن ميولات عامة وعلى المدى الطويل لشكل السيطرة الطبقية كجواب عن التناقض الأساسي للعولمة الرأسمالية :التناقض بين النزوع المستمر نحو تركز الثروة والسلطة من جهة، والابتعاد المستمر عن تلبية الحاجيات الاجتماعية والديمقراطية للطبقات الشعبية من جهة أخرى.
إن ما يجب أن نستخلصه من طبيعة الهجوم وأهدافه وقاعدته المادية هو:
1- إن تناقضات العولمة الرأسمالية المتمثلة في تركيز الثروة في يد أقلية و تعميق وتعميم وضعية الإفقار والتردي الاجتماعي على الأغلبية الساحقة، تخلق الشروط الموضوعية والقاعدة المادية لوحدة القوى الاجتماعية الشعبية المفقرة، وتمنح نضالاتها، موضوعيا،أبعادا معادية للرأسمالية، سواء تعلق الأمر بالنضالات المباشرة في دائرة الشغل أو بالنضالات اليومية على مستوى التوزيع وإعادة التوزيع.
وهو ما يخلق القاعدة المادية والاجتماعية لإعادة بناء قطب اجتماعي مناهض للرأسمالية.
ومن جهة أخرى يخلق هجوم الطبقات السائدة على الواجهات الثلاث العوامل البنيوية لالتقاء جبهات النضال الثلاث (النضال من اجل تحسين شروط العمل (النضال النقابي بالمعنى الضيق) والنضال الاجتماعي من اجل تحسين شروط الحياة (النضالات الشعبية بشكل عام ) والنضال من اجل توسيع الحريات الديمقراطية(النضال من اجل الديمقراطية) في جبهة موحدة للنضال ضد الرأسمالية والسلطة القمعية للطبقة الحاكمة.
وبالانطلاق من هدا الاستنتاج يطرح علينا الجواب على الأسئلة التالية:
1- من هي القوى الاجتماعية التي تقودها شروطها الموضوعية إلى الوحدة و النضال ضد السياسات الرأسمالية وقواعد وبنيات الدولة البوليسية؟
2- هل يمكن للحركة النقابية التاريخية أن تلعب دورا رئيسيا في توحيد القوى العمالية والشعبية والدمج بين مختلف جبهات النضال؟
3- أية إستراتيجية وخط نضاليين يسمحان بالتصدي للهجوم السياسي والاجتماعي للطبقات السائدة ورفع التحديات التي يطرحها الوضع الراهن؟

السمات العامة للنضالات
يمكن تقسيم النضالات التي عرفها المغرب خلال العقدين الأخيرين إلى ثلاثة أصناف :
1-النضالات النقابية في القطاع العام والشبه العمومي والقطاع الخاص
2- نضالات الشرائح الشعبية المفقرة والمهمشة
3- نضالات القوى المنظمة (قوى سياسية واجتماعية)
وقد تميزت هده النضالات في معظمها بحالة الانقسام والفئوية بين مكوناتها و حالة الانفصال بين جبهاتها:
- الانقسام القطاعي (خاص/عام) والفئوي داخل نفس القطاع (مرسمين / عرضيين / مؤقتين / بالمناولة،...)
- الفئوية ( فئات المدرسين، فئات الموظفين في الوظيفة العمومية، فئات الشغيلة في قطاعات البريد والصحة والفلاحة...)
- الانفصال بين النضالات العمالية والنضالات الشعبية والانفصال بين نضال القوى المنظمة والنضالات العمالية والشعبية.
تعكس هده السمات ضعف أو تفكك روابط التضامن بين مختلف القطاعات الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالروابط التقليدية التي تفككت مع التحديث الرأسمالي أو الروابط السياسية التي تفككت مع تفكك الأحزاب والنقابات والجمعيات المنحدرة من فترة النضال الوطني من اجل الاستقلال. وهي تعبر عن غياب دينامية نضالية مشتركة وموحدة بين مختلف قطاعات الشغيلة وبين هده الأخيرة وباقي الفئات الشعبية. و قد ساهم غياب هده الدينامية في تعميق وترسيم ومأسسة حالة الانقسام والانفصال.
لكن ماهي الأسباب العميقة لغياب دينامية نضالية موحدة رغم توفر الشروط الموضوعية والبنيوية لوحدة القوى الاجتماعية والتقاء مختلف جبهات النضال؟
سياق سياسي واجتماعي جديد
نحن في سياق تاريخي جديد وانقلاب جوهري في موازين القوى الطبقية وأمام إعادة نظر جذرية في التوافقات الاجتماعية السالفة وإعادة هيكلة بنيوية في جسم الطبقة العاملة والعلاقات الاجتماعية بشكل عام.
هل استطاعت الحركة النقابية التاريخية مع مطلع السياق الجديد الجواب بشكل استراتيجي على تحديات هد المرحلة الجديدة؟ و ما هو الوضع الحالي للحركة النقابية أمام هده المتغيرات وتحدياتها؟ وهل تتقدم الحركة النقابية ولو بشكل بطيء وتدريجي لمواجهة تحديات المرحلة؟
أزمة الحركة النقابية الوطنية
تشكلت الحركة النقابية التاريخية في سياق تشكل الدولة الوطنية وفي ظل ميزان قوى اجتماعي وسياسي بين الطبقات خلفته الثورات الوطنية البرجوازية. وادا كان توسع الرأسمالية قد ساعد على توسيع القاعدة الاجتماعية للحركة النقابية فان ازدهار الرأسمالية قد ساعد على إضفاء طابع قانوني على المكتسبات الاجتماعية وتكريس الحركة النقابية العمالية كحركة اجتماعية مهيمنة ومحتكرة لوظيفة تنظيم وقيادة نضالات الشغيلة اليومية والدفاع عن مصالحها الاجتماعية وتطلعات السياسية الإستراتيجية.
إن الحركة النقابية التاريخية هي ادن نتاج سياق تاريخي وتعبير عن موازين قوى وتوافقات طبقية،كما هي بنيات تنظيمية متوافقة مع بنية الطبقة العاملة في مرحلة تاريخية ماضية.
. أما الحركة النقابية الوطنية فقد تشكلت كرافد من روافد الحركة الوطنية واحد امتداداتها في صفوف الشغيلة وقد طبعت الحركة الوطنية الحركة النقابية المغربية بسماتها وأخضعتها لمشروعها السياسي.
أزمة الحركة النقابية التاريخية: أزمة وظيفة اجتماعية وسياسية
العوامل الموضوعية:
1- نتائج إعادة هيكلة الرأسمالية على مستوى القاعدة المادية للتوافقات الاجتماعية التي هيكلت العلاقات الاجتماعية والسياسية خلال مرحلة تاريخية كاملة.
2- تناقض نظام التراكم الحالي ( الليبرالية الجديدة) مع قيام واستقرار توافقات اجتماعية وسياسية على المدى الطويل
3- تراجع وزن السلطات العمومية مع وزن وسلطات القطاع الخاص، يجعل من الصعب بناء ميزان قوى على صعيد المقاولة والقطاع أو على مستوى محلي إن لم نقل على مستوى وطني (الحوار والتفاوض على هده المستويات لا يتمتع بقوة تكرسه قانونيا كمكتسب تاريخي)
ومن بين أسباب هده الأزمة:
- حصيلة عقود مخططات إعادة الهيكلة على مستوى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى علاقات الشغل (تعدد الوضعيات الاجتماعية)
- حصيلة هزائم النضالات خلال العقود الثلاث الأخيرة: التفكك التنظيمي، التسريحات الجماعية ،وتدمير علاقات التضامن الاجتماعي..)
- فقدان أشكال النضال القديمة لفعاليتها
- حصيلة القمع
- حصيلة التحالف الثلاثي
- حصيلة استراتيجيات القوى المناضلة
أما الطور الحالي من أزمة الحركة النقابية فهو طور يمكن عنونته بطور التفكك. وعلينا الإعداد لمواجهة وتسريع سيرورة إعادة البناء. لا يعني هدا تجاهل أهمية أو مكانة النضالات الحالية على ضعفها وهشاشتها وانحرافها، بل يعني إعادة التفكير بشكل جدري في شكل ومضمون وأدوات إعادة بناء حركة نقابية جديدة.
خيارات الخروج من الأزمة
تتعدد خيارات الخروج من الأزمة بتعدد التيارات السياسية داخل الحركة النقابية. وإذا ما تركنا جانبا تنويعات التيارات الليبرالية(إصلاحية أو محافظة سلفية أو وطنية) وهي المهيمنة حاليا على الحركة النقابية وترتبط أزمة الحركة النقابية في جزء منها بأزمة هده التيارات نفسها: فان تيار المعارضة النقابية ينقسم إلى اتجاهين:
1- الاتجاه الأول "تصحيحي" يعتقد بان أزمة الحركة النقابية هي أزمة ظرفية، بسبب عدم قدرتها "بعد" على التكيف مع التحولات الجارية وبسبب العائق البيروقراطي الذي يعيق تجديد البنيات والهياكل التنظيمية.
2- الاتجاه الثاني هو اتجاه "إعادة البناء" وهو اتجاه يعتبر أزمة الحركة النقابية أزمة تاريخية، تمس الوظيفة السياسية والاجتماعية للحركة النقابية في هده المرحلة.
وبينما يراهن الاتجاه الأول على تصحيح اختلالات الحركة النقابية التقليدية على قاعدة نفس الخط والإستراتيجية النقابية مع دمقرطتهما، يراهن الاتجاه الثاني على إعادة بناء الحركة النقابية على قاعدة مشروع نقابي بديل.
وإذا ما تجاوزنا الخلط (المقصود أو غير المقصود) بين "النضال النقابي" و"الحركة النقابية"، الخلط بين نضال الشغيلة المباشر وشكل تنظيم وقيادة هدا النضال، الخلط بين العنصر الثابت الدي هو "النضال الطبقي" والعنصر المتحول الذي هو "الحركة الاجتماعية" فان كلا الاتجاهين يصطدمان بعدة تحديات:
تحديات الاتجاه التصحيحي
يصطدم الاتجاه "التصحيحي" بعدة تحديات تشكك في إمكانيات تحقيق أهدافه من داخل نفس بنيات وهياكل الحركة النقابية التقليدية وعلى قاعدة نفس الخط والإستراتيجية النقابية ،ومن بين هده التحديات :
1- تعديل ميزان القوى في وجه البيروقراطية: فمن السذاجة والوهم الاعتقاد بإمكانية تعديل موازين القوى في وجه البيروقراطية من خلال عمل تدريجي من داخل نفس البنيات والأجهزة الخاضعة لسيطرة ووصاية البيروقراطية. لان هده الأجهزة والبنيات لا تسمح بأية ممارسة ديمقراطية ، بل تشكل سندا وركيزة لإعادة إنتاج السيطرة البيروقراطية: مراقبة البنيات النقابية القاعدية التحكم في الموارد المالية، الاستفادة من الدعم المالي والسياسي للباطرونا والدولة...هده هي عناصر قوة البيروقراطية ولا يمكن منافستها في هدا الميدان من قبل المعارضة النقابية الديمقراطية. وحتى في حال في بناء ميزان قوى داخل هدا القطاع أو داك فان البيروقراطية قادرة على قلب موازين القوى و استعادة تحكمها في البنيات وبسط هيمنتها. ولا داعي للتذكير انه فقط خلال مراحل نهوض اجتماعي واسع أو خلال صعود واتساع النضالات العمالية يمكن أن تتعرض سلطة البيروقراطية للاهتزاز...
لا يعني هدا طبعا انتظار لحظات النهوض للقيام بنضال نقابي مستقل عن البيروقراطية وأجهزتها وترك الساحة النقابية فارغة خلال مراحل التراجع، بل العكس هو الصحيح. لكن لابد من التحذير من مخاطر "التوافقات" المعلنة وغير المعلنة بين من يزعمون مناهضة البيروقراطية وبين هده البيروقراطية نفسها. ولابد من التذكير بنتائجها المدمرة: فتحمل المسؤولية داخل الأجهزة النقابية بتقديم تنازلات على مستوى المطالب أو على صعيد النضالات أو على حساب خوض معارك من داخل ومن خارج الأجهزة النقابية....لا يمكن اعتباره اقل من تعاون مع البيروقراطية على حساب إعادة بناء الحركة النقابية.
2- الانغراس والارتباط بالشغيلة: من الوهم والسذاجة أيضا الاعتقاد باكتساب ثقة الشغيلة والانغراس في صفوفها من خلال التواجد والمشاركة في تدبير الاختيارات البيروقراطية. فبناء علاقات الثقة والمصداقية على المدى الطويل يتوقف قبل كل شئ على القدرة على التعبير الفعلي عن مطالب الشغيلة الفعلية والقدرة الفعلية على تحقيق انتصارات وإرغام الدولة وأرباب العمل على تقديم تنازلات فعلية.
3- الدفاع عن مطالب الشغيلة وتحصين مكتسباتها:
إذا ما رجعنا إلى طبيعة وواجهات الهجوم الطبقي في المرحلة الراهنة،يمكن أن نطرح السؤال حول إمكانيات توفير الشروط الضرورية لمواجهة هدا الهجوم. وبصيغة أخرى هل يمكن، من خلال نفس الخط والإستراتيجية والبنيات النقابية القائمة، تحقيق مهام المعارضة النقابية في المرحلة الراهنة :
1- توحيد النضالات في القطاعين الخاص والعام
2- الربط بين نضالات الشغيلة والنضالات الشعبية
3-إعادة الارتباط بين النضال النقابي والنضال السياسي
يجب مكافحة تصورين خاطئين:
1- الاعتقاد بان النقابات هي الشكل التاريخي لتنظيم النضالات اليومية للدفاع عن المطالب المباشرة للشغيلة، وبان العمال كلما احتاجوا إلى أدوات لتنظيم مقاومتهم سيبحثون عن النقابات للدفاع عن مطالبهم المباشرة. وهدا الوضع يفرض على الثوريين والنقابيين الجذريين التواجد داخل النقابات في انتظار وفود وعودة العمال إليها..
2- الاعتقاد بان أزمة الشكل التاريخي للحركة النقابية هو تعبير عن النهاية التاريخية للطبقة العاملة كحركة اجتماعية منظمة بشكل مستقل عن باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية، وبانتهاء الدور الرئيسي لنضالات الشغيلة في شل قدرات الطبقة الحاكمة على التحكم في الاقتصاد والمجتمع، وان المطلوب هو دوبان الشغيلة في أشكال تنظيمية (تنظيمات المجتمع المدني) ومطالب "هجينة" (محاربة الفقر ومرض الايدز....) والتنازل عن هويتها الطبقية المستقلة واستبدال النضال الطبقي بالشراكة والتوافق مع العدو الطبقي .
إعادة بناء مشروع نقابي بديل
إن إعادة بناء مشروع نقابي وحدوي لا يعني تجميع وتوحيد القوى النقابية خلف احد المركزيات أو الاسوء من دلك خلف قيادة بيروقراطية معينة (بناء اتجاه نقابي ديمقراطي داخل هده المركزية النقابية أو تلك). فليس هدفنا هو توحيد وتجميع القوى النقابية خلف القيادات البيروقراطية بل باستقلال عنها وفي تعارض معها. كما لا يعني توحيد الأجهزة البيروقراطية بل تجاوزها من خلال بنيات وخط نضالي يسمحان للنقابيين والعمال، بغض النظر عن انتمائهم النقابي، بالنضال الوحدوي والدفاع الجماعي عن مطالب الشغيلة ومصالح الشعب الكادح.
كما لا يعني مجرد بناء تنسيق بين قطاعات نقابية أو مجرد تجميع للقوى المشتتة على مختلف النقابات.
إذ لا يشكل تجميع "المعارضة النقابية" هدفا في حد ذاته، بل إن تجميع القوى النقابية والعمالية يجب أن يشكل ركيزة ومدخلا لإعادة بناء مشروع نقابي بديل عن المشروع النقابي البيروقراطي.
هدا ما يجعل بناء مشروع بديل نقابي وحدوي وطبقي ينطلق قبل كل شئ من:
1- إعادة صياغة مطالب ملموسة تسمح بالتعبير عن الحاجيات والمطالب الجماعية للشغيلة وتمكن من حشد إرادتها الجماعية في النضال. ومن اجل صياغة مطالب ملموسة وتعبر عن مصالح الشغيلة لا بد من الانطلاق من التغيرات التي مست شروط العمل وسوق الشغل (الهشاشة، المرونة، التسريحات، الإغلاق وحركة تنقل الرساميل والخوصصة والتدبير المفوض للقطاع الخاص....)
2 إعادة تنظيم نضالات الشغيلة على قاعدة الشروط العامة لإعادة إنتاج قوة العمل أي على قاعدة المسالة الاجتماعية في شموليتها عبر الدمج بين عناصر الأجر الفيزيزلوجي (الأجور وشروط العمل) وعناصر الأجر الاجتماعي ( الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية وتوفير المرافق والخدمات العمومية).
3- إعادة التمفصل بين المطالب المهنية والقطاعية والفئوية والمطالب الاجتماعية العامة من اجل تطوير وعي طبقي ومن اجل التعبير عن مطالب عموم الشغيلة بما في دلك العاطلين عن العمل والعاملين في شروط هشة وغير مستقرة والشغيلة الكادحة بدون اجر....
معركة بناء مشروع نقابي بديل
إن معركة بناء مشروع نقابي بديل تستدعي من القوى المنظمة (سياسية ونقابية) القطع مع:
1- التصورات النخبوية للعمل الجماهيري والسياسي
2- أشكال التنظيم الممركزة بشكل فوقي والتي تعدم وتخنق المبادرة في القاعدة
3- صورة المناضل " الخبير" و"الزعيم" " مصدر القرار" ومنبع ط المعرفة والوعي...
4- الخلط بين بناء حركة جماهيرية وتعبئة شعبية وبين بناء منظمة سياسية أو جمعية اجتماعية. فبناء حركة جماهيرية وتنظيم حملات تعبئة شعبية يستندان ويرتكزان على آليات التنظيم والتسيير الذاتيين ولا يمكن إخضاعهما للبنيات التنظيمية للحزب أو النقابة أو الجمعية.
4- الاعتقاد بان توحيد القوى العمالية والشعبية وتنسيق جبهات النضال السياسي والاجتماعي سيكون ثمرة جهد تيار سياسي أو نقابي بعينه مهما تعززت قوى هدا التيار. لا ن هدا الالتقاء سيكون ثمرة التقاء سياسي بين القوى المنظمة والتنظيمات الذاتية الديمقراطية للجماهير من جهة أخرى. وهو التقاء سياسي وليس سيطرة بيروقراطية أو هيمنة تنظيمية. هدا هو الطريق الوحيد للانغراس والارتباط العضوي بالحركة الجماهيرية.
كما تفترض هده المعركة الوعي بان تطور حركة الجماهير عمالية أو شعبية يشترط توفر:
1- مشروع بديل اجتماعي شامل، بديل قادر على لف مختلف القطاعات والشرائح العمالية والشعبية وتوحيد إرادتها في النضال وتعزيز ثقتها في إمكانية الانتصار.
ولا داعي لإعادة التأكيد على أن بديلا اجتماعيا حقيقيا لا يمكن اختزاله في الرؤى والتصورات والبرامج الخاصة يهدا التيار أو داك، بغض النظر عن صوابه أو خطئه، هدا ناهيك عن فرضه من فوق وبشكل بيروقراطي .
2- إستراتيجية سياسية عامة تدمج بين مختلف التكتيكات، ومن بينها التكتيك النقابي. فمن البلاهة والسذاجة الاعتقاد بإمكانية الانتصار على العدو من خلال التكتيك النقابي أو التكتيك البرلماني، أو تكتيك النضال الجماهيري فحسب، بل من خلال إستراتيجية تدمج بين مختلف التكتيكات وبين مختلف واجهات النضال، وتضع في كل مرحلة أهدافا واضحة للجماهير من اجل إعدادها لمواجهة المرحلة اللاحقة.
إن غياب إستراتيجية نضالية مندمجة، تفقد كل التكتيكات فعاليتها وانسجامها وقوتها، ولا تؤدي بالنهاية إلا إلى إعادة إنتاج الانقسام والانفصال وعدم الفعالية وغياب أفق سياسي للنضال الجماهيري.
3- برنامج مطالب يدمج المطالب الفئوية والقطاعية ويوحدها من خلال مطالب اجتماعية وديمقراطية ذات دينامية نضالية جماعية ووحدوية.
4- بناء خط نضالي يسمح بتشكيل وعي طبقي غير موجود في الوقت الحالي ويتجسد من خلال:
- مطالب وحدوية
- وحدة نضالية
- رقابة عمالية
- تعبئة جماهيرية
إعادة بناء إستراتيجية نضالية
إن اكبر دليل عن الحاجة إلى إستراتيجية نقابية بديلة هو حصيلة إستراتيجية المشروع النقابي البيروقراطي نفسها.
وعلى هدا المستوى لم ينفلت اليسار الجدري من تبني أشكال تنظيمية تكرس الانفصال بين جبهات النضال والانقسام بين قوى النضال: الانفصال بين جبهة النضال النقابي وجبهة النضال الاجتماعي، الانفصال بين النضال الاجتماعي والنضال السياسي، الانقسام القطاعي والمهني ....
هدا الانفصال والانقسام هي المرتكزات التي تستند عليها البيروقراطية لإعادة إنتاج هيمنتها على الحركة العمالية.
و بافتقاده لإستراتيجية نضالية بديلة، يعيد اليسار الجدري إعادة إنتاج تصورات الحركة الوطنية واليسار التقليدي:
- اختزال النضال نقابي في النزاعات المهنية بين العمال وأرباب العمل
- الانغلاق ضمن حدود قطاعية أو وطنية أمام هجوم شامل وعابر لكل الحدود
- اختزال مفهوم الطبقة العاملة في عمال الإنتاج بدل اعتبار الطبقة العاملة كذات اجتماعية تخترقها كل التناقضات الاجتماعية
- إعادة إنتاج نفس الإستراتيجية النضالية والتنظيمية التي انهزمت من خلالها الشغيلة في معاركها الأساسية.
------------------------------------------------------------------------------------
اليسار النقابي الكفاحي : الاختيارات والتحديات
المحجوب الريفي
السياق التاريخي لتشكل الحركة النقابية
تعود جذور الحركة النقابية التقليدية إلى بدايات القرن الماضي، وقد شكلت الحركة الاشتراكية الديمقراطية والحركة الشيوعية أهم تعبيراتها السياسية. وبفعل عوامل مرتبطة بالاستعمار من جهة وهيمنة الاشتراكية الديمقراطية والحركة الشيوعية التقليدية على الحركة العمالية والاجتماعية من جهة أخرى، عرفت الحركة النقابية التاريخية امتدادها في البلدان المستعمرة ذات التركيبة الاجتماعية المختلفة عن تركيبة البلدان الرأسمالية الصناعية.
انقسمت الحركة العمالية خلال النصف الأول من القرن الماضي إلى تيارين رئيسيين، يشتركان معا حول تقسيم الوظائف بين النقابة والحزب: النضال الاجتماعي من اختصاص النقابة والنضال السياسي من اختصاص الحزب ، وبين الاثنين علاقة هرمية تقوم على تبعية النقابة للحزب وتبعية النضال الاجتماعي للنضال السياسي .
خلال النصف الثاني من القرن الماضي وجدت الحركة النقابية التقليدية والحركة الاشتراكية الإصلاحية في الدولة الرأسمالية الاجتماعية والديمقراطية القاعدة المادية والسياسية لتطورهما وتوسعهما وبسط هيمنتهما على الحركة العمالية والاجتماعية، فاختزلتا النضال الاجتماعي في عمل نقابي مطلبي والنضال السياسي في عمل برلماني إصلاحي . فشكلت النزعة النقابية والنزعة البرلمانية خطا سياسيا ومذهبيا داخل الحركة العمالية (خط التعاون الطبقي)
على هامش ويسار الخط النقابي الإصلاحي حافظ التيار النقابي الكفاحي على وجوده لكن دون القدرة على تعديل موازين القوى إزاء التيار النقابي الإصلاحي.

العولمة الرأسمالية والثورة الليبرالية المضادة
مع الردة الرأسمالية واستبدال "الديمقراطية الاجتماعية" بالليبرالية المتوحشة، أعادت البرجوازية النظر من جانب واحد في كل المرتكزات المادية والسياسية لسياسة التعاون الطبقي، فدخلت الحركة النقابية التقليدية مرحلة أزمة على جميع المستويات ( أزمة هوية، أزمة قاعدة اجتماعية، أزمة بنيات تنظيمية وأزمة خط سياسي...).
فبرز من جديد، كجواب عن هده الأزمة، تياران رئيسيان: تيار التحول الليبرالي للحركة النقابية ( وهو ليس موضوعنا في هذا المقال) وتيار إعادة بناء الحركة النقابية.
من داخل تيار "إعادة البناء" برز إلى حد الآن اتجاهان رئيسيان: اتجاه إعادة بناء الحركة النقابية على أسس جديدة واتجاه إصلاح أسس الحركة النقابية التقليدية.
لكن الخلاف بين هذين الاتجاهين لا يقف عند حدود المسالة النقابية ، بل هو خلاف حول طبيعة المرحلة التاريخية في كل أبعادها (السياسية والاجتماعية والبرنامجية ): هل نحن في مرحلة تاريخية جديدة تستدعي إعادة صياغة علاقة النضال الاجتماعي بالنضال السياسي وعلاقة النضال النقابي بالنضال الاجتماعي وإعادة النظر في علاقة البنيات النقابية بقاعدتها الاجتماعية أم نحن في خط مستقيم لنفس المرحلة التاريخية بثقافتها السياسية والتنظيمية لا تستدعي أكثر من تصحيح اختلالات ظرفية لنفس الأدوات ونفس العلاقات؟ بمعنى أخر هل نحن في مرحلة إعادة تشكل الحركة الاجتماعية تستلزم إعادة بناء حركة عمالية اشتراكية أم نحن فقط إزاء أزمة ظرفية للحركة العمالية تستلزم تصحيح (إصلاح) خطها السياسي و ضعها التنظيمي؟

سياق تاريخي جديد وضع نقابي جديد .
إن تحليلا تاريخيا لأزمة الحركة النقابية لا يجب أن يقف عند حدود بعض التجليات المرحلية، كهيمنة البيروقراطية أو غياب الديمقراطية الداخلية أو ضعف القاعدة الاجتماعية ...
بل يجب أن يسلط الضوء على أهم التحولات التي تعرفها الرأسمالية وانعكاس دلك على الحركة العمالية برمتها, ونعني تحديدا دور الدولة في إضفاء الشرعية على المخططات الاستعمارية الجديدة والتطبيق المباشر لتدابيرها، ودور المؤسسات الدولية في تنظيم العلاقة بين الرأسمال الإمبريالي والمحلي (المنظمة العالمية للتجارة – صندوق النقد الدولي – حلف شمال الأطلسي...)، وتعزيز سيادة الشركات المتعددة الجنسيات واحتداد الهجوم على مكاسب المرحلة السابقة، والمحاولات الجارية لدمج نوعي للنقابات في المشروع السياسي والاجتماعي القائم، وإلغاء عناصر المقاومة (الحريات النقابية – الإضراب التضامن الاجتماعي...) مما يعني تحولا شاملا للشروط التي يجري فيها النضال النقابي وبالتالي الحاجة إلى استيعاب هذه التحولات مع ما يعنيه دلك من إعادة نظر في البدائل والأدوات.
من جانب آخر نرى أن النقاش حول وضع الحركة النقابية هو نقاش سياسي. فالمفتاح لفهم أي منظمة نقابية هو تحليل مكوناتها السياسية .لقد ناضلنا خلال عقدي 80 و90 في ظل سيطرة الإتحاد اليسار التقليديي على الحركة النقابية دون قدرة على رفع سلاح النقد في وجه هذا اليسار وحلفائه النقابيين والاجتماعيين، بل من المكونات اليسارية من انخدع حول مذكرات كتلة المعارضة إلى القصر ووصاياها للبلاط بضرورة الديمقراطية والتحديث، ولم نكتشف إلا متأخرين اندماج اليسار التقليدي مشروع الطبقة السائدة وتوليه مهمة قيادة هجومها الاقتصادي والاجتماعي على الطبقات الشعبية.
و ها نحن اليوم ننحدر درجة أخرى عبر تجديد البيعة لتجمع اليسار الديمقراطي من خلال الدعاية لكون هدا التحالف الانتخابي يمكن أن يشكل قيادة طبقية جديدة لنضال الشغيلة وعموم الكادحين.بل هناك من النقابيين اليساريين من ذهب إلى حد اعتبار البيروقراطية المرتبطة بهذا التجمع الانتخابي حليفا استراتيجيا لبناء مشروع نقابي ديمقراطي كفاحي .
هل سنضطر للتذكير بان النقابات ليست هدفا بحد ذاته وأن الأحزاب بأفعالها لا بأقوالها وأن وجود اليسار داخل هده النقابة أو تلك لا يقاس بعدد أعضائه في القيادة بل يقاس بوزنه وخطه السياسي ومدى امتلاكه لسياسة نقابية تساعد الشغيلة على امتلاك وعي طبقي وعلى تنظيم ارادتها من اجل تعديل جدري لموازين القوى إزاء عدوها الطبقي.
نعتقد أننا نعيش نهاية مرحلة تاريخية بكاملها. مرحلة بدأت بتشكل الحركة النقابية الوطنية وتميزت بانتزاع مكاسب اجتماعية وحقوق نقابية (قانون الشغل – حق التنظيم والإضراب...) وعرفت تشكل قيادات نقابية و قيام تحالفات بين الحركة النقابية والحركة الوطنية على قاعدة مشروع إصلاح ديمقراطي على مستوى الاقتصاد والمجتمع والدولة. هذه المرحلة انتهت باندماج حلفاء الحركة النقابية في المشروع الاجتماعي والسياسي للكتلة الحاكمة. ومع بداية عقد التسعينيات دخلت الحركة النقابية مرحلة جديدة، ارتسمت معالمها مع الإضراب العام (14 دجنبر 1990) والإضرابات القطاعية التي تلته ثم إضراب 1996.
لم تنتهي هذه الإضرابات بتعزيز قوة الحركة النقابية، رغم توفر شروط ذلك نسبيا،بل أدت إلى نتائج عكسية. فبعد آخر إضراب عام 96 ستعرف الحركة النقابية المغربية منعطفا حاسما في تطورها. ويمكن الحديث عن نهاية مرحلة من تاريخ الحركة النقابية المغربية وبداية مرحلة تاريخية جديدة.
ليس باعتبارها محطات نضالية، بل محطات لتحسين شروط الاندماج في المشروع الاجتماعي والسياسي للكتلة الحاكمة، هذا الاندماج سيتم ترسيمه بين القيادات النقابية وأرباب العمل والحكومة في اتفاق "فاتح غشت" وبين القيادات الحزبية والطبقة الحاكمة في "ميثاق الشرف". وخلال هذه الفترة، وبالموازاة مع هذا المسلسل الجديد، سيتم هزم الشغيلة المغربية رغم كفاحيتها العالية نتيجة التناقض بين مصلحة العمال في مقاومة هجوم الطبقات السائدة و مصلحة القيادات في الشراكة و الاندماج، فنتائج كل المعارك كانت تحددها، في نهاية المطاف، طبيعة القيادات النقابية والسياسية (إضرابات المناجم 92 – إضرابات عمال النقل الحضري بالدار البيضاء 92 – إضرابات بحارة الجنوب 93 – إضرابات عمال السكك الحديدية 95...) هذه العوامل التي تتفاعل على الصعيد الوطني باندماج مع الاختلالات العالمية قد تساعد على تحديد طبيعة الأزمة النقابية ومقاربة للأفاق. يتزايد اليوم، ضعف القاعدة الاجتماعية للنقابات وتحتد انقساماتها وتتخلص تدريجيا من مناضليها النقديين وتستبعد كل توحيد للنضالات وتفرغ الإضرابات ووسائل النضال من محتواها وتتبنى نفس الوصفات الليبرالية لحل أزمة الرأسمالية وتقيم خطا احمر إزاء الحركات الاجتماعية (نضال الشباب ضد البطالة، احتجاجات ومسيرات السكان ضد ارتفاع الأسعار...).
هل يتعلق الأمر بأزمة تاريخية تعكس استنفاذ تجربة حركة نقابية غدت عاجزة عن تنظيم الدفاع والإعداد للهجوم ؟ أم هو مجرد منعطف في مسار هذه الحركة سرعان ما ستتجاوزه للتحول إلى أداة للمقاومة بيد الشغيلة ؟.
كيفما كان الجواب على هذين السؤالين فإن ذلك لن يعفينا من طرح السؤال حول طبيعة المشروع النقابي الضروري في المرحلة الراهنة والكفيل ليس فقط بتجميع المعارضة النقابية بل بتشكيل يسار نقابي.
الدفاع عن مطالب الشغيلة ورفض سياسة التعاون الطبقي :
يمكن تصنيف المطالب المباشرة للشغيلة ضمن ثلاثة أصناف :
1-مطالب مهنية مرتبطة بشروط العمل ( الوضع المهني للشغيلة)
2-مطالب اجتماعية مرتبطة بالوضع الاجتماعي ( شروط الحياة)
3-مطالب ديمقراطية مرتبطة بالحريات النقابية والحريات الديمقراطية بشكل عام .
وسنكتفي بنقاش إمكانية تحقيق المطالب المهنية والاجتماعية من داخل النقابات التقليدية، باعتبار أن المطالب الديمقراطية المباشرة لا يمكن تحقيقها بشكل فعلي دون إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي القائم.
المطالب المهنية:
من بين نتائج المخططات الإصلاحية المضادة وإعادة هيكلة بنية المقاولات تعميق التمايزات والانقسامات في جسم الشغيلة فبالإضافة إلى التقسيمات المهنية السابقة (عمال يدويين وعمال ذهنيين...) انضافت أوضاع مهنية جديدة، أهمها التقسيم بين القطاع العام والقطاع الخاص، العرضيين، المؤقتين العملين بالعقدة والعاملين من الباطن...
هدا ما يجعلنا أمام تفيئي وانقسام جديد للشغيلة. وعلى قاعدة هذا النسيج الاجتماعي المفكك، لم تعد الشغيلة موحدة على مستوى مطالبها المهنية المباشرة ، وأمام فشل النقابات المركزية والقطاعية في مواكبة هذه التغيرات، انخرطت كل فئة في البحث عن سبل الدفاع عن مطالبها المهنية المباشرة والبحث عن أدوات تنظيمية (لجان, نقابات فئوية، جمعيات) لتنظيم صفوفها والتفاوض مباشرة حول مطالبها بعد تخلي النقابات المركزية عنها وإبرامها لاتفاقات لا تأخذ بعين الاعتبار مطالبها المباشرة.
نحن ادن إزاء وضع نقابي جديد وأسئلة جديدة تتطلب أجوبة جديدة: ماهي الأدوات و" الخطة النقابية الملموسة" لتوحيد نضالات الشغيلة بمختلف فئاتها من اجل انتزاع مطالبها المهنية المباشرة ؟ هل يمكن تحقيق ذلك من داخل المركزيات ونقاباتها القطاعية؟ هل يمكن أن تشكل هده النقابة أو تلك نواة ومركزا لإعادة تنظيم وتوحيد الشغيلة بمختلف فئاتها وقطاعاتها؟
نحن إزاء أسئلة لا تشكل الأجوبة عنها أكثر من فرضيات قابلة للنقاش على أكثر من مستوى.
المطالب الاجتماعية:
يرتبط الوضع الاجتماعي للشغيلة بالسياسة الاجتماعية العامة المطبقة في البلد . والسياسة الاجتماعية المطبقة تسير في اتجاه تعميق التردي الاجتماعي (وليس فقط تردي شروط العمل). فتفكيك نظم الحماية الاجتماعية وخوصصة الخدمات العمومية وتحرير الأسعار وارتفاعها يجعل تحسين الوضع الاجتماعي للشغيلة يتجاوز حدود تحسين شروط العمل. والنضال من اجل تلبية الحاجيات الاجتماعية المباشرة يتجاوز حدود النضال النقابي الصرف.
نحن ادن أمام تحديات جديدة تستلزم إعادة تركيب العلاقة بين النضال النقابي والنضال الاجتماعي.
هل يمكن من داخل الحركة النقابية التقليدية تركيب نضالات تدمج بين الدفاع عن المطالب المهنية للشغيلة والدفاع عن المطالب الاجتماعية الأساسية (السكن ، التطبيب ، التغذية، التعليم، النقل، الماء والكهرباء.....) ؟
هل يمكن من داخل الحركة النقابية التقليدية بناء علاقات نضالية وديمقراطية(دون هرمية أو وصاية) مع باقي الشرائح الاجتماعية وتنظيماتها المستقلة لبناء ميزان قوى يسمح بالتصدي للهجوم على الحاجيات الاجتماعية الأساسية ؟
نحن على يقين أن الجميع يدرك جيدا أن النضال من اجل تلبية الحاجيات الاجتماعية الأساسية يستدعي إعادة نظر جذرية في السياسة الاجتماعية المطبقة وان فرض سياسة اجتماعية بديلة مشروط ببناء ميزان قوى على مستوى المجتمع ككل.
لكن ما لا يدركه الجميع هو أن الحركة النقابية التقليدية (حتى مع تصحيح اختلالات سيرها الداخلي) لا يمكنها لوحدها وبقواها الذاتية تعديل ميزان القوى لفرض سياسة اجتماعية بديلة. ومرد عدم الإدراك هذا، يعود إلى عقم النظرة المذهب والرؤية العقائدية اللتان لا تتصوران النضال من اجل تحسين الشروط الاجتماعية للشغيلة إلا من خلال العلاقة المباشرة بين الرأسمال والعمل، من داخل المعمل وبواسطة النقابة. أما النضال السياسي (النضال من اجل سياسة اجتماعية بديلة) فهي بالنسبة إليه مهمة حزب العمال السياسي (المهدي المنتظر) الذي سيحرر أمة الشغيلة من جور الرأسمالية ونظامها الاجتماعي.
ويكفي تقييم دور النقابات التقليدية، المركزية والقطاعية، في الحملة الشعبية ضد غلاء المعيشة (مسالة اجتماعية بامتياز) ومدى مساهمتها في تشكيل التنسيقيات (أدوات للنضال من اجل مطالب اجتماعية) ليتبين لنا مرة أخرى الطريق المسدود. فالتعليم على سبيل المثال لا الحصر (كمطلب اجتماعي) ليس مسالة نقابية صرفة، بل مسالة اجتماعية تتعدى حدود المطالب المهنية للشغيلة التعليمية ، والدور المفترض في حركة نقابية تدافع عن المطالب الاجتماعية المباشرة هو تحفيز حركة اجتماعية تدمج مختلف الشرائح الاجتماعية للدفاع عن الحق في التعليم كمطلب اجتماعي حيوي . بينما الدور الفعلي الذي تقوم به المركزيات النقابية وتنظيماتها القطاعية هو المشاركة في تمرير مخططات الإجهاز على الحق في التعليم تحت شعار " لا إصلاح دون إصلاح أوضاع الشغيلة" أي بتعبير صريح : نعم لضرب الحق في التعليم كخدمة عمومية ، نعم لتضليل الشغيلة، نعم لتجريدها من حقوقها الاجتماعية . والحصيلة هي تفكيك المدرسة العمومية وتردي الأوضاع المهنية والاجتماعية للشغيلة.
هل ندعو الشغيلة إلى" الاستمرار والصمود " في خط نقابي مفلس مهنيا واجتماعيا، أم ندعوها إلى ضرورة خط وممارسة نقابية بديلة؟ هل ندعو مجموعات اليسار الجذري إلى التفكير والعمل من اجل إعادة بناء حركة عمالية واجتماعية بديلة أم ندعوها إلى حلقة مفرغة من مراكمة وتبديد للقوى في إصلاح الذي لا يصلح؟
خيارات وتحديات
يمكن تصنيف معظم الرؤى النقدية داخل اليسار النقابي ضمن خيارين:
1/ الاستمرار في النضال من داخل نفس المنظمة النقابية.
2/ الانسحاب أو العزوف أو التجميد أو تغيير الإطار. وتعكس في النهاية ضعف اليسار النقابي الوحدوي.
نعتقد أن الخيار الثاني، أي الانسحاب من النقابات، إما بمبرر إنشاء نقابة جديدة أو الالتحاق بأخرى أو العزوف كلية عن النضال النقابي بدعاوي مختلفة هو عنصر إضعاف لنشاط المنظمات النقابية من جهة وحرمان الشغيلة من خيرة طلائعها من جهة أخرى كما أنه يشكل عائقا أمام هدف إعادة بناء مشروع بديل نقابي .لذا يجب أن تتوحد الجهود للحيلولة دون استمرار هذا النزيف’ لكن ليس على قاعدة تلميع صورة النقابة الوطنية للتعليم’كما لو أنها البديل المنشود بل على قاعدة الحاجة الموضوعية إلى جهود كل المناضلين من أجل المساهمة في بلورة مشروع بديل ديمقراطي معادي للرأسمالية مهما تنوعت انتماءاتهم النقابية.
أما الخيار الأول، فرغم تأكيده على ضرورة النضال الحازم والدفاع عن مصالح الشغيلة ووحدتها ...فإنه لا يتعدى أفق تسيير المشروع القائم والذي دخل – من وجهة نظرنا- في مرحلة أزمة. إنه خيار يقوم على مسايرة التيارات السياسية المهيمنة والعمل من داخل خطها النقابي دون أي دفاع عن المصالح الحقيقية للشغيلة مهما اجتهدنا في تنميق الكلام حول النضال والوحدة. اللهم إذا كان الهدف ينحصر في المصالح المهنية الضيقة، وهو هامش تبيحه البيروقراطية. أما بناء خط نقابي آخر فهو ينطلق من المطالب الأولية والمباشرة لكن بارتباط مع تدابير معادية للمخططات الحكومية الكبرى بالفعل لا بالقول (ضرب الحق في التعليم، الحق في الصحة – الغلاء، البطالة...) وخوض تعبئات وحملات وطنية منتظمة وتصاعدية وذات صدى ودعم دوليين. وهو أمر يتعارض مع مصالح القيادات البيروقراطية، لذلك ستحاربها كما تحارب أي تطلعات الشغيلة نحو تسيير منظماتها والتحرر من الأبوية البيروقراطية حتى وإن اقتضى الأمر لجوءها إلى حملات تطهير كما حصل في عدة مواقع نقابية.
لكن ملاحظتنا حول الخيار الأول لا تعني ميلنا إلى الخيار الثاني كل ما هناك إننا نريد توضيح أمر في غاية الأهمية، ولطالما شكل عنصر غموض في نقاشات النقابيين، على قلتها، ويعني السؤال: هل نعمل داخل النقابات التقليدية أم باستقلال عنها؟ وهو سؤال مغلوط يدفع بالنقاش نحو متاهات لا جدوى منها، والسؤال الذي يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى هو: ماذا سنعمل في هذه النقابة أو تلك؟ أية سياسة نقابية سنقوم بتصريفها؟ أي مشروع نقابي ندافع عنه في ظل السياق الجديد؟ وارتباطا بأي بديل سياسي؟ آنذاك فقط يمكن طرح السؤال حول الوسائل والأدوات.
إن العمل داخل النقابات التقليدية وفق مشروع يأخذ بالحسبان الحاجة إلى تجميع المعارضة وتوفير شروط صمودها واستمراريتها أمر في غاية الأهمية، لكن الانتباه إلى التجارب التي عرفها العقد الأخير (لجان مناهضة مدونة الشغل – لجان التضامن مع الاحتجاجات العمالية ومسيرات المواطنين، النضال ضد غلاء الأسعار..) أمر لا يقل أهمية.
فالدرس الأول من التنسيقيات المناهضة لغلاء الأسعار هو كونها شكلت بؤرة جديدة متحررة من قبضة البيروقراطية النقابية ؛لقد أعادت التأكيد أنه بالإمكان طرح قضايا نقابية من خارج المركزيات وأن بالإمكان خوض نضال نقابي بشكل مستقل عن القيادات، وأن الأحزاب التقليدية لا يمكنها احتكار التمثيلية السياسية للحركة العمالية والاجتماعية وأن بناء استقلالية الحركة العمالية والاجتماعية ليس مجرد شعار إيديولوجي بل أيضا نضال ملموس مع الشغيلة في أماكن عملها وأحيائها وأيضا في نقاباتها كلما كان ذلك ممكنا. لقد أبرزت تجربة تنسيقيات مناهضات ارتفاع الأسعار أن يسارا اجتماعيا معاديا لتدابير العولمة الرأسمالية أمر ممكن وضروري؛ وأن إعادة تشكل هذا اليسار بارتباط مع تنظيم القوى اجتماعية بات على رأس جدول أعمال القوى المناضلة أفرادا وجماعات. وعلى النقابيين الجذريين أن يستوعبوا الدرس الذي مفاده :أن النقابات إذا ما توقفت عن أداء وظيفتها فعلى الشغيلة ومناضليها إبداع أدوات جديدة للنضال لان مقاومة هجوم الطبقات السائدة غير قابل للتأجيل إلى حين تصحيح النقابات وتطهيرها من القيادات الانتهازية المدعومة من طرف الدولة وتنظيمات أرباب العمل.
البديل النقابي
إن أزمة الحركة النقابية هي أزمة خط وإستراتيجية استنفذا دورهما. لدا لا يمكن تجاوز هذه الأزمة دون خط وإستراتيجية بديلين. لكن إعادة بناء الحركة النقابية على قاعدة بديل ديمقراطي معادي للرأسمالية يصطدم بعائقين:
1- طبيعة القيادات النقابية المسيطرة على المنظمات النقابية.
2- تعثر التيارات النقابية الديمقراطية الحاملة لهذا المشروع.
نطرح هذه المعيقات لا للاستسلام لها، بل للتفكير جماعيا في تجاوزها باعتبار أن بديلا نقابيا آخر ممكن وهو قيد التبلور في مناطق أخرى من العالم، ويكفي أن نفتح أعيننا بعض الشيء.
في السياق الذي نعيشه فقدت النقابات هويتها الطبقية والسياسية ولم يعد لها أي أفق استراتيجي، عكس المرحلة السابقة حيث ارتبطت النقابات عموما، بمشروع اجتماعي لتجاوز الرأسمالية وظلت الخلافات منحسرة في التكتيك بين قطبي الإصلاح والثورة.
هذه التطورات أحدثت تغييرا على مستوى المهام وأساليب وأدوات النضال. وسيكون من الخطأ الفادح انتظار أن تعمل القيادات النقابية على بلورة مشروع نقابي بديل معادي للمخططات الحكومية أو أن تعمد إلى إعادة بناء ممارسة نضالية جديدة قائمة على التعبئة الواسعة بخطر الحرب الاقتصادية والعسكرية القائمة أو أن تمد الجسور نحو قطاعات اجتماعية أخرى أو في اتجاه حركات مناضلة عبر القارات ....
هذه المسائل هي جزء من مهمات اليسار النقابي، ولن يباشرها بالبقاء حبيس الانتظارية التي تؤطر ممارسته والتي أفقدته الكثير، خسر مناضلين ابتلعتهم البيروقراطية بفتات الامتيازات وقد يخسر تلك المصداقية التي انتزعها بفضل تضحياته الكبيرة فغدا قد ينمحي ذاك الخيط بين مناضليه وبين سماسرة العمل النقابي، ولن تميز الشغيلة بين يساري وموالي للحكومة في ظل زحمة التحديات المطروحة.
لم يعد مقنعا ولا مجديا الاكتفاء بالتمترس خلف النقابات القائمة، أو الأسوء من ذلك خلف هده القيادة البيروقراطية أو نلك، بالنظر إلى هول الهجوم الذي مس كل جوانب الحياة، سكن- عيش- دواء- تعليم- شغل ... لابد لكل نقابي جدير بهذا الاسم أن ينخرط في بلورة بديل نقابي يلعب دورا مركزيا في دمقرطة الحياة السياسية والاقتصادية ويضمن الرقابة العمالية على التحركات والقرارات ويربط النضالات اليومية مع حملات أكثر اتساعا على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بديل يجعل مبدأ التضامن الطبقي واقعا ملموسا . يجب أن نعي جميعا الحاجة إلى تجميع النقابيين المعارضين، سواء كانوا نشيطين في النقابات القائمة أو مجمدين (بفتح الميم آو كسرها) أو منسحبين ... أو منتمين لهذا التيار أو ذلك، لن نضع شروطا مسبقة أمام أي مناضل أو مناضلة مقتنع بالحاجة إلى ممارسة نقابية بديلة.
---------------------------------------------------------------------------------------------

الحركات الاجتماعية : بعض الأسئلة ذات راهنية




1- الحركات الاجتماعية: ما هو المقصود؟
2- الحركة الاجتماعية والحركة النقابية : أية علاقة؟
3- الحركة الاجتماعية والسياسة :أية علاقة
4- الحركة الاجتماعية والسلطة : أية علاقة؟
5- هل تعبر الحركات الاحتجاجية الجديدة عن أشكال تجذر اجتماعي؟
لا يجب الخلط بين مسلسلين : مسلسل التجذر ومسلسل التشكل الجديد للحركات الاجتماعية. لماذا؟
- لأن أشكال التجدر يمكن أن تخترق أيضا الحركات الاجتماعية والسياسية "الكلاسيكية"
- لأن العديد من الحركات الاجتماعية الجديدة "ليست جديدة" (متجددة)
6- هل تعبر الحركات الاجتماعية عن " حركة سياسية جديدة "؟
- أين تلتقي وتختلف الحركة/ الحركات الاجتماعية الجديدة عن الحركة العمالية التاريخية (أحزابا ونقابات) ؟
- هناك من يسعى إلى البحث عن خصوصيات تتميز بها الحركة الاجتماعية المعاصرة لتمييزها عن الحركة العمالية التاريخية وهناك من يسعى إلى طمس كل خصوصية لمساواة ومطابقة الحركات الاجتماعية الجديدة بالحركة العمالية التاريخية.
- لكن لا يمكن نفي أو إغفال صعود فئات وقطاعات من داخل المجتمع إلى مسرح النضال الاجتماعي: العاطلين، المهاجرين، السكان المهمشين الذين كانوا سابقا على هامش الأحزاب والنقابات (أو وقع تهميشهم من قبل هذه الأخيرة). كما لا يمكن تجاهل وجود قطاعات عمالية داخل الحركة الاجتماعية، قامت أو تسعى إلى تجديد ممارستها النضالية والتنظيمية في اتجاه أكثر ديمقراطية وأكثر جذرية من الحركة النقابية التقليدية
3- علاقة الحركة الاجتماعية بالسياسة ؟ تبعية أم حياد ؟
- قبل كل شيء ما ذا تعني السياسة ؟
هيمن خلال مرحلة الاستقلال السياسي (على الأقل) منظورا معينا للنضال السياسي. فبعد سحق انتفاضة القبائل من قبل الاستعمار وهزيمة ثورة الريف في منتصف العشرينات من القرن الماضي،صعدت البرجوازية المدينية إلى مسرح الاحذاث مع تشكل كتلة العمل الوطني في الثلاثينيات من نفس القرن. وبسب من طبيعتها الطبقية اختزلت العمل السياسي في البحث عن إصلاحات اقتصادية وسياسية من داخل نفس النظام الاستعماري. وفي الخمسينيات تشكلت الحركة الوطنية كحركة تحرير وطني تلتقي داخلها حركتان سياسيتان : الحركة الوطنية البرجوازية (ممثلة في حزب الاستقلال) وحركة المقاومة وجيش التحرير كتعبير عن الالتقاء بين الجماهير القروية والبروليتاريا الحضرية في المدن الصناعية.
عشية الاستقلال وبموجب اتفاقية ايكس ليبان بين الملك وفرنسا،سيتم القضاء على منظمات المقاومة وتصفية جيش التحرير واحتواء القيادة النقابية، أي القضاء على الحركة السياسية للجماهير القروية والبروليتاريا المدينية. ودمج الحركة الوطنية البرجوازية في النظام السياسي قيد التشكل. وقد كان تشكيل "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" محاولة من قبل اليسار الوطني لإعادة بناء حركة سياسية جديدة ترتكز على الجماهير الشعبية في القرى والمدن. ولتصفية هذه الحركة من جديد لجأ النظام من جديد إلى احتواء القيادة السياسية عبر إشراكها في الحكومة وتصفية تنظيمات القاعدة الشعبية،وما تبقى من عناصر المقاومة وجيش التحرير،لينقلب فيما بعد على القيادة السياسية نفسها،وتصفية التيار الراديكالي وزعيمه المهدي بن بركة، وإعلان حالة الاستثناء .
مع بداية عقد 70 انتهت موجة التجدر التي عرفتها الجماهير الشعبية في المدن والقرى، برزت موجة تجذر جديدة في أوساط الشبيبة والفئات المتعلمة عبرت عن نفسها في تشكيل تنظيمات اليسار الماركسي (حمل) والوطني (3 مارس) التي طرحت على نفسها إعادة بناء حركة سياسية للجماهير البروليتارية في المدن والقرى، وبعد تصفية تنظيمات اليسار الجديد والزج بمناضليه في السجون والقبور، دخل المغرب مرحلة جديدة "مرحلة المسلسل الديمقراطي"، خلال هذه المرحلة،سيضع النظام خطوطا حمراء (القمع السياسي) وصفراء (تنميط الحياة السياسية وماسسة التنظيمات السياسية والاجتماعية): تحييد القوى الشعبية سياسيا وحصرها في نضال مهني، كما عملت الأحزاب السياسية المعارضة على احتكار النضال السياسي وتكريس الحياد السياسي للحركة الاجتماعية العمالية والشعبية .
إن الفصل بين النضال السياسي والنضال الاجتماعي والتقسيم الوظيفي بين الحزب والنقابة الذي عرفته الحركة العمالية أوربا، سيأخذ في المغرب شكل فصل قسري عبر مسلسل من القمع والتصفية والاحتواء انتهى إلى وضع شبيه بحالة ما بعد تفكيك حركة القبائل وهزيمة ثورة الريف : أحزاب سياسية مندمجة في النظام السياسي وقوى اجتماعية قروية وحضرية بدون حركة سياسية تحررية.
بهذا المعنى يكتسي نضال القوى الاجتماعية الشعبية في المدن والقرى بعدا اجتماعيا وسياسيا غير منضبط للتقسيم الوظيفي القائم في بلدان أوربا،ومتمرد بطريقته على الخطوط الحمراء والصفراء التي رسمها المخزن وكرستها أحزاب ونقابات مرحلة المسلسل الديمقراطي.
أليست الحركة الثقافية الامازيغية حركة اجتماعية سياسية؟ أليست الحركات الإسلامية حركات دينية سياسية؟ أليست الحركات الاحتجاجية في المدن والقرى والأحياء الشعبية المهمشة حركات اجتماعية سياسية؟ أليست الحركات الاحتجاجية في الصحراء الغربية حركات وطنية سياسية؟
وإذا كانت حركة القبائل وحركة المقاومة وجيش التحرير خلال مرحلة النضال الوطني ضد الاحتلال لم تستمد طابعها السياسي من وجود حركة عمالية سياسية، فإن غياب حركة عمالية سياسية لا ينفي الطابع السياسي عن هذه الحركات الاجتماعية. ما يحول دون فهم طبيعة هذه الحركات الاجتماعية وينفي بعدها السياسي هو النظر إليها بمنظار إيديولوجي ورؤية نمطية و تقسيم وظيفي لعلاقة السياسي بالاجتماعي مستوحاة من شروط اجتماعية وسياق تاريخي هي غير شروط وسياق الصراع الاجتماعي في المرحلة الراهنة.

4- لكن ما هي حصيلة السياسة بالنسبة للقوى الاجتماعية الشعبية؟
من بين نتائج "المسلسل الديمقراطي" العميقة هي إفقاد السياسة مصداقيتها، شكلا ومضمونا وأدوات ونتائج.
فبعد هزيمة الحركة الاجتماعية للقبائل(في الثلاثينيات) وهزيمة حركة التحرير الشعبية (في الستينات) وفشل محاولات بناء حركات سياسية ترتكز على القوى الاجتماعية الشعبية( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،وحركة اليسار الجديد بشكل اقل) لم يبق من حصيلة القرن الماضي سوى ثقل تجربتين : تجربة الحركة الوطنية البرجوازية وتجربة المعارضة البرلمانية.
فبينما انتهت تجربة الحركة الوطنية إلى مساومة ايكس-ليبان والاندماج في نظام الاستعمار الجديد على حساب تفكيك حركة التحرير الشعبية وكبت التطلعات التحررية للقوى الشعبية، انتهت تحربة المعارضة البرلمانية إلى الاندماج في المشروع السياسي والاجتماعي السائد على حساب كبح التطلعات الاجتماعية والديمقراطية للحركة الاجتماعية المعاصرة.
هاتين التجربتين تضغطان راهنا بكل ثقلهما على الوعي السياسي للجماهير الشعبية. وفي غياب تجدد سياسي للحركة الاجتماعية وبروز حركات سياسية مرتبطة عضويا بالقوى الاجتماعية الشعبية،وبدون تكسير الحواجز القانونية والمؤسساتية والحزبية التي نصبها "المسلسل الديمقراطي"، فان الشك وعدم الثقة في السياسة سيظل سائدا وسط الجماهير الشعبية الواسعة، كتعبير عن خيبة الأمل في سياسة الحركة الوطنية والمعارضة البرلمانية ومنظور البيروقراطية النقابية للسياسة (التحييد او التبعية) .
لكن في نفس الآن كتعبير عن وعي جنيني بعدم حياد مؤسسات وأحزاب ونقابات "المسلسل الديمقراطي" في كبث التطلعات الاجتماعية والديمقراطية التحررية للجماهير الشعبية( هذا الكبث هو ما ترتكز عليه الحركات السياسية الدينية والاثنية الرجعية).
5- ما هي حدود النضال السياسي والنضال الاجتماعي ؟
في البداية لا بد من التمييز بين النضال السياسي الجماهيري والعمل السياسي المؤسساتي. فالنضال السياسي الجماهيري يمكن أن يمر عبر المؤسسات التمثيلية (البرلمان والمجالس البلدية)، كما يمكن أن يفرز هو نفسه مؤسسات تمثيلية جديدة (مجالس وبلديات شعبية...).
التي هي في الجوهر مؤسسات لتقنين وتوجيه وانتقاء النضال السياسي الجماهيري، وفي شروطنا هي مؤسسات نيابية عن الدولة لإضفاء شرعية ديمقراطية على اختيارات خاضعة للسلطة المطلقة للطبقة الحاكمة،أي مؤسسات وظيفتها السياسية تغييب الإرادة السياسية المستقلة لمختلف الطبقات الاجتماعية (مالكة وغير مالكة). ما هي وظيفة الأحزاب السياسية في المغرب؟ أليست هي "تأطير" المواطنين و"المشاركة" في تدبير سياسة الدولة؟
- من الصعب رسم حدود فاصلة بينهما أو على الأقل إضفاء الشرعية على هذه الحدود . وإذا كانت هذه الحدود قد تم ترسيمها من جانب واحد وتحت الإكراه والإقصاء، فلا يجب استبعاد خرق هذه الحدود من جانب المكرهين والمقصيين كما لا يجب الاعتقاد أو التوهم بان المبعدين سيعودون إلى أراضيهم على ظهر أو على متن قوارب مهجريهم وطارديهم. هكذا هو حال الحركات الاجتماعية أو العديد من قطاعاتها .هناك ، ليس فقط خوف من سلامة هذه القوارب ، بل عدم ثقة في قدرتها على إيصال ركابها إلى شاطئ التحرر الاجتماعي .وأمام هذا الإحساس المدعوم بالحصيلة الثقيلة التي خلفها القرن الماضي، تندفع الحركات الاجتماعية لمنازلة الطوفان سباحة حتى وهي غير واثقة من أن السباحة ستقودها إلى برا لامان .
- الرأسمالية لم تعد فقط نظام استغلال واضطهاد يقف عائقا أمام تحرر المستغلين والمضطهدين، بل كارثة عالمية تدمر بشكل يومي ما راكمته البشرية خلال قرنين على الأقل وتهدد بتدمير حاضرها ومستقبلها.نحن فيما يشبه " حالة حرب " في كل بقاع العالم ولو بدرجات مختلفة. والسؤال الذي يطرح في هذه الحالة هو : ماهو السبيل الممكن والآن لوقف الحرب ؟
- بين الثورة الضرورية لكن غير المنظورة والإصلاح المستحب والمقبول لكن غير الممكن لا تجد الحركة الاجتماعية نفسها امام خيارين: المقاومة أو الاستسلام. والمقاومة تحت القصف لايمكنها الاختيار بين هذا السلاح أو ذاك، المهم بالنسبة لها هو صد العدوان أولا. أما كيف ستدمر العدو (السياسة مرة أخرى) فهو ليس مطروحا على جدول أعمالها: المطروح هو صد العدوان كل من موقعه وكل حسب ما يتوفر لديه من ذخيرة وكل حسب ما يراه تكتيكيا سليما .هذا ما يعبر عنه تعبير "حركة الحركات" في حرب المواقع مع العدو.
6- عالم آخر ممكن لكن ما هو ؟
يكتنف هذا الشعار (الهدف الاستراتيجي) كثيرا من اللبس والغموض. وهو شعار يعبر عن رفض العالم القائم أكثر مما يعبر عما يجب أن يكونه العالم البديل. وهذا ما يسمح بتعريف أو تدقيق تعريف ما تكونه الحركات الاجتماعية اليوم : هي تعبير في نفس الآن عن رفض الرأسمالية (وليس الليبرالية الجديدة كما يحلو للبعض أن يصنف الحركات الاجتماعية في حدوده) الآن وهنا، هي تعبير عن صرخة أمل (حسب تعبير الزاباتيين) في وجه رأسمالية لا أمل في انسنتها أو إصلاحها، ليس بسبب رفض الإصلاح ولكن بسبب فقدان الثقة في إمكانية الإصلاح. كما هي تعبير عن رفض كل تنويعات ونمادج اشتراكية القرن الماضي (هنا يحضر الماضي بثقله).
7- المنظمات"غير" الحكومية
معظم إن لم نقل جل هذه المنظمات هي امتداد للدولة والمؤسسات الدولية.ليس فقط عن طريق التمويل بل أيضا من حيث الوظيفة.فمعظم أنشطة هذه المنظمات تدخل ضمن وظائف الدولة. وهناك منظمات غير حكومية مرتبطة مباشرة أو بشكل غير مباشر ببعض الشركات المتعددة الجنسيات.
وتلعب هذه المنظمات دورا في استقطاب بعض قطاعات الحركة الاجتماعية أو تلطيفها/ تدجينها. أي حرفها عن البعد المعادي للرأسمالية. (دور شبيه بدور الكنيسة ورجال الدين في القرن الماضي). وفي المغرب أيضا، لا تختلف شبكة الجمعيات غير الحكومية عن شبكة بعض الطرق الصوفية أو الزوايا سوى من حيث اختلاف العقيدة أما الهدف غير المعلن فهو نفسه (تدجين القبائل واحتواء أعيانها. وللجمعيات غير الحكومية أعيانها وقبائلها
- تعتبر المنظمات غير الحكومية فاعلا سياسيا جديدا يفوق دوره تارة دور الفاعلين السياسيين التقليديين (الدولة والأحزاب).
- هناك من يخطئ في تقدير دور المنظمات غير الحكومية بتقدير وزنها داخل الحركة الاجتماعية .لكن دور هذه الأخيرة لا يتحدد من خلال وزنها أو من خلال قاعدتها الاجتماعية فهي وسيلة وليست هدفا في حد ذاته .وكلما كانت هذه الوسيلة خفية وغير مكشوفة كلما كانت أكثر فاعلية. (هي تفضل الارتباط/ شراكة بمنظمات ذات ارتباط بقطاعات أو جماعات أكثر من الارتباط المباشر بهذه القطاعات والجماعات.
- ليست المنظمات غير الحكومية " محايدة " سياسيا وليست مستقلة عن الدولة والمؤسسات الدولية ( والشركات المتعددة الجنسيات).بل هي أداة لممارسة/ تنفيذ " سياسة الدولة " ( أو المؤسسات الدولية ) بوسائل أخرى ( أي ممارسة السياسة ليس بالمعنى التقليدي الدي مارسته الدولة )
- كما ان الحركات الاجتماعية ليست التعبير عن ردة الفعل المجتمع إزاء السياسة والأحزاب السياسية، بل هي التعبير عن إمكانية " ممارسة السياسة " أي التدخل فيما يطبخ داخل الدولة والمؤسسات الدولية دون الحاجة للمرور عبر أدوات اعتقدت احتكار الوساطة بين المجتمع والسياسة إلى الأبد ودون تفويض. وهي التعبير عن انتقال هذه الأدوات من دور الوساطة المفوضة إلى الوساطة الاحترافية، وتحولها من وسيط مفوض إلى وسط محترف لدور الوساطة .
- إن الحركات الاجتماعية هي بهذا المعنى رفض لاحتكار السياسة من قبل الأدوات والمؤسسات السياسية التقليدية وإعادة الاعتبار للسياسة كشأن عام بعد خوصصة هذا الشأن العام طيلة عقود.
- خلال هذه السيرورة تعيد الحركات الاجتماعية ربط السياسة بالمشاكل والتطلعات المباشرة وأشكال التنظيم و الممارسة الذاتية للناس ( الشأن العام)
- وليست الميولات القوية نحو الاستقلالية داخل الحركات الاجتماعية بمسالة جديدة ، بل هي تعبير عن إعادة تملك القوى الشعبية لاستقلاليتها التي انتزعت منها ورفض للتبعية والالحاقية (حصيلة القرن الماضي)
- ولا شك أن الوعي بمخاطر تحرر القوى الشعبية من أغلال التبعية والالحاقية هو ما دفع بالقوى السياسية التقليدية المهيمنة (دولة وأحزاب ومؤسسات وأخيرا المقاولات والشركات) إلى اختلاق "حركاتها الاجتماعية الخاصة" (مؤسسات المجتمع المدني) في محاولة لالتقاط وحرف هذه الميولات الاستقلالية. وهي تعي جيدا ما يمكن أي يمثله صعود الحركات الاجتماعية والقوى الشعبية على مسرح الأحداث السياسية.( القوى السياسية التقليدية تستخلص هي الأخرى حصيلة القرن الماضي)
8- تنسيق القوى أولا
- هنا أيضا تنزل حصيلة القرن الماضي بثقلها : المركزة / المركزية الموروثة عن العصر الإقطاعي والرأسمالية الصناعية الناشئة ( مركزية الدولة-مركزية المجتمع-مركزية الحزب والنقابة-مركزية الثقافة والفكر والنظرية) : وحدة الدولة القومية –الوحدة الوطنية-وحدة الفكر والثقافة وحدة النظرية والممارسة...
إن حصيلة القرن الماضي على هذا المستوى هي الأخرى كارثية
- إن مفهوم " الحركات الاجتماعية " هو في حد ذاته تجاوز لمفهوم " الحركة العمالية" وهو تعبير عن فقدان "الحركة العمالية" التقليدية لجاذبيتها ولقوتها ( إن لم نقل شرعيتها) كمركز لتعبئة قطاعات المجتمع.
- وما تساهم به الحركات الاجتماعية في عصرنا الراهن هو إعادة الاعتبار للطابع التعددي للقوى الشعبية الذي تم طمسه (إلغاؤه) حتى من قبل "ماركسية ارتدكسية" تغذت من فكر برجوازي يعقوبي (مفهوم دغمائي للدولة والطبقة والحزب )
- كما تعيد الحركات الاجتماعية بشكل عفوي نقد "الديمقراطية التمثيلية" (كما تم تطبيقها خلال القرن الماضي) كتعبير عن إرادة الأغلبية الشعبية وفي نفس الآن تعبير عن إرادة الأقلية. وعلى هذا المستوى تعيد الحركات الاجتماعية الربط غير المنفصل بين ثنائية سلاح النقد ونقد السلاح بعد ان انقطع الخيط الرابط بينهما خلال أزيد من قرن.
- لا تقدم الحركات الاجتماعية كما هو الحال في العديد من القضايا " جوابا ناجزا" حول ما يجب أن تكونه "ديمقراطية تمثيلية فعلية" لكنها تكشف عن مسخ الديمقراطية التمثيلية القائمة بشتى تنويعاتها وفي مختلف ميادين تطبيقاتها.
- يتهدد الإبداع الاجتماعي والخلق الدي لا زال في بدايته استمرار أو تجدد الميولات البيروقراطية والنزعات الاستبدالية التي تتغذى من عدم امتلاك القوى الشعبية للوسائل المادية والمعرفية لممارسة الديمقراطية المباشرة. فقط نخبة أو أقلية تمتلك هذه الوسائل لممارسة الإنابة عن القاعدة الشعبية (تكنولوجيا الإعلام الحديثة، والوقت والإمكانيات الكافية ....).
-9 – الإجماع
تعتمد الحركات الاجتماعية صيغة الإجماع لاتخاذ القرار .وهي صيغة تتجاوز مساوئ وكوارث الأغلبية لكنها تتضمن عناصر الإقصاء والتهميش بأشكال أخرى. فهي تسعى إلى التوفيق بين المصالح المتعارضة/ المتناقضة على حساب مشاريع البدائل . فالقوى الاجتماعية يمكنها التوافق حول حد أدنى يضمن مصالحها وهويتها واستقلاليتها، لكنها لا يمكنها التوافق حول مشاريع بدائل اجتماعية متعارضة. هذا التناقض / هذه الأزمة (أزمة الحركات الاجتماعية أي حدودها بالمعنى الايجابي لا السلبي ) هي التي تخلق اليوم شرعية "حركات سياسية جديدة "لإعادة بناء تمثيلية سياسية جديدة للحركات الاجتماعية الجديدة.
هذه الضرورة (ضرورة أحزاب سياسية ) مرة أخرى تبرز من داخل الحركات الاجتماعية . - أرقى أشكال الصراع الطبقي هو الصراع السياسي
- أرقى أشكال النضال هو النضال السياسي
- الحزب هو التعبير عن الوعي السياسي
- النضال السياسي يتم بواسطة ومن داخل الحزب
- الحزب يهدف إلى انتزاع السلطة لممارستها من اجل تغيير الدولة
(أو تدميرها) وتغيير المجتمع (تحريره).
---------------------------------------------------------------------------
الحماية الاجتماعية: بين مبدأ التضامن الاجتماعي
ومبدأ الضريبة الاجتماعية


مكونات الأجر: الأجر المباشر والأجر الاجتماعي
يتكون الأجر من مكونين: الأجر المباشر(الراتب الأساسي) والأجر الغير المباشر (الراتب التكميلي والتعويضات). ونظريا يتحدد الأجر غير المباشر (الراتب الأساسي) من قيمة الحاجيات الضرورية الفيزيولوجية لإعادة إنتاج العمل، ويتحدد الأجر غير المباشر من مجموع التعويضات والامتيازات المكتسبة /خلال كل مرحلة تاريخية/ حسب موازين القوى الاجتماعية، لهذا يسمى أيضا الأجر الاجتماعي.
يشكل الأجر بشقيه المباشر والاجتماعي، احد أشكال توزيع الدخل (الثروة) بين العمل أم الرأسمال بشكل مباشر وبين مختلف طبقات المجتمع بشكل عام . كيف تتوزع الثروات بين الرأسمال والعمل؟
توزيع الثروات
إن شكل توزيع الثروات وحصة طرفي العملية الإنتاجية (الرأسمال والعمل) يخضعان لموازين القوى الاجتماعية. تتحدد قيمة الأجور إذن حسب موازين القوى بين الرأسمال والعمل. فهي تتقلص إلى حدود تلبية الحاجيات الفيزيولوجية الضرورية لإعادة إنتاج قوة العمل، في مراحل التراجعات وتردي موازين القوى بين الرأسماليين والشغيلة، وترتفع وتتوسع لتدمج حاجيات اجتماعية أخرى ضرورية لتحرر الشغيلة من اكراهات العمل المباشر.
الحماية الاجتماعية
ليست الحماية الاجتماعية سوى "الأجر الاجتماعي" الجماعي، فهي تستخلص من حصة الأجراء من القيمة المضافة التي ينتجها العمال أنفسهم، لتغطية بعض الحاجيات الاجتماعية، كالضمان الاجتماعي والتامين عن المرض والشيخوخة والأمومة أو فقدان العمل.
الحماية الاجتماعية إذن ليست "حقا" ممنوحا من قبل الدولة أو أرباب العمل بل هي صندوق للحماية الاجتماعية، يمول من قبل الأجراء أنفسهم، لتغطية نفقات بعض حاجياتهم الاجتماعية بشكل تضامني ومن هنا جاءت/تأتي شرعية مطلب "التسيير العمالي" لصناديق الحماية الاجتماعية، هذا المطلب العمالي القديم قدم الطبقة العاملة نفسها.
تشكل الحماية الاجتماعية، سواء من تمويلها الجماعي أو من خلال بعدها التضامني أو من خلال "تسييرها الذاتي" شكلا جنينيا للمجتمع الاشتراكي.
أليست الاشتراكية هي تملك المنتجين لثمار جهدهم، وتسييرهم بأنفسهم لحياتهم الاجتماعية، و/التضامن الجماعي/ التوزيع المتساوي القائم على مبدأ التضامن الجماعي؟
الهجوم الرأسمالي على الحماية الاجتماعية
1-تفكيك الأجر الاجتماعي:
تستهدف الهجوم الرأسمالي، إفقاد العمل قيمته الاجتماعية وبحصر قوة العمل في مستوى بضاعة ككل البضائع.
لتحقيق هذا الهدف، يسعى الليبراليون الجدد إلى تقليص الأجر في حدود مكونه الأجر الفيزيولوجي (الراتب الأساسي) وذلك بتفكيك مكونه الاجتماعي (الأجر الاجتماعي/الحماية الاجتماعية).
وبتفكيك الأجر الاجتماعي، يسعى الليبراليون الجدد إلى تدمير الأسس التاريخية التي قامت عليها الحماية الاجتماعية (الشكل الجنسي للاشتراكية: التضامن الجماعي التوزيع المتساوي للدخل/الثروة، التسيير الذاتي...).
منهجية الليبراليون الجدد تقوم على الفصل بين "الحماية الاجتماعية" والأجور وذلك بتفكيك الأجر الاجتماعي (التعويضات، التامين، الحماية...) واستبداله ب" مساهمات عامة "تقتطع من كل أشكال الدخل (الدخل الاجري وغير الاجري).
2- تدمير التضامن الطبقي.
بتفكيكها للأجر الاجتماعي (الحماية الاجتماعية) تسعى الرأسمالية الليبرالية إلى تدمير احد أشكال التملك الجماعي كجزء من الثروة التي ينتجها العمال وهو ما يشكل نوعا من مصادرة ملكية الطبقة العاملة من قبل طبقة الرأسماليين وإعادة النظر في "مساومة تاريخية" بين الرأسمال والعمل.
هذا "الانقلاب التاريخي" للرأسمال على العمل يهدف إلى إعادة النظر من جانب واحد في علاقة تاريخية بين طبقتين، تتملك إحداها (البرجوازية) وسائل الإنتاج والأخرى (الطبقة العاملة) قوة العمل.
العلاقة الجديدة بين الرأسمال والعمل هي علاقة "تعاقد مباشر" بين فردين: الأول مكره على بيع قوة عمله كبضاعة حسب "سعر السوق"، والثاني متحرر من كل الاكراهات سواء خلال التعاقد أو خلال استغلال (استثمار) قوة العمل.
هذا "التعاقد الفردي" الحر بين الرأسمال والعمل داخل "سوق الشغل" الحرة، يشكل تدميرا فعليا للقاعدة المادية للتضامن الاجتماعي بين طبقة الأجراء.
3- إعادة النظر في مؤسسة الحماية الاجتماعية
باستبدال الأجر الاجتماعي وتعميم نظام "المساهمات" عبر الاقتطاع من كل أشكال الحماية الاجتماعية (أجور ومداخيل مهنته) وبإضفاء الطابع البضاعي على الحماية الاجتماعية (المخاطر التي تغطيها الحماية الاجتماعية)خلقت الرأسمالية/الليبراليون الجدد كل شروط التفكيك المؤسساتي لنظام الحماية الاجتماعية.
لذا فان ما يجري حاليا من إصلاحات "على نظام الحماية الاجتماعية يهدف إلى تدمير نظام الحماية الاجتماعية والتأسيس لنظام جديد(...) يقوم على:
1- تحويل الصناديق الاجتماعية إلى "صناديق معاشات Fonds de pensions واستبدال "المساهمات الاجتماعية" (الاقتطاعات) إلى أسهم والأجراء إلى مساهمين مالكين، بشكل فردي عبر أسهم في رأسمال مؤسسة بنكية.
2- إعادة النظر في نظام التسيير الثلاثي (الدولة - أرباب - العمل والعمال) بنظام جديد، رأسمالي وتحويل جمعيات التعاضديات إلى "وكالات للتدبير".
خلاصـة: ليس "الإصلاح الليبرالي" لنظام الحماية الاجتماعية مجرد هجوم على بعض المكتسبات الاجتماعية، بل هو تدمير لنظام الحماية الاجتماعية التضامني برمته تمويلا، وتسييرا, مؤسسات.
-------------------------------------------------------------
زورا موقعنا:www.atadamone.com



#التضامن_من_اجل_بديل_اشتراكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من فزاعة الإسلاميين إلى فزاعة الأعيان
- الطبقة السياسية- في إجماع وطني ضد الأغلبية الشعبية
- تيار التضامن من أجل بديل اشتراكي يدعو إلى مقاطعة انتخابات 12 ...
- الاستراتيجية الديمقراطية لتيار التضامن من اجل بديل اشتراكي
- فشل استراتيجية النضال الديمقراطي وافاق استراتيجية سياسية بدي ...
- حول مسالة المجلس اوالهيئة التأسيسي
- تعريف تيار التضامن من اجل بديل شتراكي في عشر نقط
- إستراتيجيتنا الديمقراطية
- تقرير عام: نتائج انتخابات 7شتنبر ومهام اليسار الجذري
- تعريف تيار التضامن من اجل بديل اشتراكي
- وحدة اليسار الجذري خطوة ملموسة نحو حزب مستقل للشغيلة والجماه ...
- إعادة بناء مشروع نقابي ديمقراطي وكفاحي خطوة نحو بناء حركة عم ...
- انتفاضة سكان سيدي افني ايت باعمران: تحديات مسلسل نضالي جديد
- يوم 21 ماي بداية الإضراب العام وليس نهايته


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - التضامن من اجل بديل اشتراكي - راهن الحركة النقابية ومهام اليسار الاشتراكي الجدري