أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين















المزيد.....

من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3015 - 2010 / 5 / 26 - 19:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يتوزع تفكيرنا المعاصر على مقاربتين متعارضتين في ما يخص العلاقة بين "العامل الثقافي" والشؤون السياسية والاجتماعية، والحضارية في بلداننا. تقرر مقاربة أولى أن أصل مشكلات العرب يكمن في ثقافتهم أو في دين أكثريتهم الذي هو الإسلام، ولا مناص تاليا من تغيرات ثقافية ودينية كبرى كي يمكن للعرب أن ينخرطوا في عالم اليوم، فتتعلمن دولهم وتتحدّث مجتمعاتهم واقتصادياتهم، ويترقون حضاريا. هذا المقاربة انتشرت منذ تسعينات القرن المنقضى، وتلقت دفعة قوية بعد 11 أيلول2001. وهي اليوم "شعبية" في أوساط عربية بدرجة لا تقل عن غيرها.
بالمقابل، تتشكك مقاربة ثانية في هذا الطرح "الثقافوي"، وتُرجِع أوضاع العرب المعاصرة، "الاستثناء الديمقراطي العربي" بالخصوص، إلى عوامل سياسية أو اقتصادية أو جيوسياسية أو اجتماعية؛ وفي الغالب إلى مزيج منها. يتعلق الأمر هنا باختلاف عن المقاربة الثقافوية أكثر مما بمقاربة محددة تعي نفسها بالتقابل مع هذه.
المقاربتان قيد التداول أيضا في النقاش الغربي حول الشؤون العربية ولإسلامية، بخاصة حيال ظاهرتي "الإرهاب الإسلامي" و"الاستثناء الديمقراطي". ومن الأمثلة المفيدة جدا على المقاربة الأخيرة مقالة للاري دايمند نشرت قبل شهور قليلة، تتناول الاستثناء الديمقراطي العربي . أما الطرح الثقافوي فشعبي جدا في الغرب، وأشهر مثال عليه هو كتاب صموئيل هنتنغتون "صدام الحضارات".
1
سنلاحظ، قبل قول شيء بخصوص هاتين المقاربتين، أن تقييمهما يختلف وفقا لموقع مُتناوِلِهما. إذ لا يستوى نقد الثقافوية المكتوب بالانكليزية (أو غيرها من اللغات الأوربية) والموجَه لجمهور غربي، تجنح أوساط واسعة منه إلى استهلاك غير نقدي للتبسيطات الثقافوية الخاصة بأوضاع العرب والعالم الإسلامي، لا يستوي هذا ونقد الثقافوية المكتوب بالعربية والموجه لجمهور عربي. في الحالة الأخيرة يُحتمَل أن يتواطأ نقد الثقافوية مع السكوت على بُنى وممارسات ثقافية ودينية عربية جديرة جدا بالنقد والمنازعة، إن من وجهة نظر فرص الديمقراطية، أو من وجهة نظر النهوض الثقافي وتفتح التفكير النقدي. الكتابات الغربية الناقدة لما يسميه محمود معمداني "الكلام الثقافي" الغربي مفيدة جدا حتى للقارئ العربي، ولو لأنها أغنى وأعمق عموما من ما هو متاح لنا وفي لغتنا من دراسات ثقافية ومن نقد لها. وهو ما يبقى صحيحا حتى حين يكون أصحاب تلك الكتابات عربا أو منحدرين من بيئات إسلامية أصلا.
لكن يشعر المتابع دوما أن هناك شيئا ناقصا فيها. هناك بالفعل مشكلات ثقافية ودينية عربية يتعين أن تُطرح للنقاش وتكشف وتنتقد، ويُعترض عليها عمليا. لا ينبغي أن تكون هذه المشكلات هي سبب "الإرهاب الإسلامي" أو "الاستبداد العربي" حتى يتعين الإقرار بها وقول شيء بشأنها ونقد السكوت عليها. يكفي أن تكون موجودة حتى يتعين الاهتمام بها نظريا ومواجهتها عمليا. فكيف إذا كانت موجودة جدا؟ هذه إما نقطة غائبة أو ترد كاستدراك عابر في كتابات مثقفين يساريين غربيين ومثقفين عرب ومسلمين، يقيمون في الغرب ويكتبون بلغاته، منذ إدوارد سعيد حتى يومنا. لا يريدون أن يعززوا مواقف اليمين السياسي والثقافي الغربي الذي يجنح إلى تفسير كل شيء في عالمنا بالإسلام، ويتخذ منه موقفا عدوانيا وعنصريا. هذا مفهوم في الإطار الثقافي الغربي. لكن حين تنتقل هذا الكتابات إلى أوساطنا الفكرية والثقافية، تتحول وظيفتها من وظيفة نقدية وانشقاقية هناك إلى وظيفة تسليمية وتبريرية، ربما تعزز بعض أسوأ خصائص ثقافتنا المعاصرة، بخاصة نزعتها الاكتفائية وذهنية الضحية الشائعة بيننا والموقف البارانوئي من العالم، فضلا عن إضعاف قيمة التراث الليبرالي الغربي ومناهج البحث الحديثة في الفكر الغربي المعاصر. هذا جرى على نطاق واسع لكتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد، وكذلك لكتابه الآخر "الثقافة والامبريالية". ويجري مثله بخبث يزيد أو ينقص لكتابات مماثلة. ثمة استهلاك واسع مثلا لكتابات نعوم تشومسكي الناقدة للسياسة الأميركية، موجهٌ نحو تدعيم الأوتاركية الثقافية والسياسية العربية، المعتادة على تخوين النقد والانشقاق في بلداننا.

2
إلى ذلك فإن إنكارنا المشروع لتولّد الاستبداد والإرهاب تولدا طبيعيا وحتميا من الثقافة العربية والدين الإسلامي لا يعني بحال إن تشكُّلات هذين القائمة اليوم محايدة حيال الاستبداد والإرهاب، أو أنهما ليسا متشكلين اليوم فعلا في صور تلائم الطغيان الدولتي والإسلاميّين العنفيين، أو أنه ليس من المرغوب أن يتشكلا في صورة أكثر مواتاة للديمقراطية والسياسة العقلانية، الأمر الذي يستبعد أن يتحقق دون صراع مع تشكلاتهما القائمة. هنا أيضا لا ينبغي أن يكون الاستبداد والإرهاب منبثقين من جوهر ثقافتنا ومن صميم دين أكثريتنا حتى تكون للإرهاب والاستبداد مراسٍ حصينة في الثقافة والدين عندنا، وحتى يتوجب علينا نقدهما ومخاصمتهما. يكفي أن يكون الاقتران محققا تاريخيا حتى يكون مطلوبا نقدهما والاشتغال عليهما. والحال إنه محقق. ليس فقط أن ثقافتنا لا تتوفر على عوامل مناعة ضد الاستبداد، وإنما هي تسهّل أمره عبر عقائد "الأصالة" ونزعات المحافظة اللغوية والدينية والاجتماعية. وليس فقط إن الإسلام المعاصر لا يمانع عنفا يمارسه مسلمون استنادا إليه، بل إن تمركزه الذاتي المفرط ونزعته التكفيرية المنتشرة وغلبة البعد السياسي القانوني في تكوينه تشجع العنف أكثر من الرِّفق.

3
أما الكتابات الثقافوية العربية فجديرة بالنقد لأسباب متنوعة، منها تواضع كفاءتها التفسيرية عموما، ومنها ميلها إلى عزل العامل الثقافي عن غيره وتسييده على غيره، ومنها أنه نسخة مقلوبة عن الخصوصانية الإسلامية على اختلاف في جهة الحكم فقط، ومنها نزوع نخبوي يميني معاد للعامة والديمقراطية يسم أكثر معتنقيها، ومنها اصطفاف ممثليها نسقيا إلى جانب الاستبداد المحلي والقوى المسيطرة دوليا، ومنها أنها نضال سياسي ضيق، بل حزبوي، ينتحل الفكر النقدي والثقافة الحديثة أقنعة له، ومنها خلو معظم نقدها من صفاء الروح وانشراح الصدر ووضوح المقصد؛ لكن ليس منها بحال شرعية، بل ضرورة، نقد الشأن الثقافي والديني العربي. ما قد يكون معادلا في بيئتنا لعمل إدوارد سعيد في الإطار الثقافي الغربي هو نقد معمق لخطاباتنا والمؤسسات المنتجة لها والريوع المادية والرمزية التي تدرها، وعلاقات السلطة المبطنة للخطابات المهيمنة، وضروب التواطؤ بين منتجي الخطابات وهياكل السلطة السياسة والاجتماعية وأنماط استهلاك هذه الخطابات وأنماط التماهي الاجتماعي المتشكلة حولها، وما إلى ذلك. وأعني بخاصة الخطابات الدينية والقومية، وكذلك الثقافوية المنتحلة للحداثة. هذا ما من شأنه أن يكون ممارسة نقدية وتحررية، فيما من شأن الاستهلاك غير النقدي لعمل أمثال إدوارد سعيد أن يؤيد دعوى اليمين الشعبوي، الإسلامي والقومي المتمثلة بعداء دون تمييز للغرب، واحتفاء دون نقد بالميراث الإسلامي والثقافة العربية. وبالفعل يرتاح ناشطو التيار القومي الإسلامي لنتائج عمل سعيد (وليس إلى منهجه ولا إلى أخلاقيته) ارتياحا بالغا.
ومقابل هؤلاء لا نكاد نجد غير ثقافوية ضحلة بمعايير النقد الثقافي ذاته، ومتهافتة أخلاقيا (تفسر الاستبداد بالثقافة، فلا تلبث أن تنسى الاستبداد، وتختزل الثقافة ذاتها إلى دين، ويؤول بها الأمر عمليا إلى الوقوف إلى جانب الاستبداد: في بالي هنا الثقافويون السوريون). هذا فوق أنها لا تتساءل أبدا عما إذا كانت الثقافة والدين ثابتي التشكل ومتماثلين مع ذاتيهما دوما، على ما توحي صياغاتها النضالية الغالبة، أم أن تشكلهما الاستبدادي والعنفي تاريخيٌ، مرتبط بصورة ما ببنى وتحولات السلطة والثروة القائمة، المحلية والدولية.

4
ولعل مفهوم الإسلاموفوبيا الذي شاع في الغرب، ثم لدينا بعد 11 أيلول 2001، دال في هذا الشأن. المفهوم مشحون في دار منشئه ببعد انشقاقي ونقدي حيال عقيدة دوغمائية، تماهي الإسلام بالإرهاب، وتغذي الخوف من المسلمين (وهم أقليات صغيرة في الغرب، من مرتبة 5% فما دون)، وتجعل كل مسلم متهما بالعنف مبدئيا. من حيث يسمّي المفهوم هذا الواقع ويجعله عنوانا على خُوافٍ مرضي غير عقلاني، تسهر على انتعاشه أجهزة وجهات متنوعة في المجتمعات الغربية، فإنه (المفهوم) يشكل ركيزة جهدٍ نقدي لنزع الأسطرة والتشرير من ثقافة الغربيين، ولتطوير معرفة أكثر تحررا من النوازع النفسية والدينية والثقافية الخاصة وغير العقلانية، ومن أجل بلورة سياسة أكثر مساواتية وديمقراطية في بلدان الغرب ذاتها. وبذلك يكون نقد الإسلاموفوبيا جزءا من الثقافة الغربية بقدر لا يقل عن الإسلاموفوبيا ذاتها. أما حين يجري تداول المفهوم في ثقافتنا فإن دوره يختلف تماما. إذ يجري توظيفه هنا لإعفاء الشأن الإسلامي من كل نقد، وللإيحاء بأننا لا نعاني من أية مشكلات دينية المنشأ، وربما لإدراج نقد الدين في سياق سياسات اليمين الغربي المضادة للمسلمين والعرب.
لكن في واقع الأمر نعاني من مشكلات كبيرة مما لا يكاد يحتاج إلى تأكيد. العنف الشائع والمسوّغ دينيا في حياتنا السياسية والأسرية، الاستبداد وتشاكل سلطات الخالق والحاكم والأب، البنية الأبوية المتشددة للأسرة والدولة، الفصل بين الجنسين والتمييز ضد النساء، التدهور الثقافي وانتشار الأمية، الحرفية في فهم النصوص الدينية وجفاف المنابع الروحية في ثقافتنا، هيمنة أخلاقيات الرقابة والمنع وانتشار الرياء، الاكتفاء الذاتي الثقافي والأخلاقي (الظلامية)، النزعة الماضوية...
ليس من الضروري، نكرر، أن تنبثق هذه المشكلات جميعا من "جوهر" الإسلام حتى يكون نقد وتفكير شأننا الديني مطلوبا. هي لا تنبثق من جوهر الإسلام، ولو لأنه ليس للإسلام جوهر ثابت متعال على التاريخ. هي تنبثق من تاريخنا الحديث، والإسلام هو دين أكثريتنا في هذا التاريخ الحديث كما في أزمنة أقدم. أي أن مشكلاتنا الحديثة والمعاصرة لم تقع من وراء ظهره أو رغما عنه. فإن كنا من أكثر بلدان العالم تخلفا ومعاناة من الاستبداد والعنف العام والخاص، فلا يمكن ألا يكون لتشكل الإسلام المعاصر والأصلي دور في هذه المعاناة.
نؤمن أن الثقافة العربية والدين الإسلامي قابلان للتشكل في صور أكثر ملاءمة للنهوض الثقافي والتحرر السياسي. لكن دون ذلك جهود كبرى، بخاصة فتحهما أمام التفكير النقدي الشكاك، ثم العمل على إصلاحهما وتحويلهما. وهاتان عمليتان صراعيتان، لا تتمّان برضا صيغ التدين والسلطة الدينية القائمة، ولا باقتناع حر من قبل القيمين على اللغة والثقافة العربية، ولا بالطبع بين يوم وليلة. وإلى حين يتحقق ذلك، لا يسعنا أن لا نرى أن "الإسلام" اليوم يصطف إلى جانب بنى وممارسات استبدادية وتمييزية، ويميل الناطقون باسمه إلى تبريرها. وأن الثقافة العربية متمركزة حول ذاتها، لا تولي اهتماما خاصا بقضايا العدالة والحرية إلا حين تصيب عربا.
نتكلم على تشكلات أو صورٍ تاريخية للدين والثقافة، ونضع مدرك "الإسلام" بين قوسين غالبا، بالضبط كي نشير إلى فاعلية التاريخ التحريفية، إلى أن أوضاع الدين والثقافة في أي وقت هي أوضاع تاريخية، تتحدد ببيئتها التاريخية وليس بأصول عَقَدية للدين أو بقيم ثقافية ثابتة.
لا نستطيع أن ننتقد الثقافوية دون نقد أساسها المنهجي المتمثل بالجوهرانية أو منطق الجواهر الثابتة. الإسلامية بكل تنويعاتها شريكة في هذا الأساس المنهجي.

5
التغير الثقافي والديني ضروري في المجال العربي. أولا، كهدف بحد ذاته وبصرف النظر عن أية انعكاسات إيجابية محتملة له على تغيرات أخرى، اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. الثقافة التي تتغير تكتسب حيوية متجددة وتتحرر الأذهان والمخيلات في ظلها. وثانيا لاعتبارات تتعلق بالنظام و"الأناقة" اللذين قد يميزان ثقافة أعادت هيكلة ماضيها ومواردها الموروثة ووضّبتها في خزائنها المرتّبة، بخاصة إن جعلت من هذا التوضيب مفصلا تاريخيا، نقطة انفصال محرر عن هذا الماضي. وثالثا لأن التشكل التاريخي المعاصر للإسلام، ما نسميه "الإسلامية"، يعرض معاداة لا ريب فيها للحريات الفردية والجماعية، وهو سلبي أيضا حيال الثقافة والإبداع الفني والحس الجمالي، ونزاع إلى الاكتفاء بالموروث العَقَدي والفكري والتشريعي الإسلامي. يضاف إلى ذلك تدخلية فظة في النطاقات الثقافية والتشريعية والاجتماعية. وكذلك ممانعة متأصلة للتمييز بين النطاقين الخاص والعام. وبمجمله هو عامل إعاقة لفتح فضاءات حرة في مجالات التفكير والسلوك والفن والأخلاق والعلاقات الجنسية والسياسة.
لا ينبغي لشيء أن يحول دون قول ذلك، ودون مقاومته.
هذا لا يتضمن أية مجاملة الثقافوية المزدهرة في بيئاتنا الاجتماعية الثقافية منذ صعود الإسلاميين، وأكثر منذ أيام البوشية وثورية المحافظين الجدد التالية لـ 11 أيلول 2001. بل هو ما ينزع منها موقع نقد الثقافة والدين الذي تسخره هي لمصلحة الاستبداد والنخبوية، وتوجهه ضد العامة والديمقراطية، كما سبقت الإشارة.
والواقع أنها هي من ناحية، والثقافوية الغربية المعادية للعرب والمسلمين من ناحية ثانية، عائقان نفسيان وفكريان قويان في وجه مباشرة نقد الدين والثقافة لدينا، يضافان إلى مقاومات الإسلاميين والقوميين ويعززانها. هذا لأن هذه (الثقافوية الغربية) تستثير تفاعلا دفاعيا محافظا، قوميا ودينيا، عند قطاع واسع من المثقفين وجمهور المتعلمين؛ ولأن تلك (ثقافويتنا في صيغتها العلمانية) تُسخِّر النقد الثقافي لأجندة إيديولوجية ضيقة ومحافظة سياسيا، تعزل التحديث الثقافي والعقلي عن مطالب الحريات والمساواة والعدالة، فتخفق في أن تكون ثقافة تقدمية وتحررية.
لكن لما كان نقد الدين والثقافة ضروريا وحيويا جدا، اقتضى وضوح مقاصده وتميّز تطلعاته التحررية نقدا للنقد الثقافوي. من شأن نقد النقد الشائع للدين بخاصة أن يكون مدخلا لنقد الدين، هذا الذي يبدو أنه يمتنع تدشين طور تاريخي جديد للثقافة العربية دون خوض غماره.
وعلى المستوى الفردي، لا نرى مدرسة للتدرب على التفكير النقدي والجذري، والعلماني، أهم من الاشتغال على الدين ونقده والصراع معه.

6
خلاصة النقاش أنه لدينا مشكلات دينية وثقافية جديرة باهتمام أوسع بكثير مما هو متاح حاليا. الثقافوية تسيء القيام بهذا الواجب بفعل انحيازاتها الإيديولوجية والسياسية وضيقها المنهجي المفرط. هي مظهر لأزمتنا الثقافية (والدينية) وجزء منها، وليست حلا لها أو جزءا من الحل. وهي أيضا ليست بحال تيارا فكريا طليعيا، ولا تحمل بحال طاقة هيمنية تتيح تشكل أكثريات متحررة جديدة في أي من مجتمعاتنا. إنها مسلك نخبوي موتور، يلِج، مرة أخرى، طريقا مسدودا.
لكن مهما أمكن لنقد الثقافوية أن يكون ضروريا، فهو مدخل فحسب لنقد الثقافة. ننتقد الثقافوية لأنها شكل متدهور من النقد الثقافي يحول دون توضيح مشكلاتنا الثقافية. لكن الثقافوية تستعيد اعتبارها بالكامل إن توسلنا نقدها لإنكار وجود مشكلات دينية وثقافية أساسية لدينا، أو للتقليل من شأن هذه المشكلات. ثقافتنا قاصرة ومفتتة وإبداعيتها متواضعة، ولدينا مشكلات دينية كبيرة لا نظير لها على الأرجح في عالم اليوم كله.
ننحاز، ختاما، إلى تصور أن التجدد الثقافي المأمول يمر تفضيليا بالشغل النقدي على الإسلام والثقافة العربية، لكنه لا يتقيد بمجرد تجديدهما. إنه تطلع إلى آفاق مفتوحة، ينتظر ألا يشكل الإسلام والثقافة العربية اليوم غير دعامتين لها، بين دعامات أخرى كثيرة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أوضاعنا جامدة بالفعل، لا تغيير فيها؟
- في معنى أزمة الثقافة ووجوهها وحصائلها
- محمد عابد الجابري ونهاية الموجة التراثية
- هل من الممتنع تصور إيران نووية متفاهمة مع الغرب؟
- في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة
- صراع على الألم بين أبناء الجواري، تعقيب على منهل السراج
- ثلاث استقلالات.. مستقلة عن بعضها
- من أجل نقد جمهوري وديمقراطي للقومية
- ما الذي يكفل صحة كلامنا؟
- العراق بعد سبع سنوات... مضطرب، متقلقل، لكنه حي ومتجدد!
- لا شعب ولا شعبوية.. خطط نخبوية فقط
- أي حل لعقدتنا الغوردية؟
- كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا
- الطائفي هو من يؤمن بوجود الطوائف
- وراء ثلاثة جدران فولاذية أو أربعة
- هل سورية معرضة للزوال ما لم يكن حكمها استبداديا؟ نقاش مع حاز ...
- الظاهرة الإسلامية.. صحوة أم رِدَّة، أم ربما فرصة؟
- الإصلاح الإسلامي وإيديولوجية الإصلاح الديني
- العدل... ولو انهار العالم
- لماذا نتخلف؟ ولم لا يكف تخلفنا وحده عن التقدم؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين