المسودة الكردية للدستور العراقي المقترح :
توسيع كردستان حتى "بدرة " جنوب بغداد ،
وتطهير عرقي ضد عرب كركوك و مندلي وخانقين !
((النص الكامل للجزء الأول ))
توطئة : في ما يشبه البازار السياسي الموسمي ، يتوالى صدور الوثائق والبرامج السياسية في ساحة المعارضة العراقية وتتأسس التحالفات و المحاور السياسية الحزبية في وقت يتعالى فيه زعيق صقور الحرب في الإدارة الأمريكية وجعجعة أسلحتهم مهددين بغزو شامل للعراق بهدف مضلل معلن هو إسقاط النظام الشمولي الدكتاتوري فيه وآخر مضمر وحقيقي هو احتلاله وربما تجزئته الى كيانات طائفية و إثنية متذابحة على طريق إلغاء وجوده وكيانيته التي كانت طوال القرن الماضي مصدر قلق و خطر على المشاريع الغربية والكيان الصهيوني والمحميات النفطية المحيطة به . تلك المحميات التي تستمد شرعية وجودها كدول " سندويجات " أقيمت على عجل حول آبار النفط من القوة الضاربة للأساطيل الأجنبية والصواريخ بعيدة المدى وليس من أية شرعية انتخابية شعبية أو دينية أو قومية . ومما يزيد من خطورة المشروع الجاهز للتنفيذ ضد العراق وشعبه ،تلك الغيبوبة العميقة التي يعيشها النظام الحاكم ، وعدم إدراكه لمواطن القوة والضعف في طرفي المعادلة الجيوسياسية السائدة عالميا وإقليميا ، إضافة الى اعتماده لمنهجية المغامرة و المقامرة في التفكير والتعامل مع أعداء العراق ، وانغماسه في نوع متخلف من عبادة الشخصية التي عفا عليها الزمن وطريقة الحكم الفردي التي قذفت بها أغلب شعوب العالم الى المتاحف . أما اطمئنان النظام الى نوع من "الحلولية السياسية " فقد جعله " يقتنع " بأنه هو العراق والعراق هو ، فلا فرق وفق منطقه بين النظام والحكومة والدولة والسلطة والرئاسة ! وهنا مكمن الخطر ونقطة الضعف القاتلة في أية استراتيجية حقيقية للدفاع عن البلاد والناس بوجه الهجوم الأمريكي الضاري والمدعوم عربيا وإقليميا .هذه العوامل السلطوية مجتمعة لا تقل خطرا عن التعامل المدان والتعاون مدفوع الثمن الذي تقوم به بعض أطراف المعارضة العراقية واستعدادها للقيام بدور الطابور الخامس أو "تحالف شمال عراقي "مع الغزاة الأمريكيين وحلفائهم .وسيكون حكم التاريخ والناس قاسيا على النظام ومعارضيه في آن واحد إذا ما أفضت ألاعيبهم وأساليبهم البدائية والخطرة الى تدمير العراق أو إلحاق ضرر بليغ به وبشعبه فمن يضمن ، ونقول ذلك برعب حقيقي ، أن أمريكا لن تكرر جريمتها النووية في هيروشيما و ناكازاكي في سماء بغداد ؟ وعلى هذا فلا نعتقد أن رئيس تحرير إحدى أهم الصحف اليومية العربية كان يبالغ حين استشرف بقوة بحدسه أو دقة معلوماته أن الأمر لو ترك لوزير الدفاع الأمريكي "رامسفيلد " لما استبعد توجيه ضربة استباقية نووية الى دولة ذات تسليح تقليدي .جوزيف سماحة / السفير 9/7/2002 )
ولما كنا قد توقفنا محللين وناقدين لبعض تلك البرامج " العراقية المعارضة " كالوثيقة المعنونة ( الرؤية الآشورية لمستقبل العراق ) وكذلك الأخرى المعنونة ( إعلان شيعة العراق ) في مقالتين خاصتين قبل فترة قصيرة ، فسوف نتعرض بالمناقشة الصريحة والتحليل الذي نأمل أن يكون موضوعيا وتتسع له صدور الأخوة في قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني لوثيقة جديدة نشرت في الصحافة في الثامن والعشرين من شهر حزيران الماضي وتحمل عنوان ( مسودة مقترحة لدستور الجمهورية الفيدرالية العراقية ) قدمتها قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يقوده السيد مسعود البرزاني . وهذه أدناه مفاصل مقننة لمناقشة الوثيقة المذكورة ، مع الإشارة الى أن كاتب السطور لم يتوقف عند الكثير من مواد هذه المسودة الدستورية الصائبة أو التي يؤيدها تماما أو بتحفظ نسبي وهي في الواقع غالبية المواد وخصوصا تلك المتعلقة بحقوق المواطنة والحريات العامة والخاصة ونشر الديموقراطية و الأخذ بمبدأ المساواة بين الناس ورفض التمييز على أساس الجنس والدين والقومية ومبادئ التسامح الديني والقومي ..الخ وسيركز مناقشته على المواد التي يختلف مع مضامينها أو تلك التي يرى أنها بحاجة الى المرور عبر مرجل النقد والتمحيص والتعميق .
ُمصدِر الوثيقة : الحزب الديموقراطي الكردستاني أو "البارتي " كما يسمى في الشارع السياسي العراقي هو أول حزب سياسي كردي يقود حركة تحرر وطنية كردية في العصر الحديث ؛ ومن عباءته خرج الحزب الثاني في كردستان العراق الاتحاد الوطني الذي يقوده السيد جلال الطالباني الذي فرّخ بدوره عدة أحزاب وهذه ظاهرة طبيعية وصحية كما يعتقد الكثير من الباحثين .
وطوال سنوات عرف الحزب الديموقراطي الكردستاني باعتداله السياسي وإدراكه لتعقيدات الوضع السياسي الذي وجد نفسه فيه أو ساهم في صنعه بقصد أو بدونه مما جعله مرشحا ليكون حزب الوسط والاعتدال العراقي بامتياز ؛ و هو بهذا قد يعتبر الحزب المطلوب أولا وبإلحاح في الساحة السياسية العراقية المزدحمة بالتطرف وأهله من جهة وبالتبعية للغرب والمساومات وأهلها من جهة أخرى . كما تمتعت قيادة السيد مسعود البرزاني باحترام بيِّن وثقة طيبة في أوساط النخبة والجمهور العربي والكردي على السواء لمواقفها الوطنية في أكثر من مناسبة . ومما يسجل لمؤسس الحزب الملا مصطفى البرزاني " الأب " أنه اختار المواطنة العراقية ورفض إلحاق الكرد وكردستان العراق " الجنوبية " بتركيا بعد الحرب العالمية " الغربية " الثانية كما ذكر السيد مسعود نفسه في حديث لجريدة "الحياة" قبل بضعة أعوام . أما ما يسجل للسيد مسعود البرزاني إيجابيا فهو موقفه المبدئي من عمليات التزوير واسعة النطاق التي قامت بها معظم الأحزاب السياسية وفي مقدمتها الحزبان الكبيران الديموقراطي والاتحاد الوطني في الإقليم خلال انتخابات 19نيسان 1992 التي أعقبت انسحاب السلطة المركزية من معظم أرجاء الإقليم . حيث يسجل القيادي الشيوعي العراقي الراحل د.رحيم عجينة في مذكراته أن الأخ مسعود البرزاني رفض بشدة وغضب عمليات التزوير تلك ، وطالب بإلغاء نتائج الانتخابات .كتب عجينة : ( مسعود البرزاني الشاب الخلوق ، المحرج ، أصدر بيانا داخليا " تسرب " الى تلفزيون وإذاعة "حدك " يدين الانتخابات ويصفها بالغدر وأنها مطعون فيها وغير مقبولة ويرفض نتائجها ولن يقبل شخصيا أن يكون زعيما في انتخابات غير نزيهة ./ ص318 /الاختيار المتجدد ) . ومن الجدير بالذكر الإشارة الى ان مواقف إيجابية ومبدئية كهذه ليست حكرا على حزب كردستاني بعينه كما أنها ليست استثناء أو نادرة في تاريخ القيادات التحررية الكردية العراقية فمعروف أيضا موقف زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني السيد جلال الطالباني الرافض للرد بالمثل على حملة تفجير السيارات المفخخة والقنابل الموقوتة التي شرعت مخابرات النظام الشمولي بالقيام بها اعتبارا من 22آذار 1992 في عدد من المدن الكردية والجميع يتذكر تصريح "مام جلال" القائل ( لسنا عاجزين عن القيام بمثل هذه الأعمال ، ولكننا لن نرتكب جرائم كهذه ونقتل أهلنا في بغداد والمحافظات الأخرى.) وفعلا مرت السنوات ولم يحدث تفجير واحد في بغداد أو غيرها من المدن العربية في العراق طوال فترة التسعينات .غير أن الموضوعية تقتضي القول أن هناك ، والى جانب هذه المواقف المحمودة ، تجاوزات وأخطاء خطيرة قامت بها بعض الأطراف الكردية في فترات الصراع المسلح وتسببت بالكثير من المعاناة والآلام والذكريات الصعبة .
وبالعودة الى موضوعنا ، يبدو لشديد الأسف ،أن قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني قد ضحت بميزات الاعتدال والوسطية في بازار المزايدات السياسية ورفع الشعارات الأكثر تطرفا من شعارات "الآخر" . و الآخر هنا هو الحزب الغريم الاتحاد الوطني الكردستاني ، إذ لا يكاد المطالع لمسودة الدستور العراقي يتخلص من الشعور بأن محرري المسودة كانت عينهم على جماهير الاتحاد الوطني وغيره من الأحزاب وهم يفكرون ويدسترون المواد وليس على أي طرف آخر..
الأسماء والمسميات : تقدم أن اسم الوثيقة وبالتالي اسم الدولة العراقية المقترح هو ( الجمهورية الفيدرالية العراقية ) ونلاحظ أن محرر المسودة استعمل اللفظة الأجنبية " الفيدرالية " وليس مرادفها العربي " الاتحادية " مع أنه استعمل هذا المرادف العربي مرات عديدة في نص مسودة الدستور وهذا يعني أن لا تحفظ لديه على الكلمة من الناحية اللغوية أما إذا احتج بعدم وجود مقابل لتلك الكلمة في اللهجة الكردية التي حررت بها المسودة فهذه الحجة مردودة لأنها تتعلق بدائرة أخرى وموضوع مختلف هو موضوع الترجمة الكردية للوثيقة وليس بترجمتها العربية .
ونلاحظ أيضا أن المحرر قدم الصفة الثانوية " الفيدرالية " على الصفة الأولية " العراقية " والمراجع لقائمة أسماء الدول الاتحادية في العالم سيجد نفسه أمام سابقة لا مبرر لها فقهيا ومن تلك الأمثلة " جمهورية روسيا الاتحادية " و " جمهورية ألمانيا الاتحادية " .. الخ . وإذا ما علمنا أن النظام الحاكم تدارك الخطأ القديم واعتمد اسم العراق كعلم مذكر وليس " العراقية " كصفة مؤنثة وهو الأمر الذي تنبهت إليه الدساتير في بعض الدول العربية كجمهورية مصر العربية و مملكة البحرين ولكنه ظل على صيغة الصفة المؤنثة في بعضها الآخر كالجمهورية التونسية والجزائرية والسورية والمملكة السعودية والمغربية ..الخ و. وهكذا وبتفادي المشاعر القومية المغالية التي ربما كانت وراء تقديم الصفة الثانوية على الأولية ربما لأنها تشم في اسم العراق رائحة شوفينية عربية ! وباعتماد صيغة اسم العلم الصحيحة في الفقه الدستوري، سيكون الاسم الأقرب الى الصواب هو " جمهورية العراق الاتحادية " وليس " الجمهورية الفيدرالية العراقية " في حال وافق الشعب العراقي ديموقراطيا على هذا الخيار طبعا .
الديباجة : تركز ديباجة مسودة الدستور نيران نقدها على مفهوم الدولة المركزية البسيطة وتنحاز وتحبذ الدولة اللامركزية المركبة والتي تختار لها صفة " الفيدرالية " وهي محقة في هذا النقد وذلك الانحياز دون أن يترتب على هذا الإحقاق موافقة بالتبعية على النظام الفيدرالي كما تقدمه المسودة .وبالمناسبة فقد كتبنا في أكثر من مناسبة آخرها مقالة بعنوان ( لماذا يسئ المتطرفون من الكرد الى قضية أمتهم العادلة ؟ / القدس العربي عدد 20حزيران 2002 ) ما فحواه أن الموجود الآن، ومنذ قيام الفيدرالية في إقليم كردستان العراقي لا علاقة له بالفيدرالية . وأن هذا النظام يشترَط لقيامه ووجوده أكثر من طرف يتعاقدان أو يتعاقدون في اتحاد فيدرالي يصادق عليه الشعب في استفتاء ديموقراطي نزيه . وقد جاءت مسودة الدستور العراقي موضوع النقاش لتعطي تأييدا ومصداقية غير مباشرة ولكنها قاطعة لما ذهبنا إليه في كتاباتنا ، مما يعني بالنتيجة أن الوضع القائم الآن في الإقليم هو وضع غير طبيعي، ربما كان مبررا من الناحية الإنسانية ،ولكنه غير سليم دستوريا وسياسيا ولا يمكن وصفه بالنظام الفيدرالي الذي يشترط لقيامه موافقة أهل الشأن المباشرين وهم جميع والعراقيات العراقيين من عرب وكرد وأقليات قومية ودينية أخرى .ولنلاحظ أخيرا أن المسودة تقصد وتروم اتحادا فيدراليا بين إقليمين أي بين كيانين جغرافيين لكل منهما هيئاته المحلية وليس اتحادا فيدراليا بين جمهوريتين ذاَتَيْ حكم ذاتي .
وتمضي مسودة الحزب الديموقراطي الكردستاني للدستور العراقي المستقبلي قُدما في رصدها التاريخي لعمر الدولة العراقية الحديثة لتقرر أن هناك خللا في دولة العراق منذ قيامها وهذا الخلل كما ترى المسودة موجود في التنظيم الدستوري وفي طبيعة النظام .إن الصحة المضمونية النسبية لهذه الديباجة لا تنفي طابعها السطحي والمتسرع والناتج عن فهم سياسي بسيط وبعيد عن العلمية التي ينبغي أن تناقَش بموجبها قضية الكيانية " الوطنية " العراقية الحديثة والتي تشكلت خلال القرنين الماضيين على أقل تقدير ، ولهذا يعجز هذا التفسير في صيغته البسيطة عن توضيح السبب في أن صيغة الدولة المركزية الشديدة لم تكن بهذه الصفات والنتائج السلبية على امتداد التاريخ ،بل إنها كانت وراء نوع من الاستقرار والنمو الاقتصادي والمجتمعي الجيد أحيانا. ومن النافل القول أننا لا ندافع هنا عن الدولة المركزية بوصفها التمظهر الأوحد و الأصوب للنظام الشمولي أو الدكتاتورية المعاصرة بل نحاول استجلاء حقيقة المفهوم ذاته .
ولكي لا نغرق في مناقشات أكاديمية نحن بأمس الحاجة لها ولكن ليس هذا أوانها، نعود الى ديباجة مسودة الدستور لنلاحظ : أنها اعتبرت (الديموقراطية والفيدرالية صنوين متلازمين ) يشترط أحدهما الآخر . غير أن المسودة تقف عند هذا الحد ولا توضح لنا الأفق المستقبلي لتلك السيرورة التاريخية أو حتى تلمح تلميحا لطموحات وصبوات العرب والكرد في العراق في التوحيد القومي لكل طرف مع الأمة التي ينتمي إليها . إضافة الى أن المسودة لم تعط النظام الشمولي القائم أية أهمية تحليلية ولا هي تكلمت عن مسئوليته في كل ما حدث وما سوف يحدث للعراق، ولا عن كيفية التعامل معه والموقف منه بوصفة المعيق الأول لقيام نظام ديموقراطي اتحادي تعددي في العراق ، لا بل تصرفت وكأنه غير موجود إطلاقا . ثم يختم المحرر ديباجته بعبارة تعليلية تقول ولهذا ( قررنا إقامة هذا الدستور ) . وهذه صيغة ضعيفة لغة ومضمونا ويمكن البحث عن بديل لها كأن يكون ( قررنا تشريع هذا الدستور ) أو ( قرر ممثلو الشعب المنتخبين اعتماد وتبني هذه الصيغة للدستور ) أو ( قررنا دعوة الشعب للاستفتاء على هذا الدستور ).
حدود الإقليمين : تنص المادة الثانية من مسودة الدستور على أن العراق يتألف من إقليمين :العربي ويضم وسط وجنوب العراق إضافة الى محافظة نينوى "الموصل " التي تستثني منها مسودة الدستور ما تسميها ( الأقضية ذات الأغلبية الكردية ) وهي أقضية عقرة والشيخان وسنجار وناحية الزمار . هذه الأقضية التي تلحقها المسودة بالإقليم الكردي تمثل أكثر من نصف المحافظة المذكورة . ومن المهم التأشير على المقياس السكاني الذي أخذت به المسودة هنا ، ولكنها لا تحدد وفق أية إحصائية سكانية سابقة و لا تربط ذلك بإحصائية سكانية جديدة تمتاز بالدقة والحياد يقوم بها النظام الديموقراطي القادم في العراق ! وهذا يعني أن الأساس الذي تقوم عليه هذه المادة وعدد آخر من المواد مازال معلقا بتحديد الواقع الديموغرافي وفق إحصائيات دقيقة على أساس الانتماء القومي للسكان ينبغي أن تكون مشفوعة بموافقة أولئك السكان بعد إجراء الإحصاء المطلوب على الالتحاق بالإقليم الكردي أو العربي كما تقتضي شروط وتجارب تحقيق المصير في العالم المعاصر . أما الإقليم الكردي فتقرر المسودة أنه سيشمل محافظات أربيل وسليمانية ودهوك وكركوك إضافة الى ما انتزعته من أقضية محافظة الموصل العربية العريقة والى قضائي خانقين ومندلي من محافظة ديالى وقضاء بدرة من محافظة واسط . وهنا يمكن القول أن مسودة الديموقراطي الكردستاني قد اختارت أكثر الخرائط تطرفا ومغالاة في مزايدة سياسية مؤسفة على شعارات الاتحاد الوطني الكردستاني وهي لهذا ستلحق أفدح الضرر بالعراق عموما وبنضال الكرد التحرري خصوصا . لقد بالغ محررو المسودة الدستورية بتوسيع حدود الإقليم واستعملوا خريطة قديمة كان يتبناها حزب العمال الكردستاني في تركيا "بي كا كا " الذي أعلن رسميا عن تخليه عن برامجه واسمه ومنهاجه وحل نفسه في حزب ديموقراطي آخر ولكن محرري المسودة استعاروا منه القسم الجنوبي من خريطته التي كانت تكاد "تقبل" الخليج العربي الإيراني !
إن المطالبة بإلحاق تلك الأقضية بإقليم كردستان وتغيير طابعها السكاني و منها قضاء "بدرة" لهو فضيحة جغرافية وسياسية وتاريخية بكل معنى الكلمة ولا يمكن القبول بها . فقضاء "بدرة " على سبيل المثال يقع على مسافة مائة كليومتر تقريبا جنوب شرق العاصمة بغداد ، وهو يتبع إداريا محافظة واسط التي يقع مركزها " الكوت " على مسافة 172 كم جنوب بغداد و القضاء المذكور مشهور بغابات نخيله وجودة تموره و مسكون بقبائل عربية عريقة وفيه نسبة من الكرد الفيلية " الشيعة " والتركمان . أن محرري مسودة الدستور الذين يعتبرون اليوم قضاء "بدرة" كرديا لأن الكرد الفيلية شكلوا نسبة من سكانه في فترة تاريخية ما، ينسون أن هؤلاء الكرد كانوا يعاملون كما يعامل العرب من قبلهم فيمنعون من دخول بعض المناطق الكردية التي تسيطر عليها المليشيات الحزبية وخصوصا تلك المناطق التي يقيم فيها علية القوم وكبار الحزبيين دع عنك أن الكرد الفيلية منتشرون ومنذ أمد بعيد في جميع مدن العراق ،من أدنى الجنوب الى أقصى الشمال . وهم مندمجون مجتمعيا ويعتبرون أنفسهم عراقيين اولا ويتكلمون اللغة العربية في غالبيتهم ،فلماذا لا يحق لهم أن يقولوا رأيهم في شأن يهمهم مستقبلهم وجذورهم ؟
وعلى كل حال ، فلا يمكن العبث بمستقبل الأوطان وأرواح الناس بهذه الخفة و الاستسهال ، و كان ينبغي على السادة المحررين ان يدركوا أن الأوطان لا تصنع أو تمدد وتقصر بجرة قلم أو قرار حزبي مهما كانت درجته . وكان عليهم على الأقل ان يتذكروا الناس ويمنحوهم حق الكلام أو التعبير عن الرأي من خلال استفتاء نزيه ، والكف عن هذه الطريقة الفوقانية في إسقاط البرامج والقرارات والإعلانات من الأبراج العاجية والدوائر المغلقة لمجموعات من العبقريين والفاهمين في كل شيء إلا احترام شعوبهم .وباختصار نتساءل لماذا لم يمنح محررو المسودة أهل تلك المناطق حق تقرير مصيرهم واختيار البقاء في الإقليم العربي أو الالتحاق بالإقليم الكردي وليتم التصويت أو الاستفتاء بعد عودة المهجرين من جميع القوميات ؟
وفي الواقع فإن تلك المنطقة الشرقية من العراق وبداية من "ديالى" "خانقين" و "بدرة " وقضاء "النعمانية "الذي يضم ضريح شاعر العربية الأول أبي الطيب المتنبي ، وصعودا حتى منطقة وسط الجزيرة ،وانتهاءً بالحدود الشمالية الغربية مع تركيا وسوريا، هي عبارة عن شريط جغرافي وسطي بين المناطق الكردية الخالصة والمناطق العربية. ولقد كان هذا الشريط ومعظمه من السهول والأراضي التي تعرف بالأراضي المتموجة وطوال قرون وقرون مثالا رائعا للاندماج المجتمعي والتعايش السلمي الراقي بين المكونات القومية الرئيسية في تلك المنطقة وهي العرب والكرد والتركمان والآشوريين إضافة الى أقليات صغيرة أخرى . و يلاحظ مؤلفا كتاب ( العراق الشمالي ) السيدان محمد هادي الدفتر وعبد الله حسن ، الصادر سنة 1954 هذه الحقيقة المجتمعية والوطنية فيسردان على امتداد أكثر من خمسمائة صفحة موثقة بالصور والأسماء والأرقام تجلياتها مدينة مدينة ، وقرية قرية . وسنتوقف في الصفحات التالية عند بعض صفحات هذا الكتاب /الشهادة لكي لا يبالغ السادة محررو مسودة الدستور في المرة القادمة فيطالبون بضريح المتنبي وبلدته أيضا ويلحقونهما بإقليم كردستان ! إذن ماذا بخصوص خانقين ومندلي ؟ .. وللحديث صلة في الجزء الثاني .
****************************
الحزب الديمقراطي الكردستاني يعرض مسودة دستور الجمهورية الفيدرالية العراقية