|
بين الثابت والمتغير
محمد العلمي الوهابي
الحوار المتمدن-العدد: 3014 - 2010 / 5 / 25 - 08:12
المحور:
المجتمع المدني
أشعر بالغثيان حين أقرأ لأنصاف المطلعين، هذا النوع من الناس يؤذيك بكلامه حتى لو كان سلاماً ويسبب لك حكة في حنجرتك ويجعلك تتصبب عرقاً من فرط حماقة الموقف وبلاهة المتحدث فترجو سكوته في حين يستمر هو في (الرد).
ما زال هؤلاء يعجزون عن القفز فوق الدرج الشائك، وينسون أن الجرح يندمل ولكن القبوع في قعر مظلم منتن هو أصل كل الآفات وأنواع الجنون والحمق، لا يستطيعون أن يستوعبوا منطق انسان "يفكر" ببساطة ويعبر عن "أفكاره" بتلقائية دونما حاجة إلى إذن خطي أو مصادقة حكومية أو إباحة شرعية.
جنون العظمة يغلف أدمغتهم ويحول بينها وبين نسيم الفكر، أوقفوا حركة الزمن عند نصوصهم وحرَّموا تجاوزها نحو التالي وإن كان الأصلح، وفضلوا التمرغ في أوحال المستنقع حفاظاً على التراث كصانع الطوطيم وموهم العشائر الهمجية بقداسته التي تتجاوز القدرات الإنسانية تلك التي لم نشهد لها مثيلاً لحدود الآن.
وإلى الآن يبدو كل شيء واضحاً وجلياً لأولي الألباب، ويبقى السؤال الموغل في الحلق كشوكة سمكة "الشرال"، أين هم ؟ هل سنعول على الغث في مواجهة الزوابع والصحاري ؟ كيف سننهض بمحيطنا الذي سينهض بنا ؟ تعودتُ على السؤال أكثر من الإجابة ربما يكمن السبب في عادة فلسفية قديمة وهي عادة التساؤل الذي يشرع الأبواب لمزيد من المعرفة.
نحتاج أناساً "مفكرين" وليس قطيعاً يتبع الحادي ونواقيس الراعي، نحتاج إلى أنهار دم لا سدود تقف في وجه صبيبها وسنوات عجاف ستعقبهن عقوداً سماناً، وصبر أيوبي يغطي مساحة تمتد من المحيط إلى الخليج وأعواد مشانق تحلق فيها رؤوس هؤلاء "المفكرين".
هذا التغيير يجب أن يشمل الرؤى الميتافيزيقية والعادات والأعراف الإجتماعية والنصوص التشريعية بشقيها الوضعي والشرعي وأنماط الإنتاج والتصرف والحكامة، هذا التغيير لا أوجبه أنا بل هو ضرورة توجب نفسها لأجل التغيير وإلا فإن التغيير كائن لا محالة غير أن الفرق يبقى بين مرتقي ومنحط.
هناك مشكلة أخرى تتجلى بعُقدها وخراطيمها الأخطبوطية، وهي مشكلة التناقض والإزدواجية الحاصلين عند هذا النوع من البشر الذي يضمر في دواخله ودياناً وأوعية دموية تسبح فيها عوالم من أزمنة غابرة كُتب لها الفناء والبقاء حيث هي في رفوف الماضي، إذا لاحظتم طريقة حديثهم وتفكيرهم وطريقة معيشتهم وتدبير أمورهم ستجدون تضاداً ونشازاً يصم الآذان ويعمي الأبصار ويجعل النهى في ذهول واللسان في عي.
هذا من ناحية، ومن نواحي أخرى سترون أن هؤلاء يدركون عمق المشكلة بطريقة من الطرق لكنهم لا يستطيعون التخلص من الخط الأحمر والحارس المقدس لهذا الأخير، يضعفون بمجرد تفكيرهم في دوسه ويذوبون عنده كذوبان الجليد في اليم المتضارب.
هلعهم البدائي وجنوحهم نحو فكرة الخلود يجعلانهم يفضلون بيع الحالي الأكيد بآتي في عوالم الغيب غير مضمون الحضور، يفضلون الركون إلى زواياهم المظلمة وإفراغ أحاسيسهم الناضحة ألماً في قوالب عدوانية تقتنص جميع الآخرين من المخالفين والمختلفين بكل أطيافهم وألوانهم الذين فضلوا أن يعيشوا على وجهين، وجه مغاير لما يعيشه هؤلاء من نواحي شكلية غير أن مضمونه يبقى واحداً وهو البشاعة التي تختفي وراء عدة أقنعة، ووجه مغاير تماماً لما هم فيه من ضنك شكلاً وجوهراً اختارته فئة فضلت ألم السؤال ووجع الوعي على التلذذ بظلام الزوايا وانحطاط القعر والتعرق أمام الخط الأحمر.
وتبقى هي الفئة القليلة وهي في نظري الأنجى والأقدر على المحاججة وصد الظلم عن رعاتها، فشتان بين من يخطو في حذر ويستمر في التقدم وبين من يدور حول نفسه وحين يتعب يجلس وهكذا،... شتان بين من يخطو في حذر ويملك جرأة المبادرة في الخطو والتعرف على مزيد من الأجواء والتضاريس والألوان وبين من يدور حول نفسه في حلقة مفرغة كفأر تجارب حتى ينهكه التعب دون أن يُحصل لا جديداً ولا مفيداً.
ويبقى القلم هو نصير السادة وعدو العبيد، ويبقى الفكر هو تاج الملوك ومطرقة تشق أدمغة الحرافيش، ويبقى الحبر السري أحياناً أجلَّ أشكال النضال، والصراخ في الميادين وإكثار الجعجعة تضليلاً وضلالاً، ولا ملاذ لي يحميني من نيران الألسنة ورماح العيون وخناجر الأيدي غير هذه الصفحة البيضاء الناصعة وغير هذا المكان الآمن قصد الإنفجار البناء وإعمال الفكر وتشذيب غصونه.
#محمد_العلمي_الوهابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وطني الغالي
-
النبَّاحون الجدد!
-
رجال الدين امتداد للأوثان العربية القديمة ...
-
حلوة يا بلدي ...
-
مسلم بالوراثة يتساءل ...
-
قلنا لهم : طز، فزعلوا !
-
الى المدعوة ماغي
المزيد.....
-
-حق سيادي لإسرائيل وندعمه-.. مسؤولة أمريكية تعلق على إغلاق م
...
-
لازاريني للجزيرة: الأونروا تتمسك بأدوارها في غزة والضفة حتى
...
-
انتقادات في الأمم المتحدة لسجل مصر الحقوقي ومطالبات بإصلاحات
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يرفض مشروع قانون يدعو لفرض عقوبات على ا
...
-
لازاريني يحذر من -كارثة- بسبب تشريع إسرائيلي مجحف بحق -الأون
...
-
اعتقال مسلح خطط لقتل وزيري الدفاع والخزانة ورئيس مجلس النواب
...
-
الإعلام الاميركي: اعتقال رايان انجلش عند باب الجنوبي للكابيت
...
-
تطهير عرقي وانتهاكات جسيمة.. الجنائية الدولية تتجه لإصدار مذ
...
-
الإمارات تستعرض تقريرها الوطني الثاني بشأن الميثاق العربي لح
...
-
المتحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة:الانروا ستواصل عملها حتى
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|