سعيد تيسير الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 3014 - 2010 / 5 / 25 - 08:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما يعجز الأب في بيته عن التأثير في عائلته فأن أسهل وسيله للتخلص من لوم النفس هي لوم الأخرين ممن هم خارج نطاق أسرته الصغيره وخلق نوع من العداء معهم وأتهامهم بين الحين والأخر بأنهم وراء ما يحصل في نطاق عائلته الصغيره سواء لمرافقتهم لزوجته او ابنه او ابنته أو اي مسألة اخره قد تدور حول قضايا الأسرة, وذلك لسبب بسيبط جدا يكمن في محاولة لآقناع النفس بأن هنالك عامل ثالث يربك اسرة المنزل وليس الاسرة بذاتها المقصرة في واجباتها من جهة أو ضعف تعامل الأب مع ابنائه وزوجته من جهة اخره، فنظرية المؤامره تغطي ولو مؤقتا على الفشل المتكرر والمزمن؛ فهي العلاقه التي نعلق عليها كل أخطاءنا وفشلنا والتي تقود الى التهرب من واقع الحال المعيب.
مذهل جدا مدى استهلاك نظرية المؤامرة في الوعي الأجتماعي في العالم العربي و الأسلامي، وربما تكون الحاجة قصوى لعمل دراسات وابحاث اجتماعية واضحة المعالم ومبنية على أسس علمية دقيقة لمعرفة جذور وأسباب هذه الظاهرة. البعض يزعم بأن السبب الرئيسي يكمن في الميراث الطويل من تعرض الوطن العربي الى مخططات وتقسيمات استعمارية كمثل تقسيم بلاد الخصيب والشام أثرت على حاضره ومستقبله والبعض الآخر يزعم من جهة اخرى بأن إنتشار الجهل و الأميه هما احد الاسباب الرئيسية في نشوء الفكر المؤامراتي بشكل سائد, ولكن من الواضح أن هذا النمط من التفكير بات شائعا إلى درجة تثير الأسى.
لذلك نجد ان الغالبية العظمى في العالم العربي متيم بنظرية المؤامره, من المثقف الى السياسي الى الأستاذ التربوي الى المواطن العادي الى عامل النظافه وحتى المسنين في المقاهي في جلسات الصباح. الجميع يجلب الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونيه ويحشرهما مع نظرية المؤامرة في جميع أمور حياتنا, في القضايا "العربيه العربيه" والمناظرات "العربية العربيه" وارتفاع المواد التموينيه والغذائية و فساد بعض المسؤلين العرب والأميه والعجز الاقتصادي وقمع الحريات وربما حتى في الصقيع وسوء المواسم الزراعيه وفي انفلونزا الطيور و الايدز, لذلك اعتدنا أن نقذف فشلنا وعجزنا و فقرنا وقهرنا ودمويتنا في مواجهة بعضنا في أحضان المؤامره. لاشك أن الصهيونيه العالميه والموساد وبعض الانجيليين من ساسة العالم يهمهم كثيرا ضعف العالم العربي وعجزهم الفكري, وهناك من يتآمر فعلا وعملا في تقسيم العالم العربي واضعافه وتشتيته الى شظايا متناثرة, ولكن العرب أقتنوا هذه الافكار التآمريه وجعلوها حجة وأيقونة لعجزهم وفشلهم, لذلك نجد ان نظريات المؤامرة المترسخة في منهجية الفكر العربي ليست نتاج العاطفة المنسالة تجاهها, وانما هي اصبحت الية الفكرالمعتمد في مناقشة كثير من القضايا العربية و من حولها في غصون الأيديولوجيات والمذاهب والاعتقادات المختلفة.
التخوف الدائم نحو "الآخر" في الحياة الاجتماعية العربية هو نتاج رحم المؤامرة التي تطورت في التاريخ العربي الحديث, والتي لها صلة الى حد كبير في الية تجييش الشعب العربي ضمن تصورات عدائية للطرف الاخر بأسم اقتناء العقيدة الأسلامية, حيث نجد ان كثير من الندوات الاسلامية المتشدده في طبيعة فكرها اصبحت تعتمد على عدد من المسلمات التي لا تقبل روح التسامح البشري للطرف الاخر, لاسيما انها تزعم لما فيها من توعية للمسلمين آجمعين؟ والبعض منها كرس هذه التوعيات التخويفية كمثل الآيات القرآنية في الدعوة إلى الإسلام والولاء لنفسه بالبراءة من الكافرين. وعلى الرغم من نشود كثير من الايات القرانية والاحاديث والمفاهيم الأصيلة التي تحث على التسامح مابين البشر في الإسلام مثل "كن جيدا لجميع الناس" و "ادفع لما هو أفضل " تجنب التحيز، وغيرها من مبادئ السلوك والإجراءات و الأخلاق التي تحث على رفض فكرة العداء المطلق تجاه الآخر، و وضع علامات العداء المناسبة إلا في أوقات الصراع والحروب المفتوحة، لازال البعض مع ذلك يعكس هذا المنطلق الاسلامي الشريف و يحول الاستثناء إلى القاعدة من خلال جعل الشك للطرف الآخر "مستمر" و غير قابل للتغيير. ويمكن إرجاع التخوف الدائم في الثقافة العربية والإسلامية في فترة بروز الصراعات الطائفية بين الفصائل النامية بعد نمو الدولة الاسلامية و تطوير الخطاب السياسي ضمن حدود كل طائفة, حيث تستند العلاقات بين الفصائل على التأكيد ان كل فصيل ينتمي إلى الإسلام الحقيقي وأن الآخرين على خطأ، مع توفير كافة الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية لإثبات بأن فهمهم للإسلام كان صحيحا والأخرون هم في موضع الشك والمغالطة.
نظرية المؤامرة قد تغوص في كثير من المعاني، في حين ان بنيتها الاساسية دائما ماتأخذ نفس المعنى الذي يدور بين عامة الناس و عامة الشعوب والسؤال الذي يطرح نفسه دائما هو : لماذا يوجد الشر على الأرض وتسوء الامور بالنسبة لنا؟ والجواب في الوجه الاخر هو في نفس المنطلق دائما : نظرا لأن هنالك أهل الشر الذين يكيدون من وراء مايحصل من ماسي وكوارث الى الشعوب. كثير من عامة الناس يعتقدون ان الولايات المتحدة الامريكية محكومة من وراء الكواليس من قِبل نخبة منفردة لتيسير رغباتها السرية، أي على يد جماعة سرية صغيرة تطمع في تغيير نظام الحكم من جهة و وضع البلاد تحت سيطرة حكومة عالمية من جهة اخرى, وهذا المنسوب يؤدي بنا الى تبسيط تعقيدات النظام السياسي الامريكي لما في ذلك من الغاء الى كافة القوات المتمركزه من سلطات قضائية الى سلطات تشريعية الى سلطات تنفيذية ناهيك عن الاعلام الذي يستولي على سلطة رابعة في منهجيات سياسة الدولة.
هناك سبب بسيط ينتابني في تصديق هذه النظريات اللامنطقية هو انها غالبا ما تعتمد على أسس بعيدة المنال حيث تنافي المنطق العقلاني السليم في التصديق. الشكوك التي دائما ما تستحوذني هيا اننا في واقع الامر بشر مكونين من مجموعة متنوعة من التحيزات المعرفية التي يمكن أن تشوه أحكامنا لتسمح لنا بالحفاظ على معتقداتنا, لاسيما اننا نزعم في بعض الاحيان بامتلاكنا للحقيقة على الرغم من وجود أدلة دامغة قد تثبت عكس ذلك. بعض هذه التحيزات تشمل الميل إلى رؤية الأنماط بمنطلقاتنا والتي احيانا قد لا توجد لها اسس, حيث نقوم بتفسير المعلومات الجديدة و القديمة على طرق تؤكد صحة توقعاتنا و معتقداتنا. ومع ذلك، معظم الوقت ونحن على غير علم بهذه التحيزات و بثقة مفرطة لا ندرك بأن تصوراتنا قد تكون متراكمة على اسس وهمية أو أن تصوراتنا قد لا تمثل الحقيقة الموضوعية. و هذا لا يعني أنه لا توجد مؤامرات قد حدثت في تاريخ الشعوب، أو أنني في مأمن تام من الدخول في الية الفكر المؤامراتي مثل التفكير في بعض القضايا التي قد تستدعي الشك. المعني فقط من ذلك هو ان احدى تحيزاتي المعرفية تشك في هذا النوع من النظريات الغير مبنية على اسس منهجية و واضحة المعالم.
يجب علينا ان نحد من سوء استخدام اللغة التي تعتمد في منسبوها على التسميات الخاطئة و تصنف الناس والشرائح المختلفة بمجرد اشاعات ترويجية بين عامة الخلق لا اكثر, حيث المصطلحات العدائية أو بالاحرى الغير صحيحة لا تخلف سوى التعارض مع مصالحنا المشتركة التي من جانبها تعمل على اضعاف المعرفة والادراك الحسي في الشعب العربي. ومن الأهمية أن نبحث عن الأدلة و ما هي عليه معتمدة من اثباتات و حقائق لما في ذلك من الحرص على عدم توسيع ردائد الخلق المتجددة الغير علمية التي لا تتجاوز سوى واقعها العجزي, حيث الحقائق يجب ان لا تخلط بينها وبين التنبؤات والتكهنات الثرثرية، ولكن يجب أن تقدم في ظل وحدود صلاحيتها. لذلك نطرح تساؤلات على الشعوب العربية, هل من الاحرى ان نكون آسيرين الى الفكر المؤامراتي و نصبح في حالة من العجز العقلاني والشعبي الفوضوي؟ وهل من الفطنة اختلاق اعداء وهميين و نكمن ساذجين في الاوهام والاساطير البالية بالخرافات الجياشة؟ اذا كان الشعب يبحث عن مفر لآقناع الذات بأن واقعنا المخزي هو نتاج نظريات المؤامرة العالمية على الشعب العربي و الاسلامي, فأن العجز الفكري والذاتي المعنوي يدخل الى حد كبير في الية الفكر الأعتيادي والبالي الذي خلفته الشعوب العربية على ممر الاجيال والسنين.
#سعيد_تيسير_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟