|
محاربون من أجل حقوق الحيوان
سيدريك غوفرنور
الحوار المتمدن-العدد: 917 - 2004 / 8 / 6 - 11:29
المحور:
حقوق الانسان
قامت السلطات في الولايات المتحدة أخيرا بتحذير مختبرات الأدوية وشركات التكنولوجيا الحيوية من احتمال تعرضها لهجمات من المدافعين عن حقوق الحيوان. وبات مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف.بي.آي.) يصف أنصار البيئة الراديكاليين بهؤلاء "البيئيين الإرهابيين". وفي بريطانيا لا تتردد بعض المجموعات السرية في اللجوء إلى الهجمات على مزارع استثمار الحيوانات. ومنذ أربعين عاماً يعتبر مختبر "هنتنغدون لعلوم الحياة" (HLS)، الأكبر في مجال الاختبارات على الحيوان في أوروبا في خضم معركة عالمية فعلية. ومن أجل تحرير الحيوانات المعرضة للتعذيب يسعى أنصار البيئة إلى دفع مختبر هنتنغدون إلى الإفلاس عبر مضايقة المساهمين فيه وزبائنه ومموّنيه.
يبدو السيد روبن ويب، وهو بكل أناقته في بذلته الكاملة "من الخيوط التركيبية"، متقاعداً وديعاً أكثر منه معتوها مهووسا بتحرير حدائق الحيوانات، الدور الذي لعبه براد بيت في فيلم "جيش القرود الإثني عشر"[1]. ومع ذلك فان الرجل الذي يستقبلنا في أحد مقاصف نوتنغهام هو الناطق الرسمي باسم "جبهة تحرير الحيوان" (ALF)، وهي مجموعة سرية يلاحقها قسم مكافحة الإرهاب في سكوتلانديارد والأف.بي.آي. والسيد ويب، النقابي السابق الذي تحول مناضلاً نباتياً متشدداً[2] منذ خمسة وعشرين عاماً "لدى مروري صباحاً أمام أحد المسالخ" يوضح أن "جبهة تحرير الحيوان لا تقهر، فليس بإمكان الدولة أن تسجن فكرة. وكل من يقوم بعمل لإنقاذ الحيوانات أو لتخريب أملاك الذين يستغلونها، من كسر الزجاج إلى الحريق، مع حرصه على ألا يجرح أحدا، لا من الحيوان ولا من البشر، يمكنه أن يعلن عن مسؤوليته على الانترنت باسم "جبهة تحرير الحيوان" التي تقدم له في المقابل الدعم في حال توقيفه". وهذا التنظيم اللامركزي يجعل من جبهة تحرير الحيوان عصية على اختراق أجهزة الشرطة وبالتالي على التفكيك. ويتباهى الناطق الرسمي الذي أوقف لمدة سبعة أشهر في العام 1995 موضحاً: "إن الجيش الجمهوري الايرلندي(IRA) يعمل أيضاً عبر خلايا مستقلة، لكنه تابع لقيادة مركزية يمكن تحديدها. أما جبهة تحرير الحيوان فليس فيها شيء من هذا، وتوقيفي لاسكاتي في هذه الحال لا ينفع".
ومنذ نشأة المنظمة في العام 1976 تعرض حوالى 200 من ناشطيها للسجن لقيامهم بآلاف العمليات. وتدعي جبهة تحرير الحيوان سقوط العديد من "الشهداء" لها ومنهم باري هورن الذي مات إثر إضراب عن الطعام في السجن في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001 حيث كان ينفذ عقوبة بالسجن لمدة 18 عاماً لقيامه بهجوم على محل لبيع الفرو. ويقول السيد ويب انه سقط "باسم حرية أولئك الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم" أي الحيوانات.
ولطالما كانت بريطانيا متقدمة في مسألة الدفاع عن حقوق الحيوان. ففيها قامت أول جمعية للدفاع عن العالم الحيواني ووضع أول قانون ضد إساءة معاملة الحيوانات وذلك في عشرينات القرن التاسع عشر. وفي العام الماضي تمكنت الجمعية الملكية للوقاية من الوحشية تجاه الحيوان من جمع 80 مليون جنيه استرليني[3] دفعها حوالى 000 300 متبرع.
واللجوء إلى القوة على يد شريحة من هذه الحركة التي يتحدر مناضلوها من كل الطبقات الاجتماعية، بدأ في ستينات القرن الماضي. ففي العام 1963 نشأت في جنوب بريطانيا جمعية مخربي الصيد (HSA). ويتذكر السيد ويب أن "الأمر قام على الوقوف بين الصيادين والطراد من أجل إنقاذ هذه الأخيرة ومن اجل حمل وستمنستر على حظر الصيد. وفي العام 1973 بدأت مجموعة صغيرة عملت مع روني لي على إحراق سيارات الصيادين. وفي ما بعد وسعوا عملياتهم لتطال مختبرات تشريح الحيوانات حيةً ومخازن بيع الفرو. وقد أطلقوا على أنفسهم "مجموعة الرحمة".
وبعد ثلاث سنوات اختار الناشطون السريون الاسم الرمزي "ألف" (ALF) "جبهة تحرير الحيوان". "كانت جبهات التحرير تنتشر في ذلك الحين في أميركا اللاتينية وفي إيرلندا، وقد اعتبرت "الف" أن أعمال العنف يمكن أن تكون مشروعة على المدى القصير من اجل الحصول على العدالة. وفي بريطانيا لجأت حركة إلغاء الرق وحركة المنادين بحق المرأة في الانتخاب من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، إلى بعض الأعمال غير الشرعية. أما اسم "ألف" وهو تصغير لاسم "ألفرد" فمن فضائله أنه يعقد عمليات التنصت الهاتفية".
وما ترمي إليه "الف" ومناضلوها، عبر هجماتهم وتهديداتهم، هو رفع تكاليف الحماية وصولاً إلى جعل "الاستغلال الحيواني" غير مضمون اقتصادياً. فهناك مئات الناشطين مستعدون للخروج على القانون في سبيل هذه القضية. وسجلهم في هذا المجال معبر، من تكسير واجهات الجزارين إلى الاعتداء على المسامك إنقاذاً لـ"سرطانات البحر التي تسلق" إلى إحراق المسالخ ومخازن بيع الفرو إلى المضايقات في السيرك وحدائق الحيوانات إلى الهجومات على مزارع الفيزون من جانب كومندوس ملثمين وتحرير الأسرى (بالرغم من الأضرار التي يتعرض لها الحيوانات في المحيط على أيدي بعض النهابين)، إلى نهب مختبرات تشريح الحيوانات الحية ومزارع الدواجن إلى مضايقة الموظفين أمام منازلهم ورمي نوافذهم بالحجارة وتخريب سياراتهم وإحراق شاحنات المسالخ المبردة. وفي الولايات المتحدة وأوروبا الشمالية تعلن "ألف" بانتظام مسؤوليتها عن أعمال من النوع نفسه.
وتتخذ أحياناً هذه الأعمال من أجل الحيوان منحى أكثر عنفاً. ففي تشرين الأول/أكتوبر عام 1999 اختطف مسلحون غراهام هول الصحافي في القناة الرابعة الذي كان يجري تحقيقاً حول مناضلي "ألف". وقد وسموا ظهره بواسطة حديد محمّى بالأحرف الثلاثة: A L F. وفي شباط/فبراير عام 2000 وجهت إنذارات بوجود قنبلة إلى المساهمين في مختبرات هنتنغدون مما استدعى إخلاء آلاف المستخدمين من المدينة. وفي مطلع العام 2001 تعرض مدير مختبرات هنتنغدون السيد براين كاس وأحد كوادر الشرطة لاعتداء على أيدي رجال ملثمين. وقد جرحت رسائل مفخخة أحد مربي المواشي وطفلة في السادسة من العمر. كما تلقى أشخاص آخرون من العاملين أو من المتواطئين على معاناة الحيوانات لتهديدات بالقتل أو بخطف أبنائهم. ووقع آخرون ضحية رسائل وجهت إلى جيرانهم تتهمهم بممارسة الجنس مع الأولاد.
وهناك مجموعتان من "المحاربين البيئيين" هما "ميليشيا حقوق الحيوان" (ARM) و"جناح العدالة" (JD)، تدعوان إلى اعتماد العنف ضد الذين يتسببون بتعذيب الحيوانات. وربما إن الفريق نفسه من أنصار البيئة يعمل في آنٍ واحد لجبهة تحرير الحيوان ولميليشيا حقوق الحيوان ولجناح العدالة، ويختارون إدعاء المسؤولية بحسب طبيعة العملية المنفذة. وهناك حوالى 2000 من أصحاب الشركات المرتبطين بتعذيب الحيوان ممن خافوا على حياتهم وحصلوا من الحكومة على الحق في سحب عناوينهم مما يعادل في بريطانيا السجل التجاري. إلا أن السيد مارك ماتفيلد، مدير جمعية الدفاع عن الأبحاث، وهي نوع من لوبي للتجارب الحيوانية، وهو من المستهدفين المحتملين، يقلل من شأن الخطر قائلاً "بما أن مأساة الفتاة التي جرحت قد أضرت بقضيتهم فان المتطرفين باتوا يحرصون على ألا يؤذوا أحداً. وأعمالهم هي بالأحرى نوع من التخويف، فهم لم يلجأوا أبداً إلى القتل". والذين قتلوا في هذا النضال هم إضافة إلى البيئي المضرب عن الطعام باري هورن، "اثنان من مخربي الصيد" ومتظاهرة ضد تصدير المواشي الحية التي كانت تقلب قلباً من الشاحنات في تسعينات القرن الماضي.
وخلال 30 عاماً من النضال حققت حركة تحرير الحيوانات انتصارات لافتة. فقد بات من شبه المستحيل إيجاد معطف من الفرو في بريطانيا. وفي السنوات الأخيرة اضطر العديد من شركات تربية الكلاب والهررة المخصصة للاختبارات إلى إعلان إفلاسها. وفي كانون الثاني/يناير عام 2004 اضطرت جامعة كامبريدج إلى التخلي عن مشروع مختبر لأبحاث العصبية يتطلب إجراء تجارب شرسة على الثدييات[4]. وقد نسقت حملة، عبر الانترنت، للضغط على الشركات المتعاونة في هذا المشروع على يد السيد ميل براوتون، وهو صديق لباري هورن سجن لمدة أربع سنوات لحيازته متفجرات. وكان المشروع خلال ثلاث سنوات قد تحول من مجرد مختبر بسيط إلى مشروع ضخم ارتفعت كلفته مثل السهم من 24 مليون إلى 32 مليون جنيه استرليني. لكن مجلس إدارة كامبريدج ما عاد في مقدوره الدفاع عن المشروع فتخلى عنه مثيراً أسى السيد توني بلير الذي تحدث عن "يوم أسود بالنسبة إلى المرضى". وينوي البيئي ميل براوتون العمل على إسقاط مشروع مشابه في جامعة أوكسفورد. ويقول موضحاً: "يمكنهم التآلف مع مظاهرة واحدة في العام، لكن ليس مع ضغط مستمر على المساهمين والممونين". وها أن مجموعة "بي.تي.بي. ترافيس بيركنز" ( BTP Travis Perkins) قد انسحبت بسرعة من مشروع اوكسفورد بعدما اتصل بها المدافعون عن الحيوان في شهر آذار/مارس الماضي.
غير أن العدو الرئيسي لميليشيا البيئة، المدينة الصغيرة المسيجة بالشريط الشائك التي يركزون عليها هجوماتهم منذ أربع سنوات، تلك التي يشبهونها أحياناً بمعتقلات التعذيب لا تزال ناشطة، وهي: مختبرات هنتنغدون للعلوم الحيوية، أكبر مختبر لتشريح الحيوانات حيةً في أوروبا. وقد قال لنا مديره السيد براين كاس، العدو اللدود لجبهة تحرير الحيوان منذ عشرين عاماً: "أنا مؤمن بما أقوم به" ويدعم رأيه قائلاً: "إن منافع التجارب الحيوانية بالنسبة إلى المرضى أمر لا يقبل الجدل". وهناك في هذا المركز من كمبريدجشاير 000 70 حيوان تستخدم كمادة تجارب سنوياً للصناعة العالمية. ويفصّل أحد مسؤولي هنتنغدون أن "85 منها هي من الأسماك والقوارض، أما الكلاب والقرود فلا تشكل من الرقم الإجمالي سوى 1(واحد) في المئة. وهذا ما يجعل في مطلق الأحوال 700 من هذه الحيوانات تخضع للتعذيب...".
وفي العام 1996 حصلت صحافية، زوويه براوتون، على منصب مساعد في مختبر هنتنغدون. وتحت قميصها البيضاء خبئت كاميرا صغيرة. وفي آذار/مارس عام 1997 عرضت القناة الرابعة حصيلة تحقيقها على مدى ستة أشهر في فيلم وثائقي تحت عنوان: "إنها حياة كلب". وقد اكتشف الجمهور فيه كيف أن أحد العاملين في المختبر يضرب كلاباً من "بيغل" لإخضاعها لعملية سحب الدم تحت أنظار زملائه اللامبالية. فما كان من حزب العمال في الحملة إلا أن سحب من مختبر هنتنغدون مساهمته في صندوق التعويضات فيما فسخ بعض زبائن المختبر عقودهم معه. كما صرف موظفان وحوكما أمام القضاء وعلقت السلطات لمدة ستة أشهر الإجازة التي تسمح للمجموعة بالقيام بالتجارب على الحيوانات. كما أقيل فريق الإدارة وعين السيد براين كاس، المدير السابق لمختبر كوفانس مديراً للشركة.
وقد فتحت لنا مختبرات هنتنغدون أبوابها. وخلال زيارتنا بدا أن الكلاب تعامل بالطريقة الصحيحة، وقد سارعت إلينا لنداعبها. لكن أحدها كان يرتعد خوفاً عندما اقتربنا منه... أما أقفاصها فكانت نظيفة يتصل كل اثنين أحدهما بالآخر لكي تتمكن من العيش معاً. وكان يحق لكلاب البغل بنزهة يومية لمدة نصف ساعة... في أحد الممرات. وقد أظهر العاملون في المختبر كل لطافة لكن هذه المراعاة تبقى نسبية تماماً، فيومياً يجرعونها بعض المواد مخلوطة بطعامها أو عبر قناع ضخاخ. وباستثناء بعض الحالات فإنها تخدر من أجل إجراء فحوصات "تموت بعدها". وخلال حياتها لم يتسنَ لها قط أن تركض في حقل ما. ويقول عالم وفد إلى المكان بعد فضيحة 1997: "بطبيعة الحال أنها لم تطلب أبداً أن تكون هنا". ويؤكد: "لكننا نعاملها بالطريقة الفضلى. وفي كل الأحوال فان التأثيرات العيادية للضغط النفسي تكذب نتائج الاختبارات. ولا أحد هنا يحب أن يستخدم الكلام كمادة تجارب، لكن ليس هناك حل بديل".
ويشرح أحد الباحثين: "نحن نطور استخدام الخنازير الأقزام لاستبدالها بالكلاب" ويضيف أحد المسؤولين: " لكننا نملك معطيات أكثر عن كلاب البيغل التي استخدمت في الأبحاث منذ ستينات القرن الماضي". ويقلل السيد كاس من شأن المعاناة الناتجة فيقول: "يقتل سنوياً 750 مليون حيوان من أجل التغذية مقابل ثلاثة ملايين من أجل الاختبارات. وكل هذا مفهوم تماماً من الناحية الحضارية، فالكلاب تستخدم للطعام في كوريا، أما في بريطانيا فهناك صناديق تبرع لتأمين رفاهية جياد الخيل الأصيلة أكثر من صناديق مساعدة الأيتام. كما أن شروط الاختبارات هنا أفضل بكثير مما هي عليه في فرنسا!". وتحظر لندن منذ العام 1997 الاختبارات على الحيوانات من أجل تصنيع المستحضرات التجميلية بعكس باريس حيث نفوذ شركات تصنيع هذه المستحضرات.
لكن بعض التسريبات كشفت عن تجارب اتصفت بوحشيتها ارتكبتها مختبرات هنتنغدون، مثل هذه الغازات المسماة (CFC) التي جربت على الكلاب في العام 2003 وذلك بعد 15 عاماً من حظرها[5]. أو وبحسب مصادر مطابقة، تلك التجربة على دواء للعظام بناء على طلب شركة يابانية، ومن أجل ذلك كسرت سيقان 37 كلباً...
وتؤكد مختبرات هتنغدون أن القانون يفرض إجراء التجارب على جنسين من الثدييات قبل إنزال الدواء أو المنتجات الصناعية إلى الأسواق، وتجرى غالباً على الفئران والكلاب، وذلك تفادياً لأي انعكاسات سلبية على الإنسان والبيئة. لكن الحقيقة تبدو أكثر تعقيداً. فقد علق مصدر في وزارة الداخلية على "القانون الطبي" Medecine Act (1968) المستوحى من كارثة دواء التاليدوميد[6]: "إن القوانين لا تفرض التجارب على الحيوانات إذا أمكن جمع المعطيات الموثوق بها بوسائط أخرى. وهناك افتراض قوي خاطئ بأن التجارب على الحيوانات هي ربما مرحلة إلزامية لإنزال المنتجات الفعالة والأكيدة للاستهلاك البشري". إذن فرضية قوية، احتمال، إنما ليس مسلّمة علمية. ويقدم معارضو التشريح على الحيوانات الحية أمثلة حيث بعض العقاقير ولدت تأثيرات جانبية على الإنسان لم يظهر أي منها على الحيوان، وبالعكس[7].
إن السيد روبرت كومبس هو المدير العلمي لصندوق استبدال الحيوانات في التجارب الطبية (Frame فرايم). وتفتش فرق عمله عن حلول بديلة للتجارب على الحيوانات من أجل إلغائها على المدى المتوسط، وذلك بتمويل من جمعيات الدفاع عن الحيوانات كما من شركات تصنيع الأدوية، مما جعل من فرايم "هدفاً شرعياً" لجبهة تحرير الحيوان. يرى البروفسور كومبس أن الضرورة المفترضة لإجراء التجارب على الحيوان فيها الكثير من "الذهنية العلمية المحافظة"، ويقول: "إن الأبحاث الجوهرية لا تهتم لإيجاد البدائل. وهكذا نجد إن الامكانات الضخمة للنمذجة المعلوماتية لا يزال تطويرها متأخراً". فالضرورة هنا اقتصادية بامتياز، ويوضح أن "التجارب على الحيوان في اليابان وفي الولايات المتحدة إلزامية". ويؤكد مصدرنا في وزارة الداخلية أن "الشركات تريد أن تبيع منتجاتها في مناطق اقتصادية متعددة وهي تضع تجاربها على هذا الأساس". ويضيف البروفسور كومبس: "إن التجارب على الحيوانات سهلة التحقيق فيما البدائل ليست أولوية وهي التي لا تحظى بالتمويل اللازم".
وتقوم مصانع الأدوية بحملة حول "الضرورة المؤسفة" لإجراء التجارب على الحيوانات الحية، لكنها تبدو مقترة جداً ساعة الحاجة إلى الاستثمار في المشاريع البديلة منها. فهنتنغدون تقدم إلى فرايم مساهمة رمزية تحرص على الترويج لها إعلامياً. فالصحة هي صناعة، وهنتنغدون هي مقاولة من باطن مع شركات تعمل بمنطق الربح الذي يقوم على إنزال دواء إلى السوق العالمية بأدنى كلفة مع ضمان قانوني إذا طرأ ما هو غير متوقع على الصحة البشرية أو على البيئة.
وفي أوساط ميليشيا المدافعين عن الحيوان في وجه تشريح الحي منه أصبحت هنتنغدون الرمز المطلوب القضاء عليه. وتنشر الجمعية المشتركة "شاك" ( SHAC الأحرف الأولى من حملة بمعنى "أوقفوا مجزرة هنتنغدون بحق الحيوان" Stop Huntingdon animal cruelty) على موقعها على الانترنت[8] أسماء الشركات المتعاونة مع مختبرات هنتنغدون وتدعو جمهورها إلى "التصرف" عبر البريد الالكتروني والفاكس والاتصالات الهاتفية ثم التجمع أمام المكاتب مع صور كلاب مقطعة. ثم تأتي في ما بعد التظاهرات الليلية أمام منازل موظفي الكادر في هنتنغدون وأحياناً اللجوء إلى أعمال العنف ضد الممتلكات والأشخاص... لأن عناوين الموظفين منتشرة على الشبكة. وبالعكس فان جبهة تحرير الحيوان و"شاك" رسمياً "لا تشجعان الأعمال غير الشرعية ولا تحضان عليها" مع أن المسؤول عن الجمعية المشتركة السيد غريغ آفري نفسه قد حوكم مرات عديدة لأنه لجأ إلى هذه الأعمال.
وفي لقاء معه في شارع أوكسفورد في لندن وفيما كان يقوم بحملة تواقيع على العرائض ويجمع الهبات لـ"شاك" يروي السيد آفري: "لقد بين لنا إغلاق هيلغروف [مزرعة لتربية قطط المختبرات اضطرت إلى الإفلاس في العام 1999 كيف يمكن تحقيق الهدف عبر استهداف المساهمين". فمساهمو هنتنغدون عندما تعرضوا للمضايقات وخافوا على طمأنينة موظفيهم سحبوا رساميلهم واحداً تلو الآخر ومنهم باركليس و "أتش.أس.بي.سي." وأوراكل وميريل لينش...
وفي كانون الثاني/يناير عام 2001 دفعت الضغوط مصرف "رويال بنك اوف سكوتلاند" إلى الانسحاب أيضاً من مختبرات هنتنغدون بعدما أنقذ في اللحظة الأخيرة من الإفلاس على يد شركة مستثمرة أميركية هي "ستيفنس غروب". وفي العام 2002 حاولت هنتنغدون أن تضلل شاك بمغادرتها المدينة وبنقلها تسعير أسهمها إلى سوق ناسداك في نيويورك حيث تبقى أسماء المساهمين مغفلة. لكن هذه المرة كان مكتبها الاستشاري للمحاسبة، ديلويت أند توتش، هو المستهدف مما اضطره إلى وقف تعامله معها... وبعد فترة قامت بالخطوة نفسها شركة التأمين التي تغطيها مما أجبر الدولة البريطانية على تأمين المختبر مباشرة. ويتعرض زبائن المختبر اليابانيون للمضايقات في لندن وطوكيو والسويد وسويسرا وإيطاليا...
ليل 25 أيلول/سبتمبر عام 2003 دمر في كاليفورنيا هجوم بقنبلة أعلنت مسؤوليتها عنه "الخلايا الثورية" مكاتب أحد الزبائن اليابانيين لمختبرات هنتنغدون. فانتقل وزير العلوم البريطاني، اللورد سنسبوري إلى طوكيو ليطمئن مصانع الأدوية. وقد تحدثت أوساط الأعمال في لندن عن "إرهاب الاستثمار" الذي يهدد قطاع الأبحاث وعرضت مكافأة للحصول على معلومات تبين تورط "شاك". ولنجدة البورصة كتبت صحيفة "ذا فاينانشل تايمز": "إن مجموعة صغيرة من الناشطين نجحت حيث فشل كارل ماركس وزمرة بادر ماينهوف والألوية الحمر".
ويروي السيد كاس أن مختبرات هنتنغدون حصلت مقابل "حوالى مئة ألف استرليني" على أمر مدني بمنع المتظاهرين من الاقتراب من مقراتها ومن منازل موظفيها. وهذا ما فعله زبائنها. وقد التفت "شاك" على هذا العائق وباتت تتوجه إلى "أهداف ثانوية" حيث تضاعفت أعمال العنف (46 حادثاُ في الفصل الأول من العام 2004). وخلال أربعة أشهر كانت 22 شركة قد فسخت عقودها مع هنتنغدون. والبعض لم يعد له إلا علاقات واهية بالمختبر مثل شركة التاكسيات التي تنقل الكوادر والزبائن. وقد أحصى السيد مارك ماتفيلد 400 شخص مستهدفين وهو يحاول أن يجمعهم ضمن جمعية للضحايا. "فالبعض يعاني إنهيارات عصبية وهناك عائلات تشعر بالرعب". ويطالب السيد جوناثان دجانوغلي، نائب هنتنغدون المحافظ بعملية قمع أشد على غرار تلك المعتمدة مع الهوليغنز، وقد أعلن لنا أن "هؤلاء الإرهابيين يتعرضون لمبادئ الديموقراطية".
وتفضل حركة تحرير الحيوان أن تطلق على تصرفاتها صفة "الديموقراطية التشاركية" في مواجهة جمود الديموقراطية التمثيلية. ويذكر السيد ميل براوتون الذي أسقط مختبرات كامبريدج أن "حزب العمال الجديد كان قبل فوزه في انتخابات العام 1997 قد أكثر من الوعود للمدافعين عن الحيوان. لكنه حنث بها. وقد استسلم باري هورن للموت جوعاً لكي يذكر بلير ببرنامجه. فالسياسيون مرتبطون جداً بالأوليغارشية مما يعيق تصرفهم، فالحركة الشعبية المباشرة تسمح بفرض أجندة سياسية عليهم". ففي مواجهة مجموعات الضغط الصناعية تفرض أعمال المدافعين عن الحيوان تأثيرها على القرارات السياسية. والسيد ماتفيلد نفسه يقر بأن "تظاهراتهم الشرعية قد ساهمت في تحريك الحوار وجعلت البلاد تعتمد في العام 1986 القانون الأكثر تشدداً في العالم حول التجارب على الحيوانات". وفي حركة متزامنة تستعد لندن للتشدد في قمع "المحاربين البيئيين" وتعد بإنشاء مركز وطني كبير للأبحاث حول البدائل من التجارب على الحيوان.
في بلد يتعزز فيه نظام الحزبين ويبقى البديل الانتخابي محصوراً في الخيار بين حزب العمال الذي أصبح نيوليبيرالياً مع السيد توني بلير وبين يمين متطرف وارث محافظي السيدة مارغريت تاتشر، هناك شرائح من الرأي العام تعاني من انعدام تمثيلها. وفي هذا المعنى فان الأعمال، غير العنفية، لأنصار البيئة المدافعين عن الحيوان تبين أن من الممكن العمل على تحريك الديموقراطية البرلمانية البريطانية، ثم الدفاع عن قضية نبيلة.
* صحافي.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . فيلم من إخراج تيري غيليام(1995) مستوحى من فيلم قصير بعنوان "الرصيف"( La Jetée) لكريس ماركر. مثله بوس ويليس وبراد بيت.
[2] . هناك أربعة ملايين بريطاني من النباتيين(végétariens) ، وحوالى 000 250 من النباتيين المتشددين(végétaliens) الذين لا يستهلكون ولا يستعملون أي منتجات مصدرها الحيوان مثل اللحوم والبيض والحليب والزبدة والأجبان والجلد والصوف...
[3] . ما يزيد عن 121 مليون يورو. الليرة الاسترلينية تساوي 1.51 يورو.
[4] . وفيها يفتح قحف رأس القرود وهي واعية وتعلق على دماغها أطراف الأسلاك الكهربائية (الكترود) بغية دراسة عمل الخلايا العصبية لمدة ست ساعات في اليوم على مدى خمسة أيام في الأسبوع. ومؤيدو هذه التجارب يتذرعون بالتشابه بين الإنسان والقرد، ويرد معارضوهم بأن هذا التقارب نفسه يجعل هذه الآلام غير مبررة أخلاقياً.
[5] . صحيفة "ذو اوبسرفور في 20/4/2003.
[6] . تسبب هذا الدواء بكارثة صحية في العام 1957. فقد وصف للنساء الحوامل وأدى الى ولادة آلاف الأطفال بدون أذرع. فرأى معارضي تشريح الحيوانات حية في ذلك دليلاً على لاجدوى الاختبارات التي لم تبين شيئاً على الحيوانات، وبالعكس فان مؤيدي هذا التشريح عبروا عن أسفهم لأن عدد التجارب على الحيوانات لم تكن كافية.
[7] . يمن أن تقرأ على الشبكةwww.experimentation-animale.org بدائل عن تشريح الحيوانات الحية مثل زرع الخلايا البشرية أو خلق حالات مماثلة على الكومبيوتر الخ.
www.shac.net/resources/links.html [8] . جميع الحقوق محفوظة 2004© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
#سيدريك_غوفرنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ثورة الشعب- الماوية في النيبال الجدد
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
-
قرار المحكمة الجنائية الدولية: هل يكبّل نتانياهو؟
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|